- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2021-09-22
جريدة الراية: ما بين طالبان أفغانستان
وثورة الأمة في الشام
اجتاحت أمريكا أفغانستان في تشرين الأول/أكتوبر عام 2001 للإطاحة بحكم طالبان، التي اتهمتها بإيواء أسامة بن لادن وشخصيات أخرى في تنظيم القاعدة مرتبطة حسب زعمها بهجمات 11 أيلول/سبتمبر، وبعد عشرين عاما ها هي أمريكا تنسحب من أفغانستان عبر اتفاق عقدته مع حركة طالبان حسب ما ورد وتحت قيادة أخوند زاده وقعت طالبان اتفاق سلام تاريخي مع أمريكا في قطر في 29 شباط/فبراير 2020 ووصف أخوند زاده الاتفاق بأنه "انتصار كبير" للجماعة.
وقد صرح الرئيس الأمريكي جو بايدن بدعوة طالبان لفعل أمر مهم ليتم الاعتراف بها. ويؤكد أن الخطر في سوريا أكبر بكثير مما في أفغانستان حيث قال بايدن: "لا أعتقد أن طالبان تغيرت لكن الخطر في سوريا أكبر بكثير". (روسيا اليوم)
نعم إن الشام هي أخطر بكثير من أفغانستان لأن في الشام ثورة شعب خرج ينادي "هي لله هي لله" و"لن نركع إلا لله"، خرج في منطقة تعتبر من أهم المناطق على مستوى العالم سياسيا واقتصاديا واستراتيجيا ودوليا وإسلاميا؛ وصفها الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام "الشام عقر دار الإسلام"، وشواهد كثيرة على أهمية هذه المنطقة في قلوب المسلمين. وسياسيا تحاط بكيانات وأنظمة هزيلة مترنحة يتململ أهلها من حكامهم، لذلك لا غرابة لهذه الحرب الشرسة التي تشن على أهلنا في الشام من القاصي والداني.
فنجاحها هو سقوط هذه الأنظمة المترنحة وبداية تغيير لوجه العالم أجمع، وهذا ما عبر عنه وشرحه السيناتور الأمريكي ريتشارد بلاك، في تصريحات تلفزيونية، "الأسباب الحقيقية" لرفض الغرب سقوط بشار الأسد ونظامه في سوريا، التي تتمثل بخوفها من أن "ترفرف راية الفزع السوداء والبيضاء للدولة الإسلامية فوق العاصمة السورية دمشق"، وما سيمثله هذا من تهديد على أمن أوروبا. (عربي21)
في المقابل تحاط أفغانستان بدول مثل الصين وروسيا وإيران وباكستان وغيرها من الدول، وهذه من الصعوبة بمكان أن تشكل تهديدا حقيقيا للغرب ولو تسلمت طالبان قيادة أفغانستان وأقامت إمارة إسلامية فمن السهل جدا حصارها وضبطها والتضييق عليها، وقد تحدث في ذلك وزير الخارجية الألماني عندما قال: إذا سيطرت "طالبان" وطبقت الشريعة الإسلامية فلن نمنح أفغانستان "سنتا واحدا" (روسيا اليوم)
عدا عن الاختلاف الواضح بين البلدين؛ ففي أفغانستان هناك حركة عسكرية مجاهدة تقاتل الأمريكان كعدو مباشر بينما في الشام هناك شعب انتفض يريد التغيير والحكم بالإسلام ومنه وجدت فصائل عسكرية تقاتل النظام بغية إسقاطه والخلاص منه، والذي تدعمه كل أنظمة العالم منعا لوصول ثورة الشام إلى هدفها.
وقد رأينا كيف خاضت فصائل ثورة الشام قبل أن تتمكن يد الداعم منها، معارك كثيرة انتصر فيها الثوار انتصارا ساحقا، لكن هذه الفصائل العسكرية عندما تركت مهمتها الأساسية ألا وهي القتال وخوض المعارك ضد النظام المجرم وأزلامه وأشياعه وتوجهت إلى حكم المناطق وإدارتها فشلت فشلا ذريعا في ذلك جميعه بدون استثناء.
وقد كان الناس أيام المعارك يطيرون فرحا عندما يرون أبناءهم المقاتلين من الثوار في أحيائهم، وصاحب الحظ من يستضيف ثائرا عنده فيطعمه ويؤويه ويحميه في بيته، بينما عندما تسلمت الفصائل إدارة المناطق وتخلت عن مهمتها التي سبق وأعلنت عنها بأنها لمقاتلة النظام المجرم وإسقاطه وانحرفت عن أهدافها وبدأت تمارس التسلط والقمع على حاضنتها، انفض الناس عنها وفقدت هذه الفصائل العسكرية شعبيتها وحاضنتها عندما رأت في حكمها وإدارتها للمناطق كل الفشل والظلم والقهر الذي ليس في واقعه سوى امتداد الظلم والاستبداد الذي ثار الناس ضده.
نعم إن الفصائل العسكرية بقوتها تختلف عن القيادة والإدارة والسياسة؛ فالقوة شيء والقيادة ورعاية الشؤون شيء آخر مختلف تماما. إذ سهل جدا على المجاهد أو الفصيل أن ينتصر في معركة، ولكن من الصعب جدا أن يحكم هذا الفصيل بلدا ما أو أن يرعى شؤونه لأنه ببساطة يخالف الأحكام الشرعية ويخالف حتى السنن الكونية التي وضعها رب العزة ليسير عليها البشر في هذه الأرض.
فالقوة تكون بيد السلطان الذي تلزمه أحيانا ليتمكن من تطبيق مشروعه ورؤيته وأحكام دستوره ولكن هذه القوة إذا حلت محل السلطان فإنها تتحول إلى استبداد وجبروت وقهر للناس.
فالوعي السياسي والمشروع الواضح المفصل في كل مجالات الحياة وحتى معرفة قواعد السياسة الدولية والمتحكمين فيها وغير ذلك هو أمر مطلوب بل هو أساسي عند القائد والحاكم الذي يتوسد أمور الناس، وهذا ما لا نجده عند المقاتلين والمجاهدين كما هو الحال عند ثوار الشام الصادقين، فما بالك بقيادات مصنعة أو مرتبطة ارتبطت مع الدول وأصبحت أداة طيعة بيدها؟
وها هم إخواننا في طالبان قد منّ الله عليهم بنصر عظيم على رأس الكفر والإجرام أمريكا تمثل في جهاد استمر نحو عشرين سنة ذاقت فيها أمريكا طعم الذل والهزيمة، فهُزمت وهي الدولة الأولى في العالم عسكريا في ساحات الجهاد والقتال، ولكن علينا أن ندرك أن صراع رأس الكفر أمريكا وحلفائها مع الإسلام والمسلمين هو صراع أبدي، لذلك ستحاول أن تنقل الصراع إلى ساحتها السياسية التي تبرع فيها بمكرها وخبثها ودهائها، فعقدت مع طالبان اتفاقاً في شباط الماضي من هذا العام لحفظ ماء وجهها ولإبقاء باب الصراع على المستوى السياسي مفتوحا لها.
لذلك فإن عدم الوعي السياسي وامتلاك المشروع وعدم العمل على تغيير قواعد السياسة السائدة سيجعلها تقع في مطبات كثيرة تنصبها لها عدوة الإسلام والمسلمين أمريكا؛ وأولها أن تحرق حركة طالبان شعبيا عبر مشاركتها بالحكم وتوليتها حكم أفغانستان بمشاركة عملائها من حامد كرزاي إلى رئيس المصالحة عبد الله عبد الله وحكمتيار وغيرهم من الشخصيات الذين سيكونون أداة بيد أمريكا ليوقِعوا إخواننا في طالبان في شباكهم ومؤامراتهم فيصير حالها حال فصائل الشام!
نعم إن الشام هي أخطر من أفغانستان لأن أمريكا تجابه شعبا وليس فصيلا يمكن الالتفاف عليه وخداعه، وقد حاولت طوال عشر سنين من عمر الثورة أن تخدع هذا الشعب وتلتف عليه ولكن ستتكسر كل مكائدها ومؤامراتها على صخرة الوعي الذي يشتد صلابة يوما بعد يوم بإذن الله، وقد سقطت قياداتها العسكرية والسياسية التي وضعتها لتنهي هذه الثورة أو تحرف مسارها فبقيت شامخة متحدية كلها إصرار على المضي والسير على الجمر باتجاه إسقاط النظام المجرم وإقامة حكم الإسلام على أنقاضه، وهذا لن يكون إلا بقيادة سياسية مخلصة تملك مشروعا إسلاميا واضحا مستنبطا من كتاب الله وسنة رسوله لتوجه هذه القيادة كل الإمكانيات والقدرات نحو دمشق لتسقط النظام المجرم، وتقيم حكم الإسلام لكل المسلمين، وإن هذا الأمر قادم لا محالة ونراه رأي العين.
﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيباً﴾
بقلم: الأستاذ شادي العبود
المصدر: جريدة الراية