- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2024-02-07
جريدة الراية: الأزمة في ولاية تكساس الأمريكية.. أسبابها وتطوراتها
(وفق تقرير نشرته صحيفة التلغراف، اتهم أبوت حاكم تكساس، الرئيس بايدن، بأنه رئيس "خارج عن القانون"، واستحضر حق الولاية في "الدفاع عن النفس"؛ على طول حدودها مع المكسيك. وقال: "إن حكومة الولايات المتحدة تنتهك واجبها الدستوري المتمثل في إنفاذ قانون الهجرة، وسط ازدياد أعداد المهاجرين عبر الحدود الجنوبية الغربية لأمريكا". وقال حكام الحزب الجمهوري الـ25 في بيان مشترك: "نفعل ذلك جزئياً؛ لأن إدارة بايدن ترفض تطبيق قوانين الهجرة الموجودة بالفعل، وتسمح - بشكل غير قانوني - بالإفراج المشروط الجماعي في جميع أنحاء أمريكا عن المهاجرين الذين دخلوا بلادنا بشكل غير قانوني"...كما تعهد كثيرون بتزويد تكساس بموارد إضافية؛ حيث عرض حاكم ولاية ساوث داكوتا، كريستي نويم، وحاكم ولاية أوهايو، مايك ديواين، بدفع قوات الحرس الوطني في ولايتيهما إلى تكساس). (جريدة الشرق الأوسط، 2024/2/2)
وفي مقابلة مع شبكة فوكس نيوز 2024/1/26 أعلن حاكم ولاية أوكلاهوما كيفن ستيت أنه سيرسل الحرس الوطني في ولايته لمساعدة ولاية تكساس في مشاكل مراقبة الحدود على طول الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك؛ وقال: "هذا مجرد منطق سليم في تكساس، هناك 28 منفذ دخول، وينص القانون الفيدرالي بالفعل على أنه من غير القانوني الدخول إلى أي مكان غير نقاط الدخول هذه". وقالت جمعية الحكام الجمهوريين في بيان مشترك: "نحن نتضامن مع زميلنا الحاكم، جريج أبوت، وولاية تكساس في استخدام كل أداة واستراتيجية، بما في ذلك الأسوار الشائكة، لتأمين الحدود".
فما هي حقيقة هذه الأزمة؟ وهل لها ارتباط بالانتخابات الأمريكية القادمة، والتنافس بين الحزبين الكبيرين؟ وهل يمكن أن تتطوّر لتؤدي إلى شرخ في المجتمع الأمريكي يُقدم لموضوع انفصال بعض الولايات مستقبلا؟
قبل أن نذكر حقيقة هذه الأزمة المستجدة، وما يكتنفها من حيثيات؛ نريد أن نعرج قليلا على طبيعة المجتمع الأمريكي، وحقيقة النزاعات المتأصلة والقابلة للانفجار في أي وقت. فهناك حقائق تتعلق بطبيعة تركيبة المجتمع الأمريكي تختلف عن باقي المجتمعات والدول، وهذه الحقائق تبذر أسباب الشقاق والنزاع والكراهية بين أبناء المجتمع الأمريكي، وبين الولايات المتعددة، بصورة دائمة ومتجدده. من هذه الحقائق:
1- تاريخ أمريكا الدموي أثناء تكوين الولايات المتحدة: فالمعروف بأن أمريكا قامت كمستعمرات أوروبية بعد ما يسمى باكتشافها سنة 1492م، وحصلت حروب وثورات بين الأمريكيين الجدد وبريطانيا. وظلت الحروب حتى سنة 1781م؛ حيث انتصر الأمريكان على بريطانيا، واضطروها لتوقيع معاهدة باريس سنة 1783م.
2- الحروب الأهلية بسبب النعرات العرقية في أمريكا: ففي سنة 1861م؛ حصلت الحرب الأهلية وهي ما تعرف بحرب الشمال والجنوب؛ حيث انفصلت عدة ولايات من الجنوب، وشكلت حلفاً فيما بينها ضد الشمال، وانتهت هذه الحرب سنة 1865م بإعلان لينكولن؛ المناهض للعبودية، وهو ما يعرف بمحرر الرقيق. وقد ذهب ضحية هذه الحرب حسب بعض الإحصاءات 620,000 جندي من كلا الطرفين.
3- طبيعة تشكيل المجتمع الأمريكي: حيث يتكون من قوميات عدة قامت على المطامع والجشع وجني الأموال. يقول الباحث الأمريكي جون هول: "تكشف الأحداث أن الأمريكيين يشعرون بهشاشة مجتمعهم، كما تسوده التناقضات والاضطرابات العِرقية والأخلاقية، وسيادة العُنصرية". وهذا ما يؤكده الاعتراف الأخير الذي صرح به وزير الدفاع الأمريكي في عهد ترامب مارك إسبر، حيث قال: "إن التمييز العنصري ظاهرة حقيقية في الولايات المتحدة". ويشير استطلاع للرأي، أجرته وكالة رويترز مع مؤسسة أبسوس سنة 2014، إلى أن "قرابة ربع سكان الولايات المتحدة؛ يؤيدون فكرة الانفصال بولاياتهم عن الاتحاد الأمريكي. وبين الاستطلاع أن الجمهوريين، وسكان الولايات الزراعية الغربية أكثر تقبلاً للفكرة".
4- الاختلاف الكبير بين الولايات في المستوى الاقتصادي: فالجنوب الأمريكي باستثناء ولايتي فرجينيا وفلوريدا، هو الأكثر فقرا في الولايات الأمريكية، وينتشر هذا الفقر خاصة في مناطق الريف. وقد أظهرت بعض البيانات والإحصائيات أن نسبة 14.5% من الأمريكيين، وأكثرهم يتركز في الجنوب؛ أي ما يعادل 45.3 مليون نسمة، يعيشون تحت خط الفقر البالغ 23.8 ألف دولار سنوياً لأسرة مكونة من أربعة أفراد.
وتقع تكساس جنوب غربي الولايات المتحدة، وهي ثاني أكبر الولايات مساحة بعد ألاسكا، وسكاناً بعد كاليفورنيا، وتلقب بولاية "النجمة الوحيدة"، للدلالة على وضعها السابق كجمهورية مستقلة، ويضم علمها وشعارها نجمة واحدة.
وكانت تكساس جزءا من المكسيك خلال الفترة من عام 1821 إلى عام 1836، حين أعلنت استقلالها، وحظيت باعتراف الولايات المتحدة نفسها، ودول أوروبية مثل بريطانيا وفرنسا، إلى أن انضمت عام 1845 إلى الولايات المتحدة. وتكساس اليوم مركز رئيسي لصناعة الطاقة، وموطن عدد من الشركات الكبرى، مثل إكسون موبيل، وإيه تي آند تي، وديل... وغيرها!!
وبناء على هذه المعطيات والحقائق نرى أن المجتمع الأمريكي عبارة عن خليط غير منسجم تماما، تحكمه الأهواء والمطامع المادية، وتتحكم فيه النعرات القومية حسب الأصول العرقية؛ سواء بين السود والبيض أو بين المهاجرين وغير المهاجرين، أو بين الأنجلو سكسون والأوروبيين الأوائل، وغيرهم من وافدين جدد إلى أمريكا. فقد أظهر استطلاع رأي أجرته وكالة أنباء رويترز سنة 2017 "أن 23.9% من الأمريكيين يُؤيدون أو يميلون لتأييد انفصال ولاياتهم عن الولايات المتحدة الأمريكية"، وفي دراسة للخبير الاقتصادي الروسي البروفيسور إيجور بانارين قال فيها: "الولايات المتحدة تتكون من ستة أجزاء كبيرة، وهناك أجزاء غنية وأخرى فقيرة؛ تسكنها تجمعات كبيرة، تعيش عالة على الأجزاء الغنية، وهناك ولاية تكساس الكبيرة الغنية التي تنتشر فيها الجماعات والتنظيمات التي تطالب وتناضل من أجل استقلالها عن الولايات المتحدة، منذ سنوات طويلة، وتفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية، سيفجر قضايا الاستقلال في هذه الأجزاء مرة واحدة".
إن مسألة منع المهاجرين عبر ولاية تكساس (بصورة قانونية) إلى داخل الولايات المتحدة ترتبط ارتباطا وثيقا؛ أولا بالنظرة العنصرية في المجتمع الأمريكي، وهي حقيقة متأصلة كما ذكرنا قبل أن تكون أمراً سياسيا لكلا الحزبين، فهذه هي طبيعة المجتمع الأمريكي. وترتبط ثانيا بمسألة الخلاف المتفاقم بين الحزبين الكبيرين والاتهامات المتبادلة.
وهذه الأزمة تتفاقم بشكل مستمر ومتصاعد، كلما اقترب موضوع الانتخابات والدعاية الانتخابية، ويستخدمها الحزب الجمهوري مع أمور أخرى اليوم كقنبلة موقوتة ضد الحزب الديمقراطي الذي يعارض منع الهجرة، ويسمح بها ضمن أطر وقوانين معينة تحكم أمريكا والولايات. وكلما اقتربت فترة الانتخابات ازدادت الأزمة، وباقي الأزمات المتعددة التي تؤثر في سير الانتخابات ونتائجها؛ خاصة أن أنصار ترامب ما زال في عقليتهم موضوع التزوير. ولا نبالغ إن قلنا إن هذا الأمر هو أكبر تهديد للولايات المتحدة منذ نشأتها، فهو أكبر من الحرب الأهلية التي حدثت سابقا لأن الحرب الأهلية وثقت الوحدة في النهاية، أما هذه فإنها توثق الانفصال.
وفي الختام نقول: إن طبيعة القوانين التي تحكم الولايات في أمريكا، وطبيعة عوامل الشقاق والنزاع المتأصلة فيه منذ نشأته وإلى اليوم، وما جرى وما زال يجري بين الحزبين الكبيرين من شقاق ونزاع، كل ذلك يهدد أمريكا بالتفكك، والأمور أشبه بكومة القش التي تحتاج إلى عود ثقاب ليشعلها؛ فتحرق الأخضر واليابس. وقد جرت حوادث بالفعل أكدت هذه الحقائق؛ فقد رفض عمدة نيويورك آندرو كوم في عهد ترامب الالتزام بأي أمر يصدره الرئيس بإنهاء إجراءات العزل العام بسبب كورونا في الولاية بطريقة غير آمنة. ورفض كذلك حاكم ولاية فرجينيا رالف نورثام طلبا من وزير الدفاع مارك إسبر، بإرسال ما بين 3000-5000 عنصر من الحرس الوطني في الولاية إلى العاصمة واشنطن بسبب احتجاجات السود سنة 2020. وهذا الذي يجري اليوم في تكساس يضاف إلى الرصيد السابق من الحوادث المتكررة والمتعددة.
إن النظام البشري، سواء في العلاقات بين الشعوب، أو بين الولايات، أو بين الرئيس والمرؤوس، يبذر أسباب النزاع والشقاق ويفرق ولا يوحد. وإن النظام الوحيد الذي يوحد الشعوب على اختلاف أعراقها وبلادها إنما هو فقط نظام الإسلام. قال تعالى: ﴿وَإِن يُرِيدُوا أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾.
بقلم: حمد طبيب – بيت المقدس
المصدر: جريدة الراية