- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2024-03-06
جريدة الراية: مؤشرات ودلالات دعوة غانتس إلى أمريكا
ذكرت صحيفة يديعوت أحرنوت اليهودية، في عددها الصادر بتاريخ 2024/3/3، تعليقا على زيارة بيني غانتس، عضو مجلس الحرب، لأمريكا: "إن زيارة غانتس إلى واشنطن لعقد سلسلة من الاجتماعات هناك، لم تُجدول بالتنسيق مع نتنياهو، الذي اعتبرها تجاوزا لمنصبه"، ونقلت الصحيفة عن مكتب نتنياهو "غضب رئيس الوزراء نتنياهو من سفر غانتس من دون موافقته، خلافا للوائح الحكومية التي تتطلب من الوزراء تنسيق رحلاتهم مع رئيس الحكومة، بما في ذلك الموافقة على السفر". وحسب مقربين من نتنياهو، فإن "رئيس الوزراء أوضح لغانتس أن (إسرائيل) لها رئيس وزراء واحد فقط". فما هي مؤشرات هذه الزيارة في هذا التوقيت، وما هي دلالاتها أيضا؟
إن هذه الزيارة تأتي في خضم أزمة متفاقمة بين أطراف الحكومة تجاه الحرب على غزة، وموضوع وقف الحرب ومشروع حل الدولتين الذي تطرحه أمريكا، وموضوع المساعدات الإنسانية والمحتجزين الأسرى اليهود والفلسطينيين. ونريد أن نقف على بعض الأمور التي تبرز عمق الأزمة بين الحكومة الأمريكية من جانب، وحكومة نتنياهو من جانب آخر، وكذلك عمق الأزمة بين أطراف الحكومة الائتلافية بين أعضاء الليكود، وبين أعضاء مجلس الحرب.
وقبل أن نتطرق إلى هذه الأمور بإيجاز نقول بأن توجهات نتنياهو السياسية تتبع سياسة المناكفات وإدارة الظهر لحكومة بايدن، ولا تتعاون معها في الترتيبات السياسية المطروحة، وهذا يبين توجهات نتنياهو نحو اليمين الجمهوري والإيباك اليهودي المتشدد تجاه القضايا السياسية البارزة مثل قضية حل الدولتين، وقضية التوسع الاستيطاني داخل الأراضي المحتلة سنة 67. وهذه الحكومة لها نظرة توسعية تجاه حدود كيان يهود، وظهر هذا الخلاف خلال زيارة نتنياهو لأمريكا بتاريخ 2023/9/23 أي قبل الحرب حيث عرض في الأمم المتحدة صورة دولة يهود ضمن الشرق الأوسط الجديد بما فيها غزة!!
أما بيني غانتس وزير الدفاع الأسبق فإنه يميل إلى توجهات أمريكا السياسية، وهو من الجناح المحسوب على أمريكا رغم وجوده في مجلس الحرب، وعدم وجوده في المعارضة مع لابيد. وقد ظهرت مواقفه السياسية المؤيدة لتوجهات أمريكا تجاه الحرب على غزة في مناسبات عدة انتقد فيها تصرفات نتنياهو في مواضيع عدة تجاه الحرب على غزة، منها تبادل الأسرى، واليوم التالي لما بعد الحرب، والحرب على لبنان.
وحسب استطلاع للرأي لصحيفة معاريف اليهودية فإن شعبية الوزير في مجلس الحرب بيني غانتس وحزبه "الوحدة الوطنية" وصلت إلى أن 52% من (الإسرائيليين) يعتقدون أن غانتس هو الأنسب لمنصب رئيس الوزراء، وأن 32% فقط من (الإسرائيليين) يعتقدون بأن بنيامين نتنياهو هو الأنسب لرئاسة للحكومة. وكشف الاستطلاع الذي أجراه معهد "لازار" أنه في حالة إجراء الانتخابات في كيان يهود اليوم، فسيحصل حزب الوحدة الوطنية على 40 مقعدا بالكنيست، مقارنة مع 12 مقعدا يمتلكها حاليا.
والحقيقة أن صورة أمريكا العالمية قد أصابها الوهن والضعف أمام تعنت حكومة نتنياهو بسبب الدعم الأمريكي؛ وأصبحت محل انتقاد شديد من منافسي بايدن من الجمهوريين. وهي تواجه أزمة فعلية، وليس أدل على ذلك من الانتقادات الشديدة التي وجهها أعضاء من الكونغرس، وحتى من الديمقراطيين تجاه إنزال المساعدات عن طريق الجو وعدم قدرة أمريكا بقوتها ونفوذها السياسي إدخال مساعدات إلى غزة، لدرجة أن أحد الدبلوماسيين السابقين قد شبه الأمر بضرب سفينة ليبرتي سنة 1967. فقد جاء في تقرير في صحيفة بوليتيكو: "إن قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن بإسقاط المساعدات الإنسانية جوا إلى قطاع غزة يكشف حدود النهج الأمريكي تجاه (إسرائيل)". وأوضحت الصحيفة: أنه عندما ترسل الولايات المتحدة طائرات عسكرية لإسقاط الغذاء والماء والدواء وغيرها من المساعدات للأشخاص المحتاجين، فإنها تفعل ذلك عادة في المناطق التي تحتلها "الجماعات الإرهابية" أو الأنظمة المعادية، وليس الحلفاء، في إشارة إلى قوات الاحتلال!! وذكر السفير الأمريكي السابق، روبرت فورد، أن الولايات المتحدة، التي ستقوم بعملية إنزال جوي للمساعدات على غزة، تتعرض لأسوأ إذلال من قبل (إسرائيل). وفي منشور على حسابه على "إكس" رأى أن "(إسرائيل) تهين الإدارة الأمريكية السابقة، ولكن بصرف النظر عن الغارة الجوية (الإسرائيلية) القاتلة عام 1967 ضد سفينة البحرية الأمريكية "ليبرتي"، إلا أن إجبار الولايات المتحدة الآن على القيام بإنزال جوي للمساعدات إلى غزة كما لو أن الولايات المتحدة ليست أفضل من مصر والأردن هو أسوأ إذلال (إسرائيلي) للولايات المتحدة رأيته في حياتي".
إن حكومة بايدن تواجه أزمة حقيقية بالفعل وليس أمرا مصطنعا، ولا بالاتفاق مع اليهود، فهي في فترة سبات انتخابي، وفي الوقت نفسه لا تريد توسيع دائرة الحرب للضغط على كيان يهود لاعتبارات عدة أبرزها أن المنطقة تطفو على برميل من البارود، ولا يمكن السيطرة على الأوضاع، ولا تريد حكومة بايدن في الوقت نفسه أن تخسر أصوات اليهود داخل أمريكا. لذلك فإن أساليب الضغط على كيان يهود ما زالت في دائرة الدبلوماسية، ولم تتجه نحو التأديب العسكري كما جرى في حرب تشرين الأول/أكتوبر 73 أو في حرب لبنان سنة 82.
إن حقيقة زيارة غانتس إلى أمريكا هي أنها تأتي ضمن هذه المقدمات والمعطيات السياسية للضغط على حكومة الليكود برئاسة نتنياهو، وربما تطور الأمر إلى انسحاب غانتس من هذه الحكومة ومن مجلس الحرب، كي تواجه غضب الشارع اليهودي وحدها، وتتزايد الضغوطات عليها من أجل تليين المواقف.
وإن ما يهمنا في هذا الجانب هو عمق الأزمة التي تواجهها حكومة اليهود، ومدى الشرخ في الشعب اليهودي من خلال توجهات الأحزاب السياسية تجاه الحرب على غزة، ومن جانب آخر امتداد المناكفات السياسية الأمريكية إلى داخل هذا الكيان والتأثير في سياساته.
إن هذه المؤشرات والمقدمات تشبه إلى حد كبير ما يجري داخل أمريكا من تشظٍّ وفرقة ومناكفات تؤثر على المشاهد السياسية، وهي تهدد بشرخ كبير داخل المجتمع اليهودي بما فيه الجيش، وليس فقط داخل الحكومة، تماما كما هو الوضع داخل أمريكا وأحزابها ولكن بصورة أخرى.
وفي الختام نقول: لقد توعد الله سبحانه الظالمين وأعمالهم فقال: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ﴾ وقال سبحانه: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾. والرسول ﷺ يقول: «إِنَّ الله لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وإن هذه نتائج ومقدمات لما بعدها من تشرذم هذا الظلم العالمي - على رأسه أمريكا وكيان يهود - فنسأله تعالى أن يعجل في نهاية هذا الشر، وبزوغ الخير ليعم وجه الأرض من جديد. قال تعالى: ﴿قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ﴾.
بقلم: الأستاذ حمد طبيب – بيت المقدس
المصدر: جريدة الراية