الإثنين، 12 ذو القعدة 1445هـ| 2024/05/20م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

Al Raya sahafa

 

2024-05-08

 

جريدة الراية: ما وراء إعلان "دولة القبائل" انفصالها عن الجزائر؟

 

 

 

أعلن فرحات مهني، رئيس الحركة من أجل استقلال منطقة القبائل بالجزائر المعروفة اختصاراً بـ"الماك"، مساء السبت 2024/04/20، بشكل رسمي عن قيام دولة القبائل وذلك أمام تجمع كبير للمنتمين للمنطقة قرب مقر الأمم المتحدة في نيويورك. واختارت حركة "استقلال منطقة القبائل" هذا التاريخ بعناية كبيرة خصوصا وأنه يرتبط بحدوث مظاهرات 20 نيسان/أبريل 1980 التي شهدتها منطقة القبائل والجزائر العاصمة، وعُرفت باسم "ربيع الأمازيغ"، حيث تم قمعها بشكل دموي من جانب الجيش الجزائري. كما يصادف هذا التاريخ "الربيع الأسود" عام 2001 الذي خرج فيه الآلاف من النشطاء في منطقة القبائل الأمازيغية للتظاهر ومطالبتهم بحقوقهم السياسية والثقافية، وهو ما واجهه الجيش والأمن الجزائري بالقمع الذي خلف مئات القتلى والجرحى والمعتقلين. وقال مهني، في كلمة ألقاها أمام مقر الأمم المتحدة أمام حشد كبير من الجالية القبائلية الموجودة في أمريكا الشمالية، "إن الوقت قد حان لولادة دولة القبائل، رسميا ونهائيا". (جريدة العرب اللندنية، 2024/04/21).

 

ولفهم أبعاد هذا الإعلان وخطورته، لا بد من العودة إلى جذور الفكرة ومن يقف وراءها، ولنستعرض ذلك كما يلي:

 

أولا: أسس فرحات مهني، الحركة من أجل تقرير المصير في منطقة القبائل (المعروفة اختصارا بـ"الماك") في فرنسا كردة فعل على أحداث "الربيع الأسود" عام 2001، وهي حركة قومية أمازيغية كانت تهدف في البداية إلى تحقيق الحكم الذاتي لمنطقة القبائل (شمال شرق الجزائر) والتي تعد من أكبر المناطق الناطقة بالأمازيغية في الجزائر. ومنذ 1 حزيران/يونيو 2010، نصب مهني نفسه (من مقره بفرنسا) رئيسا للحكومة المؤقتة لمنطقة القبائل، وظل لسنوات يوجه خطابه التحريضي إلى أهالي هذه المنطقة من الخارج، عسى أن ينجح في غرس بذور الفتنة القومية في بلده.

 

تطورت دعوته عام 2013 ليطالب بالاستقلال والانفصال التام عن الجزائر، ثم إلى رفع السلاح في وجه الدولة (بحجة الدفاع عن النفس) في خطاب له سنة 2018. بعدها شرعت السلطات الجزائرية بمطاردة واعتقال المنتمين لحركة "ماك" قبل أن تصنفها حركة إرهابية (في 18 أيار/مايو 2021) وتعلن عن مذكرة توقيف دولية في حق مهني (في 26 آب/أغسطس 2021)، كما صدرت في حقه عدة أحكام غيابية بالمؤبد في الجزائر، ومنذ 2021 صار فرحات مهني وتنظيمه غير مرغوب فيهما في فرنسا، حيث أكدت بعض المصادر الإعلامية ذلك على لسان مهني نفسه، ما دفع به إلى استكشاف وجهات لجوء أخرى يحتمي بها ليزاول نشاطه المعهود.

 

هذا وقد اتهمت الحكومة الجزائرية حركة "الماك" بالوقوف وراء حرائق الغابات المدمرة التي أودت بحياة 90 شخصا على الأقل بمنطقة القبائل في صائفة 2021.

 

ثانيا: في عام 2012، سافر مهني إلى كيان يهود، حيث التقى يوم 2012/05/21 بنائب رئيس الكنيست عن حزب الليكود داني دانون، وأعرب عن دعمه وتضامنه مع (إسرائيل)، وقارنها بالقبائل، ما أثار استنكارا جزائريا واسعا. وكان يؤكد في جل مداخلاته، على أن الأمازيغ لا علاقة لهم بالجزائر ولا بالعرب ولا بالإسلام، وأن أمازيغ القبائل، أو نصفهم على الأقل من أصول يهودية، من بينها القبيلة التي ينتمي إليها.

 

ومهني هذا، هو مغنّ أمازيغي تحول إلى ظاهرة صوتية بتغذيته للنعرة الأمازيغية في الجزائر، حتى ذاع صيته، فدخل عالم السياسة من باب الغناء و"الطرب"، ليعزف على وتر القومية ويحتكر تمثيل الأمازيغ مستفيدا من جرائم النظام في حقهم، ومع ذلك لم يكن له وزن سياسي ولا لحركته الانفصالية حاضنة شعبية. ولكن تواتر ظهوره في إعلام كيان يهود ومواقفه المعلنة والمنحازة إلى كيان يهود، ليس آخرها اصطفافه مع الكيان في أحداث طوفان الأقصى واتهامه لكتائب القسام بالإرهاب ورفعه لعلم كيان يهود في شوارع باريس، كل ذلك يُظهر أن البعد العقائدي والولاء السياسي لكيان يهود مقدم على مصلحة الأمازيغ أنفسهم، وأن حمل لواء الدفاع عن (الأقليات) الأمازيغية المضطهدة في الجزائر ليس سوى بوابة لإحداث شرخ في هذا البلد، وجعل منطقة القبائل المطلة على البحر الأبيض المتوسط موضوع تدخل أجنبي ومحل أطماع القوى الصليبية المتربصة وعلى رأسها أمريكا.

 

ثالثا: إن الإعلان الصوري عن قيام دولة جديدة داخل الجزائر ومحاولة إضفاء الطابع الرسمي على هذا الإعلان من خلال رمزية مقر الأمم المتحدة في نيويورك، مع انتحال صفة النضالية لهذا الاستقواء المخزي بالأجنبي، هو خطوة تصعيدية خطيرة سبقتها خطوات تمهيدية، توحي جميعها بأن من يرتمي في أحضان الكافر المستعمر مستعد للوصول إلى الحكم ولو على ظهر دبابة أمريكية.

 

بدأ الأمر بتوقيع عقد مع محامية أمريكية تنشط في المغرب وتعمل ضمن مجموعة ضغط (لوبي) من أجل محاولة كسب مؤيدين لحركة "الماك" داخل المؤسسات الأمريكية في العاصمة واشنطن، بحسب ما نشره موقع ميدل إيست آي البريطاني. حيث ذكر أنه تم توقيع العقد في 25 حزيران/يونيو 2023، مع المحامية إليزابيث مايرز التي قدمت وثائق التسجيل في وزارة العدل الأمريكية، وجاء فيها أن "أنشطة المحامية ستشمل تعزيز الصداقة الأمريكية مع القبائل، إلى جانب فهم المنطقة وشعبها وتأثير الحكومة الجزائرية على المنطقة".

 

ثم التقى فرحات مهني في 2024/04/27 بعدد من الشخصيات السياسية الأمريكية في واشنطن، لعل أبرزها المسؤول الأمريكي إليوت أبرامز آخر قلاع المحافظين الجدد والملقب بمهندس الحروب، والذي شغل في عهد بوش الابن منصب مدير سامي لشئون الشرق الأدنى وشمال أفريقيا بمجلس الأمن القومي، وهو من أشرس الجمهوريين دفاعا عن قيادة نتنياهو لكيان يهود، وأكثرهم رفضا لمعادلة (الأرض مقابل السلام). وهكذا وجه مهني رسالة ضمنية للجزائر بأن تصنيف حركته كمنظمة إرهابية لا يعيق مسار ارتماءاته المشبوهة.

 

وبتاريخ 2024/04/09، ظهر فرحات مهني على شاشة قناة آي 24 نيوز اليهودية والتي تواكب كل أنشطته ومستجداته، ليؤكد بأنه قام بمراسلة العاهل المغربي والإمارات وواشنطن وتونس وموريتانيا من أجل حشد الدعم والاعتراف بدولة القبائل وباستقلالها التام عن الجزائر.

 

من كل ما تقدم، يتبين أن "دولة القبائل" المزعومة، هي وصفة استعمارية وخطوة لإضعاف بلد صمد لفترة أمام مؤامرات أمريكا، فوجدت هذه الأخيرة ورقة ضغط جديدة ضد الجزائر، وجاء هذا الإعلان في أمريكا بمثابة بالون اختبار لردات الفعل المحلية والإقليمية والدولية، إذ لا يُعتقد أن يقدم أحد على هذه الخطوة دون علم البلد الذي يحتضنه. ومع أن هذا المخطط يتم تحت غطاء قومي أمازيغي، إلا أن الولاء السياسي لكيان يهود ولداعميه من صقور الإدارة الأمريكية، هو اللون الغالب عليه.

 

إن المطلوب اليوم، ليس الدفاع على صنم الوطنية وتماسكه كما تفعل السلطة ولا على تقسيمه إلى أجزاء قومية وعرقية مبعثرة كما يفعل خصومها، وإنما المطلوب هو الاعتصام بحبل الله ورفض فكرة التقسيم، ونبذ كل الدعوات والقومية والتبرؤ من أصحابها، وذلك بدافع إيماني ومنطلق شرعي، فهي دعوات حرمها الله ورسوله. روى أبو داود أن النبي ﷺ قال: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إِلَى عَصَبِيَّةٍ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ قَاتَلَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ مَاتَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ» وفي حديث آخر قال ﷺ محذراً من العصبية: «دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ» رواه البخاري ومسلم.

 

ختاما، فإن الحل لمنطقة شمال أفريقيا ولسائر بلاد الإسلام معلوم في دين الله، وهو الوحدة على أساس العقيدة والدين واستئناف الحياة بالإسلام في ظل دولة تطبق أحكامه وتحمل دعوته إلى سائر الأمم والشعوب بعد أن تلم شمل الأمة؛ دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، فهي الوعد والبشرى، وهي عنوان النصر والتمكين بإذن الله. قال تعالى: ﴿وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾.

 

 

بقلم: المهندس وسام الأطرش – ولاية تونس

 

 

المصدر: جريدة الراية

 

 

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع