- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2024-06-05
جريدة الراية: محاولة الانقلاب الجديدة في تركيا!
حقيقة أم خديعة؟
إن الانقلابات تحدث عادة في الدول عندما يكون للجيش سبيل على الحكم، أو أن تكون هناك صراعات بين قوى داخلية تريد أن تتغلب إحداها على الأخرى فتتسلط على الحكم لتفرض هيمنتها على غيرها، أو أن تكون للدولة نفسها أو لقوى فيها أو في الداخل ارتباطات أجنبية. فحدث أن تسلط محمد علي باشا على حكم ولاية مصر واستعان بفرنسا لتنصره على دولة الخلافة حتى تعترف له بأن يكون واليا على مصر. ولقب الباشا يعطى عادة للقادة العسكريين الكبار. وتسلط مدحت باشا على الحكم وقد ارتبط بالإنجليز فأسقط السلطان مراد الخامس. وكذلك تسلط أنور باشا وجمال باشا وطلعت باشا فأسقطوا الخليفة عبد الحميد الثاني. وارتبط الضابط مصطفى كمال بالإنجليز فهدم الخلافة بناء على أوامرهم لينصبوه رئيسا للدولة، وأقام جيشا مهمته الحفاظ على النظام الجمهوري العلماني بعدما ألغى مهمته وهي القيام بفريضة الجهاد، لأن هذا النظام لا يستند إلى الشعب فجعل الجيش الذي أسسه على أسس علمانية يحارب الدين وعودته إلى الحكم وارتبط ضباط الجيش بالإنجليز فأصبحوا يكنّون لهم بالولاء المطلق. فكلما رأوا أي تهديد للعلمانية أو للنفوذ البريطاني يدبرون عملية انقلاب كما حدث في أعوام 1960 و1971 و1980 و1997 ومحاولات فاشلة عام 2003 و2008 و2016 ضد حكم أردوغان الذي جعل تركيا تسير في فلك أمريكا.
ولذلك فإن فكرة الانقلاب ستبقى في عقول القوى المتصارعة في تركيا، خاصة لدى عملاء بريطانيا التي تعمل دائما على الحفاظ على نفوذها في مواجهة النفوذ الأمريكي وفي مواجهة محاولات الأمة التحرر من نفوذهما. فتُحرك عملاءها الذين يتعطشون للسلطة والاستبداد ويحقدون على من يريد تطبيق الشريعة الإسلامية ويشتاطون غضبا كلما صدعت حناجر المؤمنين بكلمة الخلافة التي هدموها، وليس لهم سند شعبي يمكنهم من أخذ الأغلبية، وأهل البلد غالبيتهم تؤيد من يكون قريبا للإسلام وبذلك صاروا يستغلون الإسلام كالموالين لأمريكا.
وجاء التحذير لأردوغان يوم 2024/5/14 بأن هناك محاولة انقلاب على غرار ما حدث يومي 17-2013/12/25 من حركة فتح الله غولن ضده في قضية التحقيقات بالفساد والرشوة التي طالت أبناء وزراء ومسؤولين في الحزب الحاكم وكادت تطول عائلة أردوغان ووصفها حينها بمحاولة انقلاب.
وجاء الحديث عن المؤامرة الجديدة بعد الكشف عن ارتباط 3 مدراء شرطة في أنقرة بعصابة مافيا يتزعمها أيهان بورا قبلان الذي اتهمته وسائل الإعلام بعلاقته بوزير الداخلية السابق سليمان صويلو. وذكرت أن أردوغان اجتمع مع صويلو وبحث معه المسألة.
تحدث حليف أردوغان رئيس الحركة القومية بهتشلي أمام مجموعته البرلمانية عن "مؤامرة مستمرة لا يمكن القضاء عليها بإقالة عدد قليل من رؤساء الشرطة.. والمستهدف هو تحالف الجمهور (حزبه وحزب أردوغان) وتركيا". وعقب حديث بهتشلي اجتمع أردوغان مع رئيس المخابرات كالين ووزير العدل تونتش لبحث الموضوع.
وأعلن وزير الداخلية علي يرليكايا إلقاء القبض على 544 شخصا مشتبها بهم بالانتماء لحركة غولن في 62 ولاية بتهمة التسلل إلى مؤسسات الدولة واستخدام تطبيق بايلوك للتواصل بينها كما كان وسيلة اتصال بين المشاركين من الحركة في محاولة انقلاب 2016. وهدد الوزير الذين يخططون لاستهداف الرئيس والحكومة ويتعاونون مع المنظمات الإرهابية والمافيا بضرب مخططاتهم.
إن الذي أثار الموضوع بهتشلي ويظهر أن له مصلحة في إثارته، وتصريحاته بأنه لا يكفي عزل 3 مسؤولين من الشرطة وأنه يجب أن تتم الملاحقة، فإنه يريد تصفية المزيد من المسؤولين في الشرطة ويريد التخلص من وزير الداخلية والإتيان بآخر ربما يكون مقربا منه. خاصة وأن أردوغان لم يدع وزير الداخلية عندما اجتمع مع رئيس المخابرات ووزير العدل، وخاصة أن الوزير لم يركز على المافيا، بل ركز على ملاحقة جماعة غولن. وقد أصبحت ملاحقة منتسبي هذه الجماعة تستعمل للتغطية على أمور أخرى، وهي أقل شأنا من أن تقوم بانقلاب. وقد اشترك منتسبوها مع عملاء أوروبا وخاصة بريطانيا في محاولة انقلاب 2016/7/15 للاندساس على هؤلاء العملاء ولتحقيق مصالح لهم. إذ إن هذه الجماعة لا تعمل إلا لمصالحها الذاتية، ولذلك تتعامل مع الأمريكان ومع الأوروبيين ومع اليهود.
فأردوغان وحزبه ووسائل الإعلام الموالية له لم تعمل على إثارة الموضوع وتضخيمه! من هنا يظهر أنه لا مصلحة لهم في إثارة الموضوع وأنه سيمس شخصيات في الحزب، مثل سليمان صويلو وزير الداخلية السابق، متهمة بعلاقتها مع المافيا، وأن الأمر ليس محاولة انقلاب وإنما هي تصفية حسابات ولتحقيق مصالح حزبية.
والشرطة ليست لها قدرات على القيام بانقلاب وإلا لقامت جماعة غولن سابقا بمحاولة انقلاب بعدما منحها أردوغان الهيمنة على الشرطة والأمن. وإنما اندست على عملاء الإنجليز في الجيش في محاولة الانقلاب عام 2016.
فالأحزاب والتنظيمات السياسية في تركيا تغلّب مصالحها الشخصية والحزبية على كل شيء، حتى مصالح البلد والشعب التي تتغنى بها تأتي في الدرجة الثانية أو الثالثة، فهي ليست مبدئية مع أنها تتبنى العلمانية وما ينبثق عنها من أفكار وأنظمة، ولكن تتبناها بسبب إفلاسها الفكري ومن أجل الوصول إلى الحكم ولتحقيق المنافع.
وطبعا هي ليست مبدئية إسلامية، إذ إن من يدّعي الإسلام لا يجوز له أن يؤسس حزبا يستند إلى العلمانية أو ينتسب إلى هكذا حزب أو ينتخبه، فذلك من الموبقات الكبرى. وإنما واجب عليه أن ينتسب إلى حزب سياسي قائم على أساس المبدأ الإسلامي فقط، يدعو لاستئناف الحياة الإسلامية وحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم عن طريق إقامة الخلافة الراشدة التي بشر رسول الله ﷺ بإقامتها، فنعم العاملون لها وحسن مآب.
بقلم: الأستاذ أسعد منصور
المصدر: جريدة الراية