الأربعاء، 25 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/27م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

Al Raya sahafa

 

2024-08-21

 

جريدة الراية: التوغل الأوكراني في روسيا

 

 

في تغير مفاجئ على الحرب الروسية الأوكرانية، بدأت القوات الأوكرانية منذ يوم 2024/8/6 بشن هجوم مضاد داخل الأراضي الروسية، فتوغلت في منطقة كورسك الروسية التي تبعد 530 كلم عن موسكو. وبعد عشرة أيام أعلنت أوكرانيا عن مزيد من التوغل في هذه المنطقة حتى وصل إلى 35 كلم وشمل 80 بلدة ومساحة 1500 كلم مربع.

 

وفي المقابل كثفت روسيا هجماتها في منطقة دونيتسك بشرق أوكرانيا لتستولي على بعض البلدات، علما أنها منذ عامين ونصف لم تتمكن من السيطرة على هذه المنطقة، وقد اضطرت إلى الانسحاب من خاركيف ومن نصف خيرسون.

 

وإذا تركز الاحتلال الأوكراني وتوسع فإن أوكرانيا ستعزز موقفها في المفاوضات لوقف الحرب وحل المشاكل بين البلدين، بأن يكون انسحاب أوكراني مقابل انسحاب روسي. فيكون ذلك مبررا لبوتين لينقذ نفسه وبلاده من الورطة التي تورط فيها، بأن يظهر تصرفه كأنه مقبول شعبيا وعالميا. وقد فعل مثل ذلك عندما هاجم كييف في بداية الحرب ولم يستطع دخولها ورأى أن قواته سيقضى عليها في الداخل الأوكراني وستجر إلى حرب شوارع في داخل المدن، ولا تقدر عليها الجيوش النظامية، فيخرج مهزوما ذليلا، فاحتال على الأمر، إذ دعا إلى مفاوضات في إسطنبول مع الجانب الأوكراني واستعد للانسحاب من كييف مدّعيا أنه حصل تقدم في المفاوضات، وأن أوكرانيا قبلت شروطه، وقد نفت الأخيرة ذلك، فانسحب من ضواحي كييف محاولا التغطية على هزيمته المحتملة.

 

ونقلت واشنطن بوست يوم 2024/8/16 عن دبلوماسي مطلع قوله "كانت هناك اتصالات سرية بواسطة قطر لإجراء مفاوضات فيها بين روسيا وأوكرانيا لوقف الضربات على البنية التحتية للطاقة والكهرباء وعلى أمل أن تتوسع لتشمل أمورا أخرى". ولكن أوكرانيا تصر على انسحاب روسي من كافة الأراضي الأوكرانية التي احتلتها منذ عام 2014، وروسيا تصر على أن تعترف أوكرانيا بهذه الأراضي أنها روسية. ما يعني أن وقف الحرب بعيد، إلا إذا أصبحت روسيا في وضع صعب ومحرج، مثل احتلال أراضيها وعدم قدرتها على إعادتها، ويتوجب إجراء انسحابات متبادلة. وقد أعلنت أوكرانيا على لسان هيئة أركانها بشكل صريح أن "هجومها يهدف إلى اقناع روسيا بإجراء عملية تفاوض منصفة عبر إلحاق هزائم تكتيكية كبيرة" (وكالة الأنباء الألمانية 2024/8/16)

 

ولهذا فالمرء يتساءل هل كان النجاح الأوكراني في كورسك واحتلال 80 بلدة وإعلان إقامة إدارة أوكرانية تدير هذه المناطق بتهاون متعمد من روسيا لهذا الغرض الذي ذكرناه، رغم قول بوتين "إن الهجوم استفزاز واسع النطاق"؟! واتهمت روسيا الغرب وأمريكا أنه وراء الهجوم، فنفت أمريكا ذلك. وقال باتروشيف أحد مساعدي بوتين: "إن التحالف العسكري الذي تقوده أمريكا والغرب ضالعان بشكل مباشر في التخطيط لهجوم أوكرانيا على منطقة كورسك الروسية.. وإن تصريحات أمريكا عن عدم تورطها في الهجوم غير صحيحة ولولا مشاركتها ودعمها لما غامرت كييف بالدخول إلى الأراضي الروسية" (إزفستيا 2024/8/16). واعتبر الأوروبيون الهجوم حربا مشروعة. وأعلنت بريطانيا على لسان وزارة دفاعها أن "القوات الأوكرانية يمكنها استخدام الأسلحة البريطانية في عملياتها داخل الأراضي الروسية دون استخدام صواريخ ستورم شادو بعيدة المدى". (الشرق الأوسط)

 

إذا تركز الاحتلال الأوكراني لأراض روسية فمن المحتمل أن تتجه المفاوضات والحلول نحو المطالبة بانسحاب روسي مقابل انسحاب أوكراني، وربما يخرج ذلك بوتين من مأزقه ويحفظ ماء وجهه، تطبيقا لمقولة لا غالب ولا مغلوب! ولكنه في المحصلة يعتبر هزيمة لروسيا لأنها لم تحقق أهدافها، بل العكس سيحدث، إلا إنه ربما يحفظ لبوتين البقاء في السلطة مع تضعضع الثقة به إلى حد كبير، ما يعزز مطامع الآخرين بالعمل على إسقاطه.

 

وإذا حصل اتفاق على تبادل الانسحاب، فربما ينقذ ذلك روسيا من مستنقع الحرب التي تستنزف قواها، وقد دخلت طريقا مسدودة، وإلا فعليها الانسحاب من شرق أوكرانيا بدون مقابل، ومعناه هزيمة روسيا الكبرى، وتداعياتها وخيمة إذا حصلت، إذ ستطال بوتين فتسقطه عاجلا أم آجلا وتسقط بلاده من الموقف الدولي كدولة كبرى عالميا وربما تؤدي إلى تمزيقها. وإذا جاءت إدارة جديدة وحلت محل إدارته، فإنها ستقدم التنازلات لترضي أمريكا والغرب، حتى تصل أمريكا إلى أن تطلب تفكيك الأسلحة النووية الروسية كما فككت أسلحة أوكرانيا النووية عام 1994 باتفاق مع روسيا نفسها بقيادة يلتسن الذي توافق مع أمريكا وقدم لها التنازلات لينال رضاها ودعمها، وكانت أوكرانيا تحت النفوذ الروسي. علما أن الروس لديهم غباء سياسي، كما لديهم عقدة نقص تجاه الغرب، فيسعون لأن يكونوا جزءا منه وينالوا رضوانه، فإذا سقط بوتين فسرعان ما يتجه خلفاؤه نحو الغرب وعلى رأسه أمريكا ويقدمون لها التنازلات.

 

والانتخابات الأمريكية على الأبواب والمرشح الجمهوري ترامب يغازل روسيا، ويقول إنه سيوقف الحرب في أوكرانيا. وليس من المستبعد أنه يتصل بهم عن طريق فريقه كما حصل واتصل بالسعودية ليجعلها لا تستجيب لإدارة بايدن في موضوع عدم خفض إنتاج النفط عام 2022 حتى ينجح الجمهوريون في الانتخابات النصفية للكونغرس. وسابقا، عام 1980، اتصل الجمهوريون برئاسة ريغان بإيران ليحولوا دون أن تطلق الرهائن الأمريكيين المحتجزين بسفارتها في طهران ووعدوها بالدعم بعد فوزهم، ولهذا سقط الديمقراطيون برئاسة كارتر. ومثل ذلك يقول ترامب إنه سيوقف الحرب في غزة، ويتصل برئيس وزراء كيان يهود نتنياهو بصورة علنية ليتفق معه على شيء معين ويفشل مساعي الديمقراطيين بوقف الحرب ليفوز في الانتخابات ومن ثم يوقفها لحساب يهود ولحساب نتنياهو.

 

ويلاحظ أن الروس ليست لديهم إرادة للقتال في أوكرانيا ولم يقتنعوا أن هذه الحرب حربهم، فيتهربون من الخدمة العسكرية والذهاب للقتال هناك. بجانب أن روسيا لم تجد لها حليفا دوليا كبيرا. فقد تهربت الصين من ذلك. وكوريا الشمالية ليست ذات وزن يذكر دوليا. وبيلاروسيا هي أصلا عالة على روسيا. وقس عليها دول آسيا الوسطى. حتى صربيا أختها السلافية الأرثودوكسية تهربت من التحالف معها ودعمها، ومالت إلى الغرب.

 

فالرأي العام الدولي ليس بجانب روسيا، فلم تنجذب الدول الأخرى إلى جانبها لترجح كفتها دوليا، وتنال دعمها، ولم تستطع أن تحوله لصالحها وتقنع الدول بمشروعية حربها. إذ إن الرأي العام الدولي مهم جدا لكسب الحلفاء والداعمين والمصطفين إلى جانبها بصورة علنية، ومن ثم كسب الحرب.

 

وما يهم المسلمين هو أن تعود دولتهم؛ دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، فيحملوا رسالة الخير إلى العالم لينقذوه من حروبه الشريرة ومن تعاسة الدنيا والآخرة.

 

 

بقلم: الأستاذ أسعد منصور

 

 

المصدر: جريدة الراية

 

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع