- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2024-12-18
جريدة الراية:
انتخابات أرض الصومال
إغراء غربي يزرع بذور الانقسامات والتوترات
(مترجم)
ذهب الناس في منطقة أرض الصومال إلى صناديق الاقتراع في 13 تشرين الثاني/نوفمبر 2024. وأعلنت لجنة الانتخابات الوطنية فوز عبد الرحمن محمد عبد الله، زعيم المعارضة هناك، بعد حصوله على 64% من الأصوات، متغلباً على الرئيس الحالي موسى بيحي عبدي من حزب كولميه. وجاء موسى، الذي كان يسعى إلى ولاية ثانية بعد سبع سنوات في منصبه، في مرتبة متأخرة جدا بنحو 35% من الأصوات.
وفي إشادة بالانتخابات، وقع "الشركاء" الدوليون، وخاصة من أوروبا وأمريكا، على بيان مشترك فور انتهاء الانتخابات جاء فيه: "يشيد الشركاء الدوليون بلجنة الانتخابات الوطنية لإجرائها عملية شفافة لتسجيل الناخبين وترشيح المرشحين ولجهودها المستمرة للحفاظ على الاستقلال... نود أن نهنئ سكان أرض الصومال على ممارستهم لحقهم في التصويت بسلام... نحن على استعداد للعمل مع أرض الصومال لتعزيز الديمقراطية والمساءلة في المستقبل". (صوت أمريكا)
وقد ورث الرئيس المنتخب حكومة تواجه تحديات كبيرة بما في ذلك مستوى غير مسبوق من الاستقطاب المجتمعي والتوترات والصراع بين العشائر في مناطق مثل صول في الجزء الشرقي من أرض الصومال. وهناك أيضاً قضية الاقتصاد ومعدل البطالة المرتفع خاصة بين الشباب. إن عبد الرحمن مثله مثل سلفه تماماً، سوف يجتهد لحماية مصالحه ومصالح أتباعه. وليس لديه سياسات ثابتة للقضاء على الفقر. علاوة على ذلك، فإن إجراء انتخابات بشكل مستمر في أرض الصومال ليس سوى محاولات من الغرب لإثارة المشاعر بشأن التغييرات لإحيائها وخداع الناس.
إن الرخاء في أرض الصومال وأماكن أخرى من العالم لا يمكن تحقيقه من خلال اعتراف الأمم المتحدة بها، أو من خلال إجراء انتخابات، لأن هذه سياسات استعمارية شرسة تضر بالشعب. إن الرأسمالية أغرقت الصومال كاملاً وكل البلاد الإسلامية في صراع دائم. وعلاوة على ذلك، فإن جوهر الانتخابات الديمقراطية ليس سوى عمل تجاري كبير للنخب القليلة التي تقرر قانون وسياسات أحزابها. إن نافذة التدخل الغربي في البلاد الإسلامية مثل الصومال ودولها المنفصلة مثل أرض البنط (بونتلاند) وأرض الصومال (صومالي لاند) هي الديمقراطية و"المخاوف الأمنية".
يبدو أن أوروبا وأمريكا لا تزالان تتوقان إلى الصومال منذ الحرب الباردة حتى يومنا هذا. فخلال تقسيم الأوروبيين لأفريقيا بين عامي 1884 و1914، كانت منطقة القرن الأفريقي واحدة من أولى المناطق الأفريقية التي شهدت فرض الرأسمالية. والصومال واحدة من البلاد العديدة التي تخوض فيها القوى العظمى حروباً بالوكالة للسيطرة على طرق التجارة البحرية الاستراتيجية في البحر الأحمر والمحيط الهندي. وفي منتصف عام 2000، جر الغرب بعض دول الخليج وقوى إقليمية أخرى مثل تركيا وإيران والهند والدول المجاورة للصومال مثل إثيوبيا وكينيا إلى دفع أجندة استعمارية للصومال. وساهم الصراع على السلطة بين أوروبا وأمريكا في عقود من الحرب الأهلية والحركات الانفصالية والدول المنفصلة.
أما أمريكا فلم تكفّ عن التطلع إلى السيطرة على الصومال، أي في عهد سياد بري (الموالي لأمريكا) الذي ظل في الحكم حتى عام 1991 عندما أطاحت به العشائر المسلحة، فقلبت موازين الصراع الأمريكي البريطاني لصالح بريطانيا، وبعد أن فقدت أمريكا السيطرة وساد عدم الاستقرار، تحركت بريطانيا بسرعة إلى ولايتها السابقة (أرض الصومال البريطانية) وأعلنت عن تأسيس "جمهورية أرض الصومال" المستقلة في العام نفسه. وقد أعطى الزعماء الموالون للغرب في أرض الصومال وبقية الصومال حقوقاً لشركات النفط من فرنسا وبريطانيا والإمارات والصين لاستكشاف مواردها الطبيعية الغنية مثل اليورانيوم والنفط والغاز الطبيعي. ومن الجدير بالذكر أن الخطة الأمريكية هي تفتيت البلاد إلى مناطق ومن ثم تشجيع المناطق التي تزخر بالطاقة على التنازل والتوافق مع المصالح الأمريكية. وهذا يشبه إلى حد كبير خطتها لتقسيم السودان.
تقع أرض الصومال على طول خليج عدن، بالقرب من مدخل مضيق باب المندب، وهو ممر بحري رئيسي يمر عبره ما يقرب من ثلث الشحن العالمي. وقد جعلها ساحلها وجارتيها إريتريا وجيبوتي شركاء جذابين للدول الأجنبية التي تبحث عن الوصول إلى البحر والوجود البحري في المنطقة. فقد أصبحت جيبوتي مركزاً للقواعد العسكرية الأجنبية؛ حيث تمتلك الصين وفرنسا وإيطاليا واليابان وأمريكا مرافق في البلاد. كما تتودد القوى الأجنبية الكبرى، بما في ذلك الصين وروسيا، إلى إريتريا بشكل متزايد. لقد استغلت بريطانيا بالفعل أرض الصومال خلال حقبة الحماية. لقد أثرت نفسها بموقعنا الاستراتيجي ومواردنا.
ومثل أي بلد إسلامي آخر، ستظل أرض الصومال تواجه مشاكل طويلة الأمد والتي تأتي نتيجة لولاء حكامها لأسيادهم الغربيين. إن العديد من الصراعات في البلاد الإسلامية بأكملها ناتجة بشكل مباشر عن النفوذ والتدخل الأجنبي. لقد كان الإسلام موجوداً منذ القرن السابع في المنطقة، ومع ذلك، فمن المزعج للغاية أن نرى شعب الصومال ومناطقها بأكملها تقع في أيدي أنظمة رأسمالية فاسدة تستمر في زرع بذور الانقسامات والتوترات بين شعبها.
ولأن البلاد الإسلامية يحكمها حكام مدعومون من الغرب، فإن الأمة تعيش حالة من الاضطراب. ولأن الخلافة ليست قائمة فإن الأزمات في الصومال وبقية بلاد المسلمين سوف تستمر. ولكنها الخلافة التي تطبق أحكام رب العالمين هي التي سوف تحل مشاكل الأمة بشكل قاطع ونهائي.
بقلم: الأستاذ شعبان معلم
الممثل الإعلامي لحزب التحرير في كينيا
المصدر: جريدة الراية