- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الأخ الكريم الشيخ عطاء حفظك الله ذخرًا للأمة، سؤال حول الموقف الروسي من ثورة الشام، فيما يظهر لي أن روسيا تقف ندًا لأميركا في موضوع الثورة، وتراهن على تحقيق مكاسب... والتحليل الصادر من حضرتكم يقول بأن أميركا تستعمل روسيا... فأرجو توضيح كيف يتم ذلك، أفيدونا بارك الله فيكم...
(سلسلة أجوبة العالم عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير
على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك)
جواب سؤال:
حول الموقف الروسي من ثورة الشام
إلى باهر ممدوح
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الأخ الكريم الشيخ عطاء حفظك الله ذخرًا للأمة، سؤال حول الموقف الروسي من ثورة الشام
فيما يظهر لي أن روسيا تقف ندًا لأميركا في موضوع الثورة، وتراهن على تحقيق مكاسب...
والتحليل الصادر من حضرتكم يقول بأن أميركا تستعمل روسيا...
فأرجو توضيح كيف يتم ذلك، أفيدونا بارك الله فيكم.
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
حتى يتضح الجواب أذكر لك الأمور التالية:
1- إن الأحداث السياسية لا تُفسَّر بظاهرها، فغالباً ما يكون خادعاً أو مضللاً، وبخاصة وأن الدول المؤثرة في العالم اليوم تتعامل سياسياً دون التزام بأية قيم صحيحة!
2- إن روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي تقلَّص دورها السياسي من المجال العالمي الواسع الذي كان يتطلع الاتحاد السوفييتي السابق لاختراقه والنفاذ إليه، تقلَّص إلى مجالها الحيوي، أي جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، حتى إن دول أوروبا الشرقية التي كانت سابقاً تحت هيمنة الاتحاد السوفييتي أصبحت في الاتحاد الأوروبي، والتي لم تدخل بعد مهيأة للدخول، بل إن صربيا قُصفت من الأطلسي بغارات مكثفة ولم تستطع روسيا نجدتها مع أنها محسوبة على روسيا في أصلها وفصلها! حتى إن رجال الصرب الذين كانوا مدفوعين من روسيا في أعمالهم اقتيدوا إلى محكمة الجنايات الدولية، ولم تستطع روسيا حمايتهم!
3- إن أعمال روسيا في المناطق الأخرى مثل الشرق الأوسط وشرق آسيا لا يعدو المصالح الاقتصادية دون النفوذ السياسي. وإذا قامت روسيا بأعمال سياسية في هذه المناطق، فتكون في خط متواز مع الأعمال الأمريكية باتفاق أو دون اتفاق، وهذا على الأقل في المدى المنظور.
4- والآن أذكر لك بعض الأعمال الروسية في مجالها الحيوي وفي شرق آسيا، وفي الشرق الأوسط لترى كيف اهتمام روسيا السياسي البالغ في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، وبين موقفها الهش في المناطق الأخرى، وإن كان فهو متناغم مع الموقف الأمريكي:
أ- جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابقة.
* جورجيا: لما حاول ساكاشفيلي أن يجعلها بؤرة أمريكية في خاصرة روسيا خلال ثورة الورود في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2003، ودفعته أمريكا لمهاجمة أوسيتيا الجنوبية، ووعدته بدعمه في الحلول التفاوضية مع روسيا في آخر المطاف، وهكذا بدأت جورجيا بالهجوم فعلاً على أوسيتيا الجنوبية في 8/8/2008... ومع أن روسيا كانت تدرك أن أمريكا هي وراء هذا الهجوم، وبخاصة وأن أمريكا قد أظهرت ذلك في تصريحات لبعض مسئوليها، لكن رغم كل ذلك، فإن روسيا قد بذلت الوسع في هجوم كبير على جورجيا وفصلت أوسيتيا وأبخازيا عن جورجيا، أي عملت على تفكيك جورجيا، وغرست في قلبها خنجراً يجعلها لا تستطيع إيذاء بل إزعاج روسيا، ولم تلتفت إلى ما ركزت عليه أمريكا من إظهار غرق روسيا في مستنقع شمال جورجيا للتأثير في معنويات الجيش الروسي، بالإضافة إلى التأثير دولياً في الهجوم الروسي على جورجيا ومخالفة القانون الدولي...الخ.
* قرغيزيا:
1- لقد دعمت روسيا انتخاب باكييف في 23/7/2009 وقد كان دعم الروس لانتخابه لافتاً للنظر، فقد حضر الرئيس الروسي مدفيديف بنفسه إلى قرغيزيا واشترك في مراسم التنصيب التي أقيمت لباكاييف في 2/8/2009! ومع ذلك فلما لاحظت روسيا على باكاييف تقربا من أمريكا خلال زيارة ريتشارد هولبروك السياسي الأمريكي إلى قيرغيزيا في 19/2/2010، حيث اجتمع مع باكاييف بعيداً عن الأضواء كما ذكرت صفحة "روسيا اليوم" عن "انترفاكس الروسية" في 19/2/2010 أن هولبروك بحث مع الرئيس كرمان بيك باكييف: "آفاق العلاقات الثنائية والوضع في أفغانستان وتبادل الطرفان بعيدا عن الأضواء الآراء حول الوضع في أفغانستان وتناولا طرق تنشيط التعاون المتبادل للمنفعة بين البلدين". بالإضافة إلى ما ذكرته الصحيفة نفسها في 17/3/2010 أن "الولايات المتحدة أعلنت مؤخرا تخصيص 5,5 مليون دولار لمساعدة قرغيزيا في بناء مركز لتدريب الوحدات الخاصة لمكافحة الإرهاب في مدينة باتكين القرغيزية" ... عندما لاحظت روسيا شيئاً من الميل عند باكاييف لأمريكا سارعت روسيا بتدبير انقلاب على باكاييف منعاً لتمادي باكاييف في علاقته مع أمريكا، وكان واضحاً على روسيا نشوة "الانتصار" في تنفيذ الانقلاب على باكاييف وإسقاطه في 8/4/2010.
* أوزبكستان:
لقد كان كريموف يسير مع روسيا، خصوصاً وقد ساعدته عسكرياً في أحداث أنديجان، إلا أن إغراءات أمريكا له اقتصادياً وأمنياً جعله يظهر ميلاً متزايداً لأمريكا وبعداً ملحوظاً عن روسيا، وقد اتضح ذلك عندما رفضت أوزبكستان المشاركة في مناورات 26/8/2009 التي قامت بها منظمة الأمن الجماعي حيث استمرت المناورات إلى 15 تشرين أول 2009، فأزعج هذا روسيا لأن تصرف أوزبكستان كان بمثابة تجميد عضويتها في المنظمة، وبخاصة وأن رفض المشاركة هذا جاء بعد زيارة الجنرال الأمريكي ديفيد باتريوس إلى طشقند واجتماع كريموف به في 18/8/2009 حيث صرح كريموف قائلاً :"بان أوزبكستان مستعدة لتوسيع التعاون البناء مع الولايات المتحدة على أساس مبادئ الاحترام المتبادل والشراكة المتساوية". (وكالة نوفوستي الروسية 18/8/2009) وقد تم توقيع اتفاقية تعاون بين البلدين تحوي برامج عسكرية وتدريبية وتعليم مهني.
هذه الأمور دقت ناقوس الخطر عند روسيا، لذلك وعلى طريقتها في الوقوف بحزم تجاه جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، فقد بدأت بوضع الخطط لإعادة أوزبكستان إلى منظمة الأمن الجماعي أي إلى حضن روسيا، فقد دفعت روسيا الحكومة المؤقتة وأزلام روسيا في قرغيزيا، بالهجوم على الأوزبك بالحرق والتدمير والقتل... لطردهم تجاه الحدود الأوزبكية، فتوجد بذلك مشكلة لأوزبكستان فتهجر أعداداً كبيرة من الأقلية الأوزبكية من قرعيزيا إلى أوزبكستان، بحيث توجد مبرراً للتدخل لحل المشكلة عن طريق منظمة الأمن الجماعي التي كانت أوزبكستان قد جمدت عضويتها فيها منذ زمن...، وكانت روسيا تهدف من ذلك إلى دفع أوزبكستان للعودة إلى منظمة الأمن الجماعي لحل المشكلة، وبطبيعة الحال هي بزعامة روسيا، فتعود أوزبكستان إلى بيت الطاعة الروسي، ومن ثم تبتعد عن أمريكا... وكادت الخطة أن تنجح فتوافق أوزبكستان على الاشتراك في منظمة الأمن الجماعي وإرسال قوات بقيادة روسيا لحل المشكلة، لولا تدخل السفير الأمريكي في طشقند بلسان الحكومة الأمريكية، التي اتصلت بالحكومة الأوزبكية وأقنعتها بعدم المشاركة مع قوات منظمة الأمن الجماعي فاستجابت هذه الحكومة وأغلقت الحدود في وجه النازحين من الأوزبك بعدما فتحتها في البداية ولذلك أشاد مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية روبرت بليك بتصرفات أوزبكستان وإغلاقها الحدود في وجه النازحين.
* أكرانيا: لما وصل يوشنكو الحكم في أكرانيا بعد الثورة البرتقالية وأسقط رجل روسيا يانكوفيتش، كان ذلك ضربة موجعة لروسيا، حيث استغلت أمريكا فترة حكمه لتسريع التكامل بين أوكرانيا مع الغرب، وطوال الفترة التي قضاها في منصبه، كان يوشينكو يهدد بطرد أسطول البحر الأسود الروسي من سيفاستوبول عند انتهاء عقد الإيجار العسكري الروسي هناك عام 2017م. ولم يُخف يوشينكو رغبته في دمج أوكرانيا بالكامل في مؤسسات مثل الاتحاد الأوروبي ومنظمة حلف شمال الأطلسي. وقد دخلت كييف مفاوضات على اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وطالبت بخطة عمل للعضوية في الناتو... وهكذا أصبح نفوذ روسيا في مأزق، لكن روسيا بدأت تحريك الموالين لها في أكرانيا، واستعملت وقف الغاز ثم رفع سعره لإيجاد اضطرابات في البلد وبخاصة في الشتاء، ولأن الناحية الاقتصادية في كثير من جوانبها لا زالت مرتبطة بروسيا، فقد استعملت روسيا كل ذلك استعمالاً مؤثراً حتى استطاعت أن تعيد رجلها يانوكوفيتش مرة أخرى في فبراير/شباط 2010م، إلى السلطة، وهو رابع رئيس للبلاد، ومؤيد قوي لروسيا، ومن حينها بدأ النفوذ الأمريكي بالتراجع، وتوجهت أكرانيا نحو تطبيع العلاقات مع روسيا حتى وإن كانت بوتيرة أخف من وضعها قبل الثورة البرتقالية.
وهكذا يتبين أن روسيا كانت تستعمل كل الأساليب الممكنة السياسية والاقتصادية وحتى العسكرية لحماية نفوذها وهيمنتها في مجالها الحيوي المعتاد، أي جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، ولا تتخلى عن نفوذها فيها إلا إذا أرغمت على ذلك أو لم تستطع لدوافع إقليمية ودولية...
ب- أما في المناطق الأخرى، فالأمر مختلف، فدورها هش وهامشي أحياناً، وإذا كان، فإنه يكون في خط متواز مع أمريكا مباشرة أو غير مباشرة، وهذه أمثلة على ذلك:
* في شرق آسيا "كوريا الشمالية": إن أمريكا تصول وتجول ليس بعيداً عن أطراف روسيا الجنوبية وتقيم الدرع الصاروخي في جزيرة جوام، بل إن روسيا وافقت على قرار 2094 ضد كوريا الشمالية، وتكاد لا تلحظ اختلافاً في موقفها السياسي من كوريا عن موقف أمريكا. لقد استفزت أمريكا كوريا الشمالية بمناورات ضخمة أجرتها بالقرب من كوريا الشمالية، وقد بدأت في 19/2/2013 واستمرت إلى نهاية هذا الشهر 30/4/2013، وهي مناورات كبيرة غير مسبوقة، وجاءت متزامنة مع العقوبات التي حركتها أمريكا في مجلس الأمن ووافقت عليها روسيا والصين وذلك في 7/3/2013 بعد أن حرك الغرب وبخاصة أمريكا بفاعلية تجربة كوريا الشمالية الثالثة في 12/2/2013. لقد أوجدت هذه المناورات استفزازاً ساخناً لكوريا الشمالية، وكانت قد أعلنت قبل ذلك عن استراتيجية جديدة لها في آسيا/ المحيط الهادئ تتعلق بتعزيز قوتها في هذه المنطقة بنقل 60% من قوتها البحرية إليها لمواجهة المخاطر المحتملة حتى عام 2020، كل ذلك دفع كوريا الشمالية للتهديد بأنها ستضرب القواعد الأمريكية فيها بصواريخ تملكها متوسطة المدى... فاستغلت أمريكا ذلك للتعجيل بإقامة درع صاروخي في جزيرة جوام، ومع أن هذا يهدد أيضاً جنوب روسيا بالإضافة إلى كوريا الشمالية، إلا أن موقف روسيا كان ليناً بل يكاد لا يختلف عن الموقف الأمريكي، فقد صرح المتحدث باسم الخارجية الروسية الكسندر لوكاشيفيتش قائلا: "نحن نتضامن معهم فيما يتعلق برفض النهج السلوكي الاستفزازي والمولع بالقتال لبيونغ يانغ في الوقت الراهن". فلم تتخذ روسيا مواقف جادة تجاه الموقف الأمريكي المعادي لكوريا الشمالية واستفزاز أمريكا لها بإجراء مناورات مع كوريا الجنوبية تشرك فيها أسلحتها المتطورة، فلم تلتفت له روسيا ولم تستنكره، مع العلم أن ذلك يشكل خطورة على المنطقة ويهدف إلى تعزيز الوجود الأمريكي فيها ليرهب الجميع ويفرض هيمنة أمريكا على العالم. فهو موجه ضد روسيا نفسها بحيث لا يسمح لها بأن يكون لها أي وجود في هذه المنطقة!
* ونأتي للشرق الأوسط، وقبل الجواب عن سوريا، أذكر لك موقف روسيا في أحداث ليبيا:
بدأت التحركات الشعبية الليبية في 17/2/2011، وأواخر شباط/2011 وأوائل شهر آذار التالي كانت أوروبا وبخاصة فرنسا تهيئ الأجواء للتدخل العسكري في ليبيا، بل وتباشرها على نطاق ضيق....
في هذه الأثناء صرحت وزيرة خارجية أمريكا في 2/3/2011 يوم الأربعاء فى جلسة استماع بمجلس الشيوخ عن التدخل في ليبيا أن الولايات المتحدة "لا تستبعد أي خيار". لكنها حذرت أيضا من أن أي تدخل عسكرى لمساعدة المناوئين للقذافي سيكون "مثيرا للجدل" ليس فى ليبيا فحسب وإنما في العالم العربي ككل.
بعد ذلك صرح وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف أن بلاده تعارض التدخل العسكري الخارجي في ليبيا، وأوضح في مؤتمر صحفي عقده مساء الاثنين 7/3/2011 بمدينة كالينينغراد موقف بلاده الثابت من الشأن الليبي قائلاً "إن روسيا تعارض التدخل الأجنبي وخاصة العسكري وسيلة لحل الأزمة في ليبيا"، مضيفًا أن "على الليبيين أن يحلوا مشاكلهم بأنفسهم".
وبعد أيام وافقت أمريكا على التدخل العسكري وكانت وراء قرار مجلس الأمن رقم 1973 في 17/3/2011، وعند التصويت عليه، فإن روسيا بلعت تصريحاتها السابقة، ولم تستعمل الفيتو ولا حتى الاعتراض، بل امتنعت عن التصويت، ومن ثم صدر القرار وحدث التدخل العسكري الأمريكي والأوروبي، أي أن روسيا كانت تعارض التدخل العسكري عندما كانت أمريكا لا تريده، ولكن روسيا لم تعارض التدخل العسكري عندما أرادته أمريكا.
والآن نأتي لسوريا:
حدث في سوريا أمر جديد عن ثورات الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا واليمن، وهذا الشيء الجديد ارتفاع شعارات إسلامية مرعبة لأمريكا وغيرها، وهي شعارات الخلافة، وتأججت مشاعر الناس بشكل لافت للنظر، وهذا الأمر الجديد أوجد حدثا وقفت عنده الدول الغربية وبخاصة أمريكا صاحبة النفوذ السياسي في سوريا منذ حافظ وولده.
إن الثورات التي فاجأت الغرب منذ أن أشعل البوعزيزي النار في نفسه بعد ما لقيه من ظلم وإذلال وإهانة من نظام بن علي وشرطته... تلك الثورات استطاع الغرب حرفها عن أهدافها بأن كلف أزلامه باختراقها والمطالبة بشعارات الثورة بصراخ أعلى صوتاً وأكثر حماسة، ومن ثم أزالوا الطاغية السابق صاحب الوجه الكالح السواد، ووضعوا مكانه وجهاً أقل سواداً وبقيت بنية النظام قائمة علمانية جمهورية عميلة، لم تتغير إلا من استبدال وجوه بوجوه، واتخذوا هذا الأمر وصفة طبية جاهزة، فكلما اكتشف الناس أنه لم يحدث تغيير فثاروا ونادوا بالحرية أدخلت تلك الدول المستعمرة أزلامها بينهم فنادوا بها بصراخ أعلى صوتاً، ومن ثم بقي التغيير محسوباً ضمن أجندة تلك الدول.
أما الذي تم في سوريا فلم تكن شعارات وطنية ومدنية وحرية وديمقراطية ليستطيع أزلام الدول الغربية اختراقها والمناداة بها بصراخ أعلى صوتاً وأكثر حماسة، ومن ثم أخذ قيادة الناس، ويحل وجه مكان وجه وينتهي الأمر، بل كانت شعارات تنادي بالخلافة أو بالإسلام ولكن بطريقة غير معهودة لهم أي ليست من الفصيلة المزعومة "الوسطية والاعتدال" التي يتغنون بها، ومع أنه كانت تخالط هذه الشعارات شعارات الثورة الأخرى من مدنية وديمقراطية ونحو ذلك، لكنها لم تكن هي الطاغية في الساحة كالثورات الأخرى ليسهل اختراقها.
ولذلك فإن صنائع أمريكا في الخارج كالمجلس الوطني والائتلاف وحتى صنائع أمريكا في الداخل كهيئة التنسيق الوطنية لم يستطع كل هؤلاء أن يأخذوا قبول الناس، فصارت أمريكا في حيص بيص:
من جانب ترى عميلها بشار في حكم الساقط، فلا يستطيع تحقيق مصالحها ولا أمن يهود كما كان يفعل هو وأبوه منذ أربعين سنة... ومن جانب آخر فإن صنائعها غير مقبولين في الداخل عند الثائرين، وهي تخشى إن سقط بشار فعلياً دون ترتيب من يخلفه على طريقتها أن يكون حكم جديد على غير ما تريد إما الخلافة وإما حكم آخر على غير طريقتها، ثم هي كما فعلت في الثورات السابقة تريد أن تظهر أنها مع حركة الشعوب ضد الظلم والطغيان!
لهذا فهي تريد مخرجاً من مأزقها تحافظ فيه على مظهرها مع الشعوب ضد الطاغية، وفي الوقت نفسه لا تريد الطاغية أن يرحل قبل ضمان عميل جديد لها يخلف العميل السابق. فكان المخرج من روسيا، فهي تدعم بشار، وأمريكا تُظهر أنها غير قادرة على الحل بسبب روسيا، فتراها تذهب إلى روسيا تتفاوض معها على اعتبار أن روسيا مع بشار وأن أمريكا مع الثوار، وتُظهر أن روسيا وأمريكا مختلفتان على الحل، وذهاب وإياب... ومهلة وراء مهلة... ليزيد بشار بالقتل والتدمير بأسلحة روسية، وكل ذلك حتى تفرغ أمريكا من إنضاج عميل بديل يخلفه سواء أكان ذلك بزيادة القتل ليخضع الناس فيقبلوا صنائعها، أم كان بتدخلها العسكري في نهاية المطاف بواجهة قرار من مجلس الأمن بحجة ضبط أمن الحكم الجديد.
وهكذا فهي كانت كلما أُحرجت تذهب وتجتمع مع روسيا، وتُظهر أن هناك اتفاقا لحل تفاوضي ثم يُعاد القول بالخلاف بين روسيا وأمريكا... وحتى عندما قالت الكيماوي خط أحمر وقدَّمت لها فرنسا دلائل على ذلك ردت أمريكا بأن الأدلة غير كافية، فلما تضافرت الأدلة قال أوباما عندنا أدلة ولكن روسيا تشك فيها! وكل ذلك لأن أمريكا لم تجد العميل البديل المقبول للناس بدل العميل الحالي، فلا صنائعها في الخارج لهم قبول من الناس، ولا الحكومة الانتقالية بين النظام والمعارضة المنوعة في الداخل والخارج مقبولة للناس... وهي حالياً تحاول مزج سياسية العصا والجزرة معاً، أي ليس كل واحدة على حده، بل تستعمل عصا طيران وصواريخ عصابات بشار وأعوانه مع جزرة الإمداد بالسلاح المشروط لمقاومة طيران وصواريخ بشار أي سلاح روسيا من جانب لبشار من أجل القتل والتدمير، وسلاح أمريكا وأوروبا والأحلاف والأتباع المشروط بالموت الزؤام، ثم يسوِّقونه بحجة ردّ عدوان بشار وذلك للوصول إلى الدفع نحو مؤتمر جنيف للمفاوضات بين المعارضة وبين النظام حول الحكومة الانتقالية كما جرى مؤخراً في مؤتمر الدوحة، فأمريكا يهمها أن تدير التغيير هي بنفسها، وروسيا لا تعاكس هذا الاتجاه بل هي تخدمه!
وهكذا فإن المدقق في المواقف الروسية والأمريكية لا يجدهما في اتجاه معاكس، بل إن أعمال روسيا هي لخدمة أهداف أمريكا بتمهيد الطريق لأن يخلف عميل أمريكي جديد العميل الأمريكي الحالي القديم.
وكما كان في ليبيا، فعندما تقرر أمريكا حلاً سياسياً أو عسكريا فالمتوقع أن لا تتخذ روسيا حق النقض، بل يصدر قرار من مجلس الأمن، وكل ذلك لأن الشرق الأوسط ليس مجال نفوذ سياسي لروسيا، بل هي تسير فيه في خط يلتقي مع خط أمريكا.
والخلاصة أن روسيا لا تتعارض سياسياً بالنسبة للأزمة السورية مع أمريكا، بل هي خط أمامي لها في الحل، تدعم بشار في القتل والمجازر للضغط على الناس ليقبلوا بصنائع أمريكا.
هذا من جانب أمريكا وروسيا وأوروبا والأحلاف والأتباع، وأما من جانب الأمة فإن فيها رجالاً صادقين مخلصين بإذن الله، ومهما طال الظلم والظلام واشتد فإن العاقبة للمتقين ولو بعد حين، والله عزيز حكيم.
أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة
رابط الجواب من صفحة الأمير على الفيسبوك
رابط الجواب من موقع الأمير
رابط الجواب من صفحة الأمير على الغوغل بلس