السبت، 19 صَفر 1446هـ| 2024/08/24م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

(سلسلة أجوبة العالم عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك)

 

جواب سؤال: حول تفكير الرسول صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة

 

إلى Ayman Alfjjary

 

 

 



السؤال:

 

 


السلام عليكم، سؤال لأميرنا الآن وخليفتنا قريبا إن شاء الله:

 


ورد في كتاب الدولة الإسلامية في موضوع بيعة العقبة الثانية وما بعدها عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه (فكر) في أكثر من موضع، مع أن الموضع يكون وحياً من الله وليس تفكيرا من الرسول صلى الله عليه وسلم مثل: فكر بالهجرة، والهجرة وحي من الله.

 


أرجو توضيح المقصود بالتفكير هنا، وبارك الله فيكم؟

 

 

 

 

 

الجواب:

 

 


وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 


قبل الجواب مباشرة عن تفكير الرسول صلى الله عليه وسلم بالهجرة، فإني أعيدك إلى بداية طلب النصرة حتى بيعة العقبة الثانية ثم الهجرة، وذلك ليتضح الجواب بإذن الله:

 

 


1- لقد توفيت خديجة رضي الله عنها قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَلاثِ سِنِينَ، وفي العام نفسه توفي أبو طالب، كما جاء في عيون الأثر، حيث ورد فيه:
(...عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: تُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَلاثِ سِنِينَ، وَهِيَ أول من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم، قَالَ... ثُمَّ أَنَّ خَدِيجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدٍ وَأَبَا طَالِبٍ مَاتَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ، فَتَتَابَعَتْ عَلَى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُصِيبَتَانِ: وفاة خَدِيجَةَ وَأَبِي طَالِبٍ، وَكَانَتْ خَدِيجَةُ وَزِيرَةَ صِدْقٍ عَلَى الإِسْلامِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْكُنُ إِلَيْهَا، قَالَ: وَقَالَ زياد البكائي عن ابن إسحق: إِنَّ خَدِيجَةَ وَأَبَا طَالِبٍ توفيا فِي عَامٍ وَاحِدٍ، وَكَانَ ذلك بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ مَضَيْنَ مِنْ مَبْعَثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ مُهَاجِرِهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ بِثَلاثِ سِنِينَ. وَذَكَرَ ابْنُ قُتَيْبَةَ أَنَّ خَدِيجَةَ تُوُفِّيَتْ بَعْدَ أَبِي طَالِبٍ بِثَلاثَةِ أَيَّامٍ. وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ نَحْوَهُ.) انتهى

 

 


2- وَعَنِ الْوَاقِدِيِّ: (تُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ قَبْلَ أَبِي طَالِبٍ بِخَمْسٍ وَثَلاثِينَ لَيْلَةً، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، فَلَمَّا هَلَكَ أَبُو طَالِبٍ نَالَتْ قُرَيْشٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الأَذَى مَا لَمْ تَكُنْ تَطْمَعُ فِيهِ فِي حَيَاةِ أَبِي طَالِبٍ، حَتَّى اعْتَرَضَهُ سَفِيهٌ مِنْ سُفَهَاءِ قُرَيْشٍ فَنَثَرَ عَلَى رَأْسِهِ تُرَابًا، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْتَهُ وَالتُّرَابُ عَلَى رَأْسِهِ، فَقَامَتْ إِلَيْهِ إِحْدَى بَنَاتِهِ فَجَعَلَتْ تَغْسِلُ عَنْهُ التُّرَابَ وَهِيَ تَبْكِي ورَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تبك يَا بُنَيَّةُ فَإِنَّ اللَّهَ مَانِعٌ أَبَاكِ» وَيَقُولُ بَيْنَ ذَلِكَ: «مَا نَالَتْ مِنِّي قُرَيْشٌ شَيْئًا أَكْرَهُهُ حَتَّى مَاتَ أَبُو طَالِبٍ»)

 

 


3- في هذه الظروف الصعبة أكرم الله رسوله صلى الله عليه وسلم بحدثين كبيرين عظيمين، وهما الإسراء والمعراج، والإذن للرسول صلى الله عليه وسلم بطلب نصرة أهل القوة من القبائل لحماية الدعوة وإقامة الدولة... وموضوع الإسراء والمعراج ليس هنا مكانه، وأما طلب النصرة، فقد قال صاحب عيون الأثر وغيره من أهل السير:

 


(خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف في أواخر شوال سنة عشر من النبوة، خَرَجَ إِلَى الطَّائِفِ وَحْدَهُ - وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَمَعَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ - يَلْتَمِسُ النُّصْرَةَ مِنْ ثَقِيفٍ وَالْمَنَعَةَ بِهِمْ مِنْ قَوْمِهِ، وَرَجَاءَ أَنْ يَقْبَلُوا منه ما جاءهم به من اللَّهِ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى الطَّائِفِ عَمِدَ إِلَى نَفَرٍ مِنْ ثَقِيفٍ وَهُمْ يَوْمَئِذٍ سَادَةُ ثَقِيفٍ وَأَشْرَافُهُمْ وَهُمْ أُخْوَةٌ ثَلاثَةٌ: عَبْدُ يَالِيلَ، وَمَسْعُودٌ، وَحَبِيبٌ، بَنُو عَمْرِو بْنِ عُمَيْرِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عُقْدَةَ بْنِ غَيْرَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ ثَقِيفٍ... ولم يستجيبوا... بل أغروا بِهِ سُفَهَاءَهُمْ...) انتهى

 

 


4- بعد ذلك تتابع طلب النصرة، فقد كان رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْرِضُ نَفْسَهُ فِي الْمَوَاسِمِ إذَا كَانَتْ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ يَدْعُوهُمْ إلَى اللّهِ وَيُخْبِرُهُمْ أَنّهُ نَبِيّ مُرْسَلٌ وَيَسْأَلُهُمْ أَنْ يُصَدّقُوهُ وَيَمْنَعُوهُ حَتّى يُبَيّنَ لَهُمْ مَا بَعَثَهُ الله بِهِ... فأتى عليه الصلاة والسلام كِنْدَةَ فِي مَنَازِلِهِمْ وَفِيهِمْ سَيّدٌ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ مُلَيْحٌ فَدَعَاهُمْ إلَى اللّهِ عَزّ وَجَلّ وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ نَفْسَهُ فَأَبَوْا عَلَيْهِ... وأتى كلبا في منازلهم إلى بطن منهم يقال لهم بنو عبد الله، فدعاهم إلى الله وعرض عليهم نفسه، حتى إنه ليقول: "يا بني عبد الله إن الله قد أحسن اسم أبيكم" فلم يقبلوا منه ما عرض عليهم... وأتى بني حنيفة في منازلهم، فدعاهم إلى الله وعرض نفسه فلم يك أحد من العرب أقبح ردا عليه منهم... وأتى بني عامر بن صعصعة، فدعاهم إلى الله وعرض عليهم نفسه، فاشترطوا أن يكون لهم الأمر في الحكم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «الأمر لله يضعه حيث يشاء»، فرفضوا وقالوا لا حاجة لنا بأمرك... ثم خرج الرسول صلى الله عليه وسلم هو وأبو بكر وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما... قال علي: وكان أبو بكر في كل خير مقدما، فقال: ممن القوم؟ فقالوا: من شيبان بن ثعلبة، فالتفت أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بأبي أنت وأمي هؤلاء غرر في قومهم وفيهم مفروق بن عمرو... قال: لعلك أخو قريش، فقال أبو بكر: أوَقد بلغكم أنه رسول الله فها هو ذا؟ فقال مفروق: قد بلغنا أنه يذكر ذلك، فإلامَ تدعو يا أخا قريش؟ فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أدعو إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأني رسول الله وأن تؤووني وتنصروني فإن قريشا قد تظاهرت على أمر الله وكذبت رسله واستغنت بالباطل عن الحق والله هو الغنى الحميد... فقال القوم... وإنا إنما نزلنا على عهد أخذه علينا كسرى أن لا نحدث حدثا ولا نؤوي محدثا وإني أرى أن هذا الأمر الذي تدعونا إليه أنت هو مما يكرهه الملوك، فإن أحببت أن نؤويك وننصرك مما يلي مياه العرب فعلنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أسأتم في الرد إذ فصحتم في الصدق وإن دين الله لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه».

 

 


5- ثم ورد في عيون الأثر وفي غيره من كتب السير:
(قَالَ ابن إسحق: فَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ إِظْهَارَ دِينِهِ وَإِعْزَازَ نَبِيِّهِ وَإِنْجَازَ مَوْعِدِهِ لَهُ، خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَوْسِمِ الَّذِي لَقِيَ فِيهِ النَّفَرَ مِنَ الأَنْصَارِ، رَهْطًا مِنَ الْخَزْرَجِ فَقَالَ لَهُمْ الرسول صلى الله عليه وسلم: «أَفَلا تَجْلِسُونَ أُكَلِّمُكُمْ؟» قَالُوا: بَلَى، فَجَلَسُوا مَعَهُ، فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ، وَعَرَضَ عَلَيْهِمُ الإِسْلامَ... فَلَمَّا كَلَّمَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُولِئَك النَّفَرَ وَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: تَعْلَمُوا وَاللَّهِ إِنَّهُ لَلنَّبِيُّ الَّذِي تَوَعَّدَكُمْ بِهِ يَهُودُ، فَلا يَسْبِقَنَّكُمْ إِلَيْهِ، فَأَجَابُوهُ فِيمَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ بِأَنْ صَدَّقُوهُ وَقَبِلُوا مِنْهُ مَا عَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنَ الإِسْلامِ وَقَالُوا لَهُ: إِنَّا تَرَكْنَا قَوْمَنَا وَلا قَوْمَ بَيْنَهُمْ مِنَ الْعَدَاوَةِ وَالشَّرِّ مَا بَيْنَهُمْ، فَإِنْ يَجْمَعُهُمُ اللَّهُ عَلَيْكَ فَلا رَجُلَ أَعَزُّ مِنْكَ، ثُمَّ انْصَرَفُوا رَاجِعِينَ إِلَى بِلادِهِمْ قَدْ آمَنُوا وَصَدَّقُوا...) انتهى

 


فلما استدار العام وعادت الأشهر الحرم وجاء موعد الحج لمكة، أتى الموسم من السنة الثانية عشرة اثنا عشر رجلا من أهل يثرب فالتقوا هم والنبي بالعقبة، فبايعوه بيعة العقبة الأولى. جاء في حدائق الأنوار ومطالع الأسرار في سيرة النبي المختار: (وفي الموسم من السّنة الثّانية عشرة: وافاه اثنا عشر رجلا من الأنصار، فبايعوه عند (العقبة) بيعة النّساء...)

 


أخرج أحمد في مسنده عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: كُنْتُ فِيمَنْ حَضَرَ الْعَقَبَةَ الْأُولَى وَكُنَّا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا فَبَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى بَيْعَةِ النِّسَاءِ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُفْتَرَضَ الْحَرْبُ عَلَى: «أَنْ لَا نُشْرِكَ بِاللهِ شَيْئًا، وَلَا نَسْرِقَ، وَلَا نَزْنِيَ، وَلَا نَقْتُلَ أَوْلَادَنَا، وَلَا نَأْتِيَ بِبُهْتَانٍ نَفْتَرِيهِ بَيْنَ أَيْدِينَا وَأَرْجُلِنَا، وَلَا نَعْصِيَهُ فِي مَعْرُوفٍ، فَإِنْ وَفَّيْتُمْ فَلَكُمُ الْجَنَّةُ، وَإِنْ غَشِيتُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، فَأَمْرُكُمْ إِلَى اللهِ إِنْ شَاءَ عَذَّبَكُمْ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَكُمْ».

 

 


6- فلما انصرفوا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم مصعب بن عمير كما جاء في سيرة ابن هشام وغيرها من السير:
(قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا انْصَرَفَ عَنْهُ الْقَوْمُ، بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَهُمْ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرِ. وَكَانَ مَنْزِلُهُ عَلَى أَسْعَدِ بْنِ زُرَارَةَ بْنِ عُدَسَ، أَبِي أُمَامَةَ... قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُغِيرَةِ بْنِ مُعَيْقِبٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: أَنَّ أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ خَرَجَ بِمُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ يُرِيدُ بِهِ دَارَ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، وَدَارَ بَنِي ظَفَرٍ، وَكَانَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذِ بْنَ خَالَةِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، فَدَخَلَ بِهِ حَائِطًا مِنْ حَوَائِطِ بَنِي ظَفَرٍ... فَجَلَسَا فِي الْحَائِطِ، وَاجْتَمَعَ إلَيْهِمَا رِجَالٌ مِمَّنْ أَسْلَمَ، وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، يَوْمَئِذٍ سَيِّدَا قَوْمِهِمَا مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ... ولكن الله شرح صدرهما للإسلام...، فأسلما، وأقبل سعد عَامِدًا إلَى نَادِي قَوْمِهِ وَمَعَهُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ... فَلَمَّا وَقَفَ عَلَيْهِمْ قَالَ: يَا بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، كَيْفَ تَعْلَمُونَ أَمْرِي فِيكُمْ؟ قَالُوا: سَيِّدُنَا (وَأَوْصَلُنَا) وَأَفْضَلُنَا رَأْيًا، وَأَيْمَنُنَا نَقِيبَةً، قَالَ: فَإِنَّ كَلَامَ رِجَالِكُمْ وَنِسَائِكُمْ عَلَيَّ حَرَامٌ حَتَّى تُؤْمِنُوا باللَّه وبرسوله. قَالَا: فو الله مَا أَمْسَى فِي دَارِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ إلَّا مُسْلِمًا وَمُسْلِمَةً، وَرَجَعَ أَسْعَدُ وَمُصْعَبٌ إلَى مَنْزِلِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، فَأَقَامَ عِنْدَهُ يَدْعُو النَّاسَ إلَى الْإِسْلَامِ...).

 

 


7- وجاء في سيرة ابن هشام وفي حدائق الأنوار وغير ذلك من السير: (ثُمَّ إنَّ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ رَجَعَ إلَى مَكَّةَ، وَخَرَجَ مَنْ خَرَجَ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلَى الْمَوْسِمِ من السنة الثالثة عشرة للبعثة مَعَ حَجَّاجِ قَوْمِهِمْ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ، حَتَّى قَدِمُوا مَكَّةَ، فَوَاعَدُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْعَقَبَةَ، مِنْ أَوْسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، حِينَ أَرَادَ اللَّهُ بِهِمْ مَا أَرَادَ مِنْ كَرَامَتِهِ، وَالنَّصْرِ لِنَبِيِّهِ، وَإِعْزَازِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، وَإِذْلَالِ الشِّرْكِ وَأَهْلِهِ... قَالَ كَعْبٌ: ثُمَّ خَرَجْنَا إلَى الْحَجِّ، وَوَاعَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْعَقَبَةِ مِنْ أَوْسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. قَالَ: فَلَمَّا فَرَغْنَا مِنْ الْحَجِّ، وَكَانَتْ اللَّيْلَةُ الَّتِي وَاعَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَهَا... قَالَ: فَنِمْنَا تَلِكَ اللَّيْلَةَ مَعَ قَوْمِنَا فِي رِحَالِنَا، حَتَّى إذَا مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ خَرَجْنَا مِنْ رِحَالِنَا لِمَعَادِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، نَتَسَلَّلُ تَسَلُّلَ الْقَطَا مُسْتَخْفِينَ، حَتَّى اجْتَمَعْنَا فِي الشِّعْبِ عِنْدَ الْعَقَبَةِ، وَنَحْنُ ثَلَاثَةٌ وَسَبْعُونَ رَجُلًا، وَمَعَنَا امْرَأَتَانِ مِنْ نِسَائِنَا... قَالَ: فَاجْتَمَعْنَا فِي الشِّعْبِ نَنْتَظِرُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم... قَالَ: فَتَكَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَتَلَا الْقُرْآنَ، وَدَعَا إلَى اللَّهِ، وَرَغَّبَ فِي الْإِسْلَامِ، ثُمَّ قَالَ أُبَايِعُكُمْ عَلَى أَنْ تَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ نِسَاءَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ. قَالَ: فَأَخَذَ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ، وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ (نَبِيًّا)، لَنَمْنَعَنَّكَ مِمَّا نَمْنَعُ مِنْهُ أُزُرَنَا، فَبَايِعْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَنَحْنُ وَاَللَّهِ أَبْنَاءُ الْحُرُوبِ، وَأَهْلُ الْحَلْقَةِ، وَرِثْنَاهَا كَابِرًا (عَنْ كَابِرٍ). قَالَ: فَاعْتَرَضَ الْقَوْلَ، وَالْبَرَاءُ يُكَلِّمُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيِّهَانِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الرِّجَالِ حِبَالًا، وَإِنَّا قَاطِعُوهَا - يَعْنِي الْيَهُودَ - فَهَلْ عَسَيْتَ إنْ نَحْنُ فَعَلْنَا ذَلِكَ ثُمَّ أَظْهَرَكَ اللَّهُ أَنْ تَرْجِعَ إلَى قَوْمِكَ وَتَدَعَنَا؟ قَالَ: فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَالَ: بَلْ الدَّمَ الدَّمَ، وَالْهَدْمَ الْهَدْمَ، أَنَا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مِنِّي، أُحَارِبُ مَنْ حَارَبْتُمْ، وَأُسَالِمُ مَنْ سَالَمْتُمْ... قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عُبَادَةُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِيهِ الْوَلِيدِ، عَنْ جَدِّهِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَكَانَ أَحَدَ النُّقَبَاءِ، قَالَ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْعَةَ الْحَرْبِ - وَكَانَ عُبَادَةُ مِنْ الِاثْنَيْ عَشَرَ الَّذِينَ بَايَعُوهُ فِي الْعَقَبَةِ الْأُولَى عَلَى بَيْعَةِ النِّسَاءِ - عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فِي عُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَمَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ، وَأَنْ نَقُولَ بِالْحَقِّ أَيْنَمَا كُنَّا، لَا نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ...) انتهى

 

 


8- وهكذا تمت بيعة العقبة الثانية، بيعة النصرة بعد أن فشا الإسلام في المدينة، ثم الهجرة فإقامة الدولة. ويتبين من كل ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان مأموراً بطلب النصرة منذ السنة العاشرة للبعثة، أي قبل بيعة العقبة بنحو ثلاث سنين حيث كانت بيعة العقبة الثانية في موسم السنة الثالثة عشرة للبعثة، أي أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان موحى إليه بأعمال طلب النصرة، فيبحث عن أهل القوة من القبائل ويطلب نصرتهم، ولما جاءته أخبار المدينة من مصعب بن عمير، ثم جاء الثلاثة والسبعون رجلاً والمرأتان فبايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة الثانية، رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المدينة مؤهلة لأن تنصره لإقامة الدولة وإعزاز الإسلام والمسلمين، وفكر بالهجرة لها لأنه صلى الله عليه وسلم كان يبحث عن أهل القوة لينصروه ويذهب إليهم ويقيم حكم الإسلام، فالتفكير في الهجرة اقتضاه طلب النصرة نفسه، فكما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذهب إلى قبيلة ويطلب نصرتها، فكذلك كان عندما علم أن المدينة المنورة أصبحت مؤهلة لأن تعطي النصرة وتقام الدولة فيها، ولذلك فإن تفكيره صلى الله عليه وسلم بالهجرة للمدينة لم يكن خارجاً عن مقتضيات طلب النصرة الذي أوحى الله له به منذ ثلاث سنين قبل بيعة العقبة الثانية. ومع ذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يهاجر إلى المدينة إلا بعد أن أراه الله سبحانه دار الهجرة، وأذن له صلى الله عليه وسلم بالهجرة كما جاء في البخاري: (قال ابْن شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَتْ: لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ قَطُّ، إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلَّا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَرَفَيِ النَّهَارِ، بُكْرَةً وَعَشِيَّةً... فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلْمُسْلِمِينَ: «إِنِّي أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ، ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لاَبَتَيْنِ» وَهُمَا الحَرَّتَانِ، فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ المَدِينَةِ، وَرَجَعَ عَامَّةُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ بِأَرْضِ الحَبَشَةِ إِلَى المَدِينَةِ، وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ قِبَلَ المَدِينَةِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «عَلَى رِسْلِكَ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي» فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَلْ تَرْجُو ذَلِكَ بِأَبِي أَنْتَ؟ قَالَ: «نَعَمْ»... قَالَ ابْنُ شِهَابٍ، قَالَ: عُرْوَةُ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَبَيْنَمَا نَحْنُ يَوْمًا جُلُوسٌ فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، قَالَ قَائِلٌ لِأَبِي بَكْرٍ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُتَقَنِّعًا، فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِدَاءٌ لَهُ أَبِي وَأُمِّي، وَاللَّهِ مَا جَاءَ بِهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلَّا أَمْرٌ، قَالَتْ: فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَأْذَنَ، فَأُذِنَ لَهُ فَدَخَلَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِأَبِي بَكْرٍ: «أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ». فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ، بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَإِنِّي قَدْ أُذِنَ لِي فِي الخُرُوجِ» فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: الصَّحَابَةُ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «نَعَمْ»...).

 

 


9- وهكذا فإن التفكير بالهجرة إلى المدينة بعد أن وصلته صلى الله عليه وسلم أخبارها هو من مقتضيات طلب النصرة التي أذن الله له به منذ السنة العاشرة للبعثة، فهي كذهاب الرسول صلى الله عليه وسلم للطائف وبني شيبان وبني عامر... ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحول هذا التفكير لعمل إلا بعد أن أراه الله سبحانه دار الهجرة وأذن له صلى الله عليه وسلم بالخروج: «إِنِّي أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ، ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لاَبَتَيْنِ» و«فَإِنِّي قَدْ أُذِنَ لِي فِي الخُرُوجِ» كما جاء في البخاري عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها.

 


آمل أن يكون الموضوع قد اتضح لك، والله سبحانه ولي التوفيق.

 

 

 

 

أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة

 

 

 

 

رابط الجواب من صفحة الأمير على الفيسبوك

 

رابط الجواب من موقع الأمير


رابط الجواب من صفحة الأمير على الغوغل بلس

 

 

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع