الجمعة، 20 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/22م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

جواب سؤال: حول اعتبار التداوي من الحاجات الأساسية للانسان

 

 



السؤال:

 

يأتي في كتبنا: الحاجات الأساسية للانسان ثلاث - طعام- لباس- مسكن. أيجوز لنا أن نقول التداوي كذلك من الحاجات الأساسية للانسان، آخذين في الاعتبار ما يلي:

هناك بعض الامراض الخطرة إذا لم تعالج فإنها ستصيب الجسم بضرر كبير وهذا لايجوز وفق قاعدة الضرر (لا ضرر ولا ضرار)...

والسؤال هو هل يجوز لنا ان نقول- المرض يكون نوعين - شديد وسهل، فمن السهل نزلات البرد والانف صداع سيلان ...الخ. ومعاملتهم معاملة المندوب. ومن المرض الشديد عملية القلب والدماغ والانفلونزا وكسر في الساق ...إلخ فيكون التدواي فيها فرضاً..."؟

 

الجواب:

 

1- الحاجات الأساسية نوعان: حاجات أساسية للأفراد "المأكل والملبس والمسكن"، وحاجات أساسية للأمة "الطب والأمن والتعليم"، وهذا مفصل في المقدمة - القسم الثاني - شرح المادة 125. ويبدو أن الطبعة المعتمدة من المقدمة من القسم الثاني لم تترجم إلى لغتكم بعد، وإلا لكنت وجدت الجواب...

على كلٍّ، إني أنقل لك ما جاء بنصه:

(...وأما الأدلة على أن المأكل والملبس والمسكن هي الحاجات الأساسية للأفراد، وما عداها زيادة، فقد أخرج أحمد بإسناد صححه أحمد شاكر من طريق عثمان بن عفان رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كُلُّ شَيْءٍ سِوَى ظِلِّ بَيْتٍ، وَجِلْفِ الْخُبْزِ، وَثَوْبٍ يُوَارِي عَوْرَتَهُ، وَالْمَاءِ، فَمَا فَضَلَ عَنْ هَذَا فَلَيْسَ لابْنِ آدَمَ فِيهِ حَقٌّ». وقد ورد الحديث بلفظ آخر «لَيْسَ لابْنِ آدَمَ حَقٌّ فِي سِوَى هَذِهِ الْخِصَالِ: بَيْتٌ يَسْكُنُهُ، وَثَوْبٌ يُوَارِي عَوْرَتَهُ، وَجِلْفُ الْخُبْزِ وَالْمَاءِ» أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح. فإنه يدل على أن ما ذكر في لفظي الحديث وهو المأكل والملبس والمسكن: «ظِلُّ بَيْتٍ» «بَيْتٌ يَسْكُنُهُ» «ثَوْبٌ يُوارِي عَوْرَتَهُ» «جِلَفُ الخُبْزِ وَالْمَاءِ» كافٍ، وفيه الكفاية، وقوله في الحديث: «فَمَا فَضَلَ عَنْ هَذَا فَلَيْسَ لابْنِ آدَمَ فِيهِ حَقٌّ» فيه منتهى الصراحة بأن هذه الحاجات الثلاث هي الحاجات الأساسية، فالحديثان نصٌ في أن الحاجات الأساسية هي المأكل والملبس والمسكن، وما زاد عليها فليس بأساسي، وبإشباعها تكون قد أشبعت الحاجات الأساسية للأفراد...

ثم إن الأدلة الشرعية لم توجب سد الحاجات الأساسية للأفراد فرداً فرداً فحسب، بل كذلك أوجبت سد حاجات الأمة الأساسية بتوفير الأمن والطب والتعليم للرعية:

أما الأمن فهو من واجبات الدولة الرئيسة، فعليها أن توفر الأمن والأمان للرعية، حتى إن الدولة تفقد كينونتها إذا لم تستطع حفظ أمنها، ولذلك فإنه شرط في دار الإسلام أن تكون الدولة الإسلامية قادرة على حفظ أمنها بقواتها، ولهذا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أخبر المسلمين بدار هجرتهم ذكر الأمن أول ما ذكر، فقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه في مكة فيما رواه ابن اسحق في سيرته: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ لَكُمْ إِخْوَاناً وَدَاراً تَأْمَنُونَ بِهَا»، كما أن الأنصار عندما استقبلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبا بكر، قالوا لهما أول ما قالوا، كما رواه أحمد بإسناد صحيح عن أنس «فَاسْتَقْبَلَهُمَا زُهَاءُ خَمْسِمائةٍ مِنَ الأَنْصَارِ حتى انْتَهَوْا إِلَيْهِمَا. فقالت الأنصارُ: انْطَلِقَا آمِنَيْنِ مُطَاعَيْنِ»، فتوفير الدولة الأمان للرعية هو من واجباتها الرئيسة.

أما الصحة والتطبيب فإنهما من الواجبات على الدولة بأن توفرهما للرعية، حيث إن العيادات والمستشفيات، مرافق يرتفق بها المسلمون في الاستشفاء والتداوي. فصار الطب من حيث هو من المصالح والمرافق. والمصالح والمرافق يجب على الدولة أن تقوم بها لأنها مما يجب عليها رعايته عملاً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم : «الإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» أخرجه البخاري عن عبد الله بن عمر. وهذا نص عام على مسؤولية الدولة عن الصحة والتطبيب لدخولهما في الرعاية الواجبة على الدولة.

وهناك أدلة خاصة على الصحة والتطبيب: أخرج مسلم من طريق جابر قال: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ طَبِيبًا فَقَطَعَ مِنْهُ عِرْقًا ثُمَّ كَوَاهُ عَلَيْهِ». وأخرج الحاكم في المستدرك عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: «مَرِضْتُ فِي زَمَانِ عُمَرَ بِنَ الْخَطَّابِ مَرَضاً شَدِيداً فَدَعَا لِي عُمَرُ طَبِيباً فَحَمَانِي حَتَّى كُنْتُ أَمُصُّ النَّوَاةَ مِنْ شِدَّةِ الْحِمْيَةِ».

فالرسول صلى الله عليه وسلم بوصفه حاكماً بعث طبيباً إلى أبيّ، وعمر رضي الله عنه الخليفة الراشد الثاني دعا بطبيب إلى أسلم ليداويه، وهما دليلان على أن الصحة والتطبيب من الحاجات الأساسية للرعية التي يجب على الدولة توفيرها مجاناً لمن يحتاجها من الرعية.

وأما التعليم، فلأن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل فداء الأسير من الكفّار تعليم عشرة من أبناء المسلمين، وبدل فدائه من الغنائم، وهي ملك لجميع المسلمين... ولإجماع الصحابة على إعطاء رزق المعلمين قدراً معيناً من بيت المال أجراً لهم.

وعـليه فإنه يجـب على الدولة أن توفـر الأمـن والطـب والتعليم للرعية جميعهم، وأن يضـمنها بيت المـال، لا فـرق بين مسلم وذمي، ولا بين غني وفقير...

ولأهمية الحاجات الأساسية للفرد وللأمة فقد بيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن توفير هذه الحاجات يكون كحيازة الدنيا بأكملها كناية عن أهمية هذه الحاجات، فقد أخرج الترمذي من طريق سَلَمَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ وكانت له صحبة قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا» قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وكذلك رواه ابن ماجه بإسناد حسن، وعند أبي نعيم في الحلية عن طريق أبي الدرداء نحوه، ولكن بزيادة بحذافيرها، أي «حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا»)انتهى

والخلاصة هي أن الحاجات الأساسية نوعان:

حاجات أساسية للفرد، وهي المأكل والملبس والمسكن، وهذه توفرها الدولة لكل فرد وفق الأحكام الشرعية: من عمله، فإن لم يكن، فمن مُعيله، فإن لم يكن، فمن الدولة.

وحاجات أساسية للأمة وهي الأمن والتطبيب والتعليم، وهذه توفرها الدولة للأمة بمجموعها، فتوجد المستشفيات العامة والأطباء الحكوميين والصيدليات العامة الكافية لتوفير الصحة للجميع، وكذلك الأمن والتعليم.

2- أما ما ذكرته عن الحكم الشرعي للتدواي بأنه مندوب في حالة المرض الخفيف وفرض في حالة المرض الشديد... فليس الأمر كذلك، بل إن الحكم الشرعي في التداوي هو الندب، سواء أكان المرض خفيفاً أم ثقيلاً، ما دام المرض قد وقع على الإنسان قضاءً من الله سبحانه. ومن الأدلة على ذلك «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَتَدَاوَى؟ قَالَ: نَعَمْ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إِلاَّ أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ» أخرجه أحمد من طريق أسامة بن شريك. وفي رواية الطبراني في المعجم الكبير من طريق أسامة بن شريك كذلك، قَالَ : «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَأَتَاهُ نَاسٌ مِنَ الأَعْرَابِ فَسَأَلُوهُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَتَدَاوَى؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إِلا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً». وعند الترمذي عن أسامة بن شريك، بلفظ: «قَالَتْ الأَعْرَابُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلا نَتَدَاوَى؟ قَالَ: نَعَمْ، يَا عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً، أَوْ قَالَ دَوَاءً إِلا دَاءً وَاحِدًا، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُوَ؟ قَالَ: الْهَرَمُ» قال الترمذي وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. والهرم بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالرَّاءِ هُوَ ضَعْفُ الْكِبَرِ الذي يتعقبه الموت والهلاك، أي أن الموت لا دواء له.

وكذلك فقد روى أحمد عن أنس قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إِنَّ اللَّهَ حَيْثُ خَلَقَ الدَّاءَ، خَلَقَ الدَّوَاءَ، فَتَدَاوَوْا»

ففي هذه الأحاديث أمر من الرسول صلى الله عليه وسلم بالتداوي، تارة بالأمر الصريح "تداووا"، وتارة بإيجاب الاستفهام، "أنتداوى، قال نعم".

والأمر يفيد مطلق الطلب، ولا يفيد الوجوب إلا إذا كان أمراً جازماً، والجزم يحتاج إلى قرينة تدل عليه، ولا توجد في الأحاديث أية قرينة تدل على الوجوب.

إضافة إلى أنه وردت أحاديث تدل على ترك التداوي، ما ينفي عن هذه الأحاديث إفادة الوجوب، فقد روى مسلم عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ» ، قَالُوا: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «هُمُ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ، وَلَا يَتَطَيَّرُونَ، وَلَا يَكْتَوُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ» رواه مسلم.

وروى البخاري عن ابن عباس قال "هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت، إني أصرع وإني أتكشف، فادع الله لي، قال «إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ» فقالت: أصبر، فقالت إني أتكشف، فادع الله أن لا أتكشف، فدعا لها"، فهذان الحديثان يدلان على جواز ترك التداوي، ففي الحديث الأول وصف الذين يدخلون الجنة بغير حساب بأنهم لا يسترقون، ولا يكتون أي لا يتداوون، بل يتركون الأمر لربهم ويتوكلون عليه في كل أمورهم، والرقية والكيّ من التداوي، وقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على التداوي بالرقية، وقد رقاه جبريل عليه السلام، كما أنه قال «الشِّفَاءُ فِي ثَلاَثَةٍ: فِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ، أَوْ كَيَّةٍ بِنَارٍ، وَأَنَا أَنْهَى أُمَّتِي عَنِ الكَيِّ» رواه البخاري من طريق ابن عباس. وفي الحديث الثاني خيّر الرسول صلى الله عليه وسلم المرأة بين الصبر على الصرع الموجود عندها ولها الجنة، وبين أن يدعو الله لها أن يعافيها من صرعها، ما يدل على جواز ترك التداوي، وبذلك يكون هذان الحديثان صارفين للأمر بالتداوي الوارد في تلك الأحاديث عن الوجوب، ولشدة حث الرسول صلى الله عليه وسلم على التداوي، يكون الأمر بالتداوي الوارد في الأحاديث للندب.

وأما حديث «لا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» رواه ابن ماجة، فهو يتعلق بأن يُلحق الشخص ضرراً بغيره، أو بنفسه، وحكم ذلك مبيّن في قاعدة الضرر. ولا يتعلق بالمرض الواقع على الإنسان قضاء من الله سبحانه وتعالى.

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع