الأربعاء، 25 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/27م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 
 
جـواب ســؤال: حول قرارإنسحاب أثيوبيا من الصومال؟

علاقة اتقاق جيبوتي بالقرار؟
  حقيقة أعمال القرصنة؟
 
 

السؤال:

 

أعلن اليوم مسؤول أثيوبي بأنهم قرروا سحب قواتهم من الصومال مع نهاية هذا العام، جاء هذا التصريح بعد أن ازدادت عمليات القرصنة في خليج عدن وقبالة السواحل الصومالية في الأشهر الأخيرة بشكل ملحوظ، وفي الأيام الأخيرة ازدادت بشكل ملحوظ أكثر حيث توجت بخطف سفينة سعودية تحمل مليوني برميل نفط. وفي الوقت نفسه نقلت وسائل الإعلام في 16/11/2008م تصريح عبدالله يوسف الرئيس المؤقت للصومال من أن حركة شباب المجاهدين تسيطر على أكثر البلاد وأنها على وشك أن تصل إلى العاصمة مقديشو. وأثيوبيا متذمرة من بقائها في الصومال وخسائرها فيها فادحة. فقد نشرت وكالات الأنباء تصريح وزير خارجية أثيوبيا بعيد مؤتمر لوزراء خارجية دول "الإيغاد" الذي عقد في أديس أبابا في 18/11/2008م بقوله أود أن أؤكد من جديد وبشكل جلي أن القوات الأثيوبية ليست مستعدة للاستمرار في تحمل مسؤوليات باهظة إلى أجل غير مسمى، من المهم توصيل الرسالة الصحيحة للزعماء الصوماليين في هذا الوقت الحرج...

فهل هذا يدل على انهيار عملاء أمريكا الذين يقاتلون عنها بالوكالة في الصومال وعدم قدرتهم على الصمود أكثر؟ ثم ما دور ما سمي باتفاق جيبوتي الذي وُقّع في 26/10/2008م في هذه المسألة؟ وأخيراً هل يمكن لمجموعات وحدها، مهما بلغت من أن تقوم بأعمال منظمة فنياً وعسكرياً كهذه، أو أن دولاً كبرى وراءها؟

 

 

الجواب:

 

نعم إن ازدياد أعمال القرصنة قد أصبح لافتاً للنظر في المدة الأخيرة، وبتدبر هذه المسألة يلاحظ ما يلي:

1- إن أغلب السفن المختطفة إما أوروبية أو ملك لدول أخرى، ولكن لا يوجد بينها أمريكية. والأمريكيون يرصدون كل ما يحصل دون أن يتدخلوا. فقد نقلت وكالات الأنباء بتاريخ 17/11/2008م تصريحاً لرئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة مولن قوله بأن أي عمل عسكري سيكون معقداً لوجود رهائن، وذكر أن القراصنة كلهم مدربون تدريباً جيداً. وقالت قائدة الأسطول الخامس جين كامبيل للإذاعة البريطانية بتاريخ 18/11/2008 إننا لا نستطيع أن نكون في كل مكان...، ومع ذلك فإننا نشجع على اتخاذ جميع الإجراءات الوقائية. وقالت في تصريح آخر نقلته "العربية" في 19/11/2008 أنه لا توجد لهم نية للتدخل في الموقف، حيث إن هذه الأعمال ليست عسكرية، وإنما هي أعمال اجرامية. ونقل موقع الاذاعة البريطانية الاكتروني في 20/11/2008 تصريح المتحدث باسم البيت الأبيض جيف موريل الذي قال فيه إنه حتى لو انتشرت جميع القوات البحرية العالمية هناك لن تحل هذه المشكلة.

 2- لقد أصبح وجود السفن الحربية الأجنبية في خليج عدن وقبالة السواحل الصومالية مكثفاً؛ فهناك سفن الأسطول الأمريكي الخامس، وسفن الناتو الذي قرر الشهر الماضي في 9/10/2008م إرسال قوة بحرية إلى هذه المنطقة، وسفن حربية تابعة للاتحاد الأوروبي الذي اتخذ قراراً في العاشر من هذا الشهر لنشر قوة بحرية وقوة جوية أطلق عليها اسم يونا فور أتلانتا مهمتها حماية الممرات البحرية جنوب البحر الأحمر من القراصنة، وقائدها هو أدميرال إنكليزي، وسيكون مقرها في نورثوود في بريطانيا؛ فعلى إثر هذا القرار أرسلت سبع سفن حربية أوروبية إلى قبالة السواحل الصومالية. وقد كونت من قبل قوة متعددة الجنسيات من حوالى 12 إلى 15 سفينة حربية بما يسمى بالتحالف البحري لمكافحة الإرهاب (تاسك فورس 150). ومع كل ذلك تزداد أعمال القرصنة!

 3- إننا نرى الأوروبيين "محمومين" مما يحدث، وخاصة الفرنسيين، فتراهم ينشؤون قوة تلو الأخرى، كما أنهم كانوا وراء اتخاذ قرار في مجلس الأمن في 2/6/2008م تحت رقم 1816 يجيز دخول السفن الحربية إلى المياه الإقليمية الصومالية لمكافحة القراصنة وأعمال السطو المسلح على السفن لمدة ستة أشهر قابلة للتمديد، وقد تم ذلك بمبادرة فرنسية. وكانت فرنسا قد اقترحت في 16/9/2008م على لسان وزير خارجيتها كوشنير، كما ورد في وكالة الأنباء الفرنسية، شَنَ عملية عسكرية بحرية وجوية في شهر كانون الأول القادم لمكافحة القرصنة في منطقة جنوب البحر الأحمر أي في خليج عدن ومقابل السواحل الصومالية. وقد أوردت وكالة الأنباء الفرنسية (أ. ف.ب) أيضاً تصريحاً لقائد القوات البحرية الفرنسية في المحيط الهندي جيرار فالان أكد فيه بأن القراصنة في خليج عدن وبحر العرب أصبحوا قوة شبه عسكرية حقيقية مجهزين بشكل جيد ومحترفين. وألمانيا طالبت أيضاً بالقيام بأعمال عسكرية هناك. وفي 20/11/2008م أصدر مجلس الأمن بالإجماع قراراً، كانت من ورائه أوروبا أيضاً حيث صاغته بريطانيا، وهو يتضمن عقوبات على كل من يساهم في إشاعة الفوضى والعنف في بر الصومال وفي سواحله ليشمل القراصنة.

 4- لقد نقلت الجزيرة في 18/11/2008م عن شيخ شرف أحمد، جبهة تحرير الصومال جناح جيبوتي، استغرابه من ازدياد أعمال القرصنة في ظل أساطيل حربية تابعة للقوى الكبرى الموجودة في المنطقة، وقال إنه لغز يستعصي على الفهم!. وفي التاريخ نفسه، وفي برنامج لقاء اليوم على الجزيرة، قال عمر إيمان أبو بكر، رئيس تحالف تحرير الصومال الذي يعرف بجناح أسمرة، قال إن القرصنة صناعة أمريكية، فنحن نعرف أن البوارج الأمريكية موجودة في الساحل الصومالي بكثرة وأن هؤلاء يقومون بهذه القرصنة مع وجود هذه السفن الأمريكية العملاقة على مرأى ومسمع منها، بل إن الأخبار تؤكد أن القوات الأمريكية تقوم بتدريب هؤلاء القراصنة الذين  يأخذون هذه السفن المحملة بالبضائع إلى الصومال وإلى غيرها والبوارج الحربية الأمريكية تتفرج على ذلك!

5- إننا نخلص من كل ذلك إلى الأمور التالية:

 الأمر الأول: إن أمريكا فشلت في تحقيق "نصر" في الحرب برّاً في الصومال، أي على أرض الصومال، سواء أكان ذلك بقواتها مباشرة كما فعلت عام 1993م حيث لم تقوَ على أن تبقى على أرض الصومال أكثر من ثمانية عشرَ شهراً، ثم ولت الأدبار يومئذٍ ذليلة هزيلة، أم كان بقوات عملائها عنها بالوكالة، كما فعلت أثيوبيا التي بدأت بلمِّ خيام عساكرها للرحيل! وكذلك فإنه من المستبعد أن تربحها في المستقبل القريب على الأقل.

بعد فشل أمريكا هذا، عمدت إلى تحقيق نصر سياسي عن طريق ألاعيب المفاوضات السياسية، وذلك بأن توجد حكومة مشتركة مكونة من تآلف مصطنع بين حكومة عبد الله يوسف وأجنحة المحاكم الإسلامية، ومع أنها نجحت في إيجاد اتفاق بين حكومة عبد الله يوسف وجناح جيبوتي للمحاكم الإسلامية الذي وُقِّع في 26/10/2008م، إلا أنه من غير المتوقع أن يصل هذا الاتفاق إلى غايته بسبب مقاومة حركة الشباب المجاهدين لهذه الاتفاقية سيئة الذكر، واستيلائهم على كثير من المناطق في الصومال، حتى كادوا يصلوا إلى العاصمة وفق تصريح عبد الله يوسف نفسه. ومن المعروف أن هذه الحركة قد انفصلت عن المحاكم الإسلامية، جناح أسمرة وجناح جيبوتي، حيث اتهمتهما بعد أن وقعا اتفاقية أسمرا في أيلول 2007م، اتهمتهما بأنهما تحالفا مع العلمانيين وتخلوا عن الجهاد في سبيل الله...

وهكذا فإن أمريكا قد فشلت في تحقيق نصر عسكري في بر الصومال، أو نصر سياسي كامل كما أرادت.

بعد فشل أمريكا هذا في بر الصومال، فكأنها عمدت إلى السيطرة على المنطقة من خلال البحر، فتجعل سواحل الصومال وعدن مركز اختطاف للسفن الدولية، أي أوروبا على وجه الخصوص، فتشغلها أمنياً بأعمال الخطف تلك، وبالتالي توجد "صداعاً" لأوروبا في البحر، يخفف عن أمريكا "الصراع في البر"، ومن ثم تنفذ هي عن طريق البحر إلى سواحل القرن الإفريقي، ومن ثم إلى داخله عن طريق الفوضى "الخطّافة" على غرار سياستها في منطقة الشرق الأوسط المسمى الفوضى "الخلاّقة"، وبالتالي تحقق من وراء هذه الفوضى البحرية أهدافها في السيطرة على ضفتي باب المندب في خليج عدن من جهة اليمن ومن جهة جيبوتي، وتسهل عليها مستقبلاً النفاذ إلى الصومال من جديد، وهكذا تصبح متحكمة بالبحر الأحمر ومنافذه وجوانبه، بعد أن تكون أشغلت أوروبا بسياسة الخطف وأبعدت سفنها وبوارجها عن تلك المنطقة. والمعروف أنها منطقة حساسة ومهمة استراتيجياً واقتصادياً حيث إن ثلث النفط المصدَّر يمر من هذه المنطقة، وكذلك عشر التجارة البحرية الدولية من مختلف البضائع، فهذه المنطقة ممر لآلاف السفن التجارية...

الأمر الثاني: إن الموقف الأمريكي غير مبالٍ من أعمال القرصنة، وأوروبا هي المهتمة بها، وهي المتضررة أكثر منها كما هو ملاحظ. حيث يعتبرها الأمريكيون أعمالاً إجرامية عادية وليست إرهابية ولا تستأهل القيام بعملية عسكرية ضدها، وهي غير مجدية وغير ناجعة وفق رأيهم، بل يضيفون أنه لو اجتمعت دول العالم كله لم تقدر على الحد منها!

وقد انعكس هذا الموقف على عملاء أمريكا في المنطقة، فقد استطاعت مصر في اجتماع القاهرة يوم 20/11/2008م الذي ضم خمس دول عربية مطلة على البحر الأحمر، استطاعت أن تؤثر في البيان الختامي حيث أشار إلى احترام سيادة الأراضي الصومالية ومياهها عند مواجهة القرصنة، وهذا يعني عكس المشاريع الفرنسية التي تدعو إلى القيام بعملية عسكرية في المنطقة متجاوزةً حدود الدول ومياهها...

هذا موقف أمريكا تجاه القرصنة، وأما الأوروبيون فإنهم يعتبرونها شبه عسكرية، وأنها صناعة حقيقية للجريمة، كما وصفها ساركوزي، وأنه يجب القيام بشن عملية عسكرية واسعة النطاق في الشهر القادم ضدها وفق رأيهم.

الأمر الثالث: إن أمريكا لم تغمض عينها عن جيبوتي، فهي حاولت وتحاول أن تكون موطئ قدم ثابت لها، إلا أن فرنسا تعُدُّ جيبوتي مركزها الرئيس في المنطقة، فإنَّ فيها أكبر قاعدة عسكرية فرنسية في الخارج حيث يوجد فيها 2700 جندي فرنسي تنطلق منها جواً وبحراً لحماية نفوذها في المنطقة حتى أواسط أفريقيا. وإن فرنسا تدرك تطلع أمريكا إلى جيبوتي، ولهذا سمحت لأمريكا باستخدام قاعدة قديمة لها هناك اسمها لومونية، وأن تضع فيها أمريكا قوة بسيطة لا تتجاوز الألف جندي، على أمل الحد من تطلع أمريكا إلى جيبوتي والصراع عليها. غير أن أمريكا كانت تفكر بطريقة أخرى، فاعتبرت المئات الثماني من جنودها الموجودين حالياً في تلك القاعدة، اعتبرتهم منطلقاً لها وليس نهاية المطاف، وهي حالياً تعمل على توسيع هذه القاعدة حتى تتسع لألفي عسكري أمريكي بحجة مكافحة الإرهاب، حيث كانت هذه الحجة مدخلاً لسماح فرنسا بالتوسعة، فقد قالت وزيرة الدفاع الفرنسي كما ورد في جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 28/10/2008م بأن هدف الولايات المتحدة هو إقامة قاعدة خلفية لمحاربة الإرهاب، وأضافت أن الوجود الأمريكي ليس دائماً بل هو مربوط بمحاربة الإرهاب، ثم ركزت على أن الوجود الفرنسي دائم، وهذا التصريح يلمح إلى أن هناك تخوفاً على ذهاب وجود فرنسا وامتداد الوجود الأمريكي في جيبوتي، وهو وإن كان تلميحاً في تصريح الوزيرة، إلا أنه ورد تصريحاً في قول لمسؤول فرنسي عسكري كبير في اليوم نفسه وفي الجريدة نفسها، حيث التقتهُ الوزيرة خلال زيارتها للقاعدة الفرنسية في جيبوتي، هذا المسؤول العسكري الكبير قال: إن هدف الولايات المتحدة من الانتشار في جيبوتي هو لضمان وجود أمريكي دائم في القرن الأفريقي وبؤر التوتر في اليمن والصومال وحتى السودان...

كما أن من مخططات أمريكا كذلك إقامة قاعدة دائمة لها في عدن كما كان لبريطانيا سابقاً، ومنها تنطلق لبسط نفوذها في سائر اليمن كما فعلت بريطانيا سابقاً. ولذلك تتخوف اليمن من التطورات الأخيرة. فقد نقلت الجزيرة في 18/11/2008م تصريحاً لوزير خارجية اليمن أبو بكر القربي عبر فيه عن مخاوفه من كثافة الأساطيل الغربية المنتشرة بخليج عدن بدعوى مكافحة القرصنة، واعتبر ذلك تهديداً للأمن القومي العربي وأن هذا الانتشار لتلك الأساطيل قد يؤدي إلى تدويل البحر الأحمر.

هذا التطلع الأمريكي إلى جيبوتي وعدن كذلك، هو من دوافع أمريكا لـ"إرهاب" السفن الدولية "الأوروبية" لإشغالها أمنياً هناك ومن ثم إبعادها عن تلك المنطقة أو تقليل وجودها.

وهكذا فإن أمر القرصنة مرتبط بنقطتين: الوضع داخل الصومال، والسيطرة على منطقة خليج عدن وسواحل الصومال. وأنه من الملاحظ أن أمريكا "تتفرج" على أعمال القرصنة، وأن عيونها تتطلع إلى القرن الأفريقي انطلاقاً من مياهه. وأن أوروبا مهتمة بإطفاء لهيب القرصنة ولو عسكرياً حفاظاً على مصالحها.

وكل ذلك يجعل وجهاً قوياً من الصحة لاتهام أمريكا بأن لها يداً، وليست يداً قصيرة، وراء أعمال القرصنة التي تدور هناك في المنطقة.

وأخيراً فإنه ليحز في النفس أن يكون البحر الأحمر وسواحل الصومال مرتعاً للدول الكافرة المستعمرة، في الوقت الذي تحيط البلاد الإسلامية بهذه الأماكن، إلا أن الأنظمة الحاكمة في بلاد المسلمين من حول البحر الأحمر وسواحل الصومال هي أشبه بدمية تتقاذفها تلك الدول وتستعملها أداة من أدوات صراعها على الهيمنة على مياه وأجواء وأراضي المسلمين.

إن هؤلاء الحكام بحق رويبضات، وصدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «يأتي على الناس سنوات خداعات... وينطق في الناس الرويبضة قالوا وما الرويبضة يا رسول الله قال الرجل التافه يتكلم في أمر العامة».

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع