الأربعاء، 25 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/27م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

جواب سؤال: كيف سيكون صراع النفوذ الأميركي-الروسي على أوكرانيا في الحقبة المقبلة؟

 

 

 

السؤال:

 

بتاريخ 02 شباط/فبراير 2010م انعقدت الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية في أوكرانيا، وفي الجولة الأولى من الانتخابات نال فيكتور يوشينكو الذي وصل للحكم من خلال الثورة البرتقالية على 5% فقط من الأصوات، وفي الجولة الثانية لم يتمكن من خوض المنافسة، أما يانوكوفيتش وتيموشينكو فقد حازا في الجولة الأولى على 35% و25% من الأصوات، وفي الجولة الثانية واصلا التنافس. إن فيكتور يانوكوفيتش الموالي لروسيا والذي شغل منصب رئيس الوزراء سابقاً ورئيساً للدولة عام 2004 حقق في الجولة الثانية فوزاً بنسبة 48% أمام منافسته تيموشينكو التي نالت 46%، فأصبح بذلك رئيساً للدولة من جديد. فهل يعني ذلك انتهاء حقبة الثورة البرتقالية وعودة أوكرانيا لموالاة روسيا؟ وكيف سيكون صراع النفوذ الأميركي-الروسي على أوكرانيا في الحقبة المقبلة؟

 

 

الجواب: 

 

1. كما هو معلوم بعد انعقاد الانتخابات الرئاسية عام 2004 وقعت الثورة البرتقالية، ما أدى إلى سقوط يانوكوفيتش من الحكم، وشكل فيكتور يوشينكو ويوليا تيموشينكو مكانه ائتلافاً موالياً للغرب، ما تسبب برفع مستوى التوتر بين روسيا من جانب والغرب المتمثل بأميركا وأوروبا من الجانب الآخر، وقام كلا الطرفين بتنظيم الحملات تجاه بعضهم البعض. إلا أن يوشينكو أثناء فترة حكمه رفع من حدة التوتر بين أوكرانيا وروسيا من خلال محاولاته لدخول أوكرانيا حلف الشمال الأطلسي (الناتو)، وتصريحاته المتعلقة بإخراج أسطول البحر الأسود الروسي من شبه جزيرة القرم، ومن خلال بنائه علاقات وطيدة مع إدارة ساكاشفيلي في جورجيا، واتباعه سياسة الصراع الدائم مع روسيا في كافة المجالات ... وبخاصة موضوع الطاقة والأمن. ولهذا لم يتمكن يوشينكو من أن يحقق تأييداً شعبياً واسعاً وخصوصاً فيما يتعلق بمشروعه الوطني الذي في هو جملته عبارة عن برنامج صراع مع روسيا.

وفي المقابل قامت روسيا باستخدام ورقة الغاز الطبيعي الضاغطة للإجهاز على يوشينكو ولإظهاره أمام الشعب بأنه شخصية غير مرغوب بها. حيث هددت روسيا خلال العامين الأخيرين وخصوصاً في أشهر الشتاء القارص بقطع الغاز الطبيعي أو برفع الأسعار، فأظهرت بذلك للشعب الأوكراني المتذمر من أن التوجه نحو الغرب ليس هو الحل...

وعلى صعيد آخر فإن أكرانيا قد وقعت بتأثير الأزمة الاقتصادية العالمية في عدم استقرار سياسي واقتصادي مستمر حيث أجريت انتخابات برلمانية مرتين وتغيّرت الحكومة خمس مرات... كل هذه العناصر هيأت الأجواء لخسارة يوشينكو في الانتخابات ونجاح يانوكوفيتش الموالي لروسيا فيها.

2. إن أوكرانيا التي تبلغ مساحتها 603.700 كيلومتر مربع وعدد سكانها 48 مليون نسمة تمتاز بموقع استراتيجي لإطلالها على البحر الأسود، وتمتاز بمرور خطوط الطاقة منها خصوصاً خطوط الغاز الطبيعي، بالإضافة إلى أنها تمتاز بموقعها الذي يربط أوروبا بآسيا، لذا فبإمكانها التأثير في الوضع الدولي والتوازن الإقليمي، ولهذا فإن كل من روسيا وأميركا ودول الاتحاد الأوروبي تنظر إليها باهتمام بالغ.

3. أما بالنسبة لأهمية أوكرانيا الاستراتيجية في نظر روسيا، فإن روسيا تنظر لأوكرانيا باهتمام بالغ وذلك لأن أغلبية السكان في شرق أكرانيا تعتنق المذهب الأرثودوكسي وتتكلم الروسية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى وجود قاعدة أسطول البحر الأسود العسكرية الروسية فيها، وفق اتفاقية ستنتهي مدتها عام 2017م.

وبعد أن وقعت الثورة البرتقالية في أوكرانيا عام 2004، توترت العلاقات مع روسيا بسبب مساعي أوكرانيا نيل العضوية في الاتحاد الأوروبي وبسبب موقف أكرانيا من أسطول البحر الأسود الروسي المرابط في سيواستوبول، وبسبب خلافات حول الغاز الطبيعي.

ولذلك فإن روسيا بذلت جهداً كبيراً في تسخين الأجواء ضد حكم يوشنكو وبخاصة في المناطق الشرقية من أكرانيا وبعض المناطق الأخرى الموالية لها في أكرانيا... وقد نجحت في الانتخابات الأخيرة بتوصيل حكومة موالية لروسيا إلى سدة الحكم في أوكرانيا، فتنفست روسيا الصعداء، وفور أن وصل يانوكوفيتش للحكم قام بتوقيع العديد من الاتفاقيات مع موسكو في مجال الطاقة، ووطد التعاون الاقتصادي فيما بينهما، وعمد إلى تنمية العلاقات في مجالات الصحافة والنشر والتعليم واللغة والثقافة. وقد أشار يانوكوفيتش إلى إمكانية إجراء اتفاقية جديدة تتعلق بأسطول البحر الأسود الروسي مقابل خفض أسعار الغاز الطبيعي، حيث صرح وفقاً لما نشره موقع (www.haberrus.com) بتاريخ 06/03/2010م بالقول: "إن المشكلة المتعلقة بأسطول البحر الأسود الروسي من الممكن حلها بصورة تصب في مصلحة كل من روسيا وأوكرانيا". ومن الناحية الأخرى فإن أوكرانيا ذات الموقع الاستراتيجي المهم المطل على البحر الأسود والتي تشكل معبراً لخطوط الطاقة، وتربط أوروبا بآسيا، هي محط أنظار روسيا على الدوام.

4. أما بالنسبة لأهمية أوكرانيا الاستراتيجية في نظر الولايات المتحدة الأميركية، فإن أوكرانيا تمتاز بأهمية حيوية بالنسبة لأميركا التي تسعى لمحاصرة منطقة النفوذ الروسي. ولهذا فإن فقدان أميركا لنفوذها في أوكرانيا أمام النفوذ الروسي يعني انطلاق يد روسيا في البحر الأسود وفي أوروبا الشرقية. وعليه فقد رأينا كيف بذلت أمريكا الوسع في الثورة البرتقالية التي جاءت بيوشنكو إلى الحكم، وأصبحت أكرانيا في تلك الحقبة شريكاً استراتيجياً رئيسياً للولايات المتحدة الأميركية، وكانت تقوم بتقديم المساعدات الاقتصادية لها، حتى إنها كانت في الدرجة الثالثة بعد (إسرائيل) ومصر في قائمة المساعدات الأميركية، وذلك لتقطع أميركا اعتماد أوكرانيا على روسيا اقتصادياً... إلا أن أميركا خلال أزمتها الاقتصادية، وبخاصة وهي عالقة في المستنقع العراقي والأفغاني، لم تتمكن من إعطاء الاهتمام الكافي والإمكانيات اللازمة لأوكرانيا، ما ساعد روسيا وسهل عليها عملية التأثير في زعزعة الثورة البرتقالية.

5. أما بالنسبة لأهمية أوكرانيا الاستراتيجية في نظر الاتحاد الأوروبي، فإن أوكرانيا تعد بمثابة الجدار الفاصل بين روسيا وأوروبا الشرقية، يَعبر من أراضيها إلى أوروبا 80% من الغاز الطبيعي الروسي الذي يشكل ربع الاستهلاك الأوروبي، ولذلك فهي تحوز على أهمية بالغة بالنسبة لأوروبا. وبعد أن أصبحت بولندا عضواً في الاتحاد الأوروبي وأصبحت رومانيا وبلغاريا مؤهلة للعضوية فيه، أصبحت أوكرانيا جارة لدول الاتحاد الأوروبي، وذات أهمية كبرى بالنسبة للاتحاد الأوروبي، فهي من جانب تعتبر جسراً بين أوروبا وروسيا، ومن الجانب الآخر تعتبر منطقة عازلة فيما بينهما.

6. وهكذا فإن أهمية أكرانيا لهذه الدول مجتمعة جعلت هذه الدول مهتمة بالانتخابات الأخيرة... إلا أن المدقق في سير الانتخابات يرى أن يانوكوفيتش حقق نجاحه بفارق 3% من الأصوات فقط، وهذه النتيجة تُظهر للعيان أن الأجواء السياسية لم تتغير كثيراً عما كانت عليه في السابق. ولهذا فبالرغم من خسارة فيكتور يوشينكو الموالي للغرب رئاسة الجمهورية، ومجيء يانوكوفيتش الموالي لروسيا في موقع الرئاسة، فإنه من المبكر القول بأن فترة الثورة البرتقالية قد انتهت وأن أوكرانيا عادت لتدور في فلك روسيا تماماً، ذلك أن يانوكوفيتش قد حقق فوزه بفارق ضئيل ما يعني أن القاعدة الموالية للغرب في أوكرانيا لازال لديها ثقلها ونفوذها. وهذا يعني أن الصراع الأميركي-الروسي على أوكرانيا سيستمر.

7. إن يانوكوفيتش يدرك هذا الأمر، ولذلك فإنه على الرغم من ولائه لروسيا إلا أنه قام بزيارته الأولى لبروكسيل بدلاً من موسكو، في محاولة منه لاستمالة التوجه الأوروبي ولإبعاد حقيقة ولائه لروسيا عن الأنظار خصوصاً وأنه حقق نجاحه في الانتخابات بفارق ضئيل من الأصوات، وحتى لا يواجه المصير نفسه الذي واجهه بعد انتخابات عام 2004 عندما خرج الشعب إلى الشوارع وأنزلوه من الحكم، ولذلك فإن المتوقع منه أن يتخذ من الأساليب ما يظهره متوازناً إلى حدٍ ما بين روسيا والغرب، وأن يغلف سياساته بغلاف لا يستفز أمريكا، ولا الاتحاد الأوروبي، مع أنه في حقيقة الأمر سيتبع سياسات قريبة من روسيا، وكان قد أشار سيرغي تاران من المعهد الدولي للديمقراطية في كييف إلى ذلك في تصريحه الذي نشره موقع بي بي سي التركي بتاريخ 08/02/2010م حيث قال: "إن الخط العريض لفترة حكم يانوكوفيتش واضح، سيقوم يانوكوفيتش بتحسين العلاقات الأوكرانية مع الكرملين، وسيبعد النقاش حول عضوية أوكرانيا في حلف الشمال الأطلسي (الناتو)، وسيقوم بتمديد أمد اتفاقية قاعدة أسطول البحر الأسود الروسي الموجودة في شبه جزيرة القرم والتي ستنتهي عام 2017".

والغرب لا شك يدرك ولاء يانوكوفتش لروسيا، ويدرك أن اتخاذ سياسة تصادمية معه لا تكون ذات جدوى، بل باتخاذ سياسة ظاهرها التقارب، وباطنها التماس أساليب ملونة أخرى تضع العراقيل أمامه، ولهذا "باركت" أمريكا نجاح يانوكوفيتش في الانتخابات ومثل ذلك صنع الاتحاد الأوروبي...

ومع كل هذا فإن صراع النفوذ بين الغرب، وبخاصة أمريكا وروسيا، على أكرانيا لن يتوقف لأهمية البلد لهذه الأطراف، فقاعدة كل من الطرفين في أكرانيا ذات وزن وشأن، فالفارق الانتخابي بين القاعدتين فارق ضئيل "3%" ما يعني أن كلا الطرفين له ركائزه الفاعلة في أكرانيا.

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع