الجمعة، 27 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/29م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
تأملات في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية" - الحلقة الثمانون

بسم الله الرحمن الرحيم

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 


تأملات في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية"


الحلقة الثمانون

 

 

 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على إمام المتقين, وسيد المرسلين, المبعوث رحمة للعالمين, سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, واجعلنا معهم, واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.


أيها المسلمون:


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية". ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية, مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية, نقول وبالله التوفيق:


هناك أخلاق ذميمة منهي عنها, منها الكذب. ويتعلق بمسألة الكذب أمران أولهما التورية والمعاريض وهي أن تطلق لفظا هو ظاهر في معنى, وتريد به معنى آخر يتناوله لكنه بخلاف الظاهر، أو أن تطلق لفظا يحتمل معنيين: أحدهما قريب والآخر بعيد، وتنوي البعيد, ويفهم السامع المعنى القريب المتبادر إلى الذهن أولا, وذلك:


كما في حديث أنس عند أحمد والترمذي في الشمائل، والبغوي في شرح السنة، وصححه ابن حجر في الإصابة، قال: "إن رجلا من أهل البادية كان اسمه زاهرا، وكان يهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الهدية من البادية، فيجهزه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن زاهرا باديتنا، ونحن حاضروه. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه، وكان رجلا دميما، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يوما وهو يبيع متاعه، فاحتضنه من خلفه ولا يبصره الرجل، فقال: أرسلني من هذا، فالتفت فعرف النبي صلى الله عليه وسلم فجعل لا يألو ما ألصق ظهره بصدر النبي صلى الله عليه وسلم حين عرفه، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من يشتري العبد؟ فقال: يا رسول الله، إذا والله تجدني كاسدا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لكن عند الله لست بكاسد أو قال: لكن عند الله أنت غال".


وكما في حديث أنس عند أبي يعلى، قال: لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يركب، وأبو بكر خلفه، وكان أبو بكر الصديق يعرف الطريق باختلافه إلى الشام، فكان يمر بالقوم فيقولون: من هذا معك؟ فيقول: هاد يهديني، يريد الهداية في الدين, ويحسبه الآخر دليلا يرشده إلى الطريق, فلما دنوا من المدينة بعثا إلى القوم الذين أسلموا من الأنصار إلى أبي أمامة وأصحابه، فخرجوا إليهما فقالوا: ادخلا آمنين مطاعين، فدخلا قال أنس: فما رأيت يوما قط أنور ولا أحسن من يوم دخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر المدينة.


وكما في سيرة ابن هشام قال ابن إسحق: فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وأبو بكر الصديق حتى وقف على شيخ من العرب، فسأله عن قريش، وعن محمد وأصحابه وما بلغه عنهم فقال الشيخ: لا أخبركما حتى تخبراني ممن أنتما؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أخبرتنا أخبرناك، قال أذاك بذاك؟ قال: نعم, قال الشيخ: فإنه بلغني أن محمدا وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان صدق الذي أخبرني، فهم اليوم بمكان كذا وكذا، للمكان الذي به رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغني أن قريشا خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان الذي أخبرني صدقني فهم اليوم بمكان كذا وكذا للمكان الذي فيه قريش. فلما فرغ من خبره قال ممن أنتما؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن من ماء وأشار بيده نحو العراق ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه إلى أصحابه، ولا يعلم واحد من الفريقين بمنزل صاحبه. قال يقول الشيخ ما من ماء أمن ماء العراق؟


والمعاريض جائزة لما روى البخاري في الأدب المفرد بإسناد صحيح عن عمران بن حصين، ولما روى البيهقي عن عمر بن الخطاب بإسناد صحيح أيضا أنهما رضي الله عنهما قالا: "إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب" ولم يرفعاه للنبي صلى الله عليه وسلم.


هذا وإن المعاريض تلزم حامل الدعوة أكثر من غيره؛ لأنه يتعرض لأسئلة حرجة في كثير من الأحايين أثناء التحقيق معه من قبل الأجهزة الأمنية, فهو بوصفه مسلما وحاملا للدعوة يصدق ويتحرى الصدق امتثالا لأمر الله, ويتجنب الكذب حتى لا يكتب عند الله كذابا, ولكي يكون قدوة لغيره, فإذا أجاب عن أسئلتهم بصدق أضر بالحزب وبشبابه, وهذا أمر محرم في الإسلام؛ لذا فإن الشباب يستخدمون أسلوب التورية والمعاريض للخروج من المواقف الحرجة, وقد استخدم الشيخ تقي الدين النبهاني رحمه الله هذا الأسلوب أحسن استخدام حين كان معتقلا في العراق, سأله المحقق: لماذا أتيت إلى العراق؟ فأجابه على الفور: ما أنا إلا شيخ كبير, أتيت للعلاج! فهذه العبارة لها معنيان محتملان: معنى ظاهر قريب لا يريده قائله, ومعنى خفي بعيد هو المقصود: أما المعنى الأول فهو أنه شيخ طاعن في السن مريض جاء لتلقي العلاج طلبا للشفاء! وأما المعنى الثاني فهو أنه مفكر طبيب جاء ليعالج أمراض الأمة بأحكام الإسلام!


فإذا التزم المسلم بالأخلاق الفاضلة, باعتبارها أحكاما شرعية واجبة الاتباع طاعة لله: امتثالا لأوامره, واجتنابا لنواهيه, فإنه يسمو ويرقى في المرتقى السامي من علي إلى أعلى, ومن شاهق إلى شاهق.


والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 


محمد احمد النادي

آخر تعديل علىالثلاثاء, 07 حزيران/يونيو 2016

وسائط

2 تعليقات

  • إبتهال
    إبتهال الخميس، 09 حزيران/يونيو 2016م 15:02 تعليق

    جزاكم الله خيرا وبارك جهودكم

  • Khadija
    Khadija الثلاثاء، 07 حزيران/يونيو 2016م 08:12 تعليق

    بوركت كتاباتكم المستنيرة الراقية، و أيد الله حزب التحرير وأميره العالم عطاء أبو الرشتة بنصر مؤزر وفتح قريب إن شاء الله

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع