مذكرات المعتقل السياسي شاب حزب التحرير "محمد" البالغ من العمر 16عاما
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الذي حدث معي في سجون السلطة الظالمة، هو كالآتي:
بعد أن وزع بيان حزب التحرير "السلطة الفلسطينية الذليلة أمام يهود تختطف وتحاكم شباب حزب التحرير" يوم السبت، في تاريخ 24\1\2010، وأنا راجع إلى بيتي، سبقتني أجهزة عباس إلى البيت، وأعطت أبي التبليغ، والذي كتب فيه، "عليك الحضور إلى مباحث البلدة لقضية لدنيا، لكني لم أكترث بذلك ولم أجب طلبهم".
بعد يومين أي الاثنين، حضرت إلى منزلي قوة عسكرية لاعتقالي، وكان الغضب يظهر عليهم، بالصدفة وقع أحد هؤلاء على الأرض أثناء محاصرة المنزل، في نفس الأثناء المسئول عنهم أخبرني أنهم حضروا لاعتقالي، وقد كنت في تلك اللحظة غير متجهز، فلم أكن ألبس من الثياب إلا الخفيف، ولم أكن أنتعل أي حذاء، فطلبت منه أن أنتعل حذائي، ولكن عناصره الغاضبون، رفضوا ذلك، بل جروني الى السيارة، فبدأت أصيح عليهم، وأنعتهم بصفات تليق بهم، فزاد ضربهم لي، وزاد صياحي عليهم، ثم أدخلوني السيارة، ولم يتوقف ضربهم، بأيديهم وأرجلهم وأعقاب بنادقهم، فصحت من شدة الألم "حسبي الله ونعم الوكيل عليكم"، "حسبي الله على كل ظالم" علهم يرتدعون، لكنهم زادوا حنقا على حنق، وغيظا على غيظ، فزاد ضربهم، حتى أصابوا رأسي بأعقاب بنادقهم، وظهري وقدماي ويداي.
ثم أدخلوني على مقرهم الأمني، فكان في استقبالي مدير المركز، وقد كان الغضب ظاهرا على وجهه، فبادرني بسؤال، لماذا لم تحضر فورا حيث أنه قد تم تبليغك بضرورة الحضورإلى المركز، هل تستخف بالسلطة، فلم أجب، ثم بدأ يسألني الأسئلة:
هل تعترف بالسلطة؟
لا أعترف بشرعية السلطة أبدا، فزاد غضبه
هل وزعت المنشور؟
لا لم أوزع ولو سنحت لي الفرصة لوزعت، ولكن للأسف لم تسنح لي الفرصة.
من أعطاك النشرات؟
لم يعطني إياها أحد
ثم رجع إلى السؤال الأول
لماذا لا تعترف بشرعية السلطة؟
لأن السلطة وجدت على أساس اتفاقية أوسلو، واتفاقية أوسلو باطلة شرعا، لأنه بموجبها تم التنازل عن فلسطين لليهود، وهذا حرام، وكل ما بني على حرام هو حرام، وغير شرعي، فكيف أعترف بشرعية شيء، الله سبحانه وتعالى لا يعتبره شرعيا، فكيف أخالف أمر الله
ثم أنظر إلى أفعال سلطتكم، تنسيق أمني مع يهود، مطاردة للمخلصين، وحالكم أنكم اليوم استبدلتم السلام مع دولة يهود والحفاظ على أمنها، بالحرب مع دولة يهود واقتلاعها، وتراجعتم عن قلع المستوطنات من جذورها، وقبلتم بتجميد بناءها لفترة قصيرة، ثم فرطتم في عودة اللاجئين إلى ديارهم، فجعلتموه حقا للعودة، يمكن أن يستبدل بتعويض، وبعد أن كنتم تطلقون الرصاص على يهود، وقعتم اتفاقيات بموجبها تمنعون من يطلق الرصاص عليهم، بل تلاحقوه وتسجنوه ويصل الأمر أحيانا أنكم تقتلوه، ثم تريد مني أن أعترف بشرعية كل هذا!!
فزاد غضبه إلى حد كبير، وبدل أن يجيب على الحجة بالحجة، صار يصرخ ويصيح بفيه لافظا القذارة، سب وشتم على الحزب وشبابه وأميره، فلم أجد بدا من أن أرد عليه العبارات بأبلغ منها.
فما لبث إلا ونادى على بعض زبانيته، فقاموا بتثبيتي على كرسي، وقام هو بصفعي على وجهي مرات عدة، وهم جاعلون يدي خلف الكرسي يسحبونها بكل قوة حتى شعرت أنها كادت تكسر، وهو يصيح هل تعترف بشرعية السلطة، وأنا أصيح لا لن أعترف، ثم قلت له مهما حاولت إخافتي ومهما ضربتني، فلن أعترف بشرعية السلطة ولن أتنازل عن حزب التحرير الذي هو نبض دمي، ولو شققت عروقي لرأيتها تنبض بدم تحريري خالص، لن أتنازل، فحزب التحرير على الحق، وأنتم على الباطل، ففكرته صحيحة، وطريقته شرعية.
ثم توقف الضرب وسحبوني إلى غرفة المحقق، الذي كان هادئا، فسألني بعض الأسئلة، عن اسمي وسني وعنواني، وماذا أعمل، وهل أنا من حزب التحرير أم لا، فأجبته، ثم سأل عن توزيعي للنشرات، فقلت لم افعل ولو سنحت لي الفرصة لفعلت، ثم سألني عن من زودني بالمنشورات، فلم أجبه بما يريد.
بعد انتهاء التحقيق تم وضعي في النظارة، وفي آخر الليل حضر إلى النظارة مدير المركز ومعه عنصر من العناصر، ليسألني عن اعترافي بشرعية السلطة، فلم يتغير جوابي، ثم سألني هل أنت مقتنع بما هو موجود في المنشور، فقلت له، أنا مقتنع به تمام القناعة، ومقتنع بكل حرف صدر عن حزب التحرير منذ عام 1953، ومهما حاولتم معي، ومهما عذبتموني، فلن تتزحزح قناعاتي مطلقا، فتمعر وجهه غضبا، ثم بدأ يضربني مرة أخرى هو وذاك العنصر، بكل شدة.
وفي صباح اليوم التالي، قاموا بتحولي إلى المقر الرئيسي للمباحث في مدينة الخليل، فلما وصلنا إلى هناك، طلبت عرضي على الخدمات الطبية، وفعلا ذهبت إلى هناك، وتمكنت من الاتصال بوالدتي المريضة لأطمئنها أني بخير، ثم قلت لها "إياك أن تأتي إلى هنا وتستجدي أحدا من الأنذال، أنا بخير ولا تقلقوا بشأني".
ثم أدخلت إلى غرفة المحقق فسألني:
من أتى لك بالبيانات؟ وأين وزعتها وكم عددها؟ وهل أنت مقتنع بها؟ ولماذا تسبونا؟
فأجبت بغير ما يريد، لم أوزع شيئا ولم تسنح لي الفرصة بتوزيعها، ولو سنحت الفرصة بتوزيعها لفعلت، وأنا مقتنع تماما بها، وهي 6، ونحن نقول ما نقول في السلطة لوقاحتها ولذلها أمام الاحتلال فجيب واحد من جيبات اليهود يجعلكم تختبئون في مقراتكم، وهذا هو الواقع شئتم أم أبيتم.
ثم قال لي أن زميلك عبد الله قد اعترف عليك، وقال بأنه هو الذي أعطاك البيانات، فقلت هذا الكلام غير صحيح بتاتا، وحتى لو اعترف عبد الله فلن تجعلوني أعترف على أحد، حتى لو جاء عبد الله وقال أنا الذي أعطيتك النشرات فلن أعترف على أحد، واجهوني بصاحبي لنعرف من هو الكاذبِ، فأحضروا زميلي، وحاولوا الإيقاع بيننا، حيث تبين لي أنهم قالوا لزميلي أني اعترفت عليه، ولكن ظهرت الحقيقة حين المواجه، وكان موقفهم مخزيا، حتى قال لهم زميلي إنكم لقوم كذابون.
ثم طلب مني التوقيع على تعهد، فرفضت، وفي نفس الفترة كان هناك جمع من أخوالي جاءوا لزيارتي والاطمئنان علي، ويبدو أنهم قابلوا بعض الظلمة، الذين أخبروهم أنهم سيفرجون عني إذا وقعت على تعهد.
فلما حصل اللقاء، قال لي أخوالي، يا خال، أمك مريضة بسبب وجودك في السجن، فلا تزد عليها همها ومرضها، وما عليك إلا التوقيع على هذا التعهد وتخرج معنا، فقلت لهم، لا تضغطوا عليَّ، وأمي بخير، وكنت أتوقع منكم أن تشدوا من أزرى بدل أن تضغطوا عليَّ، فما كنت أنتظر هذا الموقف منكم! ولن أوقع أبدا حتى لو أصابني "الخمج" وأنا في السجن، فقال لي أحد أخوالي، إن كان هذا ما تريد فتوكل على الله، "الله يحميك".
ثم حولوني بعد يوم إلى سجن للأحداث، فمكثت فيه يومين دون تحقيق أو أي شيء، اللهم إلا محاولة في اليوم الأخير من مدير سجن الأحداث لإقناعي بالتوقيع على تعهد حتى تنتهي القصة، ولكن لم يفلح معي.
ثم حولت بعد يومين إلى النيابة العسكرية في المدينة الرئيسية، حيث مكثت عندهم ثلاثة أيام، حققوا معي أكثر من مرة وبنفس الأسئلة، وكان منها لقاء مع المدعي العام العسكري، حيث سألني عدة أسئلة، كانت كالتي سبقتها، ولكنه اختلف عن غيره بهدوئه، إلى أن سألني عن مدى قناعتي بالحزب الذي أنتمي إليه، فأجبته أني أنتمي إلى حزب عظيم، فكرته واضحة، وطريقته معروفة وشرعية، وهو يحمل الخير للبشرية كلها، وأنه ساعٍ بكل عزم لتخليص البشرية من الشقاء، وسيأتي يوم يكون هذا الحزب العظيم مخلصا لكم من الذل الذي أوقعتم أنفسكم فيه، فغضب غضبا شديدا، وجعل يشتم على الحزب وعلى أمير الحزب وشبابه، فثار غضبي عليه فرددت عليه بأبلغ مما قال، فزاد غضبه وهددني بتعليمي ومستقبلي، ثم أمر بحبسي 15 يوما، ثم أعادوني إلى السجن.
بعد ذلك أحضروني إليه مرة أخرى، وأخذ يتوعد ويتهدد، حتى أوقع على تعهد، فلم أستجب له ولم أكترث، ثم قال سأجبرك على التوقيع إجبارا، فلم أكترث، ثم نادى ستة من عناصره، وطلب منهم أن يثبتوني على كرسي، فأربعة أمسكوا بيدي اليسرى وجعلوها خلف ظهري، واثنان حاولا وضع القلم في يدي، ولكني قاومت وقبضت يدي بشدة حتى لا يدخلها القلم، والحمد لله لم يفلحوا، فتركوني، ثم حضر نائب المدعي العام وأخذني الى غرفة أخرى، وحدثني أنه غير راضٍ عن الأسلوب العنيف الذي استعمل معي لإجباري على التوقيع، وأخذ يتحدث بمعسول الكلام في محاولة لإقناعي بالتوقيع، كقوله ما هي إلا ورقة لا تقدم ولا تؤخر، وعرض علي ورقة لأوقع عليها، فقرأتها وقلت لن أوقع، ثم عرض أخرى بصياغة أخرى فقلت لن أوقع، ثم قال لي وقع على ورقة بيضاء، فقلت يا سبحان الله أوقع على مجهول ؟؟ ثم أحضر إلي ورقة بيضاء وقال أكتب ما شئت ووقع عليها، فمزقت الورقة، ثم أعطاني ورقة أخرى وقال لي فكر ثم اكتب ما شئت ووقع عليها، ففكرت، ثم كتبت على الورقة النص التالي:
" أنا الموقع أدناه، فلان الفلاني، من مدينة كذا وساكنيها، من شباب الحزب التحرير، والذي أفتخر أني أنتمي إليه، أقر أني سأبقى في حزب التحرير، أمارس الدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأمارس الكفاح السياسي، والصراع الفكري، وأشارك في كل نشاط لحزب التحرير من فعاليات ومسيرات وغيرها" ثم وقعت.
فنظر فيها ثم قام بشطب بعض الأمور لا أعرف ما هي.
ثم أمر بعد ذلك بالإفراج عني، وقد أخرجوني في مدينة لا أعرف طرقها، ولا أعرف كيف أذهب ولا إلى أين أذهب، ولا يوجد معي مال أركب به لأرجع إلى مدينتي، إلى أن قيض الله لي واحدا من أهل الخير ساعدني كي أرجع إلى بيتي.
هذا ما حصل معي وأني أسأل الله الأجر والمغفرة والعافية.