هذه المرة لن أوجه نداءً لأحد، ولن أهاجم حاكماً من حكام المسلمين الخونة، ولن أقوم بتهديد الغرب بجيش الخلافة المقبل ..
هذه المرة سأقص عليكم قصة .. بطعم الدماء ورائحة لحم البشر المشوي .. وأما الأشلاء فهي من ديكورات القصة ..
المكان : منزلي على الطابق الثاني أمام أحد مستشفيات بقطاع غزة
الزمان : قبل أذان الظهر .. لا أدري بكم .. ربما قبل الظهر بنصف ساعة ..
الحدث :
فجاة دوي كبير اهتزت له أركان البيت، قمنا فزعين متوجهين إلى الشرفة
دويُّ انفجار كبير يتلوه دوي آخر وثالث ورابع ونيران ودخان وهلع الناس في الشارع
وبنظرة عابرة سريعة أدركت أن يهود يقصفون القطاع، ولكن القصف هذه المرة كثير ومتتابع
ارتدت نساء البيت الحجاب استعداداً للفرار من المنزل خشية أن يصاب من القصف ..
ووقفنا على الشرفة ننتظر القدر النازل من السماء
وخلال الانتظار بدأت مشاهد تدخل إلى دائرة الإبصار ..
رجل يحمل طفلاً وكلاهما غارق في الدماء ويجري باتجاه باب المستشفى
إسعاف ارتفع عويله يسير بسرعة جنونية لينقل مصاباً أو قتيلاً إلى المستشفى
سيارات تجري بسرعة الصاروخ تنقل مصابين
ارتبكت الحياة
دويُّ الانفجارات يتتابع
دخان من جهة مركز الشرطة المجاور
دخان من جهة مدرسة الشرطة المجاورة
دخان من هناك ومن هناك ولم نلاحق العد .. فقد ملأ الدخان الأسود السماء في نطاق إبصاري
وبدأت تزدحم المشاهد حتى صرتُ أحتاج إلى التركيز أكثر وأكثر لإدراك كل مشهد
أطفال يجرون في الشارع بدون هدى ..
نساء يصرخن ويبحثن عن ماذا ؟ لا أدري .. ربما أبناؤهن .. ربما أزواجهن ..
طيور في السماء أزعجها دويُّ الانفجارات
مجموعة ناس يحملون بطانية وفيها شيء ما .. أركز بصري لأكتشف أنه مجموعة مختلطة من الملابس واللحم البشري .. أين الرأس .. أين القدمين !!! لا أدري أهي موجودة في غير موضعها أم أنهم نسوها في موقع القصف !!
وتتكرر المشاهد، وتخيل أن كل هذا يحدث أثناء عودة الطلاب من مدارسهم ..
وانهار النظام .. وحلت الفوضى ..
وغاض الأمن .. وحل الفزع ..
ومن بين كل هذه المشاهد .. تلمح عيناي امرأة .. في الخمسينيات أو الستينيات .. لا أدري .. ولكنها من النوع الذي إذا ألقيت عليها التحية تقول لها : السلام عليكم يا حاجة ..
المهم .. تحمل الحاجّة عينين زائغتين وبصر مشتت .. تجري مرة شرقاً .. ومرة غرباً .. كلما ظهر مجموعة رجال يحملون بطانية بها بقايا إنسان جرت إليهم تبحث عن شيء ..
وبذكائي المعهود أدركت أنها لا تبحث عن مصباح علاء الدين ..
كل هذا طبيعي ..
الأمر غير الطبيعي هو أنها كانت ...
حافية القدمين ..
عندما أبصرت أنها حافية القدمين غاب كل هذا المشهد من أمام ناظري وانطلق دماغي يسبح في ملكوت التفكير
تراه، ما هو الشيء الذي يدفع امرأة حاجة لتخرج حافية ؟
بعد لحظات من التفكير .. أدركت أنها أم .. تبحث عن ولد لها ..
أنا لن أتكلم عن مئات الجرحى
أنا لن أتكلم عن مئات القتلى
أنا سأتكلم عن أم خرجت فزعة تبحث عن ولدها .. ومن شدة الفزع خرجت حافية القدمين ..
يغلب على ظني أن قرابة 2 مليار إنسان سيحاسبون يوم القيامة لماذا تركوا امرأة مسنة من المسلمين تخرج حافية القدمين من شدة الفزع ..
وما أن أفقت من أفكاري هذه حتى وجدتني قد أضعت الحاجّة بين آلاف الناس الذين يهرولون ويبحثون ويسعفون ويصرخون ووو إلــخ ..
وعدت لمتابعة البطاطين التي تحتوي أشياء من بقايا البشر ..
وقبل أن أسدل ستار الخاتمة على القصة أجد أنه من حقكم عليّ أن أخبركم بأمر صدمني ..
فوجئتُ بأن العشرات من الرجال والنساء .. كلهم خرجوا حفاة الأقدام .. !
راجي العقابي - غزة
27 - 12 - 2008