ولاية الأردن: محاضرة "النظام السياسي في الإسلام" في نقابة المهندسين
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
استضافت نقابة المهندسين - فرع مأدبا يوم السبت 24 جمادى الآخرة 1434هـ الموافق 04 أيار/ مايو 2013م الأستاذ أحمد أبو قدوم حيث ألقى محاضرة بعنوان "النظام السياسي في الإسلام".
النظام السياسي في الإسلام
النظام السياسي: هو النظام الذي يحدد شكل الدولة، والأنظمة والقوانين التي تنظم علاقة الدولة مع غيرها من الدول، والأنظمة والقوانين التي تسوس الدولة الناس بها في الداخل. وهذا يشمل نظام الحكم، ونظام السياسة الخارجية، وأحكام المعاهدات والاتفاقيات السياسية والعسكرية والتجارية والثقافية وحسن الجوار، والأسس التي تقوم عليها العلاقات مع الدول، على اختلاف واقعها من دول صديقة أو عدوة (محاربة فعلا أو حكما)، كما يشمل النظام الاقتصادي المتبع، والنظام الاجتماعي الذي ينظم علاقة الرجل بالمرأة، وسياسة التعليم، والقضاء، والتقسيمات الإدارية، والحقوق المتعلقة بالرعايا، مثل حق محاسبة الدولة وتكوين أحزاب وجمعيات للوصول إلى الحكم، وغير هذه الأمور. والنظام السياسي في الإسلام قد حدد شكل الدولة ونظام الحكم فيها، ووضح الأسس التي تقوم عليها السياسة الخارجية في الإسلام، ونظم علاقة الدولة الإسلامية بغيرها من الدول، من دول تقوم بيننا وبينهم علاقات دبلوماسية، وتربطنا بهم معاهدات مختلفة، أو دول عدوة محاربة فعلا أو حكما، أو دول قائمة في البلاد الإسلامية، وكذلك يشمل النظام الاقتصادي والاجتماعي وغيرها من الأنظمة، وقد وجد هذا النظام منذ اليوم الأول لهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، حيث أقام الدولة وبويع كأول حاكم للمسلمين في الإسلام، وتبعه الحكام من بعده على هذا النظام السياسي نفسه، وقد كانت الدولة الإسلامية تعرف بدولة الخلافة، وحكامها يعرفون بالخلفاء، وهذه التسمية وردت في الأحاديث الصحيحة، وتداولها المسلمون منذ عهد الصحابة، حتى قضي عليها من قبل الكافر المستعمر وعملائه من العجم والعرب عام 1342هـ الموافق 1924م.
والخلافة هي الدولة الإسلامية التي يحددها نظام الحكم في الإسلام، وهو نظام حكم متميز، لدولة متميزة، فهو لا يشبه أي نظام حكم في العالم ولا يشبهه أي نظام حكم، ودولة الخلافة ليست دولة مدنية أو دولة دينية، بل هي دولة إسلامية، دولة سياسية بشرية، تحكم البشر من قبل البشر بنظام رب البشر، فهي ليست دولة إلهية أو روحية وليس لها قداسة ولا لحاكمها صفة القداسة، وهي الطريقة الشرعية الوحيدة لتطبيق الإسلام في الحياة العامة، ونظام الحكم فيها هو نظام وحدة وليس نظاماً اتحادياً، ويكون الحكم مركزياً والإدارة لا مركزية، والخلافة هي رئاسة عامة للمسلمين جميعاً في الدنيا لإقامة أحكام الشرع الإسلامي، وحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم، ووجود الخلافة فرض وأي فرض، بل هي تاج الفروض، ولا تتم أغلب الواجبات إلا بها، وإقامة خليفة على المسلمين فرض محتم لا تخيير فيه ولا هوادة في شأنه، والدليل على وجوبها من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة، أما الكتاب فهناك عشرات الآيات الدالة على ذلك، منها قوله تعالى: ﴿فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ﴾ وأما السنة فأحاديث كثيرة، منها قول الرسول صلى الله عليه وسلم: »من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية« رواه مسلم، وأما إجماع الصحابة فيتمثل بإجماعهم على إقامة خليفة للرسول صلى الله عليه وسلم، وإجماعهم على إقامة خليفة لأبي بكر ثم لعمر ثم لعثمان، وأما أقوال العلماء في وجوب الخلافة فكثيرة، منها قول أبي المعالي الجويني (في غياث الأمم): "الإمامة: رياسة عامة، وزعامة تامة، تتعلق بالخاصة والعامة في مهمات الدين والدنيا، متضمنها حفظ الحوزة ورعاية الرعية، وإقامة الدعوة بالحجة والسيف، وكف الجنف والحيف، والانتصاف للمظلومين من الظالمين، واستيفاء الحقوق من الممتنعين وإيفاؤها على المستحقين... فإذا تقرر وجوب نصب الإمام فالذي صار إليه جماهير الأئمة أن وجوب النصب مستفاد من الشرع المنقول...".
ولأن نظام الحكم هو من أبرز ما يحدد شكل النظام السياسي كان لا بد من بيان الأسس التي يقوم عليها نظام الحكم في الإسلام وهي:
1- السيادة للشرع وليست للشعب أو الأمة، ودليلها ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا﴾، أي أن الأنظمة والقوانين يجب أن يكون مصدرها الشرع الحنيف فقط، ولا يجوز لبشرٍ أيّاً كان أن يشرع.
2- السلطان للأمة، ودليلها حديث البخاري عن عبادة بن الصامت قال: «بَايَعْنَا رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم عَلَى السَّمْع وَالطَّاعَة فِي مَنْشَطنَا وَمَكْرَهنَا وَعُسْرنَا وَيُسْرنَا وَأَثَرَة عَلَيْنَا وَأَنْ لَا نُنَازِع الْأَمْر أَهْله إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدكُمْ فِيهِ مِنْ اللَّه بُرْهَان»، أي أن الحكم للأمة وهي التي تنيب عنها حاكما يحكمها بالشرع، عن طريق البيعة.
3- نصب خليفة واحد فرض على المسلمين، ودليلها حديث مسلم » إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الْآخَرَ مِنْهُمَا«، أي يحرم أن يكون للمسلمين في الدنيا كلها أكثر من حاكم واحد، وأكثر من دولة واحدة.
4- للخليفة وحده حق تبني الأحكام الشرعية، فهو الذي يسن الدستور وسائر القوانين، ودليلها إجماع الصحابة ومنه أخذت هذه القاعدة الشرعية الشهيرة: (للسلطان أن يُحدث من الأقضية بقدر ما يحدث من مشكلات)، ولقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾.
أما أجهزة الحكم والإدارة في دولة الخلافة فهي:
1- الخليفة.
2- المعاونون (وزراء التفويض).
3- وزراء التنفيذ.
4- الولاة.
5- أمير الجهاد (الجيش).
6- الأمن الداخلي.
7- الخارجية.
8- الصناعة.
9- القضاء.
10- الجهاز الإداري (مصالح الناس).
11- بيت المال.
12- الإعلام.
13- مجلس الأمة (الشورى والمحاسبة).
وتكون العقيدة الإسلامية هي أساس النظام السياسي في الإسلام، فهي أساس الدولة، بحيث لا يتأتى وجود شيء في كيانها أو جهازها أو محاسبتها أو كل ما يتعلق بها، إلا بجعل العقيدة الإسلامية أساساً له، وهي في نفس الوقت أساس الدستور والقوانين الشرعية بحيث لا يسمح بوجود شيء مما له علاقة بأي منهما إلا إذا كان منبثقاً عن العقيدة الإسلامية، ويتبنّى الخليفة أحكاماً شرعية معينة يسنها دستوراً وقوانين، وإذا تبنى حكماً شرعياً في ذلك، صار هذا الحكم وحده هو الحكم الشرعي الواجب العمل به، وأصبح حينئذ قانوناً نافذاً وجبت طاعته على كل فرد من الرعية ظاهراً وباطناً، ولا يتبنّى الخليفة أي حكم شرعي معين في العبادات ما عدا الزكاة والجهاد، ولا يتبنّى أي فكر من الأفكار المتعلقة بالعقيدة الإسلامية، ولا يجوز لدولة الخلافة أن يكون لديها أي تمييز بين أفراد الرعية في ناحية الحكم أو القضاء أو رعاية الشؤون أو ما شاكل ذلك، بل يجب أن تنظر للجميع نظرة واحدة بغض النظر عن العنصر أو الدين أو اللون أو غير ذلك، وتنفذ الدولة الشرع الإسلامي على جميع الذين يحملون التابعية الإسلامية سواء أكانوا مسلمين أم غير مسلمين فتنفذ على المسلمين جميع أحكام الإسلام دون أي استثناء، ويترك غير المسلمين وما يعتقدون وما يعبدون. وتكون لغة الدولة هي اللغة العربية، لأنها لغة الإسلام، وهي وحدها اللغة التي تستعملها الدولة، وللمسلمين الحق في إقامة أحزاب سياسية لمحاسبة الحكام، أو الوصول للحكم عن طريق الأمة، على شرط أن يكون أساسها العقيدة الإسلامية، وأن تكون الأحكام التي تتبناها أحكاماً شرعية، ولا يحتاج إنشاء الحزب لأي ترخيص، ويمنع أي تكتل يقوم على غير أساس الإسلام، ولا تحتاج وسائل الإعلام، إذا كان أصحابها ممن يحمل التابعية، إلى ترخيص بل يكفي العلم والخبر، ويكون محرروها مسئولين عن أية مادة إعلامية، ويحاسبون عن أية مخالفة كأي فرد من أفراد الرعية، والجهاد فرض على المسلمين، والتدريب على الجندية إجباري، فكل رجل مسلم يبلغ الخامسة عشرة من عمره، فرض عليه أن يتدرب على الجندية استعداداً للجهاد، وأما التجنيد فهو فرض على الكفاية، ويكون الخليفة هو القائد العام للجيش، أما القضاء، فهو ركيزة أساسية من أجهزة الحكم في الإسلام، والقضاة ثلاثة: أحدهم القاضي، وهو الذي يتولى الفصل في الخصومات ما بين الناس في المعاملات والعقوبات، والثاني المحتسب، وهو الذي يتولى الفصل في المخالفات التي تضر حق الجماعة، والثالث قاضي المظالم، وهو الذي يتولى رفع النزاع الواقع بين الناس والدولة، ويشترط فيمن يتولى القضاء أن يكون مسلماً، حراً، بالغاً، عاقلاً، عدلاً، فقيهاً، مدركاً لتنزيل الأحكام على الوقائع، ويشترط فيمن يتولى قضاء المظالم، زيادة على هذه الشروط، أن يكون رجلاً وأن يكون مجتهداً، ولكل من يحمل التابعية إذا كان بالغاً عاقلاً الحق في أن يكون عضواً في مجلس الأمة رجلاً كان أم امرأة مسلماً كان أم غير مسلم، إلا أن عضوية غير المسلم قاصرة على إظهار الشكوى من ظلم الحكام، أو من إساءة تطبيق الإسلام، وتعطى المرأة ما يعطى الرجل من الحقوق، ويفرض عليها ما يفرض عليه من الواجبات إلا ما خصها الإسلام به، أو خص الرجل به بالأدلة الشرعية، فلها الحق في أن تزاول التجارة والزراعة والصناعة وأن تتولى العقود والمعاملات، وأن تملك كل أنواع الملك، وأن تنمي أموالها بنفسها وبغيرها، وأن تباشر جميع شؤون الحياة بنفسها، ويجوز أن تعين في وظائف الدولة، وأن تنتخب أعضاء مجلس الأمة وأن تكون عضواً فيه، وأن تشترك في انتخاب الخليفة ومبايعته.
أما نظرة الإسلام إلى الاقتصاد، فإنه يعتبر المشكلة الاقتصادية هي توزيع الأموال والمنافع على جميع أفراد الرعية، وتمكينهم من الانتفاع بها، بتمكينهم من حيازتها ومن السعي لها، والإسلام يضمن إشباع جميع الحاجات الأساسية، لجميع الأفراد فرداً فرداً إشباعاً كلياً، بغض النظر عن دينه أو لونه، فسواء أكان اسمه محمداً أم بطرس أم بنيامين، أم فاطمة أم جانيت أم ليفني، ويضمن تمكين كل فرد منهم من إشباع الحاجات الكمالية على أرفع مستوى مستطاع، ويعتبر الملكية ثلاثة أنواع: ملكية فردية، وملكية عامة، وملكية الدولة، والملكية العامة لا يجوز تمليكها للأفراد أو الشركات، كما هو حاصل الآن في ظل هيمنة النظام الرأسمالي، كما وتمنع الشركات المساهمة لأنها حرام، وهي عبارة عن كيانات اقتصادية داخل الكيانات السياسية، ويكون منهاج التعليم في الدولة الإسلامية واحداً، ولا يسمح بمنهاج غير منهاج الدولة، ولا تمنع المدارس الأهلية ما دامت مقيدة بمنهاج الدولة، قائمة على أساس خطة التعليم، متحققة فيها سياسة التعليم وغايته، على ألاّ يكون التعليم فيها مختلطاً بين الذكور والإناث لا في التلاميذ ولا في المعلمين، وعلى ألا تختص بطائفة أو دين أو مذهب أو عنصر أو لون، وتعليم ما يلزم للإنسان في معترك الحياة فرض على كل فرد ذكراً كان أم أنثى، فيكون التعليم إلزامياً على الجميع في المرحلتين الأولى والثانية، وعلى الدولة أن توفر ذلك للجميع مجاناً، ويفسح مجال التعليم العالي مجاناً للجميع، بأقصى ما يتيسر من إمكانيات، ويجب أن يفرق في التعليم بين العلوم التجريبية كالهندسة والطب وما هو ملحق بها كالرياضيات، وبين المعارف الثقافية، فتدرس العلوم التجريبية وما يلحق بها حسب الحاجة، ولا تقيّد في أية مرحلة من مراحل التعليم، أما المعارف الثقافية، فإنها تؤخذ في المراحل الأولى قبل العالية، وفق سياسة معينة لا تتناقض مع أفكار الإسلام وأحكامه، وأما المرحلة العالية فتؤخذ كالعلم على شرط أن لا تؤدي إلى أي خروج عن سياسة التعليم وغايته، لأن أساس منهج التعليم هو العقيدة الإسلامية، ولا يجوز لأي فرد، أو حزب، أو كتلة، أو جماعة، أن تكون لهم علاقة بأية دولة من الدول الأجنبية مطلقاً، والعلاقة بالدول محصورة بالدولة وحدها، لأن لها وحدها حق رعاية شؤون الأمة عملياً، وعلى الأمة والتكتلات أن تحاسب الدولة على هذه العلاقة الخارجية.
هذا موجز عن النظام السياسي في الإسلام، الذي طبق عمليا ألفاً وثلاثمائة عام، من اليوم الأول للهجرة الشريفة، وحتى القضاء على دولة الخلافة العثمانية بداية القرن الفائت، وبالتحديد في 28 رجب 1342هـ الموافق 3 آذار 1924م، حيث ألغى مجرم هذا العصر مصطفى كمال أتاتورك الخلافة الإسلامية، وبعدها أصبح المسلمون بلا خليفة، فتداعت عليهم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، تصديقا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم الذي رواه أبو داود "يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ، كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا، فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ؛ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ"، فضاعت فلسطين وقسمت البلاد، ونهبت الثروات وانتهكت الأعراض، وقتل الناس بلا ذنب، فكان لا بد للمسلمين من العمل الجاد لإعادة النظام السياسي في الإسلام، بإعادة دولة الخلافة، وقد وجد حزب التحرير من أجل استئناف الحياة الإسلامية وإعادة النظام السياسي في الإسلام، عن طريق إقامة دولة الخلافة، وهو لم يكلّ ولن يملّ، حتى يأذن الله ببزوغ فجرها قريبا إن شاء الله تعالى.
وأخيراً أذكر بأن الغرب الصليبي يدرك تماماً أن الخلافة قادمة لا محالة، وها هم مفكرو الغرب يحذرون وينصحون قادتهم وساستهم، كيف سيتعاملون معها؟ ففي 11/01/2010 كتب "جون شيا" الصحفي الأميركي البارز، ورئيس تحرير مجلة American Reporter بالمجلد السادس عشر برقم 3851 - مقالاً بعنوان: "الحرب ضدَّ الخلافة"، تضمَّن المقال رسالة موجهة إلى الرَّئيس "أوباما" تتعلَّق بما أسماه "دولة الخلافة الخامسة" يقول " ...إنَّهم يسعَون بدلاً من ذلك إلى بناء "دولة الخلافة الخامسة" الَّتي ينضوي الإسلام جَميعه تحت حكمها، "الخليفة" في هذه الدَّولة هو الإمام، وهو القائد الروحي والحكومي، وكلّ المسلمين يقرُّون له بذلك. ماذا يعني هذا بالنسبة للرئيس؟ إنَّه يعني أنَّ الجنود الجدد، والجنود القدامى يُواجهون عدوًّا جديدًا، وهو أكثر الأعداء مخافة، وأضيف: إنَّه عدو لا يُقهر، ذلك ببساطة لأنَّه مجرَّد "فكرة". ويضيف "إنَّ الشرق الأوسط يواجه اليوم القوَّة الاقتصاديَّة الموحَّدة للدُّول الأوروبيَّة، هذا صحيح، لكن عليْنا أن نعرِف أنَّه في الغد سيواجه الغرب القوَّة الموحَّدة لدولة الخلافة الخامسة. ويضيف "ليسمح لي سيادة الرئيس "أوباما" أن أُبدي إليه بعض الملاحظات الهامَّة" وذكر منها "...إني أتوقَّع أن يخبرَك البعض بأنَّه من المستبعد تمامًا أن ندخُل في مفاوضات مع عدوّ متخيَّل اسمه "الخلافة الخامسة"، لكنَّه يجِب عليك كقائد عسكري وأنت تصوغ سياستك في التعامل مع الإسلام أن تعترِف بسخافة الادِّعاء بأنَّ الإسلام منقسم على نفسه، وأن تعترف كذلك بأن توحيد بلاد الإسلام تحت إمرة قائد كارزمي أمر محتمل. ويضيف "... يجب أن تكون لديْنا الحكمة فلا نضع أنفُسَنا في قلب الحرْب مع دولة الخلافة الخامسة، والأفضل لنا أن نقِف على حدودها، يجب أن نزِنَ أنفُسَنا جيِّدًا، يجب أن نفكِّر بضميرنا الخاص كأميركيِّين، فليس من الحكمة أن نساند أنظِمة غير ديمقراطيَّة وعالية الفساد ضدَّ دولة الخلافة التي تصوغ سياستَها أصلاً وفق عقيدة تُحارب الفساد والقيادة غير الرَّاشدة"
ويقول "تمارا سون" أستاذ الدراسات الدينيَّة بكلية "وليام وماري": "إنَّ فكرة استعادة دولة الخلافة تعود إلى فترة كِفاح المسلمين ضدَّ الاستِعمار أثناء الحقبة الاستعماريَّة وما بعدها، وهي تعكس عدم رضا المسلمين عن سياسات ما بعد هذه الحقبة.
وهذا "جاي تولسون" وهو أحد الكتَّاب الأميركيين البارزين في شؤون الثَّقافة والفكر والدين، يكتب حاليًّا في مجلة U.S. News & World Report. كان رئيسًا لتحرير The Wilson Quarterly وكتب في عدة صحف ومجلات أخرى، أبرزها "الواشنطن بوست" و "وول ستريت جورنال".
يقول "تولسون" أنَّ الغرب قد أساء فهْم فكرة "الخلافة" واعتبرها مفهومًا غامضًا مهدِّدًا له، في حين أنَّها عميقة الجذور في الذَّاكرة الثقافيَّة للعالم الإسلامي، ووجدت في أشكال مختلفة على مدى ألف وثلاثمائة عام تقريبًا، وامتدت سلطة الخلافة عبر ثلاث قارات من هذه البلاد، التي تُعْرَف الآن بباكستان إلى منطقة الشَّرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلى ما يعرف الآن بإسبانيا والبرتغال، كما أنَّ معظم تاريخ المسلمين كان تحت ظلّ دولة الخلافة، وما يؤكد ذلك هو أن هذه الاستبيانات التي أُجْرِيت على شعوب أرْبع دول إسلاميَّة، كشفت أنَّ ثلُثي هذه الشعوب يؤيِّدون توحيد البلاد الإسلاميَّة في دولة واحدة أو خلافة واحدة.
وقد خلفت الصورة التي التقطها صحفي أمريكي من جريدة نيويورك تايمز، يدعى مايكل مولنر بكاميرا بعيدة المدى لأوباما، وهو يغادر من الطائرة جدلا كبيرا داخل أوساط المهتمين بعدما تم التركيز على الكتاب الذي كان بيد الرئيس الأمريكي... الكتاب هو "عالم ما بعد نهاية أمريكا" يتكلم عن نهاية الإمبراطورية الأمريكية وصعود دولة إسلامية في الشرق الأوسط لتحكم العالم وتدمر أمريكا وطفلتها إسرائيل، ويبدو أن الساسة والمفكرين الأمريكيين والغربيين ومن ضمنهم أوباما مهتمون جدا بمعرفة السيناريوهات المتوقعة في المستقبل للعالم بشكل عام ولأمريكا بشكل خاص، -في حين أن أغلب ساستنا ومفكرينا لا ينظرون أبعد من أرنبة أنفهم- مؤلف الكتاب هو فريد رفيق زكريا من الهند يعمل محرراً في النيوزويك.
هذا غيض من فيض من بعض أقوال المفكرين والساسة الغربيين التي يعبرون فيها عن هواجسهم وأفكارهم واقتراحاتهم التي يبدونها نحو الخلافة القادمة التي يعتبرونها أمراً واقعا لا محالة، ونظرة مختصرة عن الأسس التي يقوم عليها نظام الحكم في الإسلام، وأجهزة دولة الخلافة، والمشاكل التي يمكن أن تواجه دولة الخلافة حال قيامها وبعض الأساليب التي يمكن أن تتبع في تفاديها.
وأختم ببشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم التي يقول فيها: «....ثم تكون خلافة على منهاج النبوة» حديث صحيح رواه أحمد والطيالسي والبيهقي والطبري.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نقابة المهندسين الأردنيين- فرع مأدبا
أحمد أبو قدوم