المكتب الإعــلامي
بريطانيا
التاريخ الهجري | 17 من شوال 1441هـ | رقم الإصدار: 1441 / 24 |
التاريخ الميلادي | الإثنين, 08 حزيران/يونيو 2020 م |
بيان صحفي
العنصرية تزدهر في ظلّ المبدأ الرأسمالي العلماني
(مترجم)
يخرج المتظاهرون بأعداد كبيرة بشكل متزايد، للتنفيس عن خيبة أملهم، وليُسمِعوا العالم أنهم لم يعودوا يستطيعون تحمل القمع العنصري المنهجيّ بعد الآن. لقد افتضحت عنصرية المجتمع الأمريكي البذيئة، مرة أخرى، وإن العنصرية المنهجية الأكثر خفية في بريطانيا يجري الآن مناقشتها.
تُظهر وحشية الشرطة، والوضع الاقتصادي، والعمالة، وحتى الإحصاءات الصحية، أن الحياة في أمريكا وأوروبا وبريطانيا غير متكافئة جداً داخلياً، إضافة إلى وجود انقسامات أساسية على أساس العرق. وبالفعل، فإن ما يسمى بـ(الأقليات) العرقية يقع عليها العبء الأكبر من وباء فيروس كورونا، سواء كضحايا له أو كعاملين معرضين له بشكل خطير لاستمرار سير المجتمع.
بعد القتل العمد لجورج فلويد، على خلفية جرائم قتل مماثلة وغياب العدالة في المجتمع، ليس من المفاجئ أن يبلغ الغضب بالناس درجة تجعلهم يريدون تكسير الأشياء، إما للتعبير عن غضبهم، أو ببساطة، كتخفيف لشدة الفقر الذي ألحقه بهم بقية المجتمع.
على مدى مئات السنين، استغلت أمريكا والدول الغربية الرأسمالية، ومارست التمييز العنصري ضد أولئك الذين تعتبرهم النخبة الحاكمة طبقة أدنى وأحطّ شأناً. وتخترع هذه النخبة الأعذار لتبرر لبقية الناس سبب معاملة هذه الطبقة الدنيا بمثل هذه الطريقة. لقد قام الأوروبيون باختراع فكرة التفوق العنصري لتبرير تجارة الرقيق الأفريقية. كان هدف الرأسماليين دائماً هو استغلال العمال، لكن الغالبية البيضاء من الأوروبيين والأمريكيين تعلقوا بالأفكار العنصرية لصرف أنظار رعاياهم عن حقيقة أنهم هم أنفسهم تستغلهم أيضاً النخبة الرأسمالية، التي تعتبر نفسها طبقة أعلى قليلاً، وفقاً لنظرياتهم.
لقد أدان الإسلام هذه الغطرسة دائماً. إذ يحكي القرآن عن ازدراء إبليس المتغطرس لآدم، مما كان سبباً لطرده. كما أدانت الديانات والفلسفات الأخلاقية الأخرى العنصرية وعقدة التفوق بين أتباعها، بحيث إنها قد نُبِذت إلى حد كبير بين الناس، ومع ذلك لا يزال لديها العديد من المؤيدين في الخفاء. وقد بدأت مؤخراً باكتساب بعض الشعبية مرة أخرى، حيث استغل الزعماء الشعبويون السخط المتزايد من فشل الاقتصادات الرأسمالية فحركوها، وأثاروا القومية وما ينتج عنها من عنصرية بئيسة، على حد سواء، لحشد الدعم لانتزاع السلطة.
يعرف ترامب وأمثاله القادة الشعبويون في جميع أنحاء أوروبا، أن اتخاذ العرقيات الصغيرة كبش فداء هو وسيلة سهلة لتفعيل القاعدة الشعبية لدعمهم، وصرف أنظارهم عن الاضطهاد الواقع عليهم أنفسهم. ومن ثم ينقسم المجتمع بين مؤيدي الشعبوية الضحلة، على الرغم من ضعف وضعهم البئيس في الواقع، وبين الفئة المضطهدة بشكل علني؛ وكل هذا له ما يبرره من خلال التلميحات البغيضة وخطاب وأفعال القيادة الشعبوية. لا تتأثر النخبة الرأسمالية بكل هذا، حيث إنه لا تكترث حقاً بمعرفة العمال الذين يستغلونهم، طالما استمر هؤلاء بالسماح لأنفسهم بأن يبقوا مستغَلّين.
إن الإضرار برموز الرأسماليين البيض المميزين هو رد فعل مفهوم للتنفيس عن الغضب الذي نما على مدى أجيال ضد الاستغلال والقمع. ومع ذلك، يدرك الرأسماليون أن التنفيس عن هذا الغضب يشبه صمام الضغط، الذي يلزم فتحه من وقت لآخر. فهم بالتالي يسمحون باستخدام الاحتجاجات، وحتى بعض الدمار، حتى تتمكن الجاليات المضطهدة من إعادة تنظيم صلتها بالنظام الرأسمالي. قد يُسمح ببعض التعديلات الرمزية في السلطة والأدوار داخل المجتمع، ولكن في النهاية تبقى النخبة الرأسمالية ونظامها الفاسد، لاستغلال الجميع من جديد بحيوية متجددة.
سيكون هدف معظم المتظاهرين هو إسماع صوتهم، والمواجهة، وأن يؤخذوا في الاعتبار، وجعل الدولة تنصت لهم، حتى يمكن إدخال تغييرات للتخفيف من بعض المعاناة. يجب إجراء تغييرات بالتأكيد، حتى ولو كانت تغييرات قصيرة الأجل، لمعالجة التفاوت الهائل في المجتمع؛ ومع ذلك، نادراً ما تحقق الاحتجاجات أي شيء أكثر من مجرد لفتاتٍ رمزية لا تُحدث بالفعل أي إصلاح في النظام المتعثر الذي يقف خلف كل استغلال وظلم.
يستغل النظام الرأسمالي الناس، جهاراً أو احتيالاً، لأن مؤسسته العلمانية جعلت الجميع يعتقدون أن القوة حقّ، وأن رغبات الأغلبية تعلو على رغبات الأقلية. من أجل استمرار النظام على حاله تقاسمت النخب الرأسمالية القليل من ثروتها الفاحشة مع طبقة وسطى مميزة لضبط غالبية عمال الطبقة الدنيا، مما يبرر وجود عدم المساواة في واقع الحال والفرص لدى الناس، مستخدمين جميع أنواع الأعذار.
إن العقيدة الرأسمالية بأساسها العلماني هي التي ستستمر في ظلم الناس واستغلالهم، طالما سمح لها بذلك. إذا تم جعل بعض الطبقات الوسطى المتميزة تشعر بالذنب بسبب وضعها الذي نالته خطأً، ثم سعت إلى عون الناس من الدرجة الدنيا، حتى بمشاركة القليل من ثروتهم معهم ودعمهم، فلن يؤدي ذلك في النهاية إلى إنهاء الظلم، لأن النظام القمعي سيبقى قائما. سيتحول الظلم إلى أناس آخرين، ربما في الخارج، وبالتالي تستمر دورته البئيسة.
يحتاج المسلمون في بريطانيا إلى إدراك أسباب العنصرية المنهجية في الغرب، وكذلك الحل الذي يقدمه الإسلام للعالم. لذا فإن فضح مظاهر العنصرية عند حدوثها هو عمل يستحق الثناء، ولكن لا ينبغي أن نتوقف عند هذا الحد. عندما يكون هناك سبب متجذر يجب أن نسعى إلى نزع الفساد من جذوره وكشفه ليراه الجميع أيضاً.
صحيح أن الإسلام يدين العنصرية والقومية وجميع أشكال التمييز في اللون والعرق. ومع ذلك، يبقى هذا الهدف نظرياً ما لم يتحقق عمليا. للإسلام أيضا طريقة عملية لمنع العنصرية، وهي الخلافة التي تقوم على منهاج النبوة. حيث تقوم بتطبيق الأحكام العملية للاقتصاد والقضاء والنظم الاجتماعية والتعليمية التي لا تتسامح مع استغلال فئة لأخرى، ولا تعترف بالطبقات بين الناس، كما لا تسمح للمتظاهرين الشعبويين بزرع بذور الانقسام وسط مواطنيهم.
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [سورة الحجرات: 13]
يحيى نسبت
الممثل الإعلامي لحزب التحرير
في بريطانيا
المكتب الإعلامي لحزب التحرير بريطانيا |
عنوان المراسلة و عنوان الزيارة تلفون: 07074192400 www.hizb.org.uk |
E-Mail: press@hizb.org.uk |