المكتب الإعــلامي
الدنمارك
التاريخ الهجري | 25 من شـعبان 1432هـ | رقم الإصدار: 11-13 |
التاريخ الميلادي | الثلاثاء, 26 تموز/يوليو 2011 م |
بيان صحفي
فاجعة أوسلو تصرخ داعية لوقفة جادة مع الذات
تتالت أخبار مجزرة أوسلو في وسائل الإعلام، حيث كانت صور الضحايا الأبرياء الذين قضوا في حادث التفجير في وسط أوسلو، والمجزرة التي تلتها في جزيرة أوتويا، مروعة بلا شك وقد أفجعنا ذلك. ومما زاد في صدمة العديد من الناس أن يكون مرتكبها نرويجيّاً ذا صلة بالمحافظين، والمجرم عضو سابق في حزب التقدم النرويجي (حزب يميني) وأحد أنصار دولة يهود. وقد كان سبب ارتكابه لتلك الجريمة، حسب اعترافه، رغبته في إنقاذ النرويج وأوروبا الغربية من نفوذ وسيطرة الإسلام والثقافة الماركسية. على إثر تلك الجريمة، نحى الجدل منحىً غير متوقع، حيث تعالت أصوات المعلقين مطالبة بوقفة جادة مع الذات، وفي هذا السياق نود التنبيه إلى ما يلي:
1- ظهرت الدهشة جلية على وجوه الخبراء وفي وسائل الإعلام، عندما تبين أن الجاني غير مسلم، مع أن الإحصائيات التي نشرها يوروبول تشير إلى أن ستَّ حالات فقط من أصل 1890 عملية "إرهابية" خُطِّط لها أو نفذت بين 2006 و2009، نُسبت إلى مسلمين. ومع أن إحصائيات مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي أي) تفيد أن ستة بالمائة فقط، من الهجمات "الإرهابية"، المنفذة على الأراضي الأمريكية بين 1980 و2005، كان منفذها مسلما. ومع تلك الحقائق لا تزال وسائل الإعلام والمعلقون والخبراء وخاصة السياسيون والمؤسسات الأمنية تركز، وبشكل مطلق، على ما يسمى الإرهاب الإسلامي. ولذلك فإن غالبية القوى في الدول الغربية، بما في ذلك المؤسسات الأمنية، منهمكة في معالجة تهديدٍ مُبالغ فيه أو وهمٍ اصطُنع سياسيا، مفاده أن وجود المسلمين في الغرب يشكل تهديدا أمنيا، هذا في الوقت الذي لم تؤخذ التهديدات الفعلية التي يمثلها اليمين المتطرف مأخذ الجد، ولم توضع على أجندة السياسيين، مع التوجه المتنامي من قبل المتطرفين اليمينيين لارتكاب جرائم دافعها الكراهية، ومع المقدمات التي تنذر بتطور خطير، شاهدنا إحدى أماراته في قضية قنّاص مالمو. يعود هذا التباين في مواقف السياسيين إلى اعتبارات سياسية، إذ إن تسليط الأضواء على جدية التهديد المتمثل باليمين المتطرف، سيؤدي إلى تحميل السياسيين المسؤولية عن بروز هذه الظاهرة، لعلاقتها الواضحة بالخطاب والأجندة السياسية، بما في ذلك ما يسمى الحرب على الإرهاب، وسياسة الدمج المعادية للأجانب وبخاصة المسلمون منهم.
2- لقد فجرت مأساة أوسلو انتقادات مشروعة للقوى القومية اليمينية، بسبب سياساتها المعادية للأجانب وخطابها الديماغوجي، الذي يعزز ظاهرة الخوف من الإسلام والتطرف اليميني. ولكن، هل يمكن تجاهل حقيقة أن هذه القوى اليمينية هي نتاج بيئتها؟ ألم تكن هذه القوى اليمينية أداةً أساسيةً في ما يسمى الحرب على الإرهاب؟. لقد شاركت هذه القوى اليمينية، في إضفاء الشرعية على سياسة الدمج العدائية وعلى "الحرب على الإرهاب". فمنذ 11 أيلول (سبتمبر) 2001 أقامت العديد من الأحزاب العريقة في الغرب تحالفات مع القوى اليمينية، بل إن بعض الأحزاب العريقة اعتمدت على إشراك اليمين في الحكم من أجل ضمان أغلبية برلمانية. ولذلك فقد روجت تلك الأحزاب العريقة مع وسائل الإعلام لليمين، وأضفت الشرعية القانونية والأخلاقية على خطابه. في ظل هذه الأجواء المعادية للأجانب والمسلمين، وجدت التربة الخصبة لإنبات القوى اليمينية في الغرب، هذا البروز اليميني أرغم القوى السياسية اليسارية على تقليد الخطاب الديماغوجي اليميني، لكسب أصوات الناخبين. ولذا فإنه لا يمكن حصر سبب تنامي تيار التطرف اليميني في خطاب الأحزاب اليمينية، فالعديد من الأحزاب العريقة وصانعي الرأي العام ووسائل الإعلام تتقاسم نفس الرؤى والمواقف مع هذه القوى اليمينية، بل تستخدم نفس الخطاب الديماغوجي.
3- إن ما طرح من دعوة للوقفة مع الذات بعد مأساة أوسلو، دفع العديد إلى القيام بمحاولات بائسة لنفي التهمة عن أنفسهم وتبرئة صانعي الرأي العام ووسائل الإعلام والقوى السياسية التي شكلت مصدر إلهام أيديولوجي لمرتكب جريمة أوسلو، حيث ما فتئ هؤلاء يصورون وجود المسلمين في الغرب على أنه تهديد أمني، وينعتون من يخالفهم الرأي بالخيانة. فها نحن نراهم يحاولون اختزال مأساة أوسلو بفعل مختل عقلي، ويصرحون برفض إلقاء اللوم على الآخرين بفعل رجل واحد. واللافت للنظر أن الأطراف الواقفة وراء هذه المحاولات تحوي في صفوفها العديد من الجهات، التي ما فتئت تلقي اللوم على العالم الإسلامي بل على الإسلام نفسه، بسبب اعتداءات على مدنيين، قام بها أفراد مسلمون. لقد آن حقا وقت التأمل والوقفة مع الذات!
4- لقد استُخدم حادث 11 أيلول ( سبتمبر) 2001 كذريعة لإضفاء الشرعية على ما يسمى الحرب على الإرهاب، والتي شملت هجمات عسكرية على العديد من البلدان الإسلامية، وهجمة ثقافية شعواء على الإسلام، سادها منطق الازدراء والتحقير والتشنيع، بدل النقاش الفكري النزيه والنقد الموضوعي. إن حادثة 22 تموز(يوليو) 2011 تُرينا، وبوضوح، العواقب المأساوية لتلك الحرب، والتي أفرزت مجتمعا يسوده الاستقطاب والعداء للأجانب. فبينما كانت حادثة 11 أيلول (سبتمبر) ذريعةً غير شرعية وشمولية في تبرير الحرب على العالم الإسلامي، والهجوم على الحضارة الإسلامية، فإن حادثة 22 تموز (يوليو) 2011 تؤسس بحق لمواجهة مع الأصوات الغوغائية، التي لا تنفك عن التهجم على الإسلام والتخويف منه، ومع برامج هؤلاء السياسيين العابثين، القائمة على الاستقطاب.
5- إننا نأمل حقا أن تؤدي هذه الوقفة مع الذات، إلى الإقرار بالحاجة الملحة للهجة نقاش لائقة، من شأنها أن توجد تفاعلا إيجابيا بين المجموعات البشرية، باختلاف قناعاتها ومشاربها، والاعتراف بحق الآخرين في تبني قيم وقناعات مختلفة. وأخيرا وليس آخرا، الإقرار بأن تشنيع صورة الإسلام تحت ذريعة حرية التعبير، والأعمال العسكرية تهيئ الأجواء العدائية. إذ إن الإقرار بهذه الحقائق ضروري لإعادة بناء مجتمع متسامح، ولمواجهة تهديد اليمين المتطرف. إن النرويجيين يدفعون اليوم ثمن سياسة جبانة وفاشلة، لذلك يجب على جميع العقلاء، العمل على تغيير هذه السياسة تفادياً لوقوع المزيد من الضحايا.
شادي فريجة
الممثل الإعلامي لحزب التحرير - إسكندينافيا
المكتب الإعلامي لحزب التحرير الدنمارك |
عنوان المراسلة و عنوان الزيارة تلفون: http://www.hizb-ut-tahrir.dk/ |
E-Mail: info@hizb-ut-tahrir.dk |