المكتب الإعــلامي
ولاية لبنان
التاريخ الهجري | 27 من ربيع الثاني 1430هـ | رقم الإصدار: 10 / 30 |
التاريخ الميلادي | الأربعاء, 22 نيسان/ابريل 2009 م |
رئيس المكتب الإعلامي يبين الموقف من الانتخابات النيابية
أوضح رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في لبنان أحمد القصص موقف الحزب من الانتخابات النيابية اللبنانية في لقاء عام في مركز الحزب الرئيس في طرابلس. وكان ذلك بناء على الاعتبارات المبدئية الإسلامية وبمعزل عن الاستقطابات السياسية الحادة التي تتجاذب أهل لبنان.
وكان مما ورد في كلمته:
إن الموقف المبدئي من العملية الانتخابية يتطلب بداية إدراك واقع هذه العملية لمعرفة الأحكام الشرعية المتعلقة بها. ولما كانت هذه الانتخابات تستند في الأصل إلى النظام "الديمقراطي" (ولو شكلاً) كان لا بد من إلقاء الضوء على دور الانتخابات في هذا النظام.
يقوم النظام الديمقراطي على قاعدتين اثنتين هما: السيادة للشعب، والشعب مصدر السلطات. أما القاعدة الأولى -وهي الأهم- فهي تعني أن صاحب الحق في وضع التشريعات والقوانين التي ترعى الدولةُ بها شؤون الناس هم الناس أنفسهم. وأما القاعدة الثانية فتجعل الشعب أيضاً صاحب الحق في اختيار الحكام ومراقبتهم ومحاسبتهم بل وإقالتهم في بعض الأنظمة. ولما لم يكن بالإمكان أن يمارس الشعب هذه الصلاحيات بشكل مباشر -فيما عدا انتخاب رئيس الدولة في معظم الأنظمة- اعتمد هذا النظام أن يوكل الناسُ نواباً ينوبون عنهم في ممارسة هذه الصلاحيات. فيكون المجلس المنتخب نائباً عن الناس في التشريع ووضع القوانين، فيوصف بالسلطة التشريعية، وكذلك ينوب عنهم في مراقبة السلطة التنفيذية ومحاسبتها، وفي بعض الأنظمة ينوب عن الناس في انتخاب رئيس الدولة.
هذا النظام الذي يَعدُّه البعض نظامَ الحكم "الحديث" الذي يجدر بالأمم والشعوب جميعاً اعتماده بوصفه أحدث ما توصلت إليه البشرية من طريقة لممارسة الحياة السياسية، هو ليس في الواقع سوى نظام منبثق عن الهوية الحضارية للغرب المعاصر، والتي تقوم على عقيدة فصل الدين عن الحياة، أي عن المجتمع والدولة والتشريع. وانتشار هذا النظام وتطبيقه في سائر دول العالم، سواء فعلاً أو شكلاً، ما هو إلا نتيجة لهيمنة الحضارة الغربية المعاصرة التي بدأت بغزو الأمم والمجتمعات منذ ما يقرب من قرنين من الزمان، وكان من الأمم التي غزتها هذه الحضارة بأفكارها ونظمتها العالم الإسلامي، ومنه هذا البلد لبنان.
أما نظام الحكم الذي يجب على الأمة الإسلامية اعتماده، إذ يفرضه عليهم إيمانهم بالعقيدة الإسلامية، فهو مختلف كل الاختلاف من حيث الأساس الذي ينبثق منه، وهو العقيدة الإسلامية، ومن حيث القواعد التي يقوم عليها، وبالتالي من حيث تفاصيله.
فأهم قاعدة يقوم عليها نظام الحكم في الإسلام هي: أن السيادة للشرع. وهذه القاعدة دلت عليها آيات قرآنية قطعية الدلالة، كقوله تعالى: (إن الحكم إلا لله)، والحكم هنا بمعنى التشريع، أي الأمر والنهي والإباحة، لا بمعنى السلطة وممارسة السياسة، وكقوله تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) وقوله تعالى: (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون)، وغيرها الكثير من الآيات التي تدل على المعنى نفسه، وبالتالي لا وجود في النظام الإسلامي لما يسمى بالسلطة التشريعية بالمعنى الموجود في النظام الديمقراطي المطبق (شكلاً) في معظم دول العالم الإسلامي. بل مصدر التشريعات في النظام الإسلامي هو نصوص الوحي من قرآن وسنة، يقوم باستنباطها المجتهدون من فقهاء الشريعة. وتكون صلاحية تبني الأحكام الاجتهادية التي اختلف فيها المجتهدون لرئيس الدولة الذي اختارته الأمة وكيلاً عنها في تطبيق أنظمة الإسلام ورعاية شؤونها، فيعتمد من هذه الاجتهادات الفقهية ما يراه أقوى دليلاً مما يلزم لهذه الرعاية، بناء على قوله تعالى: (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم).
وبناء عليه، لا وجود في نظام الإسلام لمجلس ينوب عن الناس في التشريع ويسمى السلطة التشريعية، لأن السيادة في الدولة الإسلامية للشرع الإسلامي، ورئيس الدولة (الخليفة) هو مفوض بتبني ما يلزم من الأحكام الشرعية والقوانين الإدارية لرعاية شؤون الناس.
إلا أن هذا لا يعني أن لا وجود للانتخابات في النظام الإسلامي، فالقاعدة الثانية التي يقوم عليها نظام الحكم في الإسلام هي أن السلطان للأمة. ومعنى هذه القاعدة أن الأمة هي صاحبة الحق في اختيار رئيس الدولة الذي يرعى شؤونها (الخليفة) فلا يجوز لأحد أن يكون رئيساً للدولة إلا بتفويض من الأمة من طريق البيعة الشرعية، ثم تبقى الأمة مسؤولة عن ممارسة حقها في السلطان بعد البيعة من خلال مراقبة الحاكم ونصحه ومحاسبته إن هو قصر أو أساء أو ظلم... وهذه الصلاحية التي تتمتع بها الأمة تتطلب وسيلة عملية لتحقيقها، ولا يتأتى ذلك -ولا سيما مع توسع انتشار الأمة وازدياد أعدادها- إلا بالانتخابات، فالانتخابات هي الوسيلة العملية لاختيار الشخص الذي يستحق بيعة الأمة، وكذلك هي الوسيلة العملية لاختيار وكلاء عن الأمة ينوبون عنها في محاسبة السلطة ومراقبة الدولة والتعبير عن مطالبها وشكاويها، وهؤلاء هم مجلس الأمة (أهل الحل والعقد)، ويمكن أن يفوَّضوا حصرَ المرشحين لرئاسة الدولة أو حتى انتخاب هذا الرئيس.
وعليه فإن الفارق الأساس بين الانتخابات في النظام الديمقراطي والانتخابات في النظام الإسلامي، أن الأولى هي من أجل ممارسة التشريع -وهو أمر حرّمه الله تعالى على البشر - والثانية هي مجرد توكيل تعطي به الأمة من تنتخبه السلطان (رئاسة الدولة) لرعاية شؤونهم، أو توكل به من ينوب عنها في المحاسبة ونقل الرأي.
أما الانتخابات النيابية في لبنان، فهي فضلاً عن كونها انتخابات تشريعية وفق النظام الديمقراطي -ولو نظرياً- فإنها تجري وفق الأعراف والقوانين اللبنانية التي هي أبعد ما تكون عن الممارسة السياسة بمعناها الحقيقي. فلا وجود لبرامج سياسية حقيقية لدى المتنافسين على المقاعد النيابية، وكل البرامج السياسية التي يقدمها الأفرقاء المتصارعون هي حبر على ورق، والسمة الأساسية في هذه الانتخابات هي التنافس بين الفريقين اللذين انقسم البلد بينهما في سياق الصراع الإقليمي المرتبط بدوره بالسياسة الدولية، فإن نال فريق غالبية المقاعد كان الطرف الإقليمي القابع خلفه هو المنتصر ، وإن نالها الفريق الآخر كان المنتصر هو الطرف الإقليمي الآخر، وفي كلا الحالين يبقى القرار السياسي في لبنان رهينة إرادة دولية ما. فما من قرار سياسي حقيقي داخل لبنان، وإنما تأتي قراراته من خارج الحدود. وعليه فإن الناخب الذي يذهب إلى صندوق الاقتراع لا يزيد دوره على تغليب أحد القرارين السياسيين الآتيين من وراء الحدود، واللذين لا يكترث أي منهما للناخب ومصلحته وقضاياه المصيرية أو المرحلية.
وإذا أردنا أن نبين الحكم الشرعي تفصيلاً في هذه الانتخابات ترشيحاً وانتخاباً، نقول:
لما كان الانتخاب توكيلاً من الناخب للمرشح -والتوكيل في الإسلام جائز ما دام توكيلاً بفعل مشروع- ولما كان النائب وكيلاً عن الناس في التعبير عن رأيهم في الشأن السياسي أي في رعاية شؤونهم، كان ترشحه ومن ثَم انتخابه جائزين، شرط أن يتضمن برنامجه ثوابت شرعية يُنتخب على أساسها ويلتزمها بعد انتخابه، وهذه الثوابت هي ما يلي:
1- عدم موافقته على الدستور والقوانين الوضعية التي طبقت في البلاد على أنقاض الدولة الإسلامية واستبدلت بنظام الإسلام.
2- امتناعه عن المشاركة في التشريع، لأنه ليس من حق البشر وضع التشريعات. ولأن السيادة في حياة المسلمين يجب أن تكون للشرع الإسلامي.
3- امتناعه عن انتخاب رئيس للجمهورية، لسببين: أولاً لأنه لا يجوز للمسلمين أن يحكمهم غير مسلم، بناء على قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)، وثانياً لأنه يحكم بغير ما أنزل الله.
4- أن لا يمنح الثقة لأية حكومة، لأنها السلطة التنفيذية التي تطبق الدستور والقوانين الوضعية، أي لأنها تحكم أيضاً بغير ما أنزل الله.
5- أن لا يشارك في إقرار الموازنات المالية لأنها توضع على أساس نظام غير إسلامي، وهو النظام الرأسمالي الغارق في الربا وغيره من المعاملات المالية المحرمة في الشرع، فضلاً عن جعلها اقتصاد البلد خاضعاً للمنظمات الاقتصادية الدولية والشركات الرأسمالية الناهبة لثروات البشر.
6- أن لا يشارك في إقرار المعاهدات الدولية التي تبرمها السلطة، لأنها تُقَرّ على أسس دستورية وقانونية مخالفة للشرع، فضلاً عن أنها في كثير من الأحيان تجعل للدول الكبرى سبيلاً على الأمة، والله تعالى يقول: (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً).
7- أن يحاسب السلطة التنفيذية على أساس الأحكام الشرعية الإسلامية، لا على أساس الدستور والقوانين الوضعية، لأن الله تعالى يقول: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر).
8- أن لا يتحالف في حملته الانتخابية مع مرشحين لا يلتزمون أحكام الإسلام في برامجهم ومواقفهم السياسية، لأنه بتحالفه هذا يُقّر نهجهم ويدعو ناخبيه إلى انتخابهم، والله تعالى يقول: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان).
المكتب الإعلامي لحزب التحرير ولاية لبنان |
عنوان المراسلة و عنوان الزيارة تلفون: +961 3 968 140 |
فاكس: +961 70 155148 E-Mail: tahrir.lebanon.2017@gmail.com |
معرض الصور
https://hizbut-tahrir.info/ar/index.php/pressreleases/lebanon/2253.html#sigProIdd4e0288f24