- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
مع الحديث النبوي الشريف
«كنت لك كأبي زرع لأم زرع»!! ج4
نَحُيِّيكُمْ جَمِيعًا أيها الأَحِبَّةُ رواد الصفحة الكِرَامَ فِي كُلِّ مَكَانٍ, نَلتَقِي بِكُمْ فِي فقرة جديدة من "مَعَ الحَدِيثِ النَّبوِيِّ الشَّرِيفِ" وَنَبدَأ بِخَيرِ تَحِيَّةٍ وَأزكَى سَلامٍ, فَالسَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ:
رَوَى البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيهِمَا عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَالَتْ: جَلَسَ إِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً: فَتَعَاهَدْنَ وَتَعَاقَدْنَ أَنْ لاَ يَكْتُمْنَ مِنْ أَخْبَارِ أَزْوَاجِهِنَّ شَيْئًا. قَالَتْ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: «زَوْجِي أَبُو زَرْعٍ وَمَا أَبُو زَرْعٍ أَنَاسَ مِنْ حُلِيٍّ أُذُنَيَّ وَمَلَأَ مِنْ شَحْمٍ عَضُدَيَّ وَبَجَّحَنِي فَبَجِحَتْ إِلَيَّ نَفْسِي وَجَدَنِي فِي أَهْلِ غُنَيْمَةٍ بِشِقٍّ فَجَعَلَنِي فِي أَهْلِ صَهِيلٍ وَأَطِيطٍ وَدَائِسٍ وَمُنَقٍّ فَعِنْدَهُ أَقُولُ فَلاَ أُقَبَّحُ وَأَرْقُدُ فَأَتَصَبَّحُ وَأَشْرَبُ فَأَتَقَنَّحُ. أُمُّ أَبِي زَرْعٍ. فَمَا أُمُّ أَبِي زَرْعٍ؟ عُكُومُهَا رَدَاحٌ وَبَيْتُهَا فَسَاحٌ! ابْنُ أَبِي زَرْعٍ. فَمَا ابْنُ أَبِي زَرْعٍ؟ مَضْجِعُهُ كَمَسَلِّ شَطْبَةٍ وَيُشْبِعُهُ ذِرَاعُ الْجَفْرَةِ. بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ. فَمَا بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ؟ طَوْعُ أَبِيهَا وَطَوْعُ أُمِّهَا وَمِلْءُ كِسَائِهَا وَغَيْظُ جَارَتِهَا. جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ فَمَا جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ؟ لاَ تَبُثُّ حَدِيثَنَا تَبْثِيثًا, وَلاَ تُنَقِّثُ مِيرَتَنَا تَنْقِيثًا, وَلَا تَمْلَأُ بَيْتَنَا تَعْشِيشًا».
أَنَاسَ: هُوَ أصْلٌ يَدُلُّ عَلَى اضْطِرَابٍ وَتَذَبْذُبٍ, وَحَرَكَةٍ مِنْ كُلِّ شَيءٍ مُتَدَلٍّ، وَمَعنَى "أنَاسَ مِنْ حُليٍّ أذنيَّ" أي حَلاَّهُمَا مِنْ قِرْطٍ يَنُوسُ وَيَتَعَلَّقُ وَيَضْطَرِبُ. بَجَّحَنِي: (بِتَشدِيدِ الجِيمِ المَفتُوحَةِ) يُقَالُ: بَجَحَ بِالشَّيءِ إِذَا فَرِحَ بِهِ، وَبَجَّحَنِي أي فَرَّحني فَفَرِحْتُ. وَقِيلَ: عَظَّمَنِي فَعَظُمَتْ عِندِي نَفسِي. وَالمَعنَى: أنَّهُ أحْسَنَ إِلَيهَا، وَحَلاَّهَا، وَرَفَّهَ عَيشَهَا وَسَمَّنهَا وَأرَاهَا المَسَرَّةَ فِي أحَوالِهَا. (بِشِقٍّ): بِكَسْرِ الشِّينِ, وَمَعنَاهُ قِلَّةِ العَيشِ، وَقِيلَ: بِفَتْحِ الشِّينِ اسمُ مَوضِعٍ، يَعنِي (بِشَقٍّ) جَبَلٍ، لِقِلَّتِهِمْ وَقِلَّةِ غَنَمِهِمْ. أَطِيْط: مِنْ (أَطَّ) وَلَهَا مَعنَىً وَاحِدٌ وَهُوَ صَوتُ الشَّيءِ إِذَا حَنَّ وَانقَضَّ. وَالأَطِيْطُ؛ هِيَ أصْوَاتُ المَحَامِلِ وَهُوَ خَيرُ مَا قِيلِ فِيهِ، وِقِيلَ: أصْوَاتُ الإِبِلِ. دَائِسٍ: هُوَ الَّذِي يَدُوسُ الطَّعَامَ وَيَدُقُّهُ لِيُخرِجَ الحَبَّ مِنهُ, وَالدَّوَائِسُ البَقَرُ العَوَامِلُ فِي الدَّوسِ مُنَقٌ: "بِفَتْحِ النُّونِ" مِنْ نقَّيتُ الطَّعَامَ إِذََا طيَّبتَه؛ أي أَنَّهُمْ أصْحَابُ زَرْعٍ وَهُوَ الرَّاجِحُ. وَ"بِكَسْرِ النُّونِ" مِنَ النَّقِيقِ وَهُوَ الصَّوتُ، تُرِيدُ أصْوَاتَ الدَّوَاجِنِ وَالمَوَاشِي، كِنَايَةٌ عَنْ كَثرَةِ أمْوَالِهِ. فَالحَاصِلُ أنَّهَا ذَكَرَتْ أنَّهُ نَقَلَهَا مِنْ شَظَفِ عَيشِ أهلِهَا إِلَى الثَّروَةِ الوَاسِعَةِ مِنَ الخَيلِ وَالإِبِلِ وَالزَّرعِ وَغَيرِ ذَلِكَ. أَتَقَنَّحُ: مِنْ قَنَحَ الشَّارِبُ إِذَا رَوِيَ فَرَفَع رأسَهُ رِيَّا. وَالمُرَادُ مِنْ قَولِهَا: أنَّهَا تُكَارِهُ الشُّربَ وَتَقطِيعَهُ لِرِيِّهَا، وَأخْذِ حَاجَتِهَا مِنهُ. وَالمُرَادُ مِنْ قَولِهَا: «أقُولُ فَلا أُقَبَّحُ» أي أنَّ زَوجَهَا يُبَالِغُ فِي بِرِّهَا وَتَدلِيلِهَا فَلا يَرُدُّ لَهَا قَولاً, وَلا يُقَبِّحُهُ عَلَيهَا لِعِزَّتِهَا عِندَهُ، وَتنَامُ أوَّلَ النَّهَارِ فَلا يُوقِظُهَا وَعِندَهَا مَنْ يَكفِيهَا مُؤنَةَ بَيتِهَا وَمِهنَتَهُ، وَتَشرَبُ الشَّرَابَ فَلا يَقطَعُهُ عَلَيهَا حَتَّى تُتِمَّ حَاجَتَهَا مِنهُ وَتمتَلئَ رِيًّا. عُكُومُهَا: العَينُ وَالكَافُ وَالمِيمُ أصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى ضَمٍّ وَجَمْعٍ لِشَيءٍ فِي وِعَاءٍ. فَالعُكُومُ الأحْمَال الَّتِي فِيهَا الأوعِيَةُ مِنْ صُنُوفِ الأطعِمَةِ. وَالمُرَادُ أنَّهَا كَثِيرَةُ الخَيرِ مِنََ الطَّعَامِ وَالمَالِ وَالمَتَاعِ, مَعَ سَعَةٍ البَيتِ وَكِبَرِهِ. رَدَاحٌ: هُوَ تَرَاكُمُ الشَّيءِ بَعضُهُ عَلَى بَعْضٍ، وَالرَّدَاحُ؛ المَرأةُ الثَّقِيلَةُ الأورَاكِ عَظِيمَةُ الأكفَالِ. مِسَلِّ: هُوَ مدُّ الشَّيءِ فِي رِفْقٍ وَخَفَاءٍ. شَطْبَة: أصْلُهَا وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى امتِدَادٍ فِي شَيءٍ، فَالشَّطْبَةُ: سَعَفَةُ النَّخْلِ الخَضْرَاء. وَقِيلَ: السَّيفُ وَالجَمْعُ شَطْبٌ (بِفَتْحِ الشِّينِ المُعجَمَةِ وَسُكُونِ الطَّاءِ) الجَفْرَة: (بِفَتْحِ الجِيمِ وَسُكُونِ الفَاءِ) الجَفْرُ مِنْ أولادِ الغَنَمِ إِذَا بَلَغَ أربَعَةَ أشْهُرٍ وَجَفَر جَنبَاهُ اتَّسَعَا وَفُصِلَ عَنْ أُمِّهِ وَأُخِذَ فِي الرَّعْيِ، وَالأنثَى جَفْرةٌ. وَالمَعنَى: أنَّهَا وَصَفَتْهُ بِأنَّهُ مُهَفْهَفُ القَدِّ، لَيسَ بَبَطِينٍ، بَلْ كَانَ قَلِيلَ الأكْلِ وَالشُّربِ مُلازِمٌ لآلَةِ الحَرْبِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِمَّا تَتَمَادَحُ بِهِ العَرَبُ. قَالَ ابنُ حَجَر رَحِمَهُ اللهُ: وَيَظْهَرُ أنَّهَا وَصَفَتْهُ بِخِفَّةِ الوَطْأةِ عَلَيهَا؛ لأنَّ زَوجَةَ الأَبِ تَستَثقِلُ وَلَدَهُ مِنْ غَيرِهَا غَالبًا, فَكَانَ هَذَا يُخَفِّفُ عَنهَا فَلا يَضْطَجِعُ عِندَهَا إِلاَّ قَدْرَ مَا يُسَلُّ السَّيفُ ثُمَّ يَستَيقِظُ مُبَالَغَةً فِي التَّخْفِيفِ عَنهَا وَيَقتَنِعُ مِنَ الطَّعَامِ بِاليَسِيرِ الَّذِي يَسُدُّ رَمَقَهُ. تُنَقِّثُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى خَلْطِ شَيءٍ بِشَيءٍ وَنَقلِهِ، وَمَعنَاهُ؛ لا تُبدِّدُ طَعَامَنَا وَلا تَنقُلُهُ مُسرِعَةً وَتُفَرِّقُهُ, بَلْ هِيَ أمِينةٌ عَلَى حِفْظِهِ. تَعْشِيْشًا: (بِالعَينِ المُهْمَلَةِ) مَعنَاهُ أنَّهَا مُصلِحَةٌ لِلْبَيتِ بِتَنظِيفِهِ وَإِلقَاءِ كُنَاسَتِهِ، لا تَترُكُهَا هُنَا وَهُنَاكَ كَأعشَاشِ الطُّيُورِ أو أنَّهَا تُحسِنُ مُرَاعَاةَ الطَّعَامِ وَتَعَهُّدَهُ لا تُغفِلُ أمْرَهُ فَيَفْسُدُ وَيَتَفَرَّقُ كَأعشَاشِ الطُّيُورِ. وَقِيلَ: (بِالغَينِ المُعجَمَةِ) مِنَ الغِشِّ أو مِنَ النَّمِيمَةِ، وَالمَعنَى الأوَّلُ أرْجَحُ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامٍ: «وَلاَ تُعَشِّشُ بَيْتَنَا تَعْشِيشًا». قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فَأَتَقَمَّحُ، بِالْمِيمِ، وَهَذَا أَصَحُّ.
من فوائد الحديث:
1. فِي الحَدِيثِ أنَّ الحُبَّ يَسْتُرُ الإِسَاءَةَ، وَيَمحُو العَيبَ وَالدَّنَاءَةَ؛ لأنَّ أمَّ زَرْعٍ بَالَغَتْ فِي مَدِيحِ زَوجِهََا أبِي زَرْعٍ وَالثَّنَاءِ عَلَيهِ إِلَى حَدِّ الإِفرَاطِ وَالغُلُوِّ بِالرَّغْمِ مِنْ إِسَاءَتِهِ إلَيهَا بِتَطلِيقِهَا.
2. وَفِيهِ أنَّ مَنْ أحَبَّ شَخْصًا أحَبَّ مَا يُلاصِقُهُ، وَيَتَعلَّقُ بِهِ، وَيُذَكِّرُ بِهِ، وَأثنَى عَلَيهِ خَيرًا! وَيَظهَرُ ذَلِكَ فِي مَدِيحِ أمِّ زَرْعٍ لِوَالِدَةِ زَوجِهَا وَابنَتِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِيَتِهِ، وَفِي بَعضِ طُرُقِهِ مَدَحَتْ أضيَافَهُ وَمَالَهُ, وَبَالَغَتْ حَتَّى مَدَحَتْ كَلْبَهُ!!
3. وَفِيهِ حَضُّ النِّسَاءِ عَلَى الشُّكْرِ الجَمِيلِ لِبُعُولَتِهِنَّ, وَالإِحسَانِ إِلَيهِمْ وَقَصْرِ الطَّرْفِ عَلَيهِمْ، وَالوَفَاءِ لَهُمْ، وَذِكْرِهِمْ بِأحْسَنِ الأوصَافِ المَعرُوفَةِ فِيهِمْ، وَجَوَازُ المُبَالَغَةِ فِي الوَصْفِ، مَا لَمْ يَصُرْ ذَلِكَ دَيدَنًا لأنَّهُ يُفضِي إِلَى خَرْمِ المُرُوءَةِ.
روادنا الكرام: نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ متابعتكم, وَلِلحَدِيثِ تَتِمَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الفقرة القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, وَالسَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.
كتبه لصفحة قانتات الأستاذ محمد أحمد النادي
ولاية الأردن