- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
مع الحديث الشريف
أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ
نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
روى ابن ماجه في سننه قال:
حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ الدِّمَشْقِيُّ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عَطِيَّةَ السَّلَمِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ"
جاء في حاشية السندي على ابن ماجه:
قَوْله (أَعْطُوا الْأَجِير): أَيْ يَنْبَغِي الْمُبَادَرَةُ فِي إِعْطَاء حَقّه بَعْد الْفَرَاغ مِنْ الْحَاجَة
قَوْله (قَبْل أَنْ يَجِفَّ عَرَقه): أي الْحَاصِل بِالِاشْتِغَالِ بِالْحَاجَةِ
أحبّتنا الكرام:
يدل هذا الحديث على أهمية المبادرة في إعطاء الأجير أجره حال انتهائه من عمله وعدم التسويف في إعطاء الأجرة كما يفعل الكثيرون من أصحاب الأعمال في زمننا الحالي ......فكم يؤجل صاحب العمل دفع الأجرة للعمال أو الموظفين لديه .....بحجج مختلفة كل حجة هي أوهى من أختها ....ولم لا يفعلون وحكوماتهم تمارس التأجيل في دفع رواتب الموظفين لديها الشهور العديدة ...مع أن الموظفين يكونون في أمسّ الحاجة لتلك الرواتب ......فالأجير أو الموظف الذي ليس لديه دخل سوى أجرته من عمله يضطر للاستلاف من هذا وذاك إلى أن يستطيع استنقاذ أجرته بشق النفس مع أنه أدى مهمته وقام بوظيفته على الفور ودون تأخير ....والشرع يأمرنا بأداء الأمانات التي عندنا وإعطاء الحقوق لأصحابها .....فما الذي حل بنا لنصبح هاضمين للحقوق .... آكلين لجهود الآخرين ظلما وعدوانا .....ألا يعلم من يؤجل دفع أجرة أجيره ليشتغل بها ويستثمرها في تنمية ماله أنه يأكل مالا حراما لأنه حال إنهاء الأجير لعمله أصبح أجره ملكا له وليس لصاحب العمل فيه أي حق ......فإن ماطل في دفع الأجرة للأجير واستعملها في تنمية ماله وقضاء مصالحه فإنه يأكل مالا حراما ليس له فيه أي حق؟
رحم الله علي ابن أبي طالب حين قال للخليفة عمر الفاروق عففت فعفوا ولو رتعت لرتعوا .....وهذا حالنا اليوم ...رتع حكامنا واستحلوا الحرمات فرتع معهم كل ظالم لنفسه وموردها موارد الهلاك
جاء في الحديث الذي يروي قصة الثلاثة الذين أغلق عليهم باب الغار بصخرة لم يستطيعوا دفعها, أنهم استجاروا الله بصالح أعمالهم فكان من أمر الثالث منهم أنه قال:
اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ فَأَعْطَيْتُهُمْ أَجْرَهُمْ غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ تَرَكَ الَّذِي لَهُ وَذَهَبَ فَثَمَّرْتُ أَجْرَهُ حَتَّى كَثُرَتْ مِنْهُ الْأَمْوَالُ فَجَاءَنِي بَعْدَ حِينٍ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ أَدِّ إِلَيَّ أَجْرِي، فَقُلْتُ لَهُ: كُلُّ مَا تَرَى مِنْ أَجْرِكَ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالرَّقِيقِ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ لَا تَسْتَهْزِئُ بِي، فَقُلْتُ: إِنِّي لَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ، فَأَخَذَهُ كُلَّهُ فَاسْتَاقَهُ فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا، اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ، فَانْفَرَجَتْ الصَّخْرَةُ فَخَرَجُوا يَمْشُون.
فمن لنا بمثل هذا الرجل الأمين الذي عرف حق الأجير فحفظه واستثمره لمصلحة صاحبه .....حتى وردت قصته على لسان نبينا الكريم تعلمنا وتهدينا .....والرسول اليوم ليس بين ظهرانينا, لكنه ترك لنا ما ينوب عنه في تعليمنا وهدايتنا قال صلى الله عليه وسلم: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا: كتاب الله وسنتي). وقد ضيع الجهلاء كتاب الله وسنة نبيه إذ أبعدوهما عن الحكم والسلطان .....فضاعت حقوق العمال والأجراء كما ضاعت حقوق الأمة جمعاء واستحل الجشعون والظلمة حرمات الله بغياب الحارس الأمين ....فلنغُذ السير في إعادة حارسنا وحامينا لتعود الحقوق إلى أهلها وينتشر العدل والنور من جديد .....وما ذلك على الله ببعيد.
أحبّتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.