- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
مع الحديث الشريف
دائرة الخارجية
نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
روى مسلم في صحيحه قال: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَقَ قَالَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ: كَتَبَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ الصُّلْحَ بَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَكَتَبَ هَذَا مَا كَاتَبَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالُوا: لَا تَكْتُبْ رَسُولُ اللَّهِ، فَلَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ لَمْ نُقَاتِلْكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ: امْحُهُ، فَقَالَ: مَا أَنَا بِالَّذِي أَمْحَاهُ، فَمَحَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ، قَالَ: وَكَانَ فِيمَا اشْتَرَطُوا أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ فَيُقِيمُوا بِهَا ثَلَاثًا وَلَا يَدْخُلُهَا بِسِلَاحٍ إِلَّا جُلُبَّانَ السِّلَاحِ، قُلْتُ لِأَبِي إِسْحَقَ: وَمَا جُلُبَّانُ السِّلَاحِ؟ قَالَ: الْقِرَابُ وَمَا فِيهِ.
جاء في كتاب شرح النووي على مسلم:
قَوْله: (هَذَا مَا كَاتَبَ عَلَيْهِ مُحَمَّد رَسُول اللَّه)
وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: (هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّد) قَالَ الْعُلَمَاء: مَعْنَى قَاضَى هُنَا فَاصَلَ وَأَمْضَى أَمْره عَلَيْهِ، وَمِنْهُ قَضَى الْقَاضِي، أَيْ: فَصَلَ الْحُكْم وَأَمْضَاهُ،
وَفِيهِ أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَعْقِد الصُّلْح عَلَى مَا رَآهُ مَصْلَحَة لِلْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَظْهَر ذَلِكَ لِبَعْضِ النَّاس فِي بَادِئ الرَّأْي.
وَفِيهِ: اِحْتِمَال الْمَفْسَدَة الْيَسِيرَة لِدَفْعِ أَعْظَم مِنْهَا أَوْ لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَة أَعْظَم مِنْهَا إِذَا لَمْ يُمْكِن ذَلِكَ إِلَّا بِذَلِكَ.
قَوْله: (فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ: اُمْحُهُ فَقَالَ: مَا أَنَا بِاَلَّذِي أَمْحَاهُ)
هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع النُّسَخ (بِاَلَّذِي أَمْحَاهُ) وَهِيَ لُغَة فِي (أَمْحُوهُ)
قَوْله: (وَلَا يَدْخُلهَا بِسِلَاحٍ إِلَّا جُلُبَّان السِّلَاح)
قَالَ أَبُو إِسْحَاق السَّبِيعِيُّ: (جُلُبَّان السِّلَاح) هُوَ الْقِرَاب وَمَا فِيهِ، وَ(الْجُلُبَّان) بِضَمِّ الْجِيم، وَهُوَ أَلْطَف مِنْ الْجِرَاب يَكُون مِنْ الْأُدُم، يُوضَع فِيهِ السَّيْف مُغْمَدًا، وَيَطْرَح فِيهِ الرَّاكِب سَوْطه وَأَدَاته، وَيُعَلِّقهُ فِي الرَّحْل، قَالَ الْعُلَمَاء: وَإِنَّمَا شَرَطُوا هَذَا لِوَجْهَيْنِ أَحَدهمَا: أَلَّا يَظْهَر مِنْهُ دُخُول الْغَالِبِينَ الْقَاهِرِينَ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ إِنْ عَرَضَ فِتْنَة أَوْ نَحْوهَا يَكُون فِي الِاسْتِعْدَاد بِالسِّلَاحِ صُعُوبَة.
قَوْله: (اِشْتَرَطُوا أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّة فَيُقِيمُوا بِهَا ثَلَاثًا)
قَالَ الْعُلَمَاء: سَبَب هَذَا التَّقْدِير: أَنَّ الْمُهَاجِر مِنْ مَكَّة لَا يَجُوز لَهُ أَنْ يُقِيم بِهَا أَكْثَر مِنْ ثَلَاثَة أَيَّام، وَهَذَا أَصْل فِي أَنَّ الثَّلَاثَة لَيْسَ لَهَا حُكْم الْإِقَامَة، وَأَمَّا مَا فَوْقهَا فَلَهُ حُكْم الْإِقَامَة.
أحبّتنا الكرام:
كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتولى أمر العلاقة مع الدول والكيانات الخارجية بنفسه ويكلف من يقوم بتنفيذ اتصالاته بهم، ومراسلاته معهم، ومفاوضاته لهم ومعاهداته معهم. وكذلك كان الخلفاء من بعده يتولون تلك العلاقات بأنفسهم أو يولون من يقوم بها نيابة عنهم على أساس أن ما يقوم به الشخص بنفسه له أن يوكل فيه عنه أو ينيب عنه من يقوم له به.
ولتعقيدات الحياة السياسية الدولية، واتساع وتنوع العلاقات السياسية الدولية فإن حزب التحرير تبنى في دستوره أن ينيب الخليفة عنه جهازاً من أجهزة الدولة خاصاً بالعلاقات الدولية يسمى دائرة الخارجية، يتابعه الخليفة كما يتابع أي جهاز آخر من أجهزة الحكم والإدارة في الدولة، مباشرة أو بواسطة وزير التنفيذ وفق الأحكام الشرعية المتعلقة بذلك.
فعمل دائرة الخارجية في دولة الخلافة القادمة بإذن الله: هو تولي جميع الشؤون الخارجية التي تتعلق بعلاقة دولة الخلافة بالدول الأجنبية، مهما كانت هذه الشؤون وهذه العلاقات، سواء أكانت تتعلق بالناحية السياسية وما يتبعها من اتفاقيات ومصالحات وهدن ومفاوضات وتبادل سفراء وإرسال رسل ومندوبين، وإقامة سفارات وقنصليات، أم كانت هذه العلاقات تتعلق بالنواحي الاقتصادية أو الزراعية أو التجارية أو المواصلات البريدية أو السلكية أو اللاسلكية ونحوها ... فكل هذه الأمور تتولاها دائرة الخارجية، لأنها تمس علاقة الدولة بغيرها من الدول.
أحبّتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.