- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي
الثمن وجهاز الثمن عند الرأسماليين ح10
الحَمْدُ للهِ الذِي شَرَعَ لِلنَّاسِ أحكَامَ الرَّشَاد, وَحَذَّرَهُم سُبُلَ الفَسَاد, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى خَيرِ هَاد, المَبعُوثِ رَحمَةً لِلعِبَاد, الَّذِي جَاهَدَ فِي اللهِ حَقَّ الجِهَادِ, وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الأَطهَارِ الأمجَاد, الَّذِينَ طبَّقُوا نِظَامَ الِإسلامِ فِي الحُكْمِ وَالاجتِمَاعِ وَالسِّيَاسَةِ وَالاقتِصَاد, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ يَومَ يَقُومُ الأَشْهَادُ يَومَ التَّنَاد, يَومَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العِبَادِ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا إِروَاءُ الصَّادِي مِنْ نَمِيرِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي, وَمَعَ الحَلْقَةِ العَاشِرَةِ, نُتَابِعُ فِيهَا استِعرَاضَنَا مَا جَاءَ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى. وَحَدِيثُنَا عَنِ الثَّمَنِ وَجِهَازِ الثَّمَنِ عِندَ الرَّأسِمَالِيِّينَ. يَقُولُ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ:
الثمن:
وَقَد أُطلِقَ عَلَى نِسبَةِ استِبدَالِ الشَّيءِ بِالنُّقُودِ اسمُ (الثَّمَن). فَالثَّمَنُ هُوَ قِيمَةُ استِبدَالِ الشَّيءِ بِالنِّسبَةِ لِلنُّقُودِ. وَعَلَى ذَلِكَ يَكُونُ الفَرقُ بَينَ قِيمَةِ الاستِبدَالِ وَالثَّمَنِ، هُوَ أَنَّ قِيمَةَ الاستِبدَالِ هِيَ نِسبَةُ استِبدَالِ الشَّيءِ بِغَيرِهِ مُطلَقاً، سَوَاءٌ أَكَانَ نُقُودًا أم سلعًا أم خِدْمَاتٍ، أَمَّا الثَّمَنُ فَهُوَ قِيمَةُ استِبدَالِ الشَّيءِ بِالنُّقُودِ خَاصَّة. وَيَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا أَنَّ أَثْمَانَ السِّلَعِ يُمكِنُ أَنْ تَرتَفِعَ كُلُّهَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَتَهبِطَ كُلُّهَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، فِي حِينِ أنَّهُ يَستَحِيلُ أَنْ تَرتَفِعَ أَو تَهبِطَ قِيمَةُ استِبدَالِ كُلِّ السِّلَعِ بَعضِهَا بِبَعضٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ.
وَكَذَلِكَ يُمكِنُ أنْ تَتَغَيَّرَ أَثْمَانُ السِّلَعِ مِنْ غَيرِ أنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ تَغَيُّرٌ فِي قِيمَةِ استِبدَالِهَا. وَعَلَى ذَلِكَ فَثَمَنُ السِّلْعَةِ هُوَ إِحدَى قِيَمِ هَذِهِ السِّلعَةِ، وَبِعِبَارَةٍ أُخرَى، هُوَ قِيمَةُ السِّلعَةِ بِالنِّسبَةِ لِلنُّقُودِ فَقَط. وَلَمَّا كَانَ الثَّمَنُ هُوَ إِحدَى القِيَمِ كَانَ طَبِيعِيًّا أنْ يَكُونَ هُوَ مِقيَاسُ كَونِ الشَّيءِ نَافِعاً أو غَيرَ نَافِعٍ، وَمِقيَاسُ دَرَجَةِ المَنفَعَةِ فِي الشَّيءِ.
فَالسِّلعَةُ أوِ الخِدمَةُ تُعتَبَرُ مُنتِجَةً وَنَافِعَةً إِذَا كَانَ المُجتَمَعُ يُقَدِّرُ هَذِهِ السِّلعَةَ المُعَيَّنَةَ، أو الخِدْمَةَ المُعَيَّنَةَ بِثَمَنٍ مُعَيَّنٍ، أَمَّا دَرَجَةُ المَنفَعَةِ لِهَذِهِ السِّلعَةِ أَوِ الخِدْمَةِ فَتُقَاسُ بِالثَّمَنِ الذِي تَقبَلُ جَمهَرَةُ المُستَهلِكِينَ دَفْعَهُ لِحِيَازَتِهَا، سَوَاءً أَكَانَتْ هَذِهِ السِّلعَةُ مِنَ المُنتَجَاتِ الزِّرَاعيَّةِ أَمِ الصِّناعِيَّةِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَتِ الخِدمَةُ خِدْمَةَ تَاجِرٍ أَم شَرِكَةِ نَقْلٍ أَم طَبِيبٍ أم مُهَندِسٍ.
أمَّا الدَّورُ الذِي يَقُومُ بِهِ الثَّمَنُ فِي الإِنتَاجِ وَالاستِهلاكِ وَالتَّوزِيعِ فَذَلِكَ أَنَّ جِهَازَ الثَّمَنِ هُوَ الذِي يُقَرِّرُ أيَّ المُنتِجِينَ سَيَدخُلُ إِلَى حَلْبَةِ الإِنتَاجِ، وَأَيَّهُمْ سَيَظَلُّ بَعِيدًا عَنْ زُمرَةِ المُنتِجِينَ، بِنَفسِ الكَيفِيَّةِ التِي يُقَرِّرُ بِهَا أيَّ المُستَهلِكِينَ سَيَتَمَتَّعُ بِإِشبَاعِ حَاجَاتِهِ، وَأَيَّهُمْ سَتَظَلُّ حَاجَاتُهُ غَيرَ مُشبَعَةٍ. وَتَكَالِيفُ الإِنتَاجِ لِلسِّلعَةِ هِيَ العَامِلُ الرَّئِيسِيُّ الذِي يَحكُمُ عَرْضَهَا فِي السُّوقِ، وَالمَنفَعَةُ التِي فِي السِّلعَةِ هِيَ العَامِلُ الرَّئِيسِيُّ الذِي يَحكُمُ طَلَبَ السُّوقِ لَهَا، وَكِلاهُمَا يُقَاسُ بِالثَّمَنِ. لِذَلِكَ كَانَ بَحْثُ العَرْضِ وَالطَّلَبِ بَحثَينِ أَسَاسِيَّينِ فِي الاقتِصَادِ عِندَ الرَّأسْمَالِيِّينَ.
وَالمُرَادُ بِالعَرْضِ هُوَ عَرْضُ السُّوقِ، وَالمُرَادُ بِالطَّلَبِ هُوَ طَلَبُ السُّوقِ. وَكَمَا أَنَّ الطَّلَبَ لا يُمكِنُ تَعيِّينُهُ مِنْ غَيرِ ذِكْرِ الثَّمَنِ، فَكَذَلِكَ العَرْضُ لا يُمكِنُ تَقدِيرُهُ مِنْ غَيرِ الثَّمَنِ. إِلاَّ أَنَّ الطَّلَبَ يَتَغَيَّرُ بِعَكْسِ تَغَيُّرِ الثَّمَنِ، فَإِذَا زَادَ الثَّمَنُ قَلَّ الطَّلَبُ، وَإِذَا قَلَّ الثَّمَنُ زَادَ الطَّلَبُ. بِخِلافِ العَرْضِ فَإِنَّهُ يَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ الثَّمَنِ، وَفِي اتِّجَاهِهِ، أي أنَّ العَرضَ يَزدَادُ بِارتِفَاعِ الثَّمَنِ وَيَقِلُّ بِهُبُوطِهِ. وَفِي كِلْتَا الحَالَتَينِ يَكُونُ لِلثَّمَنِ الأَثَرُ الأَكبَرُ فِي العَرْضِ وَالطَّلَبِ، أي يَكُونُ لَهُ الأَثَرُ الأَكبَرُ فِي الإنتَاجِ وَالاستِهلاكِ.
جهاز الثمن:
وَجِهَازُ الثَّمَنِ عِندَهُمْ هُوَ الطَّرِيقَةُ المُثلَى لِتَوزِيعِ السِّلَعِ وَالخِدْمَاتِ عَلَى أَفرَادِ المُجتَمَعِ، ذَلِكَ أَنَّ المَنَافِعَ هِيَ نَتِيجَةُ المَجهُودَاتِ التِي يَبذُلُهَا الإِنسَانُ، فَإِذَا لَمْ يَكُنِ الجَزَاءُ مُسَاوِيًا لِلعَمَلِ فَلا شَكَّ فِي أنَّ مُستَوَى الإِنتَاجِ يَنحَطُّ، وَعَلَى ذَلِكَ فَالطَّرِيقَةُ المُثلَى لِتَوزِيعِ السِّلَعِ وَالخِدْمَاتِ عَلَى أَفرَادِ المُجتَمَعِ هِيَ تِلْكَ التِي تَضْمَنُ الوُصُولَ إِلَى أَرفَعِ مُستَوىً مُمكِنٍ مِنَ الإِنتَاجِ.
وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ هِيَ طَرِيقَةُ الثَّمَنِ. وَهِيَ مَا يُطلِقُونَ عَلَيهِ جِهَازَ الثَّمَنِ، أو مِيكَانِيكِيَّةِ الثَّمَنِ. لأَنَّهُم يَرَونَ أَنَّ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ تُحدِثُ التَّوَازُنَ الاقتِصَادِيَّ بِشَكلٍ آلِيٍّ. لأنَّهَا قَائِمَةٌ عَلَى تَركِ الحُريَّاتِ لِلمُستَهلِكِينَ فِي أنْ يُقَرِّرُوا بِأَنفُسِهِمْ تَوزِيعَ المَوَارِدِ التِي يَملِكُهَا المُجتَمَعُ عَلَى فُرُوعِ النَّشَاطِ الاقتِصَادِيِّ المُختَلِفَةِ، بِإِقبَالِهِمْ عَلَى شِرَاءِ بَعضِ المَوَادِّ، وَعَدَمِ إِقبَالِهِمْ عَلَى بَعضِهَا. فَيُنفِقُونَ دُخُولَهُمُ التِي يَكسِبُونَهَا عَلَى شِرَاءِ مَا يَحتَاجُونَهُ أو يَرغَبُونَ فِيهِ. فَالمُستَهلِكُ الذِي لا يَرغَبُ الخَمْرَ يَمتَنِعُ عَنْ شِرَائِهَا، وَيُنفِقُ دَخْلَهُ عَلَى شَيءٍ آخَرَ. فَإِذَا كَثُرَ عَدَدُ المُستَهلِكِينَ الذِينَ لا يَرغَبُونَ الخَمْرَ، أَو أصبَحَ جَمِيعُ النَّاسِ لا يَرغَبُونَهَا يُصبِحُ إِنتَاجُ الخَمْرِ غَيرَ مُربِحٍ، لِعَدَمِ تَوَافُرِ الطَّلَبِ عَلَيهِ، فَيَقِفُ طَبِيعِيًّا إِنتَاجُ الخَمْرِ، وَهَكَذَا جَمِيعُ المَوَادِّ. فَالمُستَهلِكُونَ هُمُ الذِينَ قَرَّرُوا كَميَّةَ الإِنتَاجِ، وَنَوعَ الإِنتَاجِ فِي تَركِهِمْ وَحُريَّتِهِمْ. وَالثَّمَنُ هُوَ الذِي جَرَى بِوَاسِطَتِهِ تَوزِيعُ السِّلَعِ وَالخِدْمَاتِ فِي تَوَفُّرِهِ مِنَ المُستَهلِكِينَ، أَو عَدَمِ تَوَفُّرِهِ لَدَيهِمْ، وَفِي إِعطَائِهِ لِلمُنتِجِينَ أو عَدَمِ إِعطَائِهِ لَهُمْ.
وَقَبلَ أَنْ نُوَدِّعَكُمْ مُستَمِعِينَا الكِرَامَ نُذَكِّرُكُمْ بِأَبرَزِ الأفكَارِ التِي تَنَاوَلهَا مَوضُوعُنَا لِهَذَا اليَومِ:
1. الثَّمَنُ: هُوَ قِيمَةُ استِبدَالِ الشَّيءِ بِالنِّسبَةِ لِلنُّقُودِ.
2. أَثْمَانَ السِّلَعِ يُمكِنُ أَنْ تَرتَفِعَ كُلُّهَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَتَهبِطَ كُلُّهَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ.
3. يَستَحِيلُ أَنْ تَرتَفِعَ أَو تَهبِطَ قِيمَةُ استِبدَالِ كُلِّ السِّلَعِ بَعضِهَا بِبَعضٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ.
4. جِهَازُ الثَّمَنِ: عِندَ الرَّأسمَالِيِّينَ هُوَ الطَّرِيقَةُ المُثلَى لِتَوزِيعِ السِّلَعِ وَالخِدْمَاتِ عَلَى أَفرَادِ المُجتَمَعِ.
5. يَرَى الرَّأسمَاليُّونَ أنَّ جِهَازَ الثَّمَنِ أو مِيكَانِيكِيَّةَ الثَّمَنِ تُحْدِثُ التَّوَازُنَ الاقتِصَادِيَّ بِشَكلٍ آلِيٍّ.
6. طَرِيقَةُ الثَّمَنِ عِندَ الرَّأسمَالِيِّينَ قَائِمَةٌ عَلَى تَركِ الحُريَّاتِ لِلمُستَهلِكِينَ فِي أنْ يُقَرِّرُوا بِأَنفُسِهِمْ تَوزِيعَ المَوَارِدِ التِي يَملِكُهَا المُجتَمَعُ عَلَى فُرُوعِ النَّشَاطِ الاقتِصَادِيِّ المُختَلِفَةِ.
7. دَورُ الثَّمَنِ فِي الإِنتَاجِ: هُوَ الذِي يُقَرِّرُ أيَّ المُنتِجِينَ سَيَدخُلُ إِلَى حَلْبَةِ الإِنتَاجِ، وَأَيَّهُمْ سَيَظَلُّ بَعِيدًا عَنْ زُمرَةِ المُنتِجِينَ.
8. دور الثمن في الاستِهلاكِ: هُوَ الذِي يُقَرِّرُ بِهَا أيَّ المُستَهلِكِينَ سَيَتَمَتَّعُ بِإِشبَاعِ حَاجَاتِهِ، وَأَيَّهُمْ سَتَظَلُّ حَاجَاتُهُ غَيرَ مُشبَعَةٍ.
9. دور الثمن في التَّوزِيعِ:
أ- تَكَالِيفُ الإِنتَاجِ لِلسِّلعَةِ هِيَ العَامِلُ الرَّئِيسُ الذِي يَحكُمُ عَرْضَهَا فِي السُّوقِ.
ب- المَنفَعَةُ التِي فِي السِّلعَةِ هِيَ العَامِلُ الرَّئِيسُ الذِي يَحكُمُ طَلَبَ السُّوقِ لَهَا.
ت- تكاليف الإنتاج, والمنفعة كِلاهُمَا يُقَاسُ بِالثَّمَنِ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الَمولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.
إعداد وتنسيق
الأستاذ محمد أحمد النادي