- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي
المنفعة في المبدأ الرأسمالي: شرح وتبسيط الشيخ فتحي سليم (ح12)
الحَمْدُ للهِ الذِي شَرَعَ لِلنَّاسِ أحكَامَ الرَّشَاد, وَحَذَّرَهُم سُبُلَ الفَسَاد, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى خَيرِ هَاد, المَبعُوثِ رَحمَةً لِلعِبَاد, الَّذِي جَاهَدَ فِي اللهِ حَقَّ الجِهَادِ, وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الأَطهَارِ الأمجَاد, الَّذِينَ طبَّقُوا نِظَامَ الِإسلامِ فِي الحُكْمِ وَالاجتِمَاعِ وَالسِّيَاسَةِ وَالاقتِصَاد, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ يَومَ يَقُومُ الأَشْهَادُ يَومَ التَّنَاد, يَومَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العِبَادِ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا إِروَاءُ الصَّادِي مِنْ نَمِيرِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي وَمَعَ الحَلْقَةِ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ نُتَابِعُ فِيهَا استِعرَاضَنَا مَا جَاءَ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي (صَفْحَة 19) لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى. وَحَدِيثُنَا عَنْ قَوَانِينِ المَنفَعَةِ فِي المَبدَأ الرَّأسِمَالِيِّ. نَقُولُ وَبِاللهِ التَّوفِيقُ:
يَقُولُ عَالِمُنَا الجَلِيلُ الشَّيخُ فَتْحِي سَلِيمْ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- فِي شَرْحِ وَتَبسِيطِ مُقَدِّمَةِ كِتَابِ النِّظَامِ الاقتِصَادِيِّ في الإِسلامِ: "عِندَهُمْ تَعبِيرَاتٌ مِثلُ: (المَنفَعَةِ الحَدِّيةِ الهَامِشِيَّةِ) و(المَنفَعَةِ الكَامِلَةِ) و(القِيمَةِ الكُلِّيةِ) ثُمَّ (المنفَعَةِ الفَردِيَّةِ) و(المَنفَعَةِ الجَمَاعِيَّةِ).
المَنفَعَةُ هِيَ: خَاصَّةٌ فِي المَالِ تُزِيلُ الإِحسَاسَ بِالأَلَمِ، أو تُوَلِّدُ الإِحسَاسَ بِاللَّذَّةِ، أَو تُوجِدُ ظُرُوفًا لازِمَةً لِحُدُوثِ هَذِهِ النَّتَائِجِ. أو هِيَ بِتَعبِيرٍ آخَرَ: قُدرَةُ الشَّيءِ عَلَى إِشبَاعِ الحَاجَةِ. فَهِيَ عَلاقَةٌ بَينَ المَالِ وَالحَاجَةِ. فَالمَنفَعَةُ تَتَوَلَّدُ مَعَ الحَاجَةِ، وَتَنتَفِي بِانتِفَائِهَا. وَهِيَ عَلاقَةٌ يُدرِكُهَا الفَردُ، تَخضَعُ لِتَقدِيرِهِ, وَتَتَوقَّفُ عَلَى دَرَجَةِ حِرْمَانِ الشَّخصِ وَقْتَ الاستِعْمَالِ، فَتَزدَادُ بِازدِيَادِ الحِرْمانِ، وَتَنقُصُ بِنُقصَانِهِ، أي أَنَّهَا تَتَوَقَّفُ عَلَى أَهَمِّيةِ الحَاجَةِ بِالنِّسبَةِ لِلشَّخْصِ.
إِنَّ تَقدِيرَ الحَاجَةِ يَختَلِفُ مِنْ شَخصٍ إِلَى آخَرَ، تَبَعًا لِلظُّرُوفِ الاجتِمَاعِيَّةِ وَالعَادَاتِ وَالثَّقَافَةِ. وَلَكِنْ لا نَنفِي أَنَّ لِلمُجتَمَعِ دَورًا فِي تَكْوِينِ تَصَوُّرِ الفَردِ لِلمَنفَعَةِ. يُعَبِّرُونَ عَنهَا بِـ (قِيمَةِ الاستِعمَالِ) أو (مَنفَعَةِ الاستِهلاكِ) - وَذَلِكَ حِينَمَا نَكُونُ بِصَدَدِ المُقَابَلَةِ بَينَهَا وَبَينَ (قِيمَةِ الاستِبدَالِ) - وَعِندَئِذٍ استَعَاضُوا بِذَلِكَ بِتَعبِيرِ (المَنفَعَةِ). وَيَكفِي أنْ يَكُونَ المَالُ مَرغُوبًا فِيهِ لِقِيَامِ المَنفَعَةِ، بِصَرفِ النَّظَرِ عَنْ كَونِهَا مُتَّفِقَةً مَعَ الأَخلاقِ وَالصَّحَّةِ، أَو غَيرَ مُتَّفِقَةٍ مَعَ الأَخلاقِ وَالصِّحَّةِ، وَلا يُؤَثِّرُ عَدَمُ الاتِّفَاقِ هَذَا فِي تَكوِينِ القِيمَةِ عِندَهُمْ. وَقَد تَكُونُ المَنفَعَةُ مُبَاشِرَةً، وَهِيَ التِي تَحصُلُ مِنْ سِلَعِ الاستِهلاكِ، كَمَا قَد تَكُونُ غَيرَ مُبَاشِرَةٍ، وَهِيَ التِي تَحصُلُ عَلَيهَا مِنْ سِلَعِ الإِنتَاجِ أي مِنَ السِّلَعِ الوَسِيطَةِ كَالمُنشَآتِ وَالآلاتِ وَالأَموَالِ غَيرِ المُبَاشِرَةِ مِثلُ: السَّنَدَاتِ". وَيَجدُرُ بِنَا قَبلَ الحَدِيثِ عَنْ قَوَانِينِ المَنفَعَةِ فِي المَبدَأ الرَّأسْمَالِيِّ أَنْ نُوَضِّحَ المَقصُودَ بِالمُصطَلَحَينِ الآتِيَينِ وَهُمَا: المنفَعَةُ الكُليَّةُ, وَالمَنفَعَةُ الحَدِيَّةُ:
المَنفَعَةُ الكُليَّةُ: هِيَ مَجمُوعُ المَنَافِعِ التِي يَحصُلُ عَلَيهَا المُستَهلِكُ مِنْ جَمِيعِ الوِحْدَاتِ المُستَهلَكَةِ. فَإِذَا أَكَلَ الفَردُ خَمْسَةَ أرْغِفَةٍ فِي اليَومِ, فَإِنَّ المَنفَعَةَ الكُليَّةَ هِيَ مَجْمُوعُ المَنَافِعِ التِي يَحصُلُ عَلَيهَا مِنْ هَذِهِ الأَرغِفَةِ الخَمْسَةِ.
المنفعة الحدية: قِيمَةُ مَنفَعَةِ الشَّيءِ تَتَلَخَّصُ فِي أَنَّ (قِيمَةَ مَنفَعَةِ أيَّةِ وِحْدَةٍ مِنْ شَيءٍ وَاحِدٍ تُقَدَّرُ بِمَنفَعَتِهِ النِّهَائِيَّةِ، أي بِمَنفَعَةِ الوِحْدَةِ التِي تُشبِعُ أَضعَفَ الحَاجَاتِ)، وَهَذَا مَا سَمَّوهُ نَظِرِيَّةَ (المَنفَعَةِ النِّهَائِيَّةِ أَوِ الحَدِّيةِ). أي أَنَّ المَنفَعَةَ لا تُقَدَّرُ بِحَسَبِ وُجْهَةِ نَظَرِ المُنتِجِ، فَتُقَدَّرَ بِتَكَالِيفِ إِنتَاجِهَا؛ لأنَّهَا حِينَئِذٍ تَكُونُ قَدْ رُوعِيَتْ فِيهَا وُجْهَةُ نَظَرِ العَرْضِ فَقَطْ دُونَ الطَّلَبِ، وَلا تُقَدَّرُ بِحَسَبِ وُجهَةِ نَظَرِ المُستَهلِكِ، فَتُقَدَّرَ بِمِقْدَارِ مَا فِيهَا مِنْ مَنفَعَةٍ، وَمِنْ شُعُورٍ بِالحَاجَةِ إِلَى هَذِهِ المَنفَعَةِ، مَعَ مُلاحَظَةِ عَامِلِ النُّدرَةِ؛ لأَنَّهَا حِينَئِذٍ تَكُونُ رُوعِيَتْ فِيهَا وُجهَةُ نَظَرِ الطَّلَبَ فَقَط دُونَ العَرْضِ. وَإِنَّمَا يَجِبُ أَنْ تُرَاعَى فِيهَا وُجْهَةُ نَظَرِ العَرْضِ وَالطَّلَبِ مَعاً، فَتُؤخَذُ مَنفَعَتُهَا عِندَ آخِرِ حَدٍّ تُشبَعُ فِيهِ الحَاجَةُ - عِندَ آخِرِ حَدٍّ مِنْ إِشبَاعِهَا، أَي تُؤخَذُ قِيمَةُ الرَّغِيفِ عِندَ آخِرِ الجُوعِ لا عِندَ أوَّلِهِ، وَفِي وَقْتِ تَوَفُّرِ الخُبزِ عَادِياً فِي السَّوقِ، لا فِي وَقْتِ نُدرَتِهِ. هَذِهِ هِيَ قِيمَةُ المَنفَعَةِ.
وَقَبلَ أَنْ نُوَدِّعَكُمْ احبتنا الكِرَامَ نُذَكِّرُكُمْ بِأَبرَزِ الأَفكَارِ التِي تَنَاوَلهَا مَوضُوعُنَا لِهَذَا اليَومِ:
1. المَنفَعَةُ: هِيَ خَاصَّةٌ فِي المَالِ تُزِيلُ الإِحسَاسَ بِالأَلَمِ، أو تُوَلِّدُ الإِحسَاسَ بِاللَّذَّةِ. أو هِيَ قُدرَةُ الشَّيءِ عَلَى إِشبَاعِ الحَاجَةِ.
2. المَنفَعَةُ الكُليَّةُ: هِيَ مَجمُوعُ المَنَافِعِ التِي يَحصُلُ عَلَيهَا المُستَهلِكُ مِنْ جَمِيعِ الوِحْدَاتِ المُستَهلَكَةِ.
3. المنفعة الحدية: قِيمَةَ مَنفَعَةِ أيَّةِ وِحْدَةٍ مِنْ شَيءٍ وَاحِدٍ تُقَدَّرُ بِمَنفَعَتِهِ النِّهَائِيَّةِ، أي بِمَنفَعَةِ الوِحْدَةِ التِي تُشبِعُ أَضعَفَ الحَاجَاتِ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّة, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الَمولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ على منهاج النبوة في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.
إعداد وتنسيق
الأستاذ محمد أحمد النادي