- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي
(ح 160)
القرض جائز في الأصناف الستة وفي غيرها
الحمد لله الذي شرع للناس أحكام الرشاد, وحذرهم سبل الفساد, والصلاة والسلام على خير هاد, المبعوث رحمة للعباد, الذي جاهد في الله حق الجهاد, وعلى آله وأصحابه الأطهار الأمجاد, الذين طبقوا نظام الإسلام في الحكم والاجتماع والسياسة والاقتصاد, فاجعلنا اللهم معهم, واحشرنا في زمرتهم يوم يقوم الأشهاد يوم التناد, يوم يقوم الناس لرب العباد.
أيها المؤمنون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: نتابع معكم سلسلة حلقات كتابنا إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي, ومع الحلقة الستين بعد المائة, وعنوانها: "القرض جائز في الأصناف الستة وفي غيرها". نتأمل فيها ما جاء في الصفحة الستين بعد المائتين من كتاب النظام الاقتصادي في الإسلام للعالم والمفكر السياسي الشيخ تقي الدين النبهاني.
يقول رحمه الله: "وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "الطعام بالطعام مثلا بمثل" رواه مسلم عن معمر بن عبد الله، وما روى أحمد عن أبي سعيد الخدري: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم بينهم طعاما مختلفا، بعضه أفضل من بعض, قال: فذهبنا نتزايد بيننا، فمنعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتبايعه إلا كيلا بكيل لا زيادة فيه". وما روى النسائي من طريق جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تباع الصبرة من الطعام بالصبرة من الطعام، ولا الصبرة من الطعام بالكيل المسمى من الطعام". فإن ذلك كله لا يدل على أن علة التحريم الطعام، وإنما يدل على أن الربا يحصل في الطعام، فيشمل جنس الطعام كله، فهو عام، فجاء حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي رواه عبادة بن الصامت، فحصر أصناف الطعام الربوية في: البر، والشعير، والتمر، والملح، وعليه فإن لفظ الطعام العام الوارد في النصوص السابقة هو من باب العام المراد به الخصوص، أي أصناف الطعام الأربعة المذكورة، وهذا مثل قوله تعالى: (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم). (آل عمران173) الآية. فلفظ الناس هنا هو عام مراد به الخصوص؛ لأن الذين قالوا هم بعض الناس، وليس عموم الناس، وهكذا لفظ الطعام السابق فهو عام مراد به الخصوص أي بعض الطعام وليس عموم الطعام. بدليل أن هناك أطعمة كثيرة لا يحرم فيها الربا، وهي من الطعام. فالباذنجان، والقرع، والجزر، والحلاوة، والفلفل، والثوم، والعناب، تعتبر من المطعومات، ولا يدخلها الربا بالإجماع، مع أنه يصدق عليها لفظ الطعام؛ لأنها من المطعوم، ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "لا صلاة بحضرة الطعام" رواه مسلم من طريق عائشة أي: أي طعام معد للأكل. فلو كان الربا في كل مطعوم لدخلها الربا.
وعلى ذلك، فإن لفظ الطعام العام الوارد في النصوص السابقة هو من باب العام المراد به الخصوص أي أصناف الطعام الربوية التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: "البر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح". الحديث. وكذلك لا يقال: حرم الربا في الذهب والفضة لأنه موزون، فتجعل علة تحريم الربا فيه كونه موزون جنس.
ولا يقال حرم الربا في الحنطة، والشعير، والتمر، والملح، لأنه مكيل, فتجعل علة تحريم الربا فيها كونها مكيل جنس؛ لأن الوزن والكيل جاء في الحديث وصفا لها لا علة. روى النسائي عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الذهب بالذهب تبره وعينه وزنا بوزن، والفضة بالفضة تبره وعينه وزنا بوزن، والملح بالملح، والتمر بالتمر، والبر بالبر، والشعير بالشعير، سواء بسواء مثلا بمثل، فمن زاد أو ازداد فقد أربى".
فالحديث بين الحالة التي عليها التحريم وهي الوزن بالذهب والفضة تفاضلا، والكيل في القمح، والشعير، والملح، والتمر، تفاضلا، فهو بيان ما يجري فيه التبادل، لا علة له. وعليه، فلا يجري الربا في كل مكيل أو موزون، وإنما يجري الربا في هذه الأشياء الستة فقط، وزنا في الذهب والفضة، وكيلا فيما عداهما، أي أن الربا لا يقع في البيع والسلم إلا في ستة أشياء فقط: في التمر، والقمح، والشعير، والملح، والذهب والفضة. وأما القرض فجائز في هذه الأصناف الستة، وفي غيرها، وفي كل ما يتملك، ويحل إخراجه عن الملك، ولا يدخل الربا فيه إلا إذا جر نفعا لما رواه الحارث بن أبي أسامة من حديث علي رضي الله عنه بلفظ: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قرض جر منفعة". وفي رواية "كل قرض جر منفعة فهو ربا". ويستثنى من ذلك ما هو من قبيل حسن القضاء دون زيادة لما رواه أبو داود عن أبي رافع قال "استسلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بكرا فجاءته إبل الصدقة فأمرني أن أقضي الرجل بكره, فقلت: لم أجد في الإبل إلا جملا خيارا رباعيا فقال: أعطه إياه فإن خيار الناس أحسنهم قضاء".
وقبل أن نودعكم أحبتنا الكرام نذكركم بأبرز الأفكار التي تناولها موضوعنا لهذا اليوم:
الطعام ليس علة التحريم, بل في الطعام يحصل الربا:
1. وردت أحاديث للنبي تفيد النهي عن إعطاء وأخذ الزيادة في الطعام مثل قوله: "الطعام بالطعام مثلا بمثل". وقول أبي سعيد الخدري: "فمنعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتبايعه إلا كيلا بكيل لا زيادة فيه".
2. لا تدل تلك الأحاديث على أن علة التحريم الطعام، وإنما تدل على أن الربا يحصل في الطعام، فيشمل جنس الطعام كله، فهو عام.
3. حصر حديث النبي عليه السلام أصناف الطعام الربوية في أربعة فقط هي: البر، والشعير، والتمر، والملح.
لفظ "الطعام" من باب العام المراد به الخصوص:
1. العام المراد به الخصوص مثل قوله تعالى: (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم). فلفظ الناس هنا هو عام مراد به الخصوص؛ لأن الذين قالوا هم بعض الناس، وليس عموم الناس.
2. لفظ الطعام العام الوارد في النصوص هو من باب العام المراد به الخصوص، أي أصناف الطعام الأربعة المذكورة, وهي بعض الطعام وليس عموم الطعام.
3. هناك أطعمة كثيرة لا يحرم فيها الربا، وهي من الطعام. فالباذنجان، والقرع، والجزر، والحلاوة، والفلفل، والثوم، والعناب، تعتبر من المطعومات، ولا يدخلها الربا بالإجماع، مع أنه يصدق عليها لفظ الطعام. لأنها من المطعوم، ولأن الرسول
4. قال صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة بحضرة الطعام". أي كل طعام معد للأكل. فلو كان الربا في كل طعام لدخلها الربا.
الوزن والكيل وصف لا علة:
1. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الذهب بالذهب تبره وعينه وزنا بوزن، والفضة بالفضة تبره وعينه وزنا بوزن، والملح بالملح، والتمر بالتمر، والبر بالبر، والشعير بالشعير، سواء بسواء مثلا بمثل، فمن زاد أو ازداد فقد أربى".
2. لا يقال: حرم الربا في الذهب والفضة لأنه موزون، فتجعل علة تحريم الربا فيه كونه موزون جنس.
3. ولا يقال: حرم الربا في الحنطة، والشعير، والتمر، والملح، لأنه مكيل, فتجعل علة تحريم الربا فيها كونها مكيل جنس؛ لأن الوزن والكيل جاء في الحديث وصفا لها لا علة.
4. بين الحديث الحالتين اللتين عليهما التحريم, وهما:
1) الحالة الأولى: الوزن بالذهب والفضة تفاضلا.
2) الحالة الثانية: الكيل في القمح، والشعير، والملح، والتمر، تفاضلا.
5. هاتان الحالتان هما بيان لما يجري فيه التبادل، لا علة له، فلا يجري الربا في كل مكيل أو موزون، وإنما يجري الربا في هذه الأشياء الستة فقط، وزنا في الذهب والفضة، وكيلا فيما عداهما.
القرض جائز في الأصناف الستة وفي غيرها:
1. القرض جائز في الأصناف الستة وفي غيرها وفي كل ما يتملك ويحل إخراجه عن الملك.
2. لا يدخل الربا في القرض إلا إذا جر نفعا. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "كل قرض جر منفعة فهو ربا".
3. يستثنى من ذلك ما هو من قبيل حسن القضاء دون زيادة لقول النبي عليه السلام: "... فإن خيار الناس أحسنهم قضاء".
أيها المؤمنون:
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.