- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي
فساد النظام الاقتصادي الرأسمالي (ح17)
إعداد وتنسيق
الأستاذ محمد أحمد النادي
الحَمْدُ للهِ الذِي شَرَعَ لِلنَّاسِ أحكَامَ الرَّشَاد, وَحَذَّرَهُم سُبُلَ الفَسَاد, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى خَيرِ هَاد, المَبعُوثِ رَحمَةً لِلعِبَاد, الَّذِي جَاهَدَ فِي اللهِ حَقَّ الجِهَادِ, وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الأَطهَارِ الأمجَاد, الَّذِينَ طبَّقُوا نِظَامَ الِإسلامِ فِي الحُكْمِ وَالاجتِمَاعِ وَالسِّيَاسَةِ وَالاقتِصَاد, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ يَومَ يَقُومُ الأَشْهَادُ يَومَ التَّنَاد, يَومَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العِبَادِ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا إِروَاءُ الصَّادِي مِنْ نَمِيرِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي, وَمَعَ الحَلْقَةِ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ, نُتَابِعُ فِيهَا استِعرَاضَنَا مَا جَاءَ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي (بَعدَ مُنتَصَفِ صَفحَة 25) لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ, وَحَدِيثُنَا عَنْ فَسَادِ النِّظَامِ الاقتِصَادِيِّ الرَّأسِمَالِيِّ.
يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ: هَذِهِ هِيَ خُلاصَةُ النِّظَامِ الاقتِصَادِيِّ فِي المَبدَأ الرَّأسْمَالِيِّ وَهُوَ مَا يُسَمُّونَهُ (الاقتِصَادَ السِّيَاسِيَّ) وَيَتَبَيَّنُ مِنْ دِرَاسَتِهِ وَالتَّعَمُّقِ فِي بَحثِهِ، فَسَادُ النِّظَامِ الاقتِصَادِيِّ الرَّأسْمَالِيِّ مِنْ عِدَّةِ وُجُوهٍ:
أولاً: نظرتهم إلى علم الاقتصاد والنظام الاقتصادي نظرة واحدة دون تمييز بينهما:
فَالاقتِصَادُ عِندَهُمْ هُوَ الذِي يَبحَثُ فِي حَاجَاتِ الإِنسَانِ وَوَسَائِلِ إِشبَاعِهَا، فَيَجعَلُونَ إِنتَاجَ السِّلَعِ وَالخِدْمَاتِ التِي هِيَ وَسَائِلُ إِشبَاعِ الحَاجَاتِ مَعَ تَوزِيعِ هَذِهِ السِّلَعِ وَالخِدْمَاتِ عَلَى الحَاجَاتِ بَحثًا وَاحِدًا، أي يَجعَلُونَ الحَاجَاتِ وَوَسَائِلِ إِشبَاعِهَا مُتَدَاخِلَينِ بِحَيثُ يَكُونَانِ شَيئًا وَاحِدًا وَبَحثًا واحدًا، لا يَنفَصِلُ أَحَدُهُمَا عَنِ الآخَرِ، بَلْ يَنطَوِي أَحَدُهُمَا فِي ثَنَايَا الآخَرِ. إِذْ يَنطَوِي تَوزِيعُ السِّلَعِ وَالخِدْمَاتِ فِي بَحْثِ إِنتَاجِ هَذِهِ السِّلَعِ وَالخِدْمَاتِ. وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ يَنظُرُونَ إِلَى الاقتِصَادِ نَظرَةً وَاحِدَةً تَشمَلُ المَادَّةَ الاقتِصَادِيَّةَ، وَكَيفِيَّةَ حِيَازَتِهَا، دُونَ فَصْلٍ بَينَهُمَا، وَدُونَ تِميِيزِ أَحَدِهِمَا عَنِ الآخَرِ. أَي يَنظُرُونَ إِلَى عِلْمِ الاقتِصَادِ، وَالنِّظَامِ الاقتِصَادِيِّ نَظرَةً وَاحِدَةً دُونَ فَرْقٍ بَينَهُمَا، مَعَ أَنَّ هُنَالِكَ فَرقًا بَينَ النِّظَامِ الاقتِصَادِيِّ، وَعِلْمِ الاقتِصَادِ.
فَالنِّظَامُ الاقتِصَادِيُّ هُوَ الذِي يُبَيِّنُ تَوزِيعَ الثَّروَةِ وَتَمَلُّكَهَا، وَالتَّصَرُّفَ بِهَا وَمَا شَاكَلَ ذَلِكَ. وَهُوَ فِي بَيَانِهِ هَذَا يَسِيرُ وَفْقَ وُجهَةِ نَظَرٍ مُعَيَّنَةٍ فِي الحَيَاةِ. وَلِذَلِكَ كَانَ النِّظَامُ الاقتِصَادِيُّ فِي الإِسلامِ غَيرَهُ فِي الاشتِرَاكِيَةِ وَالشُّيُوعِيَّةِ، وَغَيرَه فِي الرَّأسْمَالِيَّةِ، لأَنَّ كُلَّ نِظَامٍ مِنهَا يَسِيرُ حَسَبَ وُجهَةِ نَظَرِ المَبدَأ فِي الحَيَاةِ، بِخِلافِ عِلْمِ الاقتِصَادِ فَإِنَّهُ يَبحَثُ فِي الإِنتَاجِ وَتَحسِينِهِ وَإِيجَادِ وَسَائِلِهِ وَتَحسِينِهَا، وَهَذَا عَالَمِيٌّ عِندَ جَمِيعِ الأُمَمِ، لا يَختَصُّ بِهِ مَبدَأٌ دُونَ آخَرَ كَسَائِرِ العُلُومِ. فَمَثلاً النَّظرَةُ إِلَى المُلكِيَّةِ تَختَلِفُ فِي النِّظَامِ الرَّأسْمَالِيِّ عَنهَا فِي النِّظَامِ الاشتِرَاكِيِّ وَالشُّيُوعِيِّ، وَعَنهَا فِي الإِسلامِ، بِخِلافِ تَحْسِينِ الإِنتَاجِ فَإِنَّهُ بَحْثُ وَاقِعٍ، وَالنَّظْرَةُ إِلَيهِ نَظْرَةٌ عِلْمِيَّةٌ، وَهِيَ وَاحِدَةٌ عِندَ جَمِيعِ النَّاسِ مِنْ حَيثُ النَّظرَةُ مَهْمَا اختَلَفَ الفَهْمُ.
ثانياً: دمجهم بحث إشباع الحاجات في ثنايا بحث وسائل إشباعها:
فَهَذَا الاندِمَاجُ بَينَ الحَاجَاتِ وَالوَسَائِلِ فِي البَحْثِ، أي بَينَ إِيجَادِ المَادَّةِ الاقتِصَادِيَّةِ، وَكَيفِيَّةِ تَوزِيعِهَا. وَجَعلُهُمَا شَيئاً وَاحِدًا وَبَحثًا واحدًا خَطَأٌ نَتَجَ عَنهُ هَذَا الخَلْطُ وَالتَّدَاخُلُ فِي أَبحَاثِ الاقتِصَادِ عِندَ الرَّأسْمَالِيِّينَ. وَلِذَلِكَ كَانَ أَسَاسُ تَكوِينِ الاقتِصَادِ فِي المَبدَأ الرَّأسْمَالِي أَسَاسًا خَاطِئًا. أمَّا كَونُ الحَاجَاتِ التِي تَتَطَلُّبُ الإِشبَاعَ، لا تَكُونُ إِلاَّ مَادِّيةً بَحْتَةً فَهُوَ خَطَأ وَيُخَالِفُ وَاقِعَ الحَاجَاتِ، فَهُنَاكَ الحَاجَاتُ المَعنَوِيَّةُ، وَهُنَاكَ الحَاجَاتُ الرُّوحِيَّةُ، وَكُلٌ مِنهُمَا يَتَطَلَّبُ الإِشبَاعَ كَالحَاجَاتِ المَاديَّةِ، وَكُلٌ مِنهُمَا يَحتَاجُ إِلَى سِلَعٍ وَخِدْمَاتٍ لإِشبَاعِهَا.
ثالثاً: نظرتهم إلى الحاجات والمنافع كما هي، لا كما يجب أن يكون عليه المجتمع:
وَأمَّا نَظرَةُ الاقتِصَادِيِّينَ الرَّأسْمَالِيِّينَ إِلَى الحَاجَاتِ وَالمَنَافِعِ كَمَا هِيَ، لا كَمَا يَجِبُ أنْ يَكُونَ عَلَيهِ المُجتَمَعُ، فَإِنَّ هَذِهِ النَّظرَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ رَجُلَ الاقتِصَادِ الرَّأسْمَالِيِّ يَنظُرُ إِلَى الإِنسَانِ بِأَنَّهُ إِنسَانٌ مَادِيٌّ بَحْتٌ، مُجَرَّدٌ مِنَ المُيُولِ الرُّوحِيَّةِ، وَالأَفكَارِ الأَخلاقِيَّةِ، وَالغَايَاتِ المَعنَوِيَّةِ. وَهُوَ لا يُبَالِي بِمَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَيهِ المُجتَمَعُ مِنْ رِفْعَةٍ مَعنَوِيَّةٍ بِجَعلِ الفَضَائِلِ أَسَاسَ عَلاقَاتِهِ، وَمَا يَنبَغِي أَنْ يَسُودَهُ مِنْ سُمُوٍّ رُوحِيٍّ، بِجَعلِ إِدرَاكِ الصِّلَةِ بِاللهِ هُوَ المُسَيِّرُ لِلعَلاقَاتِ مِنْ أَجْلِ نَوَالِ رِضْوَانِ اللهَ. هُوَ لا يُبَالِي بِكُلِّ ذَلِكَ بَلْ هَمُّهُ المَادَّةُ البَحتَةُ التِي تُشبِعُ الجَوعَاتِ المَادِيَّةَ البَحتَةَ. فَهُوَ لا يَغِشُّ فِي البَيعِ حَتَّى تَرْبَحَ تِجَارَتُهُ، وَإِذَا رَبِحَهَا بِالغِشِّ يُصبِحُ الغِشُّ مَشرُوعًا، وَهُوَ لا يُطعِمُ الفُقَرَاءَ إِجَابَةً لأَمرِ اللهِ بِالصَّدَقَةِ، وَإِنَّمَا يُطعِمُهُمْ حَتَّى لا يَسرِقُوهُ، فَإِنْ كَانَ تَجوِيعُهُمْ يَزِيدُ ثَروَتَهُ فَإِنَّهُ يُقدِمُ عَلَى تَجوِيعِهِمْ.
رابعاً: نظرتهم إلى المنفعة باعتبارها تشبع حاجة مادية فحسب:
وَهَكَذَا يَكُونُ هَمُّ الاقتِصَادِيِّ النَّظْرَةَ إِلَى المَنفَعَةِ بِاعتِبَارِهَا تُشبِعُ حَاجَةً مَادِّيةً فَحَسْبُ. فَهَذَا الإِنسَانُ الذِي يَنظُرُ هَذِهِ النَّظْرَةَ إِلَى الإِنسَانِ مِنْ خِلالِ نَظرَتِهِ إِلَى المَنفَعَةِ، وَيُقِيمُ الحَيَاةَ الاقتِصَادِيَّةَ عَلَى أَسَاسِ هَذِهِ النَّظرَةِ يُعتَبَرُ مِنْ أَخطَرِ الأَشخَاصِ عَلَى المُجتَمَعَاتِ وَعَلَى النَّاسِ. هَذَا مِنْ جِهَةٍ، وَمِنْ جِهَةٍ أُخرَى فَإِنَّ الأَموَالَ وَالجُهُودَ التِي يُسَمُّونَهَا السِّلَعَ وَالخِدْمَاتِ إِنَّمَا يَسعَى إِلَيهَا الفَردُ لِلانتِفَاعِ بِهَا، وَتَبَادُلِ النَّاسِ لَهَا يَكَوِّنُ بَينَهُمْ عَلاقَاتٍ يَتَكَوَّنُ بِحَسَبِهَا المُجتَمَعُ، فَلا بُدَّ مِنْ أَنْ يُنْظَرَ إِلَى مَا يَكُونُ عَلَيهِ المُجتَمَعُ فِي عَلاقَاتِهِ جُملَةً وَتَفْصِيلاً، حِينَ النَّظْرَةِ إِلَى الأَموَالِ وَالحَاجَاتِ. فَالاهتِمَامُ بِالمَادَّةِ الاقتِصَادِيَّةِ مِنْ حَيثُ كَونُهَا تُشبِعُ حَاجَةً، دُونَ الاهتِمَامِ بِمَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَيهِ المُجتَمَعُ، هُوَ فَصْلٌ لِلمَادَّةِ الاقتِصَادِيَّةِ عَنِ العَلاقَاتِ، وَهَذَا غَيرُ طَبِيعِيٍّ. لأَنَّ هَذِهِ المَادَّةَ الاقتِصَادِيَّةَ يَتَبَادَلُهَا النَّاسُ فَتُكَوِّنُ عَلاقَاتٍ بَينَهُمْ، وَالعَلاقَاتُ تُكَوِّنُ المُجتَمَعَ، فَلا بُدَّ مِنَ النَّظْرَةِ إِلَى مَا سَيَكُونُ عَلَيهِ المُجتَمَعُ حِينَ النَّظَرِ إِلَى المَادَّةِ الاقتِصَادِيَّةِ.
وَقَبلَ أَنْ نُوَدِّعَكُمْ مُستَمِعِينَا الكِرَامَ نُذَكِّرُكُمْ بِأَبرَزِ الأفكَارِ التِي تَنَاوَلهَا مَوضُوعُنَا لِهَذَا اليَومِ:
فساد النظام الاقتصادي الرأسمالي:
مِنْ دِرَاسَةِ النِّظَامِ الاقتِصَادِيِّ فِي المَبدَأ الرَّأسمَالِي وَالتَّعَمُّقِ فِي بحثِهِ يَتَبَيَّنُ فَسَادُهُ مِنْ عِدَّةِ وَجُوهٍ:
- مِنْ جَعلِهِمُ الحَاجَاتِ وَوَسَائِلِ إِشبَاعِهَا مُتَدَاخِلَينِ بِحَيثُ يَكُونَانِ شَيئًا وَاحِدًا.
- مِنْ نَظرَتِهِمْ إِلَى عِلْمِ الاقتِصَادِ وَالنِّظَامِ الاقتِصَادِيِّ نَظرَةً وَاحِدَةً دُونَ تَميِيزٍ بِينَهُمَا.
- مِنْ نظرتهم إِلَى الاقتِصَادِ نَظرَةً وَاحِدَةً تَشمَلُ المَادَّةَ الاقتِصَادِيَّةَ، وَكَيفِيَّةَ حِيَازَتِهَا.
- مِنْ دَمجِهِمْ الحَاجَاتِ وَالوَسَائِلَ وَجَعلِهِمَا شَيئًا وَاحِدًا وَبَحثًا وَاحِدًا.
- مِنْ نَظرَتِهِمْ إِلَى الحَاجَاتِ التِي تَتَطَلُّبُ الإِشبَاعَ وَكَونِهَا مَادِّيةً بَحْتَةً.
- مِنْ نَظرَتِهِمْ إِلَى الإِنسَانِ بِأَنَّهُ إِنسَانٌ مَادِيٌّ بَحْتٌ، مُجَرَّدٌ مِنَ المُيُولِ الرُّوحِيَّةِ، وَالأَفكَارِ الأَخلاقِيَّةِ، وَالغَايَاتِ المَعنَوِيَّةِ.
- مِنْ عَدَمِ مُبالاةِ رَجُلُ الاقتِصَادِ الرَّأسمَالِي بِمَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَيهِ المُجتَمَعُ مِنْ رِفْعَةٍ مَعنَوِيَّةٍ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الَمولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ على منهاج النبوة في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.