- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي
تميز المذاهب الاشتراكية عن غيرها من المذاهِب الاقتصادية (ح24)
الحَمْدُ للهِ الذِي شَرَعَ لِلنَّاسِ أحكَامَ الرَّشَاد, وَحَذَّرَهُم سُبُلَ الفَسَاد, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى خَيرِ هَاد, المَبعُوثِ رَحمَةً لِلعِبَاد, الَّذِي جَاهَدَ فِي اللهِ حَقَّ الجِهَادِ, وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الأَطهَارِ الأمجَاد, الَّذِينَ طبَّقُوا نِظَامَ الِإسلامِ فِي الحُكْمِ وَالاجتِمَاعِ وَالسِّيَاسَةِ وَالاقتِصَاد, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ يَومَ يَقُومُ الأَشْهَادُ يَومَ التَّنَاد, يَومَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العِبَادِ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا إِروَاءُ الصَّادِي مِنْ نَمِيرِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي, وَمَعَ الحَلْقَةِ الرَّابِعَةِ وَالعِشْرِينَ, نُتَابِعُ فِيهَا استِعرَاضَنَا مَا جَاءَ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي (صَفحَة 40) لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ, وَحَدِيثُنَا تَتِمَّةٌ عَنْ " تَمَيُّزِ المَذَاهِبِ الاشتِرَاكِيَّةِ".
يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ: وَلَكِنَّهَا - وَلا زَالَ الحَدِيثُ مَوصُولاً عَنِ المَذَاهِبِ الاشتِرَاكِيَّةِ - مَعَ اتِّفَاقِهَا فِي هَذِهِ الأُمُورِ الثَّلاثَةِ تَختَلِفُ عَنْ بَعضِهَا اختِلافًا بيِّنًا فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ أهَمُّهَا:
أولاً: تَختَلِفُ المَذَاهِبُ الاشتِرَاكِيَّةُ مِنْ حَيثُ شَكْلُ المُسَاوَاةِ الفِعلِيَّةِ الَّتِي تُرِيدُ تَحقِيقَهَا. "وَقَد سَبَقَ أنْ تَحَدَّثنَا عَنهَا فِي الحَلْقَةِ المَاضِيَةِ".
ثانياً: تَختَلِفُ المَذَاهِبُ الاشتِرَاكِيَّةُ مِنْ حَيثُ مِقدَارُ مَا تَقُولُ بِإِلغَائِهِ مِنَ المِلكِيَّةِ الخَاصَّةِ. فَفِئَةٌ تَقُولُ بِإِلغَاءِ المِلكِيَّةِ الخَاصَّةِ عَلَى الإِطلاقِ، وَهَذِهِ هِيَ الشُّيُوعِيَّةُ. وَفِئَةٌ تَقُولُ بِإِلغَاءِ المِلكِيَّةِ الخَاصَّةِ بِالنِّسبَةِ لِثَرْوَاتِ الإِنتَاجِ، وَهِي الَّتِي يُطلَقُ عَلَيهَا اسمُ رَأْسِ المَالِ. مِثلُ الأَرضِ وَالمَصَانِعِ وَالخُطُوطِ الحَدِيدِيِّةِ وَالمَنَاجِمِ وَنَحوِهَا، أي تَمنَعُ مِلْكِيَّةَ كُلِّ سِلْعَةٍ تُنتِجُ شَيئًا، فَلا يَملِكُ بَيتًا يُؤَجِّرُهُ، وَلا مَصنَعًا وَلا أرْضًا وَلا مَا شَابَهَ ذَلِكَ. وَلَكِنَّهُمْ يَحتَفِظُونَ بِالمِلكِيَّةِ لِلأفرَادِ بِالنِّسبَةِ لِثَرْوَاتِ الاستِهلاكِ، فَيَصِحُّ أنْ يَملِكُوا كُلَّ مَا يَستَهلِكُونَهُ، فَيَملِكُونَ بَيتًا لِلسُّكنَى فَقَط، وَيَملِكُونَ مَا تُنتِجُهُ الأَرضُ وَالمَصَانِعُ. وَهَذِهِ هِيَ اشتِرَاكِيَّةُ رَأسِ المَالِ.
وَفِئَةٌ لا تَقُولُ بِإِلغَاءِ المِلكِيَّةِ الخَاصَّةِ إِلاَّ بِالنِّسبَةِ لِلأرْضِ الزِّرَاعِيَّةِ دُونَ غَيرِهَا، وَهَؤُلاءِ هُمُ الاشتِرَاكِيُّونَ الزِّرَاعِيُّونَ. وَفِئَةٌ تَقُولُ: تُدرَسُ كُلُّ حَالَةٍ يَدعُو الصَّالِحُ العَامُّ فِيهَا إِلَى استِبدَالِ المِلكِيَّةِ العَامَّةِ بِالمِلكِيَّةِ الخَاصَّةِ. وَبِتَقْيِيدِ أصْحَابِ المِلكِيَّةِ الخَاصَّةِ فِي كَثِيرٍ مِنَ المَوَاطِنِ، بِأنْ يَضَعَ المُشَرِّعُ حَدًّا أقْصَى لِلفَائِدَةِ وَالإِجَارَةِ، وَحَدًّا أدْنَى لِلأُجُورِ، وَأنْ يُمنَحَ العُمَّالُ نَصِيبًا فِي رَأسِ المَالِ وَنَحوِ ذَلِكَ، وَهَذِهِ يُقَالُ لَهَا اشتِرَاكِيَّةُ الدَّولَةِ.
ثالثًا: الوَسَائِلُ التِي تَقُولُ بِهَا لِتَحقِيقِ أغرَاضِهَا. فَالنِّقَابِيَّةُ الثَّورِيَّةُ تَعتَمِدُ فِي تَحرِيرِ العُمَّالِ عَلَى مَا تُسَمِّيهِ الفِعْلَ المُبَاشِرَ، أي جُهُودَ العُمَّالِ أنفُسِهِمْ كَالإِكثَارِ مِنَ الإِضرَابِ المُتَقَطِّعِ، وَإِتلافِ الآلاتِ، وَنَشرِ فِكْرَةِ الإِضرَابِ العَامِّ بَينَ العُمَّالِ، وَالتَّأهُّبِ لِتَحقِيقِهَا حَتَّى يَأتِيَ يَومٌ يَتَمَكَّنُونَ فِيهِ مِنْ تَنفِيذِ مَطَالِبِهِمْ, فَتُشَلُّ الحَرَكَةُ الاقتِصَادِيَّةُ، وَيَنهَارُ النِّظَامُ الاقتِصَادِيُّ الحَالِيُّ. وَأمَّا الاشتِرَاكِيُّونَ المَاركِسِيُّونَ فَيُؤمِنُونَ بِسُنَّةِ التَّطَوُّرِ فِي المُجتَمَعِ، وَيعتَقِدُونَ أنَّهَا وَحدَهَا كَفِيلَةٌ بِالقَضَاءِ عَلَى النِّظَامِ المَوجُودِ، وَاستِبدَالِ نِظَامٍ آخَرَ بِهِ يَقُومُ عَلَى أسَاسِ الاشتِرَاكِيَّةِ.
وَأمَّا أصحَابُ اشتِرَاكِيَّةِ الدَّولَةِ فَوَسِيلَتُهُمْ فِي تَنفِيذِ أفكَارِهِمْ هِيَ التَّشرِيعُ. فَإِنَّ فِي سَنِّ القَوَانِينِ مَا يَكفُلُ حِمَايَةَ المَصَالِحِ العَامَّةِ وَتَحسِينِ حَالَةِ العُمَّالِ، كَمَا أنَّ فِي فَرضِ الضَّرَائِبِ وَخُصُوصًا المُدَرَّجَةِ مِنهَا عَلَى الدَّخلِ وَرَأسِ المَالِ وَالمِيرَاثِ مَا يُؤَدِّي إِلَى تَقلِيلِ التَّفَاوُتِ فِي الثَّروَاتِ.
رابعاً: تَختَلِفُ المَذَاهِبُ الاشتِرَاكِيَّةُ مِنْ حَيثُ الهَيئَةُ الَّتِي يُرَادُ أنْ يُوَكَّلَ إِلَيهَا إِدَارَةُ المَشرُوعَاتِ فِي النِّظَامِ الاشتِرَاكِيِّ. فَمَثلاً يُرِيدُ أصْحَابُ اشتِرَاكِيَّةِ رَأسِ المَالِ إِسنَادَ تَنظِيمِ الإِنتَاجِ وَالتَّوزِيعِ إِلَى الدَّولَةِ، فِي حِينِ أنَّ النَّقَابِيِّينَ يُرِيدُونَ إِسنَادَ الإِدَارَةِ إِلَى جَمَاعَاتٍ مِنَ العُمَّالِ مُنَظَّمَةٍ، عَلَى رَأسِهِمْ زُعَمَاؤُهُمْ.
وَقَبلَ أَنْ نُوَدِّعَكُمْ أحبتنا الكِرَامَ نُذَكِّرُكُمْ بِأَبرَزِ الأفكَارِ التِي تَنَاوَلهَا مَوضُوعُنَا لِهَذَا اليَومِ:
1. المَذَاهِبُ الاشتِرَاكِيَّةُ تَشتَرِكُ فِي ثَلاثَةِ أُمُورٍ تُمَيِّزُهَا عَنْ غَيرِهَا مِنَ المَذَاهِبِ الاقتِصَادِيَّةِ:
أوَّلُهَا: تَحقِيقُ نَوعٍ مِنَ المُسَاوَاةِ الفِعلِيَّةِ. وَانقَسَمَتْ المَذَاهِبُ إِلَى ثَلاثِ فِئَاتٍ ذكرناها سَابَقًا.
وَثَانِيهَا: إِلغَاءُ المِلكِيَّةِ الخَاصَّة إِلغَاءً كُلِّيًا أو جُزئِيًا. وَانقَسَمَتْ المَذَاهِبُ الاقتِصَادِيَّةُ إِلَى أرْبَعِ فِئَاتٍ:
أ- الشُّيُوعِيَّةُ: فِئَةٌ تَقُولُ بِإِلغَاءِ المِلكِيَّةِ الخَاصَّةِ عَلَى الإِطلاقِ.
ب- اشتِرَاكِيَّةُ رَأسِ المَالِ: فِئَةٌ تَقُولُ بِإِلغَاءِ المِلكِيَّةِ الخَاصَّةِ بِالنِّسبَةِ لِثَرْوَاتِ الإِنتَاجِ. وَلَكِنَّهُمْ يَحتَفِظُونَ بِالمِلكِيَّةِ لِلأفرَادِ بِالنِّسبَةِ لِثَرْوَاتِ الاستِهلاكِ.
ت- الاشتِرَاكِيُّونَ الزِّرَاعِيُّونَ: وَهُمْ فِئَةٌ لا تَقُولُ بِإِلغَاءِ المِلكِيَّةِ الخَاصَّةِ إِلاَّ بِالنِّسبَةِ لِلأرْضِ الزِّرَاعِيَّةِ دُونَ غَيرِهَا.
ث- اشتِرَاكِيَّةُ الدَّولَةِ: فِئَةٌ تَقُولُ بِتَقْيِيدِ أصْحَابِ المِلكِيَّةِ الخَاصَّةِ فِي كَثِيرٍ مِنَ المَوَاطِنِ، بِأنْ يَضَعَ المُشَرِّعُ حَدًّا أقْصَى لِلفَائِدَةِ وَالإِجَارَةِ، وَحَدًّا أدْنَى لِلأُجُورِ، وَأنْ يُمنَحَ العُمَّالُ نَصِيبًا فِي رَأسِ المَالِ.
وَثَالِثُهَا: تَنظِيمُ الإِنتَاجِ وَالتَّوزِيعِ بَوَسَاطَةِ المَجمُوعِ.
2. المَذَاهِبُ الاشتِرَاكِيَّةُ تَختَلِفُ عَنْ بَعضِهَا مِنَ المَذَاهِبِ الاقتِصَادِيَّةِ اختِلافًا بَيِّنًا مِنْ حَيثُ أربَعَةُ أمُورٍ:
أولاً: شَكْلُ المُسَاوَاةِ الفِعلِيَّةِ التِي تُرِيدُ تَحقِيقَهَا.
ثانيًا: مِقدَارُ مَا تَقُولُ بِإِلغَائِهِ مِنَ المُلكِيَّةِ الخَاصَّةِ.
ثالثًا: الوَسَائِلُ التِي تَقُولُ بِهَا لِتَحقِيقِ أغرَاضِهَا. وَهِيَ ثَلاثُ وَسَائِلَ اعتَمَدَتْ كُلُّ فِئَةٍ وَسِيلَةً مِنهَا:
أ- النِّقَابِيَّةُ الثَّورِيَّةُ: تَعتَمِدُ فِي تَحرِيرِ العُمَّالِ عَلَى جُهُودَ العُمَّالِ أنفُسِهِمْ كَالإِكثَارِ مِنَ الإِضرَابِ.
ب- الاشتِرَاكِيُّونَ المَاركِسِيُّونَ: يُؤمِنُونَ بِسُنَّةِ التَّطَوُّرِ فِي المُجتَمَعِ, وَيعتَقِدُونَ أنَّهَا وَحدَهَا كَفِيلَةٌ بِالقَضَاءِ عَلَى النِّظَامِ المَوجُودِ, وَاستِبدَالِ نِظَامٍ آخَرَ بِهِ يَقُومُ عَلَى أسَاسِ الاشتِرَاكِيَّةِ.
ت- أصحَابُ اشتِرَاكِيَّةِ الدَّولَةِ: وَسِيلَتُهُمْ فِي تَنفِيذِ أفكَارِهِمْ هِيَ التَّشرِيعُ, وَسَنِّ القَوَانِينِ.
رابعًا: الهيئَةُ التِي يُرَادُ أنْ يُوكَلَ إِلَيهَا إِدَارَةُ المَشرُوعَاتِ فِي النِّظَامِ الاشتِرَاكِيِّ. وَهِيَ قِسمَانِ:
أ- أصْحَابُ اشتِرَاكِيَّةِ رَأسِ المَالِ: يُرِيدُونَ إِسنَادَ تَنظِيمِ الإِنتَاجِ وَالتَّوزِيعِ إِلَى الدَّولَةِ.
ب- النَّقَابِيِّونَ: يُرِيدُونَ إِسنَادَ الإِدَارَةِ إِلَى جَمَاعَاتٍ مِنَ العُمَّالِ مُنَظَّمَةٍ، عَلَى رَأسِهِمْ زُعَمَاؤُهُمْ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الَمولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الراشدة الثانية على منهاج النبوة في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم , وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.