- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي
(ح 69)
السبب الثاني من أسباب التملك: الإرث
الحَمْدُ للهِ الذِي شَرَعَ لِلنَّاسِ أحكَامَ الرَّشَاد, وَحَذَّرَهُم سُبُلَ الفَسَاد, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى خَيرِ هَاد, المَبعُوثِ رَحمَةً لِلعِبَاد, الَّذِي جَاهَدَ فِي اللهِ حَقَّ الجِهَادِ, وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الأَطهَارِ الأمجَاد, الَّذِينَ طبَّقُوا نِظَامَ الِإسلامِ فِي الحُكْمِ وَالاجتِمَاعِ وَالسِّيَاسَةِ وَالاقتِصَاد, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ يَومَ يَقُومُ الأَشْهَادُ يَومَ التَّنَاد, يَومَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العِبَادِ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا إِروَاءُ الصَّادِي مِنْ نَمِيرِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي, وَمَعَ الحَلْقَةِ التَّاسِعَةِ وَالسِّتِينَ, وَمَوضُوعُنَا: "السَّبَبُ الثَّانِي مِنْ أسبَابِ التَّمَلُّكِ: الإِرثُ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَفحَةِ الخَامِسَةَ عَشرَةَ بَعدَ المِائَةِ مِنْ كِتَابِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي فِي الإِسلامِ لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
"وَمِنْ أسبَابِ التَّمَلُّكِ لِلمَالِ الإِرثُ، وَهُوَ ثَابِتٌ بِنَصِّ القُرآنِ القَطعِيِّ، وَلَهُ أحْكَامٌ مُعَيَّنَةٌ تَوقِيفِيَّةٌ وَلَمْ تُعَلَّلْ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ قَدْ نَصَّ عَلَى الجُزئِيَّاتِ وَلَكِنَّ هَذِهِ الجُزئِيَّاتِ خُطُوطٌ عَرِيضَةٌ. فَاللهُ تَعَالَى حِينَ يَقُولُ: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ). نَفهَمُ مِنْ قَولِهِ هَذَا عِدَّةَ أحْكَامٍ:
نَفهَمُ مِنهَا أنَّ الذَّكَرَ مِنَ الأولادِ يَأخُذُ ضِعْفَ مَا لِلأُنثَى، وَنَفهَمُ مِنهَا أنَّ ابنَ الابنِ يُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الابنِ فِي حَالَةِ عَدَمِ وَجُودِ الأبنَاءِ، لأنَّ أولادَ الابنِ الذَّكَرِ يَندَرِجُونَ تَحْتَ كَلِمَةِ الأولادِ، بِخِلافِ ابنِ البِنْتِ فَلا يُعَامَلُ مُعَامَلَةَ ابنِ الابنِ فِي حَالَةِ عَدَمِ وُجُودِ الأبنَاءِ، لأنَّ أولادَ البِنْتِ لا يَندَرِجُونَ تَحتَ كَلِمَةِ أولادِ فِي اللُّغَةِ.
وَنَفهَمُ أيضًا أنَّ الأولادَ إِنْ كَانُوا نِسَاءً فَوقَ اثنَتَينِ فَإِنَّهُنَّ يَشتَرِكْنَ فِي ثُلُثَيِ التَّرِكَةِ. وَقَد جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لِلاثنَتَينِ حُكْمَ مَا فَوقَهُمَا، وَأجمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَى ذَلِكَ فَيَكُونُ لِلاثنَتَينِ حُكْمُ مَا فَوقَهُمَا. فَهَذِهِ أحكَامٌ فُهِمَتْ مِنَ المَعنَى العَامِّ الَّذِي ذَكَرَتهُ الآيَةُ. وَبِهَذِهِ الأحكَامِ يَستَحِقُّ الوَارِثُ نَصِيبَهُ مِنَ التَّرِكَةِ. وَعَلَى ذَلِكَ كَانَ مِنْ أسبَابِ التَّمَلُّكِ الإِرثُ، بِحَسَبِ أحكَامِهِ المُفَصَّلَةِ فِي الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجمَاعِ الصَّحَابَةِ.
وَالإِرثُ وَسِيلَةٌ مِنْ وَسَائِلِ تَفتِيتِ الثَّروَةِ، وَلَيسَ تَفتِيتُ الثَّروَةِ عِلَّةً لَهُ، بَلْ هِيَ بَيَانٌ لِوَاقِعِهِ. وَذَلِكَ أنَّ الثَّروَةَ، وَقَد أُبِيحَتْ مِلكِيَّتُهَا، قَد تَتَجَمَّعُ فِي يَدِ أفرَادٍ حَالَ حَيَاتِهِمْ، فَإِذَا مَاتَ هَؤُلاءِ فَإِنَّ الإِرثَ يُفَتِّتُ ثَرْوَاتِهِمْ بِتَوزِيعِهَا بَينَ الوَرَثَةِ. وَقَد شُوهِدَ فِي الوَاقِعِ، أنَّ وَسِيلَةَ تَفتِيتِ الثَّروَةِ هَذِهِ طَبِيعِيًّا هِيَ المِيرَاثُ.
وَمِنَ الاستِقرَاءِ، تَبَيَّنَ أنَّ الأحْوَالَ الَّتِي تَعتَرِي تَفتِيتَ الثَّروَةِ فِي الإِرثِ ثَلاثَةُ أحْوَالٍ هِيَ:
الحَالَةُ الأُولَى: أنْ يَكُونَ الوَرَثَةُ يَستَغرِقُونَ جَمِيعَ المَالِ، حَسَبَ أحكَامِ الإِرثِ، وَحِينَئِذٍ يُوَزَّعُ عَلَيهِمُ المَالُ كُلُّهُ.
الحالة الثانية: أنْ لا يَكُونَ هُنَالِكَ وَرَثَةٌ يَستَغرِقُونَ جَمِيعَ المَالِ، حَسَبَ أحْكَامِ الإِرثِ. كَمَا إِذَا تُوُفِّيَ المَيِّتُ عَنْ زَوجَةٍ فَقَط، أو المَيِّتَةُ عَنْ زَوجٍ فَقَطْ، فَإِنَّ الزَّوجَةَ تَأخُذُ الرُّبعَ فَقَط، وَيَكُونُ بَاقِي المِيرَاثِ لِبَيتِ المَالِ، وَإِنْ كَانَ الزَّوجُ؛ فَإِنَّهُ يَأخُذُ النِّصْفَ فَقَط، وَيَكُونُ بَاقِي المِيرَاثِ لِبَيتِ المَالِ.
الحالة الثالثة: أنْ لا يَكُونَ هُنَالِكَ وَارِثٌ مُطْلَقًا، وَفِي هَذِهِ الحَالِ يَكُونُ المَالُ كُلُّهُ لِبَيتِ المَالِ، أيْ لِلدَّولَةِ. وَبِذَلِكَ تَتَفَتَّتُ الثَّروَةُ وَيَنتَقِلُ المَالُ إِلَى الوَرَثَةِ، وَيُستَأنَفُ تَبَادُلُ المَالِ فِي دَورَةٍ اقتِصَادِيَّةٍ بَينَ النَّاسِ، وَلا يُحفَظُ فِي شَخْصٍ مُعَيَّنٍ تَتَجَمَّعُ لَدَيهِ الثَّرْوَاتُ. الإِرثُ سَبَبٌ مَشرُوعٌ لِلْمِلْكِيَّةِ، فَمَنْ وَرِثَ شَيئًا مَلَكُهُ مِلْكًا مَشرُوعًا. فَيَكُونُ الإِرثُ سَبَبًا مِنْ أسبَابِ التَّمَلُّكِ الَّتِي أذِنَ الشَّرعُ الإِسلامِيُّ بِهَا".
وَقَبلَ أَنْ نُوَدِّعَكُمْ مُستَمِعِينَا الكِرَامَ نُذَكِّرُكُمْ بِأَبرَزِ الأفكَارِ التِي تَنَاوَلهَا مَوضُوعُنَا لِهَذَا اليَومِ:
1. الإِرثُ مِنْ أسبَابِ التَّمَلُّكِ. وَهُوَ ثَابِتٌ بِنَصِّ القُرآنِ القَطعِيِّ. وَلَهُ أحْكَامٌ مُعَيَّنَةٌ تَوقِيفِيَّةٌ لَمْ تُعَلَّلْ.
2. آيَةُ الإِرثِ وَرَدَتْ فِي الآيَةِ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ مِنْ سُورَةِ النِّسَاءِ قَالَ تَعَالَى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ).
3. نَفهَمُ مِنْ هَذَهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ عِدَّةَ أحْكَامٍ أهَمُّهَا:
1) الذَّكَرَ مِنَ الأولادِ يَأخُذُ ضِعْفَ مَا لِلأُنثَى.
2) ابنُ الابنِ يُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الابنِ فِي حَالَةِ عَدَمِ وَجُودِ الأبنَاءِ؛ لأنَّ أولادَ الابنِ الذَّكَرِ يَندَرِجُونَ تَحْتَ كَلِمَةِ الأولادِ.
3) ابنِ البِنْتِ لا يُعَامَلُ مُعَامَلَةَ ابنِ الابنِ فِي حَالَةِ عَدَمِ وُجُودِ الأبنَاءِ؛ لأنَّ أولادَ البِنْتِ لا يَندَرِجُونَ تَحتَ كَلِمَةِ أولادِ فِي اللُّغَةِ.
4) الأولادَ إِنْ كَانُوا نِسَاءً فَوقَ اثنَتَينِ فَإِنَّهُنَّ يَشتَرِكْنَ فِي ثُلُثَيِ التَّرِكَةِ.
5) لِلاثنَتَينِ حُكْمَ مَا فَوقَهُمَا.
4. بِهَذِهِ الأحكَامِ يَستَحِقُّ الوَارِثُ نَصِيبَهُ مِنَ التَّرِكَةِ.
5. الإِرثُ سَبَبٌ مِنْ أسبَابِ التَّمَلُّكِ بِحَسَبِ أحكَامِهِ المُفَصَّلَةِ فِي الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجمَاعِ الصَّحَابَةِ.
1) الإِرثُ وَسِيلَةٌ مِنْ وَسَائِلِ تَفتِيتِ الثَّروَةِ، وَلَيسَ تَفتِيتُ الثَّروَةِ عِلَّةً لَهُ، بَلْ هُوَ بَيَانٌ لِوَاقِعِهِ.
2) قَد تَتَجَمَّعُ الثَّروَةُ فِي يَدِ أفرَادٍ حَالَ حَيَاتِهِمْ وَالإِرثَ يُفَتِّتُ ثَرْوَاتِهِمْ بِتَوزِيعِهَا بَينَ الوَرَثَةِ.
3) قَد شُوهِدَ فِي الوَاقِعِ أنَّ المِيرَاثَ وَسِيلَةٌ لِتَفتِيتِ الثَّروَةِ طَبِيعِيًّا.
6. مِنَ الاستِقرَاءِ تَبَيَّنَ أنَّ أحْوَالاً ثَلاثَةً تَعتَرِي تَفتِيتَ الثَّروَةِ حَسَبَ أحْكَامِ الإِرثِ هذه الأحوال هِيَ:
1) الحَالَةُ الأُولَى: أنْ يَكُونَ الوَرَثَةُ يَستَغرِقُونَ جَمِيعَ المَالِ، وَحِينَئِذٍ يُوَزَّعُ عَلَيهِمُ المَالُ كُلُّهُ.
2) الحالة الثانية: أنْ لا يَكُونَ هُنَالِكَ وَرَثَةٌ يَستَغرِقُونَ جَمِيعَ المَالِ، كَمَا إِذَا تُوُفِّيَ المَيِّتُ عَنْ زَوجَةٍ فَقَطْ, أو تُوُفِّيَتِ الزَّوجَةُ عَنْ زَوجٍ فَقَطْ، فَإِنَّ الزَّوجَةَ تَأخُذُ الرُّبعَ فَقَط، وَإِنَّ الزَّوجَ يَأخُذُ النِّصْفَ فَقَط، وَيَكُونُ بَاقِي المِيرَاثِ فِي الحَالَتَينِ لِبَيتِ المَالِ.
3) الحالة الثالثة: أنْ لا يَكُونَ هُنَالِكَ وَارِثٌ مُطْلَقًا، وَفِي هَذِهِ الحَالِ يَكُونُ المَالُ كُلُّهُ لِبَيتِ المَالِ، أيْ لِلدَّولَةِ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الَمولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الراشدة على منهاج النبوة في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.