- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي
(ح 103)
أحكام الشركات في الإسلام
الحمد لله الذي شرع للناس أحكام الرشاد، وحذرهم سبل الفساد، والصلاة والسلام على خير هاد، المبعوث رحمة للعباد، الذي جاهد في الله حق الجهاد، وعلى آله وأصحابه الأطهار الأمجاد، الذين طبقوا نظام الإسلام في الحكم والاجتماع والسياسة والاقتصاد، فاجعلنا اللهم معهم، واحشرنا في زمرتهم يوم يقوم الأشهاد يوم التناد، يوم يقوم الناس لرب العباد.
أيها المؤمنون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: نتابع معكم سلسلة حلقات كتابنا إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي، ومع الحلقة الثالثة بعد المائة، وعنوانها: "البيع". نتأمل فيها ما جاء في الصفحة الثامنة والأربعين بعد المائة من كتاب النظام الاقتصادي في الإسلام للعالم والمفكر السياسي الشيخ تقي الدين النبهاني.
يقول رحمه الله: "الشركة في اللغة خلط النصيبين فصاعدا، بحيث لا يتميز الواحد عن الآخر. والشركة شرعا هي عقد بين اثنين فأكثر، يتفقان فيه على القيام بعمل مالي، بقصد الربح. وعقد الشركة يقتضي وجود الإيجاب والقبول فيه معا، كسائر العقود. والإيجاب أن يقول أحدهما للآخر: شاركتك في كذا، ويقول الآخر: قبلت. إلا أنه ليس اللفظ المذكور بلازم بل المعنى، أي لا بد من أن يتحقق في الإيجاب والقبول معنى يفيد أن أحدهما خاطب الآخر مشافهة، أو كتابة، بالشركة على شيء، والآخر يقبل ذلك. فالاتفاق على مجرد الاشتراك لا يعتبر عقدا، والاتفاق على دفع المال للاشتراك لا يعتبر عقدا، بل لا بد من أن يتضمن العقد معنى المشاركة على شيء. وشرط صحة عقد الشركة أن يكون المعقود عليه تصرفا، وأن يكون هذا التصرف المعقود عليه عقد الشركة قابلا للوكالة، ليكون ما يستفاد بالتصرف مشتركا بينهما.
والشركة جائزة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم بعث والناس يتعاملون بها، فأقرهم الرسول عليها، فكان إقراره عليه السلام لتعامل الناس بها دليلا شرعيا على جوازها. وروى البخاري من طريق سليمان بن أبي مسلم أنه قال: سألت أبا المنهال عن الصرف يدا بيد، فقال: اشتريت أنا وشريك لي شيئا يدا بيد ونسيئة، فجاءنا البراء بن عازب، فسألناه، فقال: فعلت أنا وشريكي زيد بن أرقم، وسألنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: «ما كان يدا بيد فخذوه، وما كان نسيئة فردوه» فهو يدل على أن الشركة كان المسلمون يتعاملون بها وأقرهم الرسول صلى الله عليه وسلم عليها. وروى أبو داود عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يقول أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإذا خانه خرجت من بينهما».
وتجوز الشركة بين المسلمين مع بعضهم، وبين الذميين مع بعضهم، وبين المسلمين والذميين. فيصح أن يشارك المسلم النصراني والمجوسي وغيرهم من الذميين. روى مسلم عن عبد الله بن عمر قال: «عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر -وهم يهود- بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع». و«اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم من يهودي طعاما ورهنه درعه» رواه البخاري من طريق عائشة. وروى الترمذي عن ابن عباس قال: «توفي النبي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة بعشرين صاعا من طعام أخذه لأهله» . وروى الترمذي عن عائشة: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إلى يهودي يطلب منه ثوبين إلى الميسرة». ولهذا فإن شراكة اليهود والنصارى وغيرهم من الذميين جائزة، لأن معاملتهم جائزة. إلا أن الذميين لا يجوز لهم بيع الخمر والخنزير وهم في شركة مع المسلم، أما ما باعوه من الخمر والخنزير قبل مشاركتهم للمسلم فثمنه حلال في الشركة. ولا تصح الشركة إلا من جائز التصرف؛ لأنها عقد على التصرف في المال، فلم يصح من غير جائز التصرف في المال؛ ولذلك لا تجوز شركة المحجور عليه، ولا شركة كل من لا يجوز تصرفه.
والشركة إما شركة أملاك، أو شركة عقود. فشركة الأملاك هي شركة العين، كالشركة في عين يرثها رجلان، أو يشتريانها، أو يهبها لهما أحد، أو ما شاكل ذلك. وتعتبر شركة العقود هي موضع البحث في تنمية الملك. ويتبين من استقراء شركات العقود في الإسلام وتتبعها، وتتبع الأحكام الشرعية المتعلقة بها، والأدلة الشرعية الواردة في شأنها، أن شركات العقود خمسة أنواع هي: شركة العنان، وشركة الأبدان، وشركة المضاربة، وشركة الوجوه، وشركة المفاوضة، وفي الحلقات المقبلة إن شاء الله سنبين مجمل أحكامها.
وقبل أن نودعكم مستمعينا الكرام نذكركم بأبرز الأفكار التي تناولها موضوعنا لهذا اليوم:
1. الشركة لغة: الشركة في اللغة خلط النصيبين فصاعدا، بحيث لا يتميز الواحد عن الآخر.
2. الشركة شرعا: هي عقد بين اثنين فأكثر، يتفقان فيه على القيام بعمل مالي، بقصد الربح.
3. عقد الشركة: يقتضي عقد الشركة وجود الإيجاب والقبول فيه معا، كسائر العقود.
4. الإيحاب والقبول: الإيجاب أن يقول أحدهما للآخر: شاركتك في كذا، ويقول الآخر: قبلت.
5. الاتفاق المعتبر عقدا: هو الاتفاق الذي يتحقق فيه معنى الإيجاب والقبول: يخاطب أحدهما الآخر مشافهة، أو كتابة، بالشركة على شيء، والآخر يقبل ذلك.
6. الاتفاق غير المعتبر: هو الاتفاق الذي لا يتضمن معنى المشاركة على شيء كما في المثالين:
1) الاتفاق على مجرد الاشتراك لا يعتبر عقدا.
2) الاتفاق على دفع المال للاشتراك لا يعتبر عقدا.
7. شرط صحة عقد الشركة: أن يكون المعقود عليه تصرفا قابلا للوكالة، ليكون ما يستفاد بالتصرف مشتركا بينهما.
8. حكم الشركة في الإسلام: الشركة جائزة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم بعث والناس يتعاملون بها، فأقرهم الرسول عليها، فكان إقراره عليه الصلاة والسلام لتعامل الناس بها دليلا شرعيا على جوازها.
9. صور الشركات الجائزة شرعا: تجوز الشركة في الحالات الآتية:
1) بين المسلمين مع بعضهم.
2) بين الذميين مع بعضهم.
3) بين المسلمين والذميين.
10. أحكام الشركة في الإسلام:
1) يصح أن يشارك المسلم النصراني والمجوسي وغيرهم من الذميين.
2) شراكة اليهود والنصارى وغيرهم من الذميين جائزة، لأن معاملتهم جائزة.
3) لا يجوز للذميين بيع الخمر والخنزير وهم في شركة مع المسلم.
4) ما باعه الذميون من الخمر والخنزير قبل مشاركتهم للمسلم فثمنه حلال في الشركة.
5) لا تصح الشركة إلا من جائز التصرف؛ لأنها عقد على التصرف في المال.
6) لا تجوز شركة المحجور عليه، ولا شركة كل من لا يجوز تصرفه.
11. نوعا الشركة الأساسيان: الشركة إما شركة أملاك، أو شركة عقود.
1) شركة الأملاك: هي شركة العين، كالشركة في عين يرثها رجلان، أو يشتريانها، أو يهبها لهما أحد، أو ما شاكل ذلك.
2) شركة العقود: تعتبر هي موضع البحث في تنمية الملك، وهي خمسة أنواع:
1. شركة العنان.
2. شركة الأبدان.
3. شركة المضاربة.
4. شركة الوجوه.
5. شركة المفاوضة.
أيها المؤمنون:
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام، وأن يعز الإسلام بنا، وأن يكرمنا بنصره، وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة في القريب العاجل، وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها، إنه ولي ذلك والقادر عليه. نشكركم على حسن استماعكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.