- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي
(ح 132)
منع الإسلام الفرد من الترف ومن التقتير واعتبرهما إثما
الحمد لله الذي شرع للناس أحكام الرشاد, وحذرهم سبل الفساد, والصلاة والسلام على خير هاد, المبعوث رحمة للعباد, الذي جاهد في الله حق الجهاد, وعلى آله وأصحابه الأطهار الأمجاد, الذين طبقوا نظام الإسلام في الحكم والاجتماع والسياسة والاقتصاد, فاجعلنا اللهم معهم, واحشرنا في زمرتهم يوم يقوم الأشهاد يوم التناد, يوم يقوم الناس لرب العباد.
أيها المؤمنون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: نتابع معكم سلسلة حلقات كتابنا إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي, ومع الحلقة الثانية والثلاثين بعد المائة, وعنوانها: "منع الإسلام الفرد من الترف ومن التقتير واعتبرهما إثما". نتأمل فيها ما جاء في الصفحة التاسعة بعد المائتين من كتاب النظام الاقتصادي في الإسلام للعالم والمفكر السياسي الشيخ تقي الدين النبهاني.
يقول رحمه الله: أما تصرفه بإنفاقه على نفسه، وعلى من تجب عليه نفقته فقد تدخل الإسلام في هذه النفقة، ورسم لها سبيلا سويا، فمنع الفرد من أمور منها:
أولا: منع الفرد من الإسراف في الإنفاق، واعتبره سفها. وقد سبق الحديث عنه.
ثانيا: منع الإسلام الفرد من الترف واعتبره إثما، وأوعد المترفين بالعذاب. قال تعالى: (وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال (41) في سموم وحميم (42) وظل من يحموم (43) لا بارد ولا كريم (44) إنهم كانوا قبل ذلك مترفين). (الواقعة 45) أي كانوا بطرين يفعلون ما يشاؤون. وقال تعالى: (حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون). (المؤمنون 46) و (مترفيهم) هنا جبابرتهم البطرين. وقال تعالى: (وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذيرإلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون). (الزخرف 25) أي إلا قال المتكبرون على المؤمنين بكثرة الأموال والأولاد. وقال تعالى: (واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه). (هود 116) والمراد هنا من قوله: (ما أترفوا فيه) هو الانصراف إلى شهواتهم، أي اتبعوا شهواتهم. وقال تعالى: (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها). (الإسراء 16) و (مترفيها) هنا جبابرتها المتنعمين. وقال تعالى: (وأترفناهم في الحياة الدنيا). أي جعلناهم يصرون على البغي من بطرهم، أي جعلناهم بطرين. والترف في اللغة البطر والغطرسة من التنعم، يقال ترفه وأترفه المال أي أبطره، أفسده. أترف الرجل أصر على البغي، استترف: بغى، تغطرس. وعلى ذلك يتبين أن الترف الذي ذمه القرآن، وحرمه الله، وجعله إثما، هو الترف الذي ورد معناه في اللغة وهو البطر من التنعم. والغطرسة من التنعم، وليس هو التنعم فقط. ولذلك كان من الخطأ أن يفسر الترف بأنه هو التمتع بالمال، والتنعم بما رزق الله؛ لأن هذا التنعم والتمتع بما رزق الله لم يذمه الشرع، قال تعالى: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق). (الأعراف 32) وروى الترمذي عن عبد الله بن عمرو قال: قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده" أي يحب من عبده أن يتنعم بنعمة الله، ويتمتع بالطيبات التي رزقه إياها رب العالمين. ولكن الله يكره البطر من التنعم، والغطرسة من التنعم، والبغي من التنعم، أي يكره التنعم إذا نتج عنه بطر، وبغي، وغطرسة، وتجبر. ولما كان التنعم بالمال قد ينتج عند بعض الناس تكبرا، وتجبرا، وبطرا، أي قد يحدث عنده ترفا، منع الإسلام هذا الترف وحرمه، أي منع الفساد إذا نجم عن كثرة الأموال، والأولاد، فجعل الشخص بطرا، متغطرسا، متجبرا، وحرم ذلك أشد التحريم. فحين يقال: إن الترف حرام لا يعني أن التنعم حرام، وإنما يعني أن البطر الذي ينجم عن التنعم بالمال حرام كما هو معنى الترف لغة، وكما هو معنى الترف، كما يفهم من آيات القرآن.
ثالثا: منع الفرد من التقتير على نفسه، ومن حرمانها المتاع المشروع، وأحل التمتع بالطيبات من الرزق، وأخذ الزينة اللائقة، قال الله تعالى: (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا). (الإسراء 29) وقال الله تعالى: (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما). (الفرقان 67) وقال: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق). (الأعراف 32) وقال عليه الصلاة والسلام: "إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده" رواه الترمذي. وقال: "إذا آتاك الله مالا، فلير أثر نعمة الله عليك وكرامته". رواه الحاكم عن والد أبي الأحوص. فإذا كان للفرد مال، وبخل به على نفسه، فإنه يكون آثما عند الله تعالى. أما إذا بخل به على من تجب عليه نفقتهم، فإنه فوق إثمه على ذلك عند الله تعالى، لا بد من إجباره من قبل الدولة، على الإنفاق على أهله ممن تجب عليه نفقتهم، وأن يضمن أن يكون هذا الإنفاق عن سعة حتى يتوفر لهم المستوى الطيب من العيش قال الله تعالى: (لينفق ذو سعة من سعته). وقال: (أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن). وإذا بخل على من تجب عليه نفقتهم، كان لمن لهم النفقة أن يأخذوا من المال قدر كفايتهم بالمعروف.
روى البخاري وأحمد عن عائشة أن هند بنت عتبة قالت: "يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم، فقال: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" فجعل لها الحق في أن تأخذ ذلك بنفسها من غير علمه إن لم يعطها، لأنها فرض عليه. وعلى القاضي أن يفرض لها هذه النفقة. وكما يجب على من تجب عليه النفقة أداؤها، كذلك يجب على من يأخذ النفقة إنفاقها فيما فرضت له. فإذا فرضت نفقة إلى الأولاد، وأمر بدفعها إلى من يحضنهم من أم، أو جدة، أو غيرهما، فإنه يجب عليها إنفاقها. فلو لم تنفقها يجبرها القاضي على إنفاقها".
وقبل أن نودعكم أحبتنا الكرام نذكركم بأبرز الأفكار التي تناولها موضوعنا لهذا اليوم: تدخل الإسلام في تصرف الإنسان بإنفاقه على نفسه، وعلى من تجب عليه نفقته, ورسم لها سبيلا سويا: فمنع الفرد من الإسراف والترف والتقتير على النفس.
1) منع الإسراف في الإنفاق، واعتبره سفها.
2) منع الترف واعتبره إثما، وأوعد المترفين بالعذاب.
3) منع التقتير على النفس، وأحل التمتع بالطيبات من الرزق، وأخذ الزينة اللائقة.
أولا: الإسراف: وقد سبق الحديث عنه.
ثانيا: الترف: وهذا موضوع حديثنا في هذه الحلقة.
1. المعنى الشرعي للترف في القرآن الكريم:
1) قال تعالى: (إنهم كانوا قبل ذلك مترفين). أي كانوا بطرين يفعلون ما يشاؤون.
2) وقال تعالى: (حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب). أي جبابرتهم البطرين.
3) وقال تعالى: (إلا قال مترفوها). أي إلا قال المتكبرون على المؤمنين بكثرة الأموال والأولاد.
4) وقال تعالى: (واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه). والمراد هنا هو الانصراف إلى شهواتهم.
5) وقال تعالى: (أمرنا مترفيها ففسقوا فيها). أي جبابرتها المتنعمين.
6) وقال تعالى: (وأترفناهم في الحياة الدنيا). أي جعلناهم بطرين يصرون على البغي.
2. الترف في اللغة: البطر والغطرسة من التنعم، يقال ترفه وأترفه المال أي أبطره، أفسده. أترف الرجل أصر على البغي، استترف: بغى، تغطرس.
3. الترف الذي ذمه القرآن، وحرمه الله، وجعله إثما، هو الترف الذي ورد معناه في اللغة وهو البطر من التنعم. والغطرسة من التنعم، وليس هو التنعم فقط.
4. من الخطأ أن يفسر الترف بأنه هو التمتع بالمال، والتنعم بما رزق الله؛ لأن هذا التنعم والتمتع بما رزق الله لم يذمه الشرع. بل أباحه ودعا إليه, ودليل ذلك:
1) قال تعالى: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق).
2) قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده".
5. يكره الله البطر والغطرسة والبغي والتجبر من التنعم، أي يكره التنعم إذا نتج عنه بطر وغطرسة وبغي وتجبر.
6. منع الإسلام الترف وحرمه أشد التحريم. ولا يعني ذلك أن التنعم حرام، وإنما يعني أن البطر الذي ينجم عن التنعم بالمال حرام.
ثالثا: التقتير على النفس:
1. منع الإسلام الفرد من التقتير على نفسه، ومن حرمانها المتاع المشروع.
2. أحل الإسلام التمتع بالطيبات من الرزق، وأخذ الزينة اللائقة. وأدلة ذلك كالآتي:
1) قال تعالى: (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك).
2) وقال تعالى: (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما).
3) وقال تعالى: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق).
4) وقال عليه الصلاة والسلام: "إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده".
5) وقال عليه الصلاة والسلام: "إذا آتاك الله مالا، فلير أثر نعمة الله عليك وكرامته".
3. إذا كان للفرد مال، وبخل به على نفسه، فإنه يكون آثما عند الله تعالى.
4. إذا بخل بماله على من تجب عليه نفقتهم فإنه يترتب على ذلك أمور منها:
1) إثمه عند الله تعالى.
2) لا بد من إجباره من قبل الدولة، على الإنفاق على أهله ممن تجب عليه نفقتهم.
3) أن يضمن أن يكون هذا الإنفاق عن سعة حتى يتوفر لهم المستوى الطيب من العيش.
4) يحق لمن لهم النفقة أن يأخذوا من المال قدر كفايتهم بالمعروف.
5) على القاضي أن يفرض لهم هذه النفقة.
6) يجب على من تجب عليه النفقة أداؤها. ويجب على من يأخذ النفقة إنفاقها فيما فرضت له.
أيها المؤمنون:
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. نشكركم, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.