- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي
(ح 134)
معالجة الإسلام لمشكلة الفقر (ج1)
الحمد لله الذي شرع للناس أحكام الرشاد، وحذرهم سبل الفساد، والصلاة والسلام على خير هاد، المبعوث رحمة للعباد، الذي جاهد في الله حق الجهاد، وعلى آله وأصحابه الأطهار الأمجاد، الذين طبقوا نظام الإسلام في الحكم والاجتماع والسياسة والاقتصاد، فاجعلنا اللهم معهم، واحشرنا في زمرتهم يوم يقوم الأشهاد يوم التناد، يوم يقوم الناس لرب العباد.
أيها المؤمنون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: نتابع معكم سلسلة حلقات كتابنا إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي، ومع الحلقة الرابعة والثلاثين بعد المائة، وعنوانها: "معالجة الإسلام لمشكلة الفقر". نتأمل فيها ما جاء في الصفحة الثالثة عشرة بعد المائتين من كتاب النظام الاقتصادي في الإسلام للعالم والمفكر السياسي الشيخ تقي الدين النبهاني.
يقول رحمه الله: "وقد جعل الإسلام إشباع هذه الحاجات الأساسية وتوفيرها لمن لم يجدها فرضا. فإذا وفرها الفرد لنفسه كان بها، وإذا لم يوفرها لنفسه، لعدم وجود مال كاف بين يديه، أو لعدم إمكانه تحصيل المال الكافي، جعل الشرع إعانته على غيره، حتى يتوفر له ما يشبع هذه الحاجات الأساسية.
وقد فصل الشرع كيفية إعانة الفرد في هذه الأشياء. فأوجبها على الأقارب الورثة، قال تعالى: (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك). (البقرة 233) أي على الوارث مثل المولود له من حيث الرزق والكسوة. وليس المراد بالوارث أن يكون وارثا بالفعل، بل أن يكون ممن يستحق الميراث. فإن لم يكن له أقارب، ممن أوجب الله عليهم نفقة قريبهم انتقلت نفقته على بيت المال، في باب الزكاة. عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ترك مالا فلورثته، ومن ترك كلا فإلينا" رواه مسلم. والكل الضعيف الذي لا ولد له ولا والد. وقال تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين). (التوبة:60) الآية. فإن لم يف قسم الزكاة من بيت المال في حاجات الفقراء والمساكين، كان واجبا على الدولة أن تنفق عليهم من أبواب أخرى من بيت المال. فإن لم يوجد في بيت المال مال، يجب على الدولة أن تفرض ضريبة على أموال الأغنياء، وتحصلها؛ لتنفق على الفقراء والمساكين منها؛ لأن النفقة فرض على الأقارب، فإن لم يوجدوا فعلى واردات الزكاة، فإن لم يوجد منها واردات ففرض على بيت المال، فإن لم يوجد فيه مال كانت فرضا على جميع المسلمين. قال عليه الصلاة والسلام: "أيما أهل عرصة، أصبح فيهم امرؤ جائع، فقد برئت منهم ذمة الله تبارك وتعالى". رواه أحمد. وقال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: "ما آمن بي من بات شبعان، وجاره جائع إلى جنبه، وهو يعلم به" رواه البزار عن أنس: وقال تعالى: (وفي أموالهم حق للسائل والمحروم). (الذاريات 19) وإن الرسول صلى الله عليه وسلم ألزم الأنصار بإعالة المهاجرين الفقراء، مما يدل على أنه فرض على جميع المسلمين حتى يكفوهم.
وما كان فرضا على جميع المسلمين، كان على الخليفة، بما عليه من واجب رعاية شؤون الأمة، أن يحصل المال من المسلمين، ليقوم بما هو فرض عليهم. فينتقل حينئذ الفرض من على المسلمين، إلى أن يصبح فرضا على بيت المال، فيقوم بأدائه، بإطعام الفقير والمسكين.
هذا من ناحية من تجب له النفقة من الفقراء والمساكين يجبر هو على تحصيلها، فإن لم يستطع فيجبر قريبه على الإنفاق عليه إذا كان وارثا، أي في درجة من القرابة التي ذكرها القرآن لوجوب النفقة. فإن لم يستطع القريب، أو لم توجد القرابة، فعلى باب الزكاة من بيت المال، ثم على بيت المال، ثم على جميع المسلمين حتى تحصل الكفاية للفقراء والمساكين".
وقبل أن نودعكم مستمعينا الكرام نذكركم بأبرز الأفكار التي تناولها موضوعنا لهذا اليوم:
معالجة الإسلام لمشكله الفقر:
1. جعل الإسلام إشباع الحاجات الأساسية وتوفيرها لمن لم يجدها فرضا.
2. فرض الإسلام على الفرد بأن يوفر الحاجات الأساسية لنفسه. فإذا وفرها لنفسه كان بها.
3. إذا لم يوفرها الفرد لنفسه، لعدم وجود مال كاف بين يديه، أو لعدم إمكانه تحصيل المال الكافي، جعل الشرع إعانته على غيره، حتى يتوفر له ما يشبع هذه الحاجات الأساسية.
كيفية إعانة الفرد في توفير حاجاته الأساسية:
فصل الشرع كيفية إعانة الفرد في توفير حاجاته على النحو الآتي:
1. أوجبها على الأقارب الورثة، قال تعالى: (وعلى الوارث مثل ذلك). أي على الوارث الرزق والكسوة.
2. إن لم يكن له أقارب، ممن أوجب الله عليهم نفقة قريبهم انتقلت نفقته على بيت المال، في باب الزكاة، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: "من ترك مالا فلورثته، ومن ترك كلا فإلينا".
3. إن لم يف قسم الزكاة من بيت المال في حاجات الفقراء والمساكين، كان واجبا على الدولة أن تنفق عليهم من أبواب أخرى من بيت المال.
4. إن لم يوجد في بيت المال مال، يجب على الدولة أن تفرض ضريبة على أموال الأغنياء، وتحصلها؛ لتنفق على الفقراء والمساكين منها.
منهج الإسلام في معالجة مشكله الفقر:
1. النفقة فرض على الفرد، فإن لم يستطع توفيرها لنفسه ولعياله فعلى الأقارب، فإن لم يوجدوا فعلى واردات الزكاة، فإن لم يوجد منها واردات ففرض على بيت المال، فإن لم يوجد فيه مال كانت فرضا على جميع المسلمين.
2. ألزم النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار بإعالة المهاجرين الفقراء، مما يدل على أنه فرض على جميع المسلمين أن يكفوا الفقراء.
3. ما كان فرضا على جميع المسلمين ينتقل إلى الخليفة بما عليه من واجب رعاية شؤون الأمة.
4. على الخليفة أن يحصل المال من المسلمين، ليقوم بما هو فرض عليهم.
5. ينتقل الفرض من على المسلمين إلى أن يصبح فرضا على بيت المال.
6. يقوم بيت المال بأداء هذا الفرض بإطعام الفقير والمسكين.
الأحكام الشرعية المتعلقة بمن تجب له النفقة:
1. من تجب له النفقة من الفقراء والمساكين يجبر هو على تحصيلها.
2. إن لم يستطع تحصيلها يجبر قريبه على الإنفاق عليه إذا كان وارثا.
3. إن لم يستطع القريب، أو لم توجد القرابة، فعلى باب الزكاة من بيت المال.
4. إن لم يوجد في باب الزكاة فعلى بيت المال.
5. إن لم يوجد في بيت المال فعلى جميع المسلمين حتى تحصل الكفاية للفقراء والمساكين.
أيها المؤمنون:
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام، وأن يعز الإسلام بنا، وأن يكرمنا بنصره، وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة في القريب العاجل، وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها، إنه ولي ذلك والقادر عليه. نشكركم على حسن استماعكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.