- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي
(ح 139)
التأميم ليس من الملكية العامة ولا من ملكية الدولة
الحمد لله الذي شرع للناس أحكام الرشاد، وحذرهم سبل الفساد، والصلاة والسلام على خير هاد، المبعوث رحمة للعباد، الذي جاهد في الله حق الجهاد، وعلى آله وأصحابه الأطهار الأمجاد، الذين طبقوا نظام الإسلام في الحكم والاجتماع والسياسة والاقتصاد، فاجعلنا اللهم معهم، واحشرنا في زمرتهم يوم يقوم الأشهاد يوم التناد، يوم يقوم الناس لرب العباد.
أيها المؤمنون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: نتابع معكم سلسلة حلقات كتابنا إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي، ومع الحلقة التاسعة والثلاثين بعد المائة، وعنوانها: "التأميم ليس من الملكية العامة ولا من ملكية الدولة". نتأمل فيها ما جاء في الصفحة الخامسة والعشرين بعد المائتين من كتاب النظام الاقتصادي في الإسلام للعالم والمفكر السياسي الشيخ تقي الدين النبهاني.
يقول رحمه الله: "التأميم هو من ترقيعات النظام الرأسمالي، وهو تحويل الملكية الفردية إلى ملكية الدولة، إذا رأت أن هناك مصلحة عامة تقتضي ملكية هذا المال المملوك فرديا، وليست الدولة مجبرة على التأميم، بل هي مخيرة: إن شاءت أممت، وإن شاءت تركت المال دون تأميم.
وهذا بخلاف الملكية العامة، وملكية الدولة، فإنها حسب أحكام الإسلام ثابتة في طبيعة المال وصفته، بغض النظر عن رأي الدولة. فينظر إلى واقع المال، فإن كان في المال حق لعامة المسلمين، كان ملكا للدولة، يجب أن تملكه، وإن لم يكن فيه حق لعامة المسلمين، كان ملكا للأفراد، فلا يصح أن تملكه.
وإن كان المال من مرافق الجماعة، أو من المعادن، أو من طبيعته أن لا يملك فرديا، كان ملكا عاما طبيعيا، ولا تستطيع الدولة إبقاءه ملكا فرديا. وإن لم يكن هذا المال من نوع الملكية العامة يبقى ملكا فرديا، ولا تستطيع الدولة أن تؤممه، ولا أن تملكه جبرا عن صاحبه مطلقا، إلا إذا رضي صاحبه أن يبيعه لها، كما يبيعه لأي فرد، فتشتريه كما يشتريه سائر الأفراد.
ولهذا لا تستطيع الدولة أن تمتلك ملك الأفراد جبرا، بحجة المصلحة العامة، كلما بدا لها ذلك، ولو دفعت ثمنها، لأن أملاك الأفراد محترمة ومصونة، لا يجوز أن يتعدى أحد عليها، حتى ولا الدولة، ويعتبر التعدي عليها مظلمة يشكو صاحبها إلى محكمة المظالم، على الحاكم، إذا فعلها، لترفع مظلمته. إذ ليس للخليفة أن يخرج شيئا من يد أحد إلا بحق ثابت معروف.
وكذلك لا تستطيع الدولة أن تبقي مالا مما هو داخل في الملكية العامة، أو ملكية الدولة في يد فرد بحجة المصلحة، لأن المصلحة، في هذه الأموال، قد قدرها الشرع في بيانه ما هي الملكية العامة، وما هي ملكية الدولة، وما هي الملكية الفردية.
وبذلك يظهر أن التأميم ليس من الملكية العامة، ولا من ملكية الدولة، ولا هو من الأحكام الشرعية، بل هو من ترقيعات النظام الرأسمالي".
ونقول راجين من الله عفوه ومغفرته ورضوانه وجنته: إن أملاك الأفراد محترمة ومصونة، لا يجوز أن يتعدى أحد عليها، حتى ولا الدولة.
وى الطبراني في المعجم الكبير عن واثلة بن الأسقع قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "المسلم على المسلم حرام، دمه وعرضه، وماله، المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يخذله، والتقوى ههنا وأشار بيده إلى القلب، وبحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم".
وقد لخص عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه نظرته إلى المال وجمع صلاحه في ثلاث هي: أن يؤخذ من حق، ويعطى في حق، ويمنع من باطل. وكان رضي الله عنه يحث الناس على أن يعرف كل واحد منهم ما له من حق وما عليه من واجب، فيأخذ ما له من حق، ويعطي ما عليه من واجب، وكان يخاطب الناس فيقول: "أيها الناس أعطوا الحق من أنفسكم، ولا يحمل بعضكم بعضا على أن تحاكموا إلي".
وكان رضي الله عنه وهو خليفة للمسلمين قد جعل من نفسه قدوة لرعيته، وقبل أن يضع دستورا للولاة وضع دستورا لنفسه، ومما جاء في هذا الدستور الذي أعلنه على الملأ: "أنه لا يحل لعمر من مال الله إلا حلتان: حلة للصيف وحلة للشتاء، وما يحج به ويعتمر، وقوته وقوت أهله كرجل من قريش ليس بأغناهم ولا بأفقرهم".
ويقول في هذا الشأن أيضا: "ألا إني أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة ولي اليتيم: إن استغنيت استعففت، وإن افتقرت أكلت بالمعروف، تقرم البهيمة الأعرابية: القضم لا الخضم، أي كما تأكل الماشية قضما بأطراف أسنانها، لا مضغا وطحنا بأسنانها". اللهم من علينا بخليفة راشد كعمر بن الخطاب، يخافك ويتقيك ويخشاك، يطبق فينا شرعك، ويسعى لنيل رضاك، آمين.
وقبل أن نودعكم أحبتنا الكرام نذكركم بأبرز الأفكار التي تناولها موضوعنا لهذا اليوم:
التأميم في النظام الاقتصادي الرأسمالي:
1. تعريف التأميم: التأميم هو تحويل الملكية الفردية إلى ملكية الدولة، إذا رأت أن هناك مصلحة عامة تقتضي ملكية هذا المال المملوك فرديا.
2. الدولة في النظام الرأسمالي مخيرة وليست مجبرة على التأميم إن شاءت أممت، وإن شاءت تركت المال دون تأميم.
3. التأميم ليس من الملكية العامة، ولا من ملكية الدولة، ولا هو من الأحكام الشرعية، بل هو من ترقيعات النظام الرأسمالي.
الملكية العامة وملكية الدولة في النظام الاقتصادي الإسلامي:
1. الملكية العامة وملكية الدولة حسب أحكام الإسلام ثابتة في طبيعة المال وصفته.
1) إن كان في المال حق لعامة المسلمين، كان ملكا للدولة، يجب أن تملكه.
2) إن لم يكن فيه حق لعامة المسلمين، كان ملكا للأفراد، فلا يصح للدولة أن تملكه.
3) إن كان المال من مرافق الجماعة، أو من المعادن، أو من طبيعته أن لا يملك فرديا، كان ملكا عاما طبيعيا، ولا تستطيع الدولة إبقاءه ملكا فرديا.
2. لا تستطيع الدولة أن تؤمم ملك الفرد، ولا أن تملكه جبرا عن صاحبه مطلقا، إلا إذا رضي صاحبه أن يبيعه لها، كما يبيعه لأي فرد، فتشتريه كما يشتريه سائر الأفراد.
3. لا تستطيع الدولة أن تمتلك ملك الأفراد جبرا، بحجة المصلحة العامة، كلما بدا لها ذلك.
4. أملاك الأفراد محترمة ومصونة، لا يجوز أن يتعدى أحد عليها، حتى ولا الدولة.
5. يعتبر التعدي عليها مظلمة يشكو صاحبها إلى محكمة المظالم، على الحاكم، إذا فعلها، لترفع مظلمته.
6. ليس للخليفة أن يخرج شيئا من يد أحد إلا بحق ثابت معروف.
7. لا تستطيع الدولة أن تبقي مالا مما هو داخل في الملكية العامة، أو ملكية الدولة في يد فرد بحجة المصلحة.
8. المصلحة في الأموال قدرها الشرع في بيانه ما هي الملكية العامة، وما هي ملكية الدولة، وما هي الملكية الفردية.
أيها المؤمنون:
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام، وأن يعز الإسلام بنا، وأن يكرمنا بنصره، وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة في القريب العاجل، وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها، إنه ولي ذلك والقادر عليه. نشكركم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.