- الموافق
- 1 تعليق
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم
إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي
(ح 157)
منع كنز الذهب والفضة
الحمد لله الذي شرع للناس أحكام الرشاد, وحذرهم سبل الفساد, والصلاة والسلام على خير هاد, المبعوث رحمة للعباد, الذي جاهد في الله حق الجهاد, وعلى آله وأصحابه الأطهار الأمجاد, الذين طبقوا نظام الإسلام في الحكم والاجتماع والسياسة والاقتصاد, فاجعلنا اللهم معهم, واحشرنا في زمرتهم يوم يقوم الأشهاد يوم التناد, يوم يقوم الناس لرب العباد.
أيها المؤمنون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: نتابع معكم سلسلة حلقات كتابنا إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي, ومع الحلقة السابعة والخمسين بعد المائة, وعنوانها: "منع كنز الذهب والفضة". نتأمل فيها ما جاء في الصفحة الرابعة والخمسين بعد المائتين من كتاب النظام الاقتصادي في الإسلام للعالم والمفكر السياسي الشيخ تقي الدين النبهاني.
يقول رحمه الله: "أما كنز الذهب والفضة فقد حرمه الإسلام بصريح القرآن. قال تعالى: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم). (التوبة 34) فهذا الوعيد بالعذاب الأليم لمن يكنزون الذهب والفضة دليل ظاهر على أن الشارع طلب ترك الكنز طلبا جازما فكان كنز الذهب والفضة حراما. والدليل على أن الآية قد حرمت كنز الذهب والفضة تحريما قاطعا هو:
أولا: عموم هذه الآية. فنص الآية منطوقا ومفهوما دليل على منع كنز المال من الذهب والفضة منعا باتا، فالمصير إلى أن الكنز مباح بعد إخراج الزكاة ترك لحكم الآية، الذي دلت عليه دلالة قطعية، وهذا لا يصار إليه إلا بدليل منفصل عنها، يصرفها عن معناها، أو ينسخها. ولم يرد أي نص صحيح يصرفها عن معناها، ولا يحتمل أن يكون هناك دليل يصرفها عن معناها، لأنها قطعية الدلالة. فلم يبق إلا الدليل الذي ينسخها، ولا يوجد دليل ينسخها. أما آية (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها). (التوبة 103) فإنها نزلت في السنة الثانية للهجرة، حين فرضت الزكاة، وآية الكنز قد نزلت في السنة التاسعة للهجرة، ولا ينسخ المتقدم المتأخر في النزول. وأما الأحاديث الواردة في أنه ما أديت زكاته فليس بكنز، فإنه لم يصح منها شيء. أما حديث أم سلمة الذي يحتج به بعض الفقهاء فإنه روي من طريق عتاب وهو مجهول. ومع ذلك فإن حديث أم سلمة لا يصلح لنسخ حكم الآية حتى لو صح الحديث وحتى لو كان متواترا, فالأحاديث النبوية لا تنسخ القرآن الكريم، ولو كانت متواترة، لأن القرآن قطعي الثبوت عن الله سبحانه لفظا، ونحن متعبدون بلفظه ومعناه، بخلاف الحديث المتواتر فهو قطعي الثبوت عن الله سبحانه معنى، لا لفظا لأنه بلفظ الرسول صلى الله عليه وسلم, ولسنا متعبدين بلفظه، فلا ينسخ القرآن بالأحاديث، ولو كانت متواترة. فكيف يجعل حديث آحاد فيه مقال كحديث أم سلمة ناسخا لآية قطعية الثبوت قطعية الدلالة؟
ثانيا: أسند الطبري في تفسيره إلى أبي أمامة الباهلي قال: "توفي رجل من أهل الصفة، فوجد في مئزره دينار، فقال رسول الله: "كية". ثم توفي آخر، فوجد في مئزره ديناران، فقال رسول الله: "كيتان" وكذلك رواه أحمد عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود؛ وهذا لأنهما كانا يعيشان من الصدقة وعندهما التبر. والدينار والديناران لا يبلغان نصابا حتى تخرج منهما الزكاة، فقول الرسول عنهما "كية وكيتان" دليل على اعتباره لهما أنهما كنز، ولو لم تجب فيهما الزكاة. وهو يشير إلى ما جاء في آية الكنز: (يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم). (التوبة 35)
وقبل أن نودعكم أحبتنا الكرام نذكركم بأبرز الأفكار التي تناولها موضوعنا لهذا اليوم:
تحريم كنز الذهب والفضة:
1. حرم الإسلام كنز الذهب والفضة بصريح القرآن.
2. الوعيد بالعذاب الأليم لمن يكنزون الذهب والفضة دليل ظاهر على أن طلب ترك الكنز طلب جازم.
كنز الذهب والفضة حرم تحريما قاطعا للأدلة الخمسة الآتية:
1) عموم النص: فنص الآية منطوقا ومفهوما دليل على منع كنز المال من الذهب والفضة منعا باتا.
2) ذكر الطبري في تفسيره أن رجلا توفي من أهل الصفة، فوجد في مئزره دينار، فقال رسول الله: "كية". ثم توفي آخر، فوجد في مئزره ديناران، فقال رسول الله: "كيتان".
3) إن نص الآية هو صب الوعيد على أمرين اثنين: أحدهما كنز المال، والثاني عدم الإنفاق في سبيل الله.
4) روى البخاري أن أبا ذر قال: كنا بالشام فقرأت: (والذين يكنزون الذهب والفضة). قال معاوية: ما هذه فينا، ما هذه إلا في أهل الكتاب، قال: قلت إنها لفينا وفيهم".
5) الكنز في اللغة جمع المال بعضه على بعض وحفظه، ومال مكنوز، أي مجموع. والقرآن تفسر كلماته بمعناها اللغوي إلا أن يرد من الشرع معنى شرعي لها، وكلمة الكنز لم يصح أنه ورد أي معنى شرعي وضع لها، فيجب أن تفسر بمعناها اللغوي فقط.
الرد على من قال: "إن الكنز مباح بعد إخراج الزكاة:
1. هذا القول فيه ترك لحكم الآية، وهو تحريم الكنز الذي دلت عليه دلالة قطعية.
2. لا يصار إلى ترك حكم الآية إلا بدليل منفصل عنها، يصرفها عن معناها، أو ينسخها.
3. لم يرد أي نص صحيح يصرفها عن معناها، ولا يحتمل أن يكون هناك دليل يصرفها عن معناها، لأنها قطعية الدلالة.
4. لم يبق إلا الدليل الذي ينسخها، ولا يوجد دليل ينسخها.
5. إن آية (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) نزلت في السنة الثانية للهجرة حين فرضت الزكاة، وآية الكنز قد نزلت في السنة التاسعة للهجرة، ولا ينسخ المتقدم المتأخر في النزول.
أيها المؤمنون:
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. نشكركم, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وسائط
1 تعليق
-
حفظكم الله أستاذنا الفاضل وبارك أعمالكم ونفع بكم