- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي
(ح 163)
معاملات الصرف (ج1)
الحمد لله الذي شرع للناس أحكام الرشاد, وحذرهم سبل الفساد, والصلاة والسلام على خير هاد, المبعوث رحمة للعباد, الذي جاهد في الله حق الجهاد, وعلى آله وأصحابه الأطهار الأمجاد, الذين طبقوا نظام الإسلام في الحكم والاجتماع والسياسة والاقتصاد, فاجعلنا اللهم معهم, واحشرنا في زمرتهم يوم يقوم الأشهاد يوم التناد, يوم يقوم الناس لرب العباد.
أيها المؤمنون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: نتابع معكم سلسلة حلقات كتابنا إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي ومع الحلقة الثالثة والستين بعد المائة, وعنوانها: "معاملات الصرف". نتأمل فيها ما جاء في الصفحة السادسة والستين بعد المائتين من كتاب النظام الاقتصادي في الإسلام للعالم والمفكر السياسي الشيخ تقي الدين النبهاني.
عملة ضربت بمكة قبل مائة عام
يقول رحمه الله: "مهما تعددت وتنوعت معاملات الصرف، فإنها لا تخرج عن بيع نقد بنقد من جنس واحد، وبيع نقد بنقد من جنسين مختلفين. وهي إما حاضر بحاضر، أو ذمة بذمة، ولا تكون بين حاضر وبين ذمة غير حاضرة مطلقا، وإذا تمت عملية الصرف وأراد أحدهما الرجوع بها، فإنه لا يصح متى تم العقد والقبض، إلا أن يكون هنالك غبن فاحش، أو عيب، فإنه يجوز. فإذا وجد أحد المتبايعين فيما اشتراه عيبا، بأن وجده مغشوشا، كأن يجد في الفضة نحاسا، أو يجد الفضة سوداء، فله الخيار بين أن يرد، أو يقبل، إذا كان بصرف وقته، أي بنفس السعر الذي صرف به، يعني أن الرد جائز ما لم ينقص قيمة ما أخذه من النقد عن قيمته وقت اصطرفا، فإن قبله جاز البيع، وإن رده فسخ البيع. فإذا اشترى ذهبا من عيار 24 بذهب من عيار 24 ووجد أحدهما الذهب الذي أخذه بعيار 18، فإنه يعتبر غشا، وله الخيار بين أن يرد، أو يقبل بصرف يومه.
ولو أراد من استبدال الذهب بالذهب قبول النقد بعيبه، على أن يأخذ منه ما نقص من ثمنه بالنسبة لعيبه فلا يجوز، لحصول الزيادة في أحد العوضين، وفوات المماثلة المشترطة في الجنس الواحد. وإذا كان على رجل دين مؤجل، فقال لغريمه ضع عني بعضه، وأعجل لك بقيته، لم يجز؛ لأنه بيع معجل بمؤجل بغير مماثلة، فكأنه باعه دينه بمقدار أقل منه حاضرا، فصار التفاضل موجودا فكان ربا. وكذلك إذا زاده الذي له الدين، فقال له: أعطيك عشرة دراهم وتعجل لي المائة التي عليك، لا يجوز لوجود التفاضل فهو ربا، فعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، يدا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي فيه سواء". رواه مسلم.
وإذا كان لرجل في ذمة رجل ذهب، وللآخر في ذمة الأول فضة، فاصطرفا بما في ذمتهما، بأن قضاه ما في ذمته من الذهب بماله عنده دينا من الفضة، جاز هذا الصرف، لأن الذمة الحاضرة كالعين الحاضرة. وإذا اشترى رجل بضاعة بذهب، وقبض البائع ثمنها فضة جاز، لأنه يجوز اقتضاء أحد النقدين من الآخر، ويكون صرفا بعين وذمة، وذلك لما روى أبو داود والأثرم في سننهما عن ابن عمر قال: كنت أبيع الإبل بالبقيع، فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير، آخذ هذه من هذه، وأعطي هذه من هذه، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في بيت حفصة، فقلت يا رسول الله: رويدك أسألك، إني أبيع الإبل بالبقيع، فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير، آخذ هذه من هذه، وأعطي هذه من هذه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا بأس أن تأخذها بسعر يومها، ما لم تفترقا وبينكما شيء".
وقبل أن نودعكم أحبتنا الكرام نذكركم بأبرز الأفكار التي تناولها موضوعنا لهذا اليوم:
معاملات الصرف:
مهما تعددت وتنوعت معاملات الصرف، فإنها لا تخرج عن النوعين الآتيين:
1. بيع نقد بنقد من جنس واحد.
2. بيع نقد بنقد من جنسين مختلفين.
معاملات الصرف تكون على وجهين, ولا تكون على الوجه الثالث:
1. تكون إما حاضر بحاضر. كما في المثال الأول الذي في الأمثلة التوضيحية.
2. أو تكون ذمة بذمة. كما في المثال الخامس الذي في الأمثلة التوضيحية.
3. ولا تكون بين حاضر وبين ذمة غير حاضرة مطلقا.
بعض الأحكام الشرعية المتعلقة بالصرف:
1. إذا تمت عملية الصرف وأراد أحدهما الرجوع بها، فإنه لا يصح متى تم العقد والقبض، إلا أن يكون هنالك غبن فاحش، أو عيب، فإنه يجوز.
2. إذا وجد أحد المتبايعين فيما اشتراه عيبا، بأن وجده مغشوشا، فله الخيار بين أن يرد، أو يقبل، إذا كان بصرف وقته، أي بالسعر نفسه الذي صرف به.
3. هذا يعني أن الرد جائز ما لم ينقص قيمة ما أخذه من النقد عن قيمته وقت اصطرفا، فإن قبله جاز البيع، وإن رده فسخ البيع.
أمثلة توضيحية على الصرف الجائز وغير الجائز:
1. إذا اشترى ذهبا من عيار 24 بذهب من عيار 24 ووجد أحدهما الذهب الذي أخذه بعيار 18، فإنه يعتبر غشا، وله الخيار بين أن يرد، أو يقبل بصرف يومه.
2. لو أراد من استبدال الذهب بالذهب قبول النقد بعيبه، على أن يأخذ منه ما نقص من ثمنه بالنسبة لعيبه فلا يجوز، لحصول الزيادة في أحد العوضين، وفوات المماثلة المشترطة في الجنس الواحد.
3. إذا كان على رجل دين مؤجل، فقال لغريمه ضع عني بعضه، وأعجل لك بقيته، لم يجز؛ لأنه بيع معجل بمؤجل بغير مماثلة، فصار التفاضل موجودا فكان ربا.
4. إذا زاده الذي له الدين، فقال له: أعطيك عشرة دراهم وتعجل لي المائة التي عليك، لا يجوز لوجود التفاضل فهو ربا؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: "فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي فيه سواء".
أيها المؤمنون:
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. نشكركم, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.