- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
الخبر:
بمشيئة الله سبحانه وتعالى، عشنا لنرى شهرا آخر من محرم وبداية عام آخر في التقويم الإسلامي. كيف يتم إحياء ذكرى هذا اليوم؟ وما هي الذكريات التي تثار نتيجة لذلك؟ وما هو مضمون الخطب عن هجرة النبي عليه الصلاة والسلام؟ وكيف يتم استخدام هذه المناسبة لتحفيز جيلنا من المسلمين؟ كيف يقارن هذا باحتفالات ذكرى يوم "الاستقلال" أو احتفالات إحياء ذكرى العديد من الأبطال الوطنيين والتي أصبحت لدى كل بلد مسلم الآن؟
التعليق:
عندما ينشأ الأطفال في أي بلد مسلم في الوقت الحاضر، فإنه يتم توعيتهم عن الأشخاص الذين عاشوا وماتوا قبل أن يولدوا. وقد يشار إلى هؤلاء الأشخاص بأنهم "الآباء" أو "المؤسسون" للأمة ويتم سرد قصص حياتهم و"أعمالهم البطولية" مرارا وتكرارا. وعندما يُحتفل بيوم "الاستقلال" لشعب ما، يذكّر أهل ذلك البلد بالقيم وأفعال ورؤية هؤلاء الآباء المؤسسين ويتم حضهم على اتباع هذه الأمثلة لكي ينجح ذلك الشعب. محمد علي جناح، والملك عبد العزيز بن سعود، والشيخ مجيب الرحمن وكثير غيرهم، هي أسماء لبعض ممن يسمّون مؤسسي العديد من الدول القومية التي قسمت المسلمين الآن.
في الأيام القليلة الماضية عندما دخلنا محرم 1437، كانت هناك بعض الخطب والمقالات حول موضوع هجرة النبي عليه الصلاة والسلام. بعضها كانت تحمل تذكيرا ممتازا، بينما البعض الآخر تحدثت عن الهجرة باعتبارها مجرد تذكر لحدث تاريخي مذهل بدلا من كونها حدث في حياة الرسول عليه الصلاة والسلام الذي يتوجب على المسلمين أن ينظروا إليها من أجل استخلاص الدروس للتأسي بها من أجل القيام بواجباتنا أمام الله سبحانه وتعالى. هذا الوقت من السنة هو وقت مهم للتحدث فيه إلى الأمة الإسلامية بوصفهم أمة واحدة وليس بوصفهم سعوديين وسودانيين وباكستانيين وماليزيين وبنغال أو غيرهم. وخلافا للاحتفالات القومية التي تعزز الانقسامات لدينا، فإن الهجرة كانت هجرة نبينا الحبيب عليه الصلاة والسلام لذلك فهي حدث يمثلنا جميعا بصفتنا مسلمين. لقد حان الوقت لتذكير بعضنا البعض بهذا الحدث التاريخي في حياة النبي عليه الصلاة والسلام، الذي غير مجرى التاريخ البشري وليكون مصدر إلهام لنا والتأسي بالعديد من العبر والواجبات التي تستمد من دراسة الهجرة.
إن الهجرة تذكرنا بتوكل النبي عليه الصلاة والسلام على الله سبحانه وتعالى عندما كانت قريش تطارده هو وصاحبه أبو بكر رضي الله عنه، فلجآ إلى الغار. وكان أبو بكر رضي الله عنه خائفا من أن تراهما قريش، فطمأن النبي عليه الصلاة والسلام صاحبه بأن الله سوف ينصرهما. وهذا تذكير لنا بأننا المسلمين يجب علينا أن لا نفقد الأمل، وأن لا نعتقد باستحالة النصر أو استحالة حل مشاكلنا الشخصية أو العائلية أو المشاكل التي تؤثر على أمتنا، فالتغيير بعون الله ممكن دائما.
كما تذكرنا الهجرة بأنها لم تكن ببساطة هجرة رجل يبحث عن مكان آمن لنفسه، ولكنه كان يبحث عن دار لإقامة رسالته، لكي ترتكز فيه، وتحمل منه إلى البشرية جمعاء. وهذا ما كان يحاول عليه الصلاة والسلام فعله في مكة المكرمة منذ تلقيه الوحي. حيث كان يدعو أهلها وزعماءها، إلا أن معظم هؤلاء رفضوا دعوته باستثناء بضع مئات. وبعد أن عرض دعوته على العديد من القبائل الأخرى، قبِل أهل يثرب إيواء رسالته فهاجر إلى هناك. ومنذ اليوم الأول كان الرسول عليه الصلاة والسلام هو القائد المسؤول؛ حكم المدينة، وبنى المسجد، وقام بتنظيم السوق، وتعيين قضاة للفصل في المنازعات، وقيادة الجيش، وإرسال مبعوثين لدعوة العديد من القبائل والدول الأخرى لاعتناق الإسلام، وقام بمهام رئيس الدولة الإسلامية. لقد أقيم الإسلام فعليا ووُجدت له دار، حيث شكّل الإسلام فيه كل مجال من مجالات الحياة.
اليوم، لدى المسلمين دور، وفي الواقع، لدينا العديد من البلدان التي تغطي مساحات شاسعة من الأراضي. ولكن هل يمكننا القول بأن للإسلام داراً، ومجتمعاً يحكم الإسلام فيه كل جانب من جوانب الحياة؟ فيه القرآن والسنة وحدهما يشكلان المعاملات، والأخلاق، والعلاقات والحلول لمشاكل الحياة؟ كلا، لذلك فإن أحد الدروس المستفادة من الهجرة هو تذكير بعضنا البعض بالدعاء، والتوق، والعمل لإعادة بناء هذا المجتمع الذي أنشأه النبي عليه الصلاة والسلام بعد هجرته الشاقة والبالغ الأهمية إلى المدينة المنورة، وللتمتع مرة أخرى بالنعم والنصر الذي وعد الله سبحانه وتعالى المؤمنين ولنكون منارة حقيقية للبشرية.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
تاجي مصطفى
الممثل الإعلامي لحزب التحرير في بريطانيا