الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
ترامب وديمقراطية لا خير فيها

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

ترامب وديمقراطية لا خير فيها

 


الخبر:


انتهت يوم الثالث من تشرين أول انتخابات الرئاسة الأمريكية ولا يزال الفرز وإعادة الفرز مستمرا، وإن كانت اللعبة الديمقراطية قد أفرزت حتى الآن بايدن رئيسا منتخبا وترامب لا يزال يرفض نتيجة الفرز.


التعليق:


كما وعد ترامب قبل الانتخابات بأشهر بأنه لن يعترف بنتيجة انتخابات أمريكا إلا إذا كان هو الفائز، فها هو يصر على أن الانتخابات قد تم التلاعب بها ابتداء من التوسع في التصويت من خلال البريد ومن ثم إتلاف أوراق انتخابية كانت لصالحه، وأعمال تزوير مختلفة. ولا بد من التذكير أن انتخابات عام 2016 والتي جاءت بترامب للرئاسة جرى التحقيق بنزاهتها حوالي 3 سنوات والتي كلف بها روبرت مولر لتبيان درجة تأثير الاستخبارات الروسية على مجريات انتخابات 2016. وإن كان تقرير مولر لم يثبت ولم ينف الادعاء بتدخل روسي في انتخابات أمريكا إلا أنه وضع أهم مفصل من مفاصل ديمقراطية أمريكا تحت مجهر التساؤل والاتهام. ثم جاءت انتخابات 2020 لتكبر عدسة المجهر وتزيد من رتق الديمقراطية وتمثيل الشعب في الحكم. فاليوم تعج المحاكم الأمريكية في مختلف الولايات بالدعاوى التي أقامها ترامب مدعيا حصول تزوير كبير أثر على نتيجة الانتخابات.


وسواء تم إثبات التزوير أم لم يتم، وسواء قضت المحاكم بناء على البينات المقدمة أو بناء على توجهات الفئات المتحكمة في مفاصل الحكم في أمريكا، فإن هناك شرخاً قد حصل، ورتقاً قد اتسع، وضوءاً قد كشف عن وهم طال تعلق الشعوب به، وهو وهم ما يسمى "حكم الشعب". فمهما كانت نتيجة التحقيقات فإن هناك في أمريكا ما يزيد على 74 مليون شخص يرون أن الحكم والرئاسة سلبت منهم زورا رغم أصواتهم وكثرتها. وهناك حوالي 80 مليوناً يرون أن الانتخابات جاءت بمرشحهم للرئاسة. ولعل كثرة التصويت في انتخابات هذا العام لها دلالة حاسمة ليس لشخص الرئيس القادم، بل لعمق الشرخ الذي كشف عن وهم حكم الشعب.


فقديما قلنا إن مقولة "الشعب هو الحاكم" باطلة ومضللة، ليس فقط لأن الشعب لا يملك حق الحكم والتشريع. فهذا اختلاف عقدي، من لا يؤمن بعقيدة الإسلام يرد هذه الفكرة على اعتبار أنه لا يؤمن بأصلها وقاعدتها، ومن ثم يحتج بما كنا نحتج به على كفار مكة ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾.


وكنا نقول إن من يصوتون من الناس هم قلة ولا يعبرون عن رأي الشعب كله بل عن رأي من يدلي صوته. فقالوا إن من لا يدلي صوته في نهاية المطاف يعطي توكيلا ضمنيا لمن يقومون بمهمة التصويت. وهذا لا شك احتيال على إرادة الشعوب وخرق لمعنى الديمقراطية نفسه والذي جاء به الأولون. ثم إن الضجة التي افتعلها ترامب وعدم اعترافه بنتيجة الانتخابات واعتبارها مزورة إلا إذا فاز هو، هي بمثابة الإسفين الأكبر في نعش الديمقراطية والتي أفصح عنها كثير من سياسيي ومفكري وصحفيي أمريكا نفسها بقولهم "إن ترامب قد أردى الديمقراطية قتيلا بتصرفاته". فهو فعليا يقول إن من يفوز بالانتخابات لا يعبر إلا عن إرادة من انتخبوه، وأن الانتخابات في النظام الديمقراطي لا تعبر عن إرادة الشعب كله. وبهذا يكون حقيقة قد وجه ضربة قاضية للفكر الديمقراطي على أعلى المستويات.


وهذا ما كنا دوما نؤكد عليه وهو أن الديمقراطية فكرة خيالية من أصلها، وليس لها واقع يمكن أن يتصوره العقل ويقر به ويصدقه. فالإرادة الجماعية التي تحدث عنها صاحب العقد الاجتماعي ليست حقيقة، فلا يوجد إرادة لمجموعة من الناس. من الممكن أن يتم توافق بين إرادتين أو أكثر وبصعوبة، ولكن أن تكون هناك إرادة واحدة تمثل المجموع فهذا ليس بواقع مطلقا، وبالتالي ما يبني عليه وما يتم تصوره إنما هو مجرد وهم. ولذلك كانت جميع المجالس واللجان المطلوب منها اتخاذ قرارات فردية حتى لا يتساوى عدد أصوات فريقين مختلفي القرار. وإلا لكان بعد التداول في أي قضية، ويتم التوافق على رأي، يعود هذا الرأي إلى كل فرد ثم يغير الفرد قراره ورأيه ويعيد العملية العقلية التي بموجبها يتم إنتاج الإرادة، لتصبح جميع الإرادات واحدة، وهذا أمر مستحيل، ولم يحصل أبدا ولن يحصل في ما يسمى النظام الديمقراطي. وكذلك في جميع أنظمة الحكم لا يتصور أن يصدر الرأي أو التشريع أو القرار عن المجموع، إنما يصدر عن صاحب الصلاحية بعد الوصول إلى رأي سواء بفكره وحده أو بفكره بعد التشاور مع أهل المشورة. وهذا ما جاء به نظام الإسلام حيث قال الله عز وجل: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّه﴾، أي إذا توصلت إلى قرار ورأي بعد المشورة فبإرادتك وحدك امض إلى ما تريد، وليس بإرادة كل من شاورت وأخذت منهم الرأي.


ثم الأهم من كل ذلك، أن الديمقراطية جعلت حق إصدار الحكم على الأشياء والأفعال والتصرفات للشعب. وقد بينا أن الشعب أصلا ليس له قرار تنصيب من يحكم باسمه أو حتى نيابة عنه، فهذه خرافة. ثم إن الذي يحكم ويصدر الأحكام من مجالس نيابية أو رؤساء ليس لهم الحق ولا حتى المقدرة في إصدار أي حكم على الأشياء أو الأفعال أو التصرفات. فإصدار الحكم على الشيء أو الفعل أو التصرف بأنه حسن أو قبيح، أو أنه يحسن فعله أم لا، وأن نتيجة استعمال القبيح كذا، ونتيجة الاستعمال الحسن كذا، وأن القيام بفعل حسن ينتج عنه شيء حسن، أو القيام بالفعل القبيح يترتب عليه أمور معينة... كل هذه الأحكام ليست من نطاق العملية العقلية مطلقا، وليس بمقدور العقل القيام بها سواء أكان عقلَ عبقري، أم عقل ترامب، وسواء أكان عقل ممثل لإرادة المجموع أو عقل ممثل لإرادة الفرد؛ وذلك لأن الحسن والقبح يعتمد على عوامل كثيرة ليس أقلها التغير مع الزمن، والتناغم أو التناقض مع الإحساس الغريزي، ودرجة الإحساس بالشيء أو الفعل الذي يراد الحكم عليه، والمعلومات المتوفرة عنه، ومن ثم الميول التي تحكم الشخص الذي يجب أن يصدر الحكم. لذلك كله فإن جعل مجال الحكم للحسن والقبح لعقل الإنسان مهما سما أو انحط لا بد أن ينتج هذا الحكم ظلما عند التطبيق سواء لمجموع الناس أم لبعضهم.


فالديمقراطية من هذا الوجه كذلك لا تصلح للإنسان، ولا تحقق العدل، وقد ثبت بما لا يقبل الشك أن الإنسان في حياته وعيشه يبحث دائما عن العدل في حياته، وأن لا يصيبه الظلم، كما ثبت بما لا يقبل الشك أن كل تشريع أو حكم يترك أمره لعقل الإنسان أو غريزته لا بد أن ينتج ظلما سواء آنيا أو لاحقا، سواء لجميع الناس أم لمجموعة منهم.


صحيح أن ترامب قد وضع الديمقراطية على حافة الهاوية، إلا أنه وبسبب غياب البديل الحالي، فإن أنظار الشعوب ومنها الأمريكي لا ترى إلا مخرجا واحدا من مأزقها، ويتمثل بمحاولة الإصلاح كيفما اتفق، أو انتخاب رئيس جديد، أو تغيير أعضاء البرلمان وهكذا... وكلها حلول لا تعدو أن تكون كمن يغير طعم الدواء دون أن يغير من مكوناته فلا يزداد إلا خسارا. ولا يختلف هذا الواقع عن واقع عبدة الأوثان والأصنام قديما، حيث كان الناس إذا ملوا صنما، أو ضاقت الدنيا بهم والصنم لم يحرك ساكنا ليخفف عنهم وطأة الضنك، كانوا يغيرون الصنم بصنم آخر، أو يبدلون طقوس تعظيم الصنم! ولم يزدادوا بذلك إلا خسارا.


ولم يزل الحال بالأمم كذلك إلى أن يأذن الله تعالى ببعث رسول منهم يزكيهم ويعلمهم الحكمة ويبين لهم سبيل الرشاد. فمن آمن بالله ورسله فقد اهتدى ومن ضل فإنما كان قد ضل عليها. وهكذا حال البشر اليوم؛ لن ينقذهم من أوهام الجهل، وظلمات الديمقراطية وربيبتها الرأسمالية، إلا بعث من الله عز وجل، ورسالة ربانية يستبين البشر من خلالها سبيل الرشاد وينبذون سبيل الغي والضلال. وليس هذا البعث برسول جديد، إنما هو بعث الرسالة التي أودعها الله تعالى وأناطها بأمة الإسلام والتي جعلها أمة وسطا لتكون شاهدة على البشرية، قوامة على حالها وعيشها، ضامنة للعدل فيها، ومانعة لكل أنواع الظلم.


﴿الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾

 


كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. محمد جيلاني

 

آخر تعديل علىالجمعة, 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2020

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع