- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
طالبان والاتفاق على تمكين أمريكا من الانسحاب الآمن من أفغانستان
الخبر:
نشرت الصحف العالمية خبر التوصل إلى اتفاق بين أمريكا وطالبان يتم بمقتضاه سحب القوات العسكرية الأمريكية من أفغانستان مع نهاية شهر آب/أغسطس 2021. وقد قامت حركة طالبان بالسيطرة على أكثر المناطق التي كانت تحت سيطرة القوات الأمريكية المنسحبة.
التعليق:
لا شك أن خروج الاحتلال العسكري من أي أرض إسلامية محتلة هو خير كبير ونصر عزيز. خاصة وأن وجود الاحتلال يشكل عائقا كبيرا أمام نهضة البلاد المحتلة وتقدمها نحو استعادة مجدها وسيادة الشرع على أراضيها واستئناف الحياة الإسلامية فيها وقيام خلافتها.
ومع ذلك فإنه لا يمكن لنا أن نغض الطرف عن الواقع السياسي المترتب على الانسحاب العسكري خاصة وأنه جرى بعد مفاوضات طويلة بين أمريكا وطالبان. وقد علمنا التاريخ المعاصر كيف أن المستعمر العسكري الإنجليزي والفرنسي كان إذا خرج عسكريا من الباب عاد بنفوذه السياسي والمالي من النوافذ من خلال عملاء وأتباع رضعوا من لبن الاستعمار واستمرأوا التربع على العروش التي صنعها المستعمر.
وقد تعلمنا من سيرة الرسول ﷺ أن التفاوض مع الخصم لا يكون إلا تفاوض ندّيْن وليس تفاوض الضعيف مع القوي المخادع. فرسول الله ﷺ بعد حروب عدة مع كفار مكة وحين أصبح من الناحية العسكرية والسياسية نداً قويا لقريش لم يضره التفاوض معها في صلح الحديبية. أما حين كان مستضعفا هو وصحبه في مكة فقد أبى الدخول في أي مفاوضات مع المشركين وكان يقول: «يَا عَمِّ، لَوْ وَضَعُوا الشَّمْسَ فِي يَمِينِي وَالْقَمَرَ فِي شِمَالِي عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الْأَمْرَ، حَتَّى يُظْهِرَهُ اللَّهُ أَوْ أَهْلِكَ فِيهِ، مَا تَرَكْتُهُ» وكان يوم الحديبية يقول: «وَاللَّهِ إِنِّي لَا أَزَالُ أُجَاهِدُهُمْ عَلَى الَّذِي بَعَثَنِي اللَّهُ لَهُ حَتَّى يُظْهِرَهُ اللَّهُ لَهُ أَوْ تَنْفَرِدَ هَذِهِ السَّالِفَةُ».
ولكن الأمر اليوم مختلف. فطالبان دخلت في مفاوضات مع أمريكا وتعهدت فيما ظهر على العلن على القيام بمهام تمكن من إنشاء وضمان أمن خط أنابيب الغاز من تركمانستان والذي يمر عبر أفغانستان ومن ثم إلى باكستان والهند وسواحل المحيط الهندي. فقد صرح سهيل شاهين وهو أحد مفاوضي طالبان في قطر بأن طالبان تتعهد بعدم تعريض خط أنابيب الغاز إلى أي هجوم، بل وأكثر من ذلك تتعهد بضمان أمن خط أنابيب الغاز بالاضافة إلى خطوط الضغط العالي الكهربائية من تركمانستان إلى أفغانستان وباكستان. وجدير بالذكر أن تركمانستان لديها ربع احتياطي العالم من الغاز الطبيعي. وكانت طالبان قد دخلت في مفاوضات مع شركة يونيكول الأمريكية المختصة بالنفط والغاز قبيل أحداث الحادي عشر من أيلول 2001. وقد ورد في تقرير نشرته صحيفة يوريسيا نت الإلكترونية أن أمريكا عملت وسيطا في المفاوضات بين طالبان وتركمانستان.
لا شك أن أمريكا كانت تسعى للخروج العسكري من أفغانستان. فالحرب حين تطول وتستمر كحرب عصابات متفرقة تكون مرهقة حتى للدول الكبرى. فأمريكا عانت في السابق من حربها في فيتنام وسعت حثيثا لإنهاء الحرب، وعقدت صفقة مع الصين لتمكنها من الانسحاب من فيتنام وتمكينها من بسط نفوذ سياسي هناك. وها هي تحاول الانسحاب من العراق وتبقي نفوذها السياسي والمالي فيها. وكانت على وشك الانسحاب من أفغانستان كما ورد على لسان بايدن بأن أمريكا تريد أن تستعد وتتفرغ لمواجهة أعداء حقيقيين كالصين. وكان أولى بطالبان أن تستذكر أن النصر صبر ساعة وأن الله لا بد ناصر من ينصره، وأن الفهم السياسي الدقيق يؤكد أن أمريكا ليس من مصلحتها الاستمرار في حرب لا يبدو من طولها واستمرارها أي مصلحة غير حفظ ماء الوجه. فكانت المفاوضات والاتفاق النهائي مخرجا لأمريكا يرفع أسهم حكومتها في الداخل، ويجنبها تمريغ أنفها بوحل الخزي جراء انسحاب من طرف واحد. لقد كان الأولى أن يستمر الكفاح ضد الاحتلال ليخرج منهزما مكسور الشوكة لا أن يخرج باتفاق ظاهره الهزيمة وباطنه استمرار النفوذ السياسي.
ثم إن الحديث اليوم يستمر علنا عن استمرار المفاوضات بين حكومة أفغاستان الحالية وطالبان لتقاسم الحكم والسيادة في أفغانستان ما يعني أن أفغانستان ستكون مزيجا من إسلام وكفر! وهو أمر يشيع الغمام في أجواء كانت تبشر بالفرح والسرور.
إن الواجب اليوم كما كان قبل أكثر من عشرين سنة حين أطاحت أمريكا بحكم طالبان، هو عدم القبول بأي حكم لا تكون السيادة المطلقة فيه لشرع الله، والخلافة على رأس هذا الأمر. فهي الفرض الذي جاءت به أحكام الإسلام في القرآن والسنة وإجماع الصحابة، وهي تاج الفروض، وهي عنوان عزة الأمة الإسلامية. ورسول الله ﷺ أبى أن يعتلي سدة الحكم أكثر من مرة حين كان الحكم ناقصا أو مجتزأ كما حصل مع بني شيبان وبني عامر بن صعصعة. فالحكم والسلطان ليسا فرصة تقتنص أيا كانت، ولا هي صفقة إن لم تظفر بها فاتك شيء كثير. فالحكم والسلطان في الإسلام منضبطان تماما بأحكام شرعية واضحة، لا يجوز التهاون فيها أو التنازل عنها بحجة الحصول عليهما، أو أن الظرف واتانا الآن. فرسول الله قد بين لبني شيبان أن اجتزاء سلطان الإسلام ولو بشيء بسيط حتى لو كان مرحليا كما يقول البعض لا يصح ولا يمكن قبوله حين قال ﷺ: «إِنَّ دِينَ اللَّهِ لَنْ يَنْصُرَهُ إِلا مَنْ أَحَاطَهُ مِنْ جَمِيعِ جَوَانِبِهِ».
ومرة أخرى نتوجه بالحديث للمخلصين من أبناء الأمة الإسلامية في أفغانستان وفي صفوف طالبان لكي ينفضوا أيديهم من أي اتفاق أبرموه مع أمريكا، وأن يستمروا في كفاحهم وجهادهم إلى أن يتمكنوا من حكم أفغانستان بالإسلام في ظل الخلافة على منهاج النبوة لتكون نواة لتوحيد بلاد المسلمين جميعا تحت راية واحدة، والحيلولة بين أمريكا وبين مجرد التفكير للعودة لاحتلال أو الهيمنة على بلاد المسلمين.
﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. محمد جيلاني
#أفغانستان
Afghanistan#
Afganistan#