- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
التفكير من قلب مأساة الزلزال
الخبر:
زلزال كهرمان مرعش المدمر.
التعليق:
ماذا عسى المرء أن يقول أمام هول هذه الكارثة التي حلّت بأهلنا في تركيا وسوريا سوى إنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله.
المسلمون الخيرون تجاه هذه الكارثة صابرون ومحتسبون ومتبرعون وداعون وباكون ومتعاطفون... في ترجمة عملية لكثير من مقتضيات الإيمان، فجزاهم الله خيراً.
ومن الصعب على المرء تجاوز ردود الفعل العاطفية والتفكير في الأعمال اليومية الإغاثية العاجلة لتهوين المصاب الجلل. إلا أنه من الطبيعي ومن الضروري على الأمة الحية والعقلاء من الناس ومن يملك الإحساس بالمسؤولية، ولا أقول مرهفي الإحساس، بل من يحس بهذه المصائب تترى أن يفكّر. نعم، يفكر.
الهزات السياسية والكوارث والحروب... من طبيعتها أن تدفع الشعوب للتفكير في الأسباب والمسببات وطرق العلاج.
مرت على أمة الإسلام منذ عقود هزات عنيفة كثيرة؛ هدم الخلافة واغتصاب فلسطين والبوسنة وكوسوفو، وسجن حقيقي جماعي لشعب مسلم كامل (الأويغور)، وحرب صليبية حديثة، وحروب بينية، ومجاعات وفيضانات وزلازل، وغير ذلك...
فهل تجاوز التفكير الجمعي، إن صح التعبير، عقلية التمريض والخيام وصندوق التبرعات؟! في كل ذلك خير؛ كما قال ﷺ: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ»، ولكن الحديث هنا عن طريقة منتجة للتفكير تحل المشاكل بشكل جذري من خلال الفكرة الإسلامية المبدئية.
فمثلاً، في كارثة زلزال تركيا وسوريا، لا تكفي المبادرات الفردية لجمع التبرعات من هنا وهناك، بل في حال عدم وجود المال الكافي للتعامل مع الكارثة يجب جمع المال من أغنياء المسلمين في الحال، دون إبطاء، للإنفاق على جهود الإغاثة. والوجوب مأخوذ من أدلة إغاثة الملهوف، ووجوب رفع الضرر عن المسلمين. وأخذ الضريبة تتبع فيه الدولة الأحكام الشرعية (ممن تؤخذ، وقدر الحاجة ومدتها).
كما أنه في مثل هذا المستوى من الكوارث يجب أن تُستنفر الجهود وتوجه موارد الأمة اللازمة للتعامل مع الحدث. وأقول موارد الأمة كل الأمة الإسلامية، من فرق إسعاف ومستشفيات ميدانية ووحدات عسكرية متخصصة ومعدات وآليات وحفارات... لا أن تكون الآليات مشغولة ببناء الملاعب والمشاريع الترفيهية!
ثم، ماذا عن الحدود التي حالت دون إنقاذ المئات وربما الآلاف من المسلمين في الشمال السوري من تحت الأنقاض الخرسانية؟!
التفكير المنتج الصحيح يجب أن يضع إصبعه على الجرح ويصل مباشرة إلى قناعة أن هذه الحدود ملعونة ملعونة ملعونة، مثلما هي منظمة الأمم المتحدة ومجلس رعبها المسمى مجلس الأمن! فحتّى متى تتوجه الأنظار إلى هذه المنظمة العدوة للإسلام والمسلمين وطلب العون منها؟!
التفكير المنتج الصحيح يجب أن ينطلق من الإسلام بوصفه مبدأ ونظاماً جاء بمعالجات عملية وواقعية، وليس فقط مواعظ ومبادرات فردية تعتمد في إنفاذها على تقوى الفرد، إن شاء فعل وإن شاء اكتفى بالمشاهدة والتعاطف!
في الإسلام دولة وحكم مسؤول. وإليكم هذا المثال من عصر أئمة الهدى وسادات البشر من بعد الأنبياء والرسل:
في عام الرمادة، كتب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى ولاته؛ عمرو بن العاص بمصر، وسعد بن أبي وقاص بالكوفة، وأبي موسى الأشعري بالبصرة، ومعاوية بن أبي سفيان بالشام، يطلب منهم أن يمدّوه بالأطعمة والأكسية. فبعث عمرو في البر 1000 بعيرٍ تحمل الدَّقيق، وبعث في البحر 20 سفينة تحمل الدَّقيق، والدُّهن، وبعث إِليه 5000 كساء. وبعث معاوية 3000 بعيرٍ تحمل طعاماً. ووصلت من العراق 1000 بعير تحمل دقيقاً. وقدم عليه أبو عبيدة بن الجرَّاح في 4000 راحلةٍ من طعام.
هكذا هي الأمة الإسلامية حينما تكون في جماعة سياسية موحدة تحت سلطة خليفة، وهذا هو ما يريده منها الله عز وجل.
ولكم أن تتصوروا، من وسط كارثة الزلزال، يخرج نداء خليفة المسلمين مجلجلاً أن يا أمة الإسلام الغوث الغوث! يا والي العراق، يا والي الخليج، يا والي المغرب، يا والي إندونيسيا، يا والي مصر... المدد المدد! فتتقاطر على المناطق المنكوبة فرق الإنقاذ والمساعدات من كل حدب وصوب، وجوباً وليس فقط تطوعاً.
في النهاية أقول، ستمر كارثة زلزال تركيا وسوريا وستبقى ذكراها الأليمة، ولكن هل سنبقى أسرى تفكير التسول من أرباب النظام الدولي، وأسرى التفكير داخل سجن الدولة الوطنية؟!
على الأقل تمتموا بالكفر بهم، فهم بكل تأكيد سبب مباشر في الشلل والعجز عن الحركة المنتجة.
تقبل اللهم قتلى الزلزال شهداء بفضلك وكرمك، والطف بحال أهلنا في تركيا وسوريا، وارزقهم الصبر الجميل، وعليك اللهم بمن خذلهم من الحكام المجرمين.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
م. أسامة الثويني – دائرة الإعلام/ ولاية الكويت