- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
خبير في صندوق النقد الدولي يحذّر الاتحاد الأوروبي من "التجزئة الجيواقتصادية"
(مترجم)
الخبر:
تقول جيتا جوبيناث، النائب الأول للمدير العام لصندوق النقد الدولي، والتي تعتبر واحدة من أكثر الباحثين تأثيراً في الاقتصاد الكلي الدولي: "إن التجزئة الاقتصادية الجيواقتصادية أصبحت حقيقية على نحو متزايد".
وفي حديثها إلى يورونيوز، أشارت إلى "تجزئة" التجارة العالمية وسط الحرب في أوكرانيا. ووفقاً للخبيرة، فقد غيّرت الحرب في أوكرانيا التجارة العالمية، والاتحاد الأوروبي في وضع ضعيف.
وأشارت الخبيرة بالقول: "دعونا نتخيل أن جميع البلدان، على سبيل المثال، تمّ تقسيمها إلى كتلتين وأنه لم يكن هناك أي تجارة فيما بينها. لقد وضعنا نموذجاً لما سيكون عليه تأثير ذلك: سيؤدّي إلى انخفاض في الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنحو 7٪. هذا رقم كبير للغاية، وهذا يعني خسارة اقتصاد اليابان وألمانيا".
ويعتقد صندوق النقد الدولي أنه بالإضافة إلى تعزيز السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي، يمكن تأمين الكتلة المكونة من 27 دولة من خلال دعم نظام تجاري متعدّد الأطراف قائم على القواعد. (يورو نيوز)
التعليق:
يُعد صندوق النقد الدولي، الذي تمّ تشكيله مع البنك الدولي نتيجة لمؤتمر بريتون وودز، إحدى الأدوات لتعزيز والحفاظ على المكانة الرائدة للولايات المتحدة في الساحة السياسية العالمية. ولذلك فإن هذه الحجج التي ساقتها نائبة رئيس صندوق النقد الدولي حول خطر "التجزئة الجيواقتصادية" ينبغي النظر إليها في إطار الصراع الجيوسياسي، أي كتحذير للمنافسين الأوروبيين بالامتناع عن السياسات التي تتعارض مع مصالح وهيمنة أمريكا.
أجل، إن الحرب المشتعلة على الحدود الشرقية للاتحاد الأوروبي تتسبب في إلحاق أضرار جسيمة بمصالحه الاقتصادية، وهو ما لا تحتاج إلى أن تكون خبيراً لكي تفهمه. ومع ذلك، فإن هذا الضرر لا يرتبط فقط بالخسائر التجارية، وذلك بسبب خسارة الشركات الأوروبية لسوق روسية كبيرة وعبورها البري إلى الأسواق الآسيوية، وهو ما لا تستطيع السوق الداخلية للاتحاد الأوروبي تعويضه.
أدت العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا، والتي فُرضت بعد غزوها الواسع لأوكرانيا في 24 شباط/فبراير 2022، إلى الحدّ من وصول الاتحاد الأوروبي إلى المصادر الروسية للمواد الخام اللازمة للصناعة والطاقة. على سبيل المثال، بعد إغلاق خطوط أنابيب الغاز البرية وانفجار خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2 الممتد على طول قاع بحر البلطيق، انخفض حجم إمدادات الغاز الطبيعي من روسيا إلى أوروبا بأكثر من النصف مقارنة بعام 2021.
بدأت الدول الصناعية في الاتحاد الأوروبي، خاصةً مثل ألمانيا وفرنسا، تعاني من نقص حاد في موارد الطاقة، ما أثر بشكل كبير على القدرة التنافسية للمنتجين الأوروبيين.
وكبديل، عرضت الولايات المتحدة على الشركات الأوروبية الغاز الطبيعي المسال، ولكن بسعر أعلى عدة مرات من سعر المستهلك في الولايات المتحدة نفسها. بالإضافة إلى ذلك، وفي إطار قانون خفض التضخم الذي تمّ اعتماده بحجة الاهتمام بالبيئة في آب/أغسطس 2022، خصصت إدارة بايدن 370 مليار دولار كإعانات للمصنعين الأمريكيين. وأثارت هذه الإجراءات انتقادات حادة في الاتحاد الأوروبي واتهامات بالحمائية الأمريكية.
وخلال زيارته للولايات المتحدة في كانون الأول/ديسمبر 2022، وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هذه الإعانات بأنها "عدوانية للغاية" يمكن أن تسبب شقاقا بين الدول الغربية. ورغم الضمانات المتبادلة لبايدن وماكرون بالحفاظ على الشراكة، وعلى خلفية الحرب في أوكرانيا، وحتى العلاقات الحليفة، فشل الرئيس الفرنسي في تحقيق أي تنازلات. وفي مقابلة مع شركة التلفزيون والإذاعة الأمريكية سي بي إس، قال إن هناك "عدم تزامن" في العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا وسط مشاكل في قطاع الطاقة.
تجلى الصراع الاقتصادي الأمريكي الأوروبي المشتعل بشكل علني في المجال السياسي. على سبيل المثال، خلال زيارته للصين، قال ماكرون إن باريس لها موقف سيادي في تايوان ولن تتبع الولايات المتحدة بشكل أعمى في السياسة الخارجية.
بعد ذلك، أثناء زيارته لهولندا، ورداً على انتقادات لمسيرته المناهضة للولايات المتحدة، قال ماكرون إن فرنسا "تؤيد الوضع الراهن فيما يتعلق بتايوان، وتدعم سياسة صين واحدة وتسوية سلمية". وأشار إلى أن هذا الموقف "يتوافق مع مكانة الحليف"، لكنه لا يعني أن تكون "تابعاً" للولايات المتحدة.
وتشهد كلمات ماكرون أيضاً على شدة الصراع الجيوسياسي الأمريكي الأوروبي، حيث قال: "فرنسا لا تتعلم الدروس من أحد"، وأضاف، في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيسة وزراء هولندا، "لا على الأراضي الأوكرانية ولا في منطقة الساحل".
ظلت معظم بلدان منطقة الساحل الأفريقي تحت الحماية الفرنسية حتى بعد إنهاء الاستعمار. إن الاستغلال الكامل لمواردهم يضمن القوة الاقتصادية لفرنسا. والآن، بخسارة وجودها فيها، كما حدث على سبيل المثال في النيجر، التي وفّرت الوقود لأكثر من ثلث محطات الطاقة النووية الفرنسية، فإن فرنسا تخسر ليس فقط إمكاناتها الاقتصادية، بل وأيضاً نفوذها الجيوسياسي.
ومن خلال ربط الحرب الروسية الأوكرانية بالصراعات المسلحة في المستعمرات الفرنسية السابقة، يشير ماكرون إلى أنها كلها موجهة ضد المصالح الفرنسية، وبالتالي المصالح الأوروبية. لذلك، بدأ في الترويج بنشاط لمفهوم "الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي"، معلناً: "يجب على أوروبا أن تناضل من أجل الاستقلال الاستراتيجي، لا نريد الاعتماد على الآخرين في القضايا الحاسمة".
إن ما يسميه ماكرون "الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي" ويسميه ممثل صندوق النقد الدولي "التجزئة الجيواقتصادية" هو في الأساس تحدٍّ أوروبي للهيمنة الأمريكية. توقعت جيتا جوبيناث انكماشاً بنسبة 7٪ في الناتج المحلي الإجمالي العالمي وتهديد الاتحاد الأوروبي بأكبر قدر من الضعف، وتحذّره من خطط التفكك الاقتصادي. وفي الوقت نفسه، تَعِد الاتحاد الأوروبي بالأمن والاستثمار السخي إذا ظلّ الاتحاد الأوروبي ملتزماً بالسوق الموحدة، باتباع القواعد، ضمن النظام العالمي القائم.
هذا هو الواقع الكئيب للرأسمالية التي يطبقها الغرب، والتي لا تعترف بأي معيار آخر لقيمة أي عمل سوى الربح. إن الأزمات الاقتصادية والسياسية والكوارث البيئية والكوارث التي من صنع الإنسان والإبادة الجماعية والحروب الإجرامية لن تتوقف طالما استمرت الرأسمالية في السيطرة على البشرية. ولن يتخلص العالم من شرها إلاّ بعد قيام الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة ودخولها إلى الساحة السياسية الدولية، التي ستقوم بنصرة الحق ومحاربة الظالمين.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
مصطفى أمين
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في أوكرانيا