- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
75 عاما على القانون الأساسي في ألمانيا
الخبر:
عبر احتفال رسمي بين مبنى الرايخستاغ وديوان المستشارية احتفل قادة الدولة والمجتمع في ألمانيا يوم الخميس (23 أيار/مايو 2024) بمرور 75 عاما على دخول القانون الأساسي (الدستور الألماني) حيز التنفيذ. ويصادف يوم 23 أيار/مايو 1949 أيضا تاريخ تأسيس جمهورية ألمانيا الاتحادية (دويتشه فيلله DW)
التعليق:
تعتبر ألمانيا نفسها أنها دولة القانون، وأنه لا يحق لأحد تجاوز القانون، وهذا ما تضمنه القانون الأساسي الألماني الذي تحتفل به الهيئات العامة والشعب في هذه الأيام. وحسب ما قاله رئيس المحكمة الدستورية الاتحادية الألمانية أندرياس فوسكوله: إنه "سلاحنا في كل الأزمات الراهنة التي يشهدها العالم".
لا بد هنا من القول من باب الإنصاف أن المواد التي نص عليه القانون الأساسي هي مواد تستحق النظر وهي من الناحية القانونية رصينة وتهدف إلى الحفاظ على الدولة وتعتبر أن الشعب هو مصدر السلطات. وبغض النظر عن التفاصيل وعن الفجوات والثغرات التي تكون طبيعية في أي عمل إنساني وضعي، فإن الحكم على قوة القانون هو التطبيق العملي وليس التنظير.
القانون الأساسي أو الدستور يتكون من أحد عشر فصلا وتحتوي 146 مادة بتفاصيل وتفريعات قانونية بعضها سهل الفهم وبعضها يحتاج إلى تفسير، ومن مواده ما هو قابل للتأويل وحمّال أوجه من الناحية القانونية، ولهذا كانت الرقابة على القانون الأساسي من مهام المحكمة الدستورية العليا التي تتكون من 16 قاضيا يتم انتخاب ثمانية منهم عن طريق مجلس النواب (بوندس تاغ) بينما ينتخب البقية عن طريق مجلس الولايات (بوندس رات). وهذه الهيئة هي الوحيدة المخولة في تفسير أو البت في الخلافات الدستورية. نقول إن الفيصل في موضوع القانون سواء أكان قانونا أساسيا أو فرعيا هو تطبيقه.
ولنتأمل في هذا الصدد ما روي أنَّ امْرَأَةً سَرَقَتْ في عَهْدِ رَسولِ اللَّهِ ﷺ في غَزْوَةِ الفَتْحِ، فَفَزِعَ قَوْمُها إلى أُسامَةَ بنِ زَيْدٍ يَسْتَشْفِعُونَهُ، قالَ عُرْوَةُ: فَلَمَّا كَلَّمَهُ أُسامَةُ فيها، تَلَوَّنَ وجْهُ رَسولِ اللَّهِ ﷺ، فقالَ: أتُكَلِّمُنِي في حَدٍّ مِن حُدُودِ اللَّهِ؟! قالَ أُسامَةُ: اسْتَغْفِرْ لي يا رَسولَ اللَّهِ، فَلَمَّا كانَ العَشِيُّ قامَ رَسولُ اللَّهِ خَطِيباً، فأثْنَى علَى اللَّهِ بما هو أهْلُهُ، ثُمَّ قالَ: «أمَّا بَعْدُ؛ فإنَّما أهْلَكَ النَّاسَ قَبْلَكُمْ أنَّهُمْ كانُوا إذا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وإذا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أقامُوا عليه الحَدَّ، والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لو أنَّ فاطِمَةَ بنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ، لَقَطَعْتُ يَدَها». ثُمَّ أمَرَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ بتِلْكَ المَرْأَةِ، فَقُطِعَتْ يَدُها، فَحَسُنَتْ تَوْبَتُها بَعْدَ ذلكَ وتَزَوَّجَتْ. قالَتْ عائِشَةُ: فَكانَتْ تَأْتي بَعْدَ ذلكَ فأرْفَعُ حاجَتَها إلى رَسولِ اللَّهِ ﷺ. (صحيح البخاري)
في خضم الأحداث الجارية والمجازر التي ترتكبها عصابات الإجرام في فلسطين تقف الحكومة الألمانية موقف المساند لكيان يهود دون قيد أو شرط، رغم كل الإثباتات التي تكشف عن جرائم الإبادة وجرائم الحرب في غزة وحديثا في رفح ورغم قرارات محكمة العدل الدولية وطلبها وقف العدوان على رفح، كل هذا لم يثن الحكومة الألمانية عن تصدير الأسلحة لكيان يهود، ولم يجرؤ عضو في الحكومة على إدانة الأعمال الوحشية في غزة، والأمر ينطبق أيضا على أحزاب المعارضة ما خلا الحزب الشيوعي اليساري وتنظيم سارا فاجنكنخت المنشق عن الحزب اليساري. فكل القوى السياسية في ألمانيا تضرب بمواد الدستور الأساسي الذي يضمن حقوق الإنسان عرض الحائط من أجل إرضاء كيان يهود، وتجعل العدالة وعدم القبول بالإبادة أو تكرار ما حصل وقت النازية، تجعله وراء ظهرها بحجة معاداة السامية. ومن المفارقات أن دولة يهود احتفلت السنة الماضية بذكرى 75 عاما على تأسيسها، والكل يعلم أن تأسيسها كان بدفع اليهود للهجرة من أوروبا وعلى وجه الخصوص من ألمانيا إلى فلسطين، وهم بذلك شركاء في معاناة الفلسطينيين من قتل وتهجير وسجن واغتصاب الأرض والتنكيل بأصحابها في معسكرات تشابه ما فعله النازيون.
من هنا نعرف أن ما يسمى بالقانون عندهم ليس أكثر من حبر على ورق يفخرون به، ولكنهم يتحايلون في تطبيقه حسبما تكون مصالحهم ويتلاعبون به لتحقيق أهدافهم التي تكون في الغالب على حساب الشعوب المستضعفة. ولو كان الأمر كما قال رئيس المحكمة الدستورية أندرياس فوسكوله: إنه "سلاحنا في كل الأزمات الراهنة التي يشهدها العالم" لأصبح عليهم لزاما أن يقفوا في وجه الإبادة الوحشية في فلسطين بقوة القانون الأساسي الذي ينص في المادة 26: "كل فعل يهدف ويتخذ بقصد إلى تهديد التعايش السلمي بين الشعوب، وبالأخص تلك الأفعال التي تهدف إلى التحضير لشن حرب هجومية تكون مخالفة للدستور، يجب فرض العقوبة عليها". وكذلك المادة 96 التي تنص على أنه: "يُمكن لقانون اتحادي يُوافق عليه المجلس الاتحادي، أن يرتئي للمحاكم التابعة للولايات أن تمارس المجريات القضائية الخاصة بالاتحاد في المجالات التالية:
1- الإبادة الجماعية للشعوب
2- الجرائم ضد الإنسانية الخارقة للقوانين الدولية
3- جرائم الحرب
4- أية أفعال أخرى من شأنها، أو تمت بهدف، الإخلال بالتعايش السلمي بين الشعوب (مادة 26 فقرة (1)".
فحري بدولة القانون التي تحتفي وتحتفل بقانونها الأساسي أن تقف الوقفة القانونية وأن تدين الأعمال الوحشية وتمنع تصدير الأسلحة لكيان يهود وهي تعلم أنه يستخدمها في عملية إبادة جماعية وجرائم خارقة للقوانين الدولية بشهادة محكمتهم الدولية نفسها.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
م. يوسف سلامة