- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
تونس تعطش لكي تؤمن غذاء الأوروبيين!
الخبر:
أوردت إذاعة صبرة إف إم أن العديد من أهالي منطقة المعمرية من عمادة صيادة الشمالية بالعلا من ولاية القيروان - التونسية - ناشدو رئيس الجمهورية بضرورة التدخل العاجل بسبب أزمة العطش التي يعيشونها ما أجبرهم على التزود من غدير مليء بالضفادع والزواحف ما تسبب في إصابة عدد من الأهالي بمرض بوصفير.
التعليق:
تعيش تونس معضلة عطش غير مسبوقة بسبب الجفاف، وقد تزايد أثرها على خلفية التحركات المنادية بالحق في الماء، والتي امتدت تقريباً إلى مناطق البلاد كافة لتزعزع السلم المجتمعي ـ تزامنا مع الانقطاعات المتكررة للماء في كافة مناطق البلاد ولساعات عديدة.
تذهب الحصة الكبرى من المياه في تونس للقطاعات الاقتصادية في حين يقطع الأهالي يومياً عشرات الكيلومترات من أجل ليترات قليلة من الماء لإطفاء الظمأ وتوفير حاجاتهم اليومية، في وقت تعاني فيه البلاد أزمة جفاف حادة نتيجة التغيرات المناخية.
يعتبر الحق في الماء أساسياً نص عليه الدستور في فصله الـ 48، وصادقت عليه تونس في كثير من المواثيق والمعاهدات الدولية، ومع ذلك لا يزال أكثر من 650 ألف فرد في تونس محرومين من المياه في منازلهم، بحسب تقرير المقرر الأممي الخاص بالحق في الماء والصرف لتونس بعد زيارة قام بها عام 2023، ولا تزال التجمعات السكنية في المناطق الريفية المعزولة تفتقر إلى هذا المورد الحياتي الأساس، إذ يعتمد السكان على المياه المتأتية من المستنقعات والأودية والبرك لتوفير حاجاتهم من الماء ما ينتج عنه أخطاراً عدة تهدد صحتهم.
ومن مظاهر الشح المائي الذي تعيشه تونس منذ أعوام والذي أصبح أكثر حدة في الوقت الحالي افتقار 12 في المئة من مجموع المؤسسات التربوية إلى الماء، بينما تتزود 834 مدرسة عبر الجمعيات المائية التي تعاني بدورها إشكالات مادية وهيكلية تتسبب في انقطاعات متكررة. كما تفتقر 128 مدرسة ابتدائية إلى الوحدات الصحية، يتركز 74 منها في محافظات الوسط الغربي، وقد أدى غياب الماء إلى بروز تداعيات وخيمة على صحة التلاميذ مع انتشار مرض التهاب الكبد الفيروسي، كما أثر سلباً في تحصيلهم العلمي وتفاقم ظاهرة الانقطاع المدرسي.
وعلى الصعيد المجتمعي أيضاً، وبحسب إحصاءات قدمها المنتدى التونسي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، فقد عرف عام 2023 تزايداً في عدد التحركات الاحتجاجية المطالبة بالماء لتصل إلى 397 من مجموع 463 تحركاً بيئياً.
وقد اعتبر العديد من الخبراء عن مرصد المياه أن سياسة الدولة تعمق الفقر المائي، والمُلاحظ أنّ هناك تفاوتاً جهويّا بين الإنتاج والاستهلاك، حيث تتركّز 57% من الطاقة الاستيعابية للسدود بالشمال التونسي الّذي يمثّل عدد متساكنيه 14% من إجمالي عدد متساكني تونس، فيما تتركّز الأنشطة الأكثر استهلاكاً للمياه، مثل السياحة والصناعة والزراعات السقوية، في المناطق الساحليّة التي يمثّل عدد سكّانها 21% من مجموع عدد السكّان، فيما تفتقر إلى منابع المياه السطحية والجوفيّة، على عكس الشمال، الّذي يضمّ أحد أكبر السدود في المنطقة، وهو سدّ سيدي سالم.
يبلغ عدد السدود في تونس 36 سداً بطاقة استيعاب إجماليّة تصل إلى 31% فقط. سدّ سيدي سالم في ولاية باجة بالشمال التونسي، هو أحد أكبر السدود الّتي تزوّد العاصمة ومدن الوطن القبلي بمياه الشرب، تفوق طاقة استيعابه 580 مليون متر مكعّب. ومع أزمة الجفاف، بلغ 17% فقط من طاقة استيعابه التي قدّرتها وزارة الفلاحة بـ96.9 مليون متر مكعّب.
وقد أكد العديد من الخبراء والمهندسين الفلاحيين أن "مستثمرين تونسيين وأجانب يستفيدون من إنتاج زراعة الطماطم الكرزية والبطاطا والفلفل والبطيخ في الجنوب التونسي بطرق لا تحترم تداعيات التغيرات المناخية، وتقوم باستنزاف الموارد المائية الجوفية". وأن "أحد المشاريع الكبرى في محافظة قابس، جنوب شرقي تونس، والذي يملكه مستثمر أوروبي مع شريك تونسي، أعطي ترخيصاً باستغلال بئر واحدة والاعتماد على تقنية تحلية ماء البحر"، إلا أنه قد "قام المستثمران للأسف بحفر آبار أخرى عدة بسبب الشح المائي والجفاف"، و"هذا الأمر يتسبب في استنزاف الموارد الجوفية للمنطقة في وقت نعيش فيه جفافا حاداً ويعاني السكان هنا انقطاعاً متواصلاً لمياه الشرب".
وفي سياق آخر فإن هذه المشاريع الموجهة أساساً للتصدير يملكها مستثمرون أجانب ولا تدر على المنطقة كثيراً من المنافع، والمستفيد الوحيد هو المستثمر والإنسان الأوروبي الذي سيتناول هذه الثمرة الطازجة. كما أن القيمة التشغيلية لهذه المشاريع ضعيفة جداً وتستغل من خلالها اليد العاملة التي تعتبر رخيصة مقارنة بالبلدان الأوروبية، كما أن التشغيل يكون موسمياً وغير مستدام.
وبسبب الشح المائي فقد كشف المنتدى التونسي للحريات الاقتصادية والاجتماعية أن معدل استغلال الموارد الباطنية ارتفع 14 في المئة بين عامي 2017 و2020، وتفاقمت ظاهرة حفر الآبار العشوائية بشكل ملحوظ ليصل عددها إلى 21 ألف بئر متجاوزة بذلك الآبار القانونية، في ظل غياب الرقابة والردع.
من المعلوم بداهة أن الماء حقٌّ لكلِّ مسلم، فقد جعلت الشريعة الماء من الأشياء المشتركة بين المسلمين، التي يحرم أن يتملَّكها أحدٌ بما يُسبِّب ضرراً وحرماناً لغيره من المحتاجين، قال رسول الله ﷺ: «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلاَثٍ: الْمَاءِ، والكلأ، وَالنَّار».
فالمنهي عنه - كما هو الراجح من أقوال الفقهاء - هو الاستحواذ على ماء عامٍّ، أو على بئرٍ ثم مَنْع الناس من الانتفاع بها، ولأهمية هذا العنصر الحيوي جاء في حرمان الناس منه وعيد شديد - لا سيما في حال الحاجة - فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللهُ، وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلاَ يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِطَرِيقٍ يَمْنَعُ مِنْهُ ابْنَ السَّبِيلِ، وَرَجُلٌ بَايَعَ رَجُلاً لاَ يُبَايِعُهُ إِلاَّ لِلدُّنْيَا، فَإِنْ أَعْطَاهُ مَا يُرِيدُ وَفَى لَهُ، وَإِلاَّ لَمْ يَفِ لَهُ، وَرَجُلٌ سَاوَمَ رَجُلاً بِسِلْعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ، فَحَلَفَ بِاللهِ لَقَدْ أَعْطَى بِهَا كَذَا وَكَذَا فَأَخَذَهَا».
ولكن أنى لدول الجباية أن ترعى أهلها وذويها؟ وهل يمكن أن تُرجى رعاية من دولة تخلت عن أعظم نعمة وهي التشريع الإلهي الذي يحقق الرعاية والكفاية والرفاه واستبدلت به نظاما وضعيا رأسماليا سبب الشقاء والبؤس للبشرية وفرط في مقدراتها وخيراتها؟
إن الحل الجذري لمشاكل أهل تونس وغيرها من البلاد الإسلامية لا يكون إلا بخلع هؤلاء الحكام النواطير الذين ولوا نحو الكافر المستعمر فتبنوا حضارته وساروا على تشريعاته الوضعية شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى صرنا كالأيتام على مائدة اللئام، ولا يمكن لنا استرجاع عزنا ومجدنا وخيريتنا إلا باستئناف العيش بالإسلام وتشريعاته في ظل دولة تطبقه في الداخل وتحمله رسالة نور وضياء إلى العالم فتنقذ البشرية من ظلم وجور الرأسمالية إلى عدل الإسلام ورحمته.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
محمد علي بن سالم
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية تونس