- الموافق
- كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
( ح242 ) تشرف الدولة على الشؤون الزراعية والصناعية
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ، وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ، وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ، وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ، والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ، خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ، الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ، وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ، فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ، وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ، وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا: "بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ كِتَابِ نِظَامِ الِإسْلَامِ" وَمَعَ الحَلْقَةِ الثَّانِيَةِ والأَربَعِينَ بَعْدَ المِائَتَينِ، وَعُنوَانُهَا: "تُشْرِفُ الدَّولَةُ عَلَى الشُّؤُونِ الزِّرَاعِيَّةِ وَالصِّنَاعِيَّةِ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الثَّامِنَةِ وَالعِشْرِينَ بَعْدَ الـمِائَةِ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
المادة 159: تُشْرِفُ الدَّولَةُ عَلَى الشُّؤُونِ الزِّرَاعِيَّةِ وَمَحْصُوَلاتِـهَا وَفْقَ مَا تَتَطَلَّبُهُ السِّيَاسَةُ الزِّرَاعِيَّةِ الَّتِي تُحَقِّقُ استِغْلَالَ الأَرْضِ عَلَى أَعْلَى مُسْتَوىً مِنَ الإِنْتَاجِ.
المادة 160: تُشْرِفُ الدَّولَةُ عَلَى الشُّؤُونِ الصِّنَاعِيَّةِ بِرِمَّتِهَا، وَتَتَوَلَّى مُبَاشَرَة الصِّنَاعَاتِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِـمَا هُوَ دَاخِلٌ فِي الـمِلْكِيَّةِ العَامَّةِ.
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ، يَا أُمَّةَ القُرآنْ، يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ، يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ، يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبًّا، وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيًّا وَرَسُولًا، وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجًا وَدُستُورًا، وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَامًا لِلْحَياَة، أَيُّهَا الـمُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ، فَوقَ كُلِّ أَرضٍ، وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ، يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ، أَيُّهَا الـمُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ. أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ، وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا، وَهَاتَانِ هُمَا الْـمَادَّتَانِ: التَّاسِعَةُ وَالخَمْسُونَ بَعْدَ الـمِائَةِ، وَالسِّتُّونَ بَعْدَ الـمِائَةِ. وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَاتَينِ الـمَادَّتَينِ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:
أولا: المادة 159:دَلِيلُهَا قَولُهُr : «الإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». ( أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ عَنْ عَبدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ) ، وَالإِشْرَافُ عَلَى الشُّؤُونِ الزِّرَاعِيَّةِ عَامَّةً مِنْ رِعَايَةِ الشُّؤُونِ، لِذَلِكَ كَانَتْ مِمَّا تَجبُ رِعَايَتُهُ عَلَى الإِمَامِ، وَلَكِنَّ الدَّولَةَ لَا تُبَاشِرُ الشُّؤُونَ الزِّرَاعِيَّةَ، لِأَنَّ الرَّسُولَ تَرَكَهَا لِلمُسْلِمِينَ، فَقَالَ لَهُمْ فِي حَدِيثِ تَأْبِيرِ النَّخْلِ: «أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأُمُورِ دُنْيَاكُمْ»، ( رَوَاهُ مُسْلِمُ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها وَأَنَسٍ رضي الله عنه ) . وَرَوَاهُ ابْنُ حَزْمٍ فِي الإِحْكَامِ بِسَنَدِهِ وَصَحَّحَهُ عَنْ عَائِشَةَ وَأَنَسٍ بِلَفْظ: «أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأُمُورِ دُنْيَاكُمْ».
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ r مَرَّ بِقَوْمٍ يُلَقِّحُونَ، فَقَالَ: لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا لَصَلُحَ. قَالَ: فَخَرَجَ شِيصًا، فَمَرَّ بِهِمْ فَقَالَ: مَا لِنَخْلِكُمْ؟ قَالُوا: قُلْتَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ». وَفِي رِوَايَةٍ عِندَ أَحْمَدَ عَنْ أَنَسٍ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ r : «إِذَا كَانَ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِ دُنْيَاكُمْ فَأَنْتُمْ أَعْلَمُ بِهِ، فَإِذَا كَانَ مِنْ أَمْرِ دِينِكُمْ فَإِلَيَّ». مِـمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الدَّولَةَ لَا تُشْرِفُ إِشْرَافًا مُبَاشَرًا عَلَى الزِّرَاعَةِ وَلَا تَتَوَلَّاهَا، وَإِنَّمَا تُشْرِفُ إِشْرافًا عَامًّا بِتَنظِيمِ الـمُبَاحَاتِ بِأَسَالِيبَ تَخْتَارُهَا لِتَنْمِيَةِ الزِّرَاعَةِ، وَتَقْوِيَتِهَا، وَتَسْهِيلِ أُمُورِهَا، وَأَنْ تَرْسُمَ سِيَاسَةً زِرَاعِيَّةً تُؤَدِّي إِلَى رَفْعِ مُسْتَوى الإِنْتَاجِ.
ثانيا: المادة 160: هَذِهِ الـمَادَّةُ ذَاتُ شِقَّينِ: الأَوَّلُ: الإِشْرَافُ عَلَى الصِّنَاعَةِ كُلِّهَا، وَالثَّانِي: أَنْ تَتَوَلَّى الدَّوُلَةُ مُبَاشَرَةَ بَعْضِ الصِّنَاعَاتِ.
أحدهما: الشق الأول: أَمَّا الشِّقُّ الأَوَّلُ، وَهُوَ الإِشْرَافُ عَلَى الصِّنَاعَةِ كُلِّهَا فَدَلِيلُهُ أَنَّ الرَّسُولَ r قَدْ أَقَرَّ مِلْكِيَّةَ الأَفْرَادِ لِلمَصَانِعِ، كَمَصَانِعِ الأَحْذِيَةِ، وَالسُّيُوفِ، وَالثِّيَابِ، وَغَيرِهَا. وَ«أَنَّ النَّبِيَّ r اصْطَنَعَ خَاتَمًا». ( أَخرَجَهُ البُخَارِيُّ عَنْ عَبدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ) ، وَ«أَنَّهُ r اسْتَصْنَعَ المِنْبَرَ». ( أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ ) ، مِـمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الـمَصَانِعَ إِنَّـمَا يَتَوَلَّاهَا الأَفْرَادُ لَا الدَّولَةُ، فَهِيَ كَالزِّرَاعَةِ سَوَاءٌ بِسَوَاءٍ، وَلَكِنَّ الدَّولَةَ بِمَا أَوْجَبَهُ الشَّرعُ عَلَيهَا مِنْ رِعَايَةِ الشُّؤُونِ بِقَولِهِ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «الإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». ( أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ) ، فَإِنَّ عَلَيهَا أَنْ تُشْرِفَ إِشْرَافًا عَامًّا عَلَى الشُّؤُونِ الصِّنَاعِيَّةِ بِتَنْظِيمِ الـمُبَاحَاتِ بِأَسَالِيبَ تُسَاعِدُ عَلَى تَحْسِينِ الصِّنَاعَةِ، وَبِفَتْحِ أَسْوَاقٍ لَـهَا، وَبِتَوفِيرِ الـمَوَادِّ الخَامِّ، وَمَا شَاكَلَ ذَلِكَ.
وأما ثانيهما: الشق الثاني: وَهُوَ أَنْ تَتَوَلَّى الدَّوُلَةُ مُبَاشَرَةَ بَعْضِ الصِّنَاعَاتِ، فَإِنَّ دَلِيلَهُ القَاعِدَةُ الشَّرعِيَّةَ. ( يَأْخُذُ الـمَصْنَعُ حُكْمَ الـمَادَّةِ الَّتِي يُنْتِجُهَا ) الـمُسْتَنْبَطَةُ مِنْ حَدِيثِ الرَّسُولِ r عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ، وَشَارِبَهَا، وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا، وَمُبْتَاعَهَا، وَعَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ». ( أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ السَّكَن ) ، فَقَدْ حَرَّمَ الرَّسُولُ r صِنَاعَةَ عَصْرِ الخَمْرِ، لِأَنَّهَا صَنَعَتْ خَـمْرًا، مَعَ أَنَّ صِنَاعَةَ العَصْرِ مُبَاحَةٌ، فَأَخَذَ الـمَصْنَعُ حُكْمَ الـمَادَّةِ الَّتِي أَنْتَجَهَا، وَهَذَا عَامٌّ، وَبِنَاءً عَلَيهِ يَأْخُذُ الـمَصْنَعُ حُكْمَ الـمَادَّةِ الَّتِي يُنتِجُهَا، فَتَكُونُ الـمَصَانِعُ الَّتِي تُنْتِجُ مَا هُوَ دَاخِلٌ فِي الـمِلْكِيَّةِ العَامَّةِ مِلْكِيَّةً عَامَّةً، لِأَنَّهُ أَخَذَ حُكْمَ الـمَادَّةِ الَّتِي يُنْتِجُهَا، وَالـمِلْكِيَّةُ العَامَّةُ مِلْكٌ لِعَامَّةِ الـمُسْلِمِينَ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَخْتَصَّ فِيهَا فَرْدٌ أَوْ أَفْرَادٌ يَـمْنَعُ اخْتِصَاصُهُمْ تَـمْكِينَ غَيرِهِمْ مِنْ مِلْكِيَّتِهَا؛ وَمِنْ هُنَا كَانَ الخَلِيفَةُ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى هَذِهِ الـمَصَانِعَ وَيَـمْنَعُ الأَفْرَادَ مِنْ مِلْكِيَّتِهَا، لِأَنَّ مِلْكِيَّتَهُمْ لَـهَا تَـمْنَعُ غَيرَهُمْ مِنَ التَّمَكُّنِ مِنْ مِلْكِيَّتِهَا؛ وَلِـهَذَا كَانَتِ الدَّولَةُ هِيَ الَّتِي تَتَوَلَّى مُبَاشَرَةَ الـمَصَانِعِ الَّتِي هِيَ دَاخِلَةٌ فِي الـمِلْكِيَّةِ العَامَّةِ، مِثْلُ استِخْرَاجِ النِّفْطِ أَوِ استِخْرَاجِ الحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَمَا شَاكَلَهُ. غَيرَ أَنَّهَا تَجْعَلُ لَـهَا مَصْلَحَةً خَاصَّةً بِـهَا فِي وَارِدَاتِـهَا وَنَفَقَاتِهَا وَسَائِرِ شُؤُونِـهَا، وَتَضَعُ أَرْبَاحَهَا فِي بَيتِ الـمَالِ فِي بَابٍ خَاصٍّ بِـهَا؛ لِأَنَّـهَا لَيْسَتْ مِنْ مِلْكِيَّةِ الدَّولَةِ، بَلْ هِيَ مِنَ الـمِلْكِيَّةِ العَامَّةِ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.