- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم
إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي
(ح 39)
منهج الإسلام في سياسته الاقتصادية
الحَمْدُ للهِ الذِي شَرَعَ لِلنَّاسِ أحكَامَ الرَّشَاد, وَحَذَّرَهُم سُبُلَ الفَسَاد, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى خَيرِ هَاد, المَبعُوثِ رَحمَةً لِلعِبَاد, الَّذِي جَاهَدَ فِي اللهِ حَقَّ الجِهَادِ, وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الأَطهَارِ الأمجَاد, الَّذِينَ طبَّقُوا نِظَامَ الِإسلامِ فِي الحُكْمِ وَالاجتِمَاعِ وَالسِّيَاسَةِ وَالاقتِصَاد, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ يَومَ يَقُومُ الأَشْهَادُ يَومَ التَّنَاد, يَومَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العِبَادِ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا إِروَاءُ الصَّادِي مِنْ نَمِيرِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي, وَمَعَ الحَلْقَةِ التَّاسِعَةِ وَالثَّلاثِينَ, وَعُنوَانُهَا: "الهَدَفُ مِنْ سِيَاسَةِ الاقتِصَادِ فِي الإِسلامِ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي كِتَابِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي فِي الإِسلامِ (صَفحَة 62) لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
"وَمِنْ ذَلِكَ يَتَبَيَّنُ أنَّ الإِسلامَ لَمْ يَفْصِلِ الفَردَ عَنْ كَونِهِ إِنسَانًا، وَلَمْ يَفصِلْهُ كَإِنسَانٍ عَنْ فَردِيَّتهِ. وَلَمْ يَفصِلْ اعتِبَارَ مَا يَجِبُ أنْ يَكُونَ عَلَيهِ المُجتَمَعُ عَنْ ضَمَانِ إِشبَاعِ الحَاجَاتِ الأسَاسِيَّةِ لِكُلِّ فَردٍ، وَتَمكِينِهِ مِنْ إِشبَاعِ حَاجَاتِهِ الكَمَالِيَّةِ، بَلْ جَعَلَ إِشبَاعَ الحَاجَاتِ وَمَا يَجِبُ أنْ يَكُونَ عَلَيهِ المُجتَمَعُ أمرَينِ مُتَلازِمَينِ، لا يَنفَصِلُ أحَدُهُمَا عَنِ الآخَرِ، وَلَكِنْ بِحَيثُ يَجعَلُ مَا يَجِبُ أنْ يَكُونَ عَلَيهِ المُجتَمَعُ أسَاسًا لإِشبَاعِ الحَاجَاتِ.
وَمِنْ أجْلِ إِشبَاعِ جَمِيعِ الحَاجَاتِ الأسَاسِيَّةِ إِشبَاعًا كُلِّيًا, وَالتَّمكِينِ مِنْ إِشبَاعِ الحَاجَاتِ الكَمَالِيَّةِ، لا بُدَّ مِنْ أنْ تَتَوَفَّرَ المَادَّةُ الاقتِصَادِيَّةُ لَدَى النَّاسِ، حَتَّى يَتَمَكَّنوا مِنْ إِشبَاعِ الحَاجَاتِ، وَلا يَتأتَّى أنْ تَتَوَفَّرَ لَدَيهِمْ إِلاَّ إِذَا سَعَوا لِكَسْبِهَا، وَلِهَذَا حَثَّ الإِسلامُ عَلَى الكَسْبِ، وَعَلَى طَلَبِ الرِّزقِ، وَعَلَى السَّعْيِ، وَجَعَلَ السَّعيَ لِكَسْبِ الرِّزقِ فَرضًا عَلَى الرَّجُلِ، القَادِرِ عَلَى العَمَلِ، المُحتَاجِ لِلنَّفَقَةِ عَلَى نَفسِهِ، وَعَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيهِ إِعَالَتُهُ. قَالَ تَعَالَى: (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ). إِلاَّ أنَّهُ لَيسَ مَعنَى ذَلِكَ أنَّهُ تَدَخَّلَ فِي إِنتَاجِ الثَّروَةِ أو بَيَّنَ كَيفِيَّةَ زِيَادَةِ إِنتَاجِهَا، أو مِقدَارِ مَا يُنتَجُ، لأنَّهُ لا عَلاقَةَ لَهُ بِذَلِكَ. بَلْ هُوَ حَثَّ عَلَى العَمَلِ، وَعَلَى كَسْبِ المَالِ فَحَسْبُ.
وَقَد وَرَدَتْ أحَادِيثُ كَثِيرَةٌ تَحُثُّ عَلَى كَسْبِ المَالِ، وَفِي الحَدِيثِ: «أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ صَافَحَ سَعْدَ بنَ مُعَاذٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ فَإِذَا يَدَاهُ قَدِ اكتَبَتَا، فَسَألَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: أضْرِبُ بِالمَرِّ وَالمِسحَاةِ (أيْ بِالحَبْلِ وَالْمِجرَفَةِ) لأُنفِقَ عَلَى عِيَالِي. فَقبَّلَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ وَقَالَ: كَفَّانِ يُحِبُّهُمَا اللهُ تَعَالَى» ذَكَرَهُ السَّرخَسِيُّ فِي المَبسُوطِ.
وَرَوَى البُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ المِقدَامِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أنَّهُ قَالَ: «مَا أكَلَ أحَدٌ طَعَاماً قَطُّ خَيرًا مِنْ أنْ يَأكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ»، وَرُوِيَ أنَّ عُمَرَ مَرَّ بِقَومٍ مِنَ القُرَّاءِ فَرَآهُمْ جُلُوسًا قَدْ نَكَسُوا رُؤُوسَهُمْ، فَقَالَ: مَنْ هَؤُلاءِ؟ فَقِيلَ: هُمُ المُتَوَكِّلُونَ، فَقَالَ: كَلاَّ، وَلَكِنَّهُمُ المُتَأكِّلُونَ، يَأكُلُونَ أموَالَ النَّاسِ. ألا أُنَبِّئكُمْ مَنِ المُتَوَكِّلُونَ؟ فَقِيلَ: نَعَمْ. فَقَالَ: هُوَ الَّذِي يُلقِي الحَبَّ فِي الأرْضِ، ثُمَّ يَتَوَكَّلُ عَلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ. ذَكَرَهُ السَّرخَسِيُّ فِي المَبسُوطِ".
وَقَبلَ أَنْ نُوَدِّعَكُمْ أحبتنا الكِرَامَ نُذَكِّرُكُمْ بِأَبرَزِ الأفكَارِ التِي تَنَاوَلهَا مَوضُوعُنَا لِهَذَا اليَومِ:
- مَنهَجُ الإِسلامِ فِي سِيَاسَتِهِ الاقتِصَادِيَّةِ تَتَمَثَّلُ فِي النِّقَاطِ الخَمْسِ الآتِيَةِ:
أ- لَمْ يَفْصِلِ الإِسلامُ الفَردَ عَنْ كَونِهِ إِنسَانًا.
ب- وَلَمْ يَفصِلْهُ كَإِنسَانٍ عَنْ فَردِيَّتهِ.
ت- وَلَمْ يَفصِلْ الإِسلامُ اعتِبَارَ مَا يَجِبُ أنْ يَكُونَ عَلَيهِ المُجتَمَعُ عَنْ ضَمَانِ إِشبَاعِ الحَاجَاتِ الأسَاسِيَّةِ لِكُلِّ فَردٍ، وَتَمكِينِهِ مِنْ إِشبَاعِ حَاجَاتِهِ الكَمَالِيَّةِ.
ث- جَعَلَ الإِسلامُ إِشبَاعَ الحَاجَاتِ وَمَا يَجِبُ أنْ يَكُونَ عَلَيهِ المُجتَمَعُ أمرَينِ مُتَلازِمَينِ، لا يَنفَصِلُ أحَدُهُمَا عَنِ الآخَرِ.
ج- جَعَلَ الإِسلامُ مَا يَجِبُ أنْ يَكُونَ عَلَيهِ المُجتَمَعُ أسَاسًا لإِشبَاعِ الحَاجَاتِ.
2- مِنْ أجْلِ إِشبَاعِ جَمِيعِ الحَاجَاتِ الأسَاسِيَّةِ إِشبَاعًا كُلِّيًا, وَالتَّمكِينِ مِنْ إِشبَاعِ الحَاجَاتِ الكَمَالِيَّةِ، لا بُدَّ مِنْ أنْ تَتَوَفَّرَ المَادَّةُ الاقتِصَادِيَّةُ لَدَى النَّاسِ.
3- حَثَّ الإِسلامُ عَلَى الكَسْبِ، وَعَلَى طَلَبِ الرِّزقِ، وَعَلَى السَّعْيِ.
4- جَعَلَ الإِسلامُ السَّعيَ لِكَسْبِ الرِّزقِ فَرضًا عَلَى الرَّجُلِ، القَادِرِ عَلَى العَمَلِ، المُحتَاجِ لِلنَّفَقَةِ عَلَى نَفسِهِ، وَعَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيهِ إِعَالَتُهُ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الَمولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الراشدة على منهاج النبوة في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.