- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح233) تجبى الجزية من الذميين، وتؤخذ على الرجال البالغين،
ولا تؤخذ على النساء ولا على الأولاد
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ، وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ، وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ، وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ، والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ، خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ، الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ، وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ، فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ، وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ، وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا: "بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ كِتَابِ نِظَامِ الِإسْلَامِ" وَمَعَ الحَلْقَةِ الثَّالِثَةِ والثَّلاثِينَ بَعْدَ المِائَتَينِ، وَعُنوَانُهَا: "تُـجْبَى الجِزْيَةُ مِنَ الذِّمِّيِّينَ، وَتُؤْخَذُ عَلَى الرِّجَالِ البَالِغِينَ بِقَدْرِ مَا يَـحتَمِلُونـَّهَا، وَلَا تُؤْخَذُ عَلَى النِّسَاءِ وَلَا عَلَى الأَوْلَادِ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الخَامِسَةِ وَالعِشْرِينَ بَعْدَ الـمِائَةِ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
المادة 144: تُـجْبَى الجِزْيَةُ مِنَ الذِّمِّيِّينَ، وَتُؤْخَذُ عَلَى الرِّجَالِ البَالِغِينَ بِقَدْرِ مَا يَـحتَمِلُونـَّهَا، وَلَا تُؤْخَذُ عَلَى النِّسَاءِ وَلَا عَلَى الأَوْلَادِ.
المادة 145: يُـجْبَى الخَرَاجُ عَلَى الأَرْضِ الخَرَاجيَّةِ بِقَدْرِ احْتِمَالِـهَا، وَأَمَّا الأَرْضُ العُشْرِيَّةُ فَتُجْبَى مِنْهَا الزَّكَاةُ عَلَى النَّاتِجِ الفِعْلِيِّ.
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ، يَا أُمَّةَ القُرآنْ، يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ، يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ، يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبّاً، وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيّاً وَرَسُولاً، وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجاً وَدُستُوراً، وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَاماً لِلْحَياَة، أَيُّهَا الـمُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ، فَوقَ كُلِّ أَرضٍ، وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ، يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ، أَيُّهَا الـمُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ. أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ، وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا، وَهَاتَانِ هُمَا الْـمَادَّتَانِ: الرَّابِعَةُ وَالأربَعُونَ بَعْدَ الـمِائَةِ، وَالخَامِسَةُ وَالأَربَعُونَ بَعْدَ الـمِائَةِ. وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَاتَينِ الـمَادَّتَينِ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:
أولا: المادة 144: دَلِيلُهَا الكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، أَمَّا الكِتَابُ فَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: (حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ).(التَّوَبَة 29) وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقْدْ: «كَتَبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى مَجُوسِ هَجَرٍ يَدْعُوهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ، فَمَنْ أَسْلَمَ قُبِلَ مِنْهُ، وَإِلاَّ ضُرِبَتْ عَلَيْهِ الجِّزْيَةُ فِي أَنْ لاَ تُؤْكَلَ لَهُ ذَبِيحَةٌ وَلاَ تُنْكَحَ لَهُ امْرَأَةٌ». رَوَاهُ أَبُو عُبَيدٍ فِي الأَمْوَالُ وَأَبُو يُوسُفَ فِي الخَرَاجِ وَغَيرُهُـمَا، وَتُؤْخَذُ عَلَى القَادِرِ فَقَطْ لِقَولِهِ تَعَالَى: (عَنْ يَدٍ) أَيْ عَنْ مَقْدِرُةٍ، وَتُؤْخَذُ عَلَى الرِّجَالِ، وَلَا تُؤْخَذُ عَلَى النِّسَاءِ، وَلَا عَلَى الصبيان، لِقَولِهِ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِـمُعَاٍذ: «خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَاراً».(أَخْرَجَهُ الحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ)، وَلِـمَا أَخرَجَهُ البَيهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ الكُبْرَى عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم «فَرَضَ الجِّزْيَةَ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ دِينَاراً دِينَاراً»، وَقَولُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم «حَالِمٍ» و«مُحْتَلِمٍ» بِلَفْظِ التَّذكِيرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَا تُؤْخَذُ مِنَ النِّسَاءِ، وَلَا مِنْ غَيرِ البَالِغِ، وَكَذَلِكَ فَقَدْ كَتَبَ عُمَرُ إِلَى أُمَرَاءِ الأَجْنَادِ «أَنْ يَضْرِبُوا الجِزْيَةَ، وَلَا يَضْرِبُوهَا عَلَى النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، وَلَا يَضْرِبُوهَا إِلَّا عَلَى مَنْ جَرَتْ عَلَيهِ الـمُوسَى». (أَخْرَجَهُ أَبُو عُبَيدٍ فِي الأَمْوَالِ، وَالبَيهَقِيُّ عَنْ أَسْلَمَ)، وَلَـمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيهِ أَحَدٌ فَكَانَ إِجْمَاعاً. وَكَذَلِكَ لَا تُؤْخَذُ عَلَى الـمَجْنُونِ قِيَاساً عَلَى الصَّبِيِّ.
ثانيا: المادة 145: دَلِيلُهَا مَا رُوِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: «قَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ البَحْرَيْنِ أَنَّهُ قَدْ أَحْرَزَ دَمَهُ وَمَالَهُ إِلاَّ أَرْضَهَ، فِإِنَّهَا فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ؛ لأَنَّهُمْ لَمْ يُسْلِمُوا وَهُمْ مُمْتَنِعُونَ».(أَخرَجَهُ يَحْيَى بْنُ آدَمَ فِي كِتَابِ الخَرَاجِ)، «وَهُمْ مُمْتَنِعُونَ». أَيْ وَهُمْ فِي مَنَعَةٍ مِنَ الـمُسْلِمِينَ، فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الأَرْضَ فِي البِلَادِ الَّتِي تُفْتَحُ فَتْحاً هِيَ مِنَ الغَنَائِمِ. غَيرَ أَنَّهُ جَاءَ سَيِّدُنَا عُمَرُ رضي الله عنه فَأَبْقَى رَقَبَةَ الأَرْضِ مِلْكاً لِبَيتِ الـمَالِ وَتَرَكَ مَنْفَعَتَهَا لِأَهْلِهَا، وَصَارَ يَأْخُذُ مِنْهُمْ مُقَابِلَ الانتِفَاعِ بِهَا خَرَاجاً بِمَا تَـحْتَمِلُهُ الأَرْضُ وَلَيسَ قَدْراً مُعَيَّناً، فَقَدْ ضَرَبَ فِي بَعْضِ نَوَاحِي العِرَاقِ عَلَى كُلِّ جَرِيبٍ قَفِيزاً وَدِرْهَماً، وَالـجَرِيبُ مِقْيَاسٌ مُعَيَّنٌ لِـمَسَاحَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنَ الأَرْضِ. وَضَرَبَ عَلَى نَاحِيَةٍ أُخْرَى غَيرَ هَذَا القَدْرِ، وَعَمِلَ فِي نَوَاحِي الشَّامِ غَيرَ هَذَا، فَعُلِمَ أَنَّهُ رَاعَى فِي كُلِّ أَرْضٍ مَا تَـحْتَمِلُهُ. هَذَا فِي الأَرْضِ الخَرَاجيَّةِ، أَمَّا الأَرَاضِي العُشْرِيَّةِ، وَهِيَ الأَرْضُ الَّتِي أَسْلَمَ أَهْلُهَا عَلَيهَا، وَجَزِيرَةُ العَرَبِ فَإِنَّهَا تُؤْخَذُ عَلَيهَا الزَّكَاةُ عَلَى النَّاتِجِ الفِعْلِيِّ، وَهُوَ العُشْرُ إِنْ سُقِيَتْ بِمَاءِ الـمَطَرِ، وَنَصْفُ العُشْرِ إِنْ سُقِيَتْ بِآلَةٍ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.