- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
( ح238 ) الواردات التي توضع في بيت المال
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ، وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ، وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ، وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ، والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ، خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ، الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ، وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ، فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ، وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ، وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا: "بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ كِتَابِ نِظَامِ الِإسْلَامِ" وَمَعَ الحَلْقَةِ الثَّامِنَةِ والثَّلاثِينَ بَعْدَ المِائَتَينِ، وَعُنوَانُهَا: "الوَارِدَاتُ الَّتِي تُوضَعُ فِي بَيْتِ الـمَالِ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ السَّادِسَةِ وَالعِشْرِينَ بَعْدَ الـمِائَةِ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
المادة 151: يُعْتَبَرُ مِنَ الوَارِدَاتِ الَّتِي تُوضَعُ فِي بَيْتِ الـمَالِ الأَمْوَالُ الَّتِي تُؤْخَذُ مِنَ الجَمَارِكِ عَلَى ثُغُورِ البِلَادِ، وَالأَمْوَالُ النَّاتِجَةُ مِنَ الـمِلْكِيَّةِ العَامَّةِ أَوْ مِنْ مِلْكِيَّةِ الدَّولَةِ، وَالأَمْوَالُ الـمَورُوثَةُ عَمَّنْ لَا وَارِثَ لَهُ، وَأَمْوَالُ الـمُرتَدِّينَ.
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ، يَا أُمَّةَ القُرآنْ، يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ، يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ، يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبّاً، وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيّاً وَرَسُولاً، وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجاً وَدُستُوراً، وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَاماً لِلْحَياَة، أَيُّهَا الـمُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ، فَوقَ كُلِّ أَرضٍ، وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ، يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ، أَيُّهَا الـمُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ. أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ، وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا، وَهَذِهِ هِيَ الْـمَادَّةُ الوَاحِدَةُ وَالخَمْسُونَ بَعْدَ الـمِائَةِ. وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَذِهِ الـمَادَّةِ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:
دَلِيلُهَا مَا وَرَدَ عَنْ عُمَرَ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ الـمُسْلِمُونَ مِن تُـجَّارِ الحَرْبِ مَا يَأْخُذُونَ مِنْ تُـجَّارِنَا، فَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيبَةَ فِي الـمُصَنَّفِ: «عَنْ أَبِي مِـجْلِزَ أَنَّ عُمَرَ بَعَثَ عُثْمَانَ بْنَ حَنِيفٍ فَجَعَلَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي أَمْوَالِـهِمُ الَّتِي يـَخْتَلِفُونَ بِـهَا فِي كُلِّ عِشْرِينَ دِرْهَماً دِرْهَماً، وَكَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى عُمَرَ فَرَضِيَ وَأَجَازَهُ، وَقَالَ لِعُمَرَ: كَمْ تَأْمُرُنَا أَنْ نَأْخُذَ مِنْ تُـجَّارِ أَهْلِ الحَرْبِ؟ قَالَ: كَمْ يَأْخُذُونَ مِنْكُمْ إِذَا أَتَيتُمْ بِلَادَهُمْ؟ قَالُوا: العُشْرَ، قَالَ: فَكَذَلِكَ فَخُذُوا مِنْهُمْ». وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيدٍ فِي الأَمْوَالِ عَنْ عَبدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْقِلٍ قَالَ: سَأَلْتُ زِيَادَ بْنَ حُدَيرٍ مَنْ كُنْتُمْ تَعْشِرُونَ؟ قَالَ: «مَا كُنَّا نَعْشِرُ مُسْلِماً وَلَا مُعَاهِداً. قُلْتُ: فَمَنْ كُنْتُمْ تَعْشِرُونَ؟ قَالَ: تُـجَّارَ الحَرْبِ كَمَا كَانُوا يَعشُرُونَنَا إِذَا أَتَينَاهُمْ». فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ رُسُومَ الجَمَارِكِ الَّتِي تُؤْخَذُ مِنْ غَيرِ رَعِيَّةِ الدَّولَةِ تُعتَبَرُ مِنْ وَارِدَاتِ بَيْتِ الـمَالِ. هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلضَّرَائِبِ.
أَمَّا الأَمْوَالُ النَّاتِـجَةُ عَنِ الـمِلْكِيَّةِ العَامَّةِ، فَإِنَّ الخَلِيفَةَ قَدْ جُعِلَ نَائِباً عَنِ الـمُسْلِمِينَ فِي رِعَايَةِ مَصَالِـحِهِمْ، فَمَا كَانَ مِنَ الأَمْوَالِ العَامَّةِ يُـمْكِنُ أَنْ يَتَمَتَّعَ بِهِ جَمِيعُ أَفْرَادِ الرَّعِيَّةِ، فَإِنَّهُمْ يُتْرَكُونَ أَنْ يَأْخُذُوا مِنهُ مَا يَشَاءُونَ كَمَاءِ النَّهْرِ، وَمَاءِ البِئْرِ الَّتِي يَستَقُونَ مِنْهَا، وَأَمَّا إِنْ كَانَ أَخْذُ بَعْضِهِمْ يَـمْنَعُ البَعْضَ الآخَرَ كَمَعْدِنِ الحَدِيدٍ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مِنهُ القَادِرُ، وَلَا يَأْخُذُ العَاجزُ، وَفِي مِثْلِ هَذِهِ الحَالِ يَتَوَلَّى الخَلِيفَةُ رِعَايَةَ هَذَا الـمَنْجَمِ وَاسْتِخْرَاجَهُ، لِيَجْعَلَ ثَمَنَهُ لِجَمِيعِ أَفْرَادِ الرَّعِيَّةِ، فَهَذِهِ الأَمْوَالُ تُوضَعُ فِي بَيْتِ الـمَالِ، وَتُعتَبَرُ مِنْ وَارِدَاتِهِ. لِأَنَّ الخَلِيفَةَ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّاهَا، وَلَكِنَّهَا لَيْسَتْ مِـمَّا يُصْرَفُ بِرَأْيِ الخَلِيفَةِ وَاجتِهَادِهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، فَهِيَ لِعَامَّةِ الرَّعِيَّةِ، وَرَأيُهُ وَاجتِهَادُهُ إِنَّـمَا هُوَ بِالتَّسَاوِيْ، وَعَدَمِ التَّسَاوِيْ، بِالإِنْفَاقِ لَا بـِمَنْ تُنْفَقُ عَلَيهِ، فَهِيَ لَيْسَتْ مِنْ مِلْكِيَّةِ الدَّولَةِ.
وَأَمَّا الأَمْوَالُ الَّتِي لَا وَارِثَ لَـهَا فَإِنَّهَا تُوضَعُ فِي بَيتِ الـمَالِ، فَإِنْ ظَهَرَ لَهَا وَارِثٌ أُعْطِيَتْ لَهُ، وَإِلَّا كَانَتْ مِلْكاً لِبَيتِ الـمَالِ؛ لِأَنَّ بَيْتَ الـمَالِ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ؛ لِأَنَّ الـمُسْلِمِينَ كَانُوا يَأْتُونَ بِـمِيرَاثِ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ لِلرَّسُولِ، فَكَانَ يَسْأَلُ هَلْ لَهُ مِنْ نَسِيبٍ أَوْ رَحِمٍ؟ ثُمَّ يَأْمُرُ بِإِعْطَائِهِ لِـمَنْ يَرَاهُ، مِـمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ وَارِدَاتِ بَيتِ الـمَالِ.
وَأَمَّا مَالُ الـمُرتَدِّينَ، فَإِنَّهُ يَكُونُ فَيئاً لِلمُسْلِمِينَ، يُوضَعُ فِي بَيْتِ مَالِ الـمُسْلِمِينَ فِي دِيوَانِ الفَيءِ وَالخَرَاجِ، وَيُصْرَفُ فِي مَصَارِفِهِمَا، وَلَا يُورَثُ مَالَهُ عَنهُ؛ لِأَنَّهُ إِنِ ارتَدَّ أَحَدُ الزَّوجَينِ قَبْلَ الدُّخُولِ انْفَسَخَ العَقْدُ فِي الحَالِ، وَبِذَلِكَ لَا يَكُونُ تَوَارُثٌ، وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَتِ الرِّدَّةُ بَعْدَ الدُّخُولِ انفَسَخَ النِّكَاحُ بَينَهُمَا، وَأَيُّهُمَا مَاتَ لَـمْ يَرِثْهُ الآخَرُ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا مُسْلِمٌ وَالآخَرُ كَافِرٌ. كَمَا أَنَّ الـمُرتَدَّ لَو مَاتَ لَهُ مُوَرِّثٌ مُسْلِمٌ، فَإِنَّ الـمُرتَدَّ لَا يَرِثُهُ؛ لِأَنَّ الـمُرتَدَّ كَافِرٌ، وَمُوَرِّثُهُ مُسْلِمٌ، وَالكَافِرُ لَا يَرِثُ الـمُسْلِمَ، وَيَكُونُ نَصِيبُهُ لِبَقِيَّةِ الوَرَثَةِ إِنْ كَانَ هُنَاكَ وَرَثَةٌ، وَإِنْ لَـمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَرَثَةٌ كَانَ الـمِيرَاثُ كُلُّهُ فَيئاً لِلمُسْلِمِينَ، وَوُضِعَ فِي بَيتِ الـمَالِ. وَإِنْ مَاتَ الـمُرتَدُّ، وَكَانَ لَهُ وَرَثَةٌ مِنْ أَبْنَاءٍ أَوْ آبَاءٍ أَوْ أُمَّهَاتٍ أَوْ إِخْوَةٍ مُسْلِمِينَ فَإِنَّهُمْ لَا يَرِثُونَهُ؛ لِأَنَّ الـمُسْلِمَ لَا يَرِثُ الكَافِرَ، وَيَكُونُ جَمِيعُ مَالِهِ فَيئاً لِلمُسْلِمِينَ، وَيُوضَعُ فِي بَيتِ مَالِ الـمُسْلِمِينَ. عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r : «لا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ»، ( مُتَّفَقٌ عَلَيهِ ) . وَرَوَى عَبدُ اللهِ بْنُ عَمُرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r : «لا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ». ( رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ ) . وَكَذَلِكَ لَوِ ارتَدَّ جَمِيعُ وَرَثَتِهِ مَعَهُ، فَإِنَّ مَالَهُ وَمَالَـهُمْ يُصْبِحُ لَا حُرْمَةَ لَهُ، وَيُصْبِحُ فَيئاً لِلمُسْلِمِينَ، وَلَا يَرِثُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.