- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح239) نفقات بيت المال مقسمة على ست جهات
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ، وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ، وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ، وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ، والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ، خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ، الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ، وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ، فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ، وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ، وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا: "بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ كِتَابِ نِظَامِ الِإسْلَامِ" وَمَعَ الحَلْقَةِ التَّاسِعَةِ والثَّلاثِينَ بَعْدَ المِائَتَينِ، وَعُنوَانُهَا: "نَفَقَاتُ بَيْتِ الـمَالِ مُقَسَّمَةٌ عَلَى سِتِّ جهَاتٍ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَتَينِ: السَّادِسَةِ وَالسَّابِعَةِ وَالعِشْرِينَ بَعْدَ الـمِائَةِ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
المادة 152: نَفَقَاتُ بَيْتِ الـمَالِ مُقَسَّمَةٌ عَلَى سِتِّ جهَاتٍ هِي:
أ - الأَصْنَافُ الثَّمَانِيَةُ الَّذِينَ يَسْتَحِقُّونَ أَمْوَالَ الزَّكَاةِ يُصْرَفُ لَـهُمْ مِنْ بَابِ الزَّكَاةِ.
ب- الفُقَرَاءُ، وَالـمَسَاكِينُ، وَابْنُ السَّبِيلِ، وَالجِهَادُ، وَالغَارِمُونَ إِذَا لَـمْ يُوْجَدْ فِي بَابِ أَمْوَالِ الزَّكَاةِ مَالٌ صُرِفَ لَـهُمْ مِنْ وَارِدَاتِ بَيتِ الـمَالِ الدَّائِمِيَّةِ، وَإِذَا لَـمْ يُوجَدْ لَا يُصْرَفُ لِلغَارِمِينَ شَيءٌ. وَأَمَّا الفُقَرَاءُ وَالـمَسَاكِينُ وَابْنُ السَّبِيلِ، وَالجِهَادُ فَتُحَصَّلُ ضَرَائِبُ لِسَدِّ نَفَقَاتِـهِمْ، وَيُقْتَرَضُ لِأَجْلِ ذَلِكَ فِي حَالَةِ خَوفِ الفَسَادِ.
جـ- الأَشْخَاصُ الَّذِينَ يُؤَدُّونَ خِدْمَاتٍ لِلدَّولَةِ كَالـمُوَظَّفِينَ وَالـجُنْدِ وَالحُكَّامِ، فَإِنَّهُ يُصْرَفُ لَـهُمْ مِنْ بَيتِ الـمَالِ. وَإِذَا لَـمْ يَكْفِ مَالُ بَيتِ الـمَالِ تُـحَصَّلُ ضَرَائِبُ فِي الحَالِ لِسَدِّ هَذِهِ النَّفَقَاتِ، وَيُقْتَرَضُ لِأَجْلِهَا فِي حَالَةِ خَوْفِ الفَسَادِ.
د- الـمَصَالِـحُ وَالـمَرَافِقُ الأَسَاسِيَّةُ كَالطُّرُقَاتِ وَالـمَسَاجدِ وَالـمُسْتَشْفَيَاتُ وَالـمَدَارِسُ يُصْرَفُ عَلَيهَا مِنْ بَيْتِ الـمَالِ، فَإِذَا لَـمْ يَفِ مَا فِي بَيتِ الـمَالِ تُـحَصَّلُ ضَرَائِبُ فِي الحَالِ لِسَدِّ هَذِهِ النَّفَقَاتِ.
هـ- الـمَصَالِـحُ وَالـمَرَافِقُ الكَمَالِيَّةُ يُصْرَفُ عَلَيهَا مِنْ بَيتِ الـمَالِ، فَإِذَا لَـمْ يُوجَدْ مَا يَكْفِي لَـهَا فِي بَيتِ الـمَالِ لَا يُصْرَفْ لَـهَا وَتُؤَجَّلُ.
و- الحَوَادِثُ الطَّارِئَةُ كَالزَّلَازِلِ، وَالطُّوفَانِ يُصْرَفُ عَلَيهَا مِنْ بَيتِ الـمَالِ، وَإِذَا لَـمْ يُوجَدْ يُقْتَرَضُ لِأَجْلِهَا الـمَالُ فِي الحَالِ، ثُمَّ يُسَدَّدُ مِنَ الضَّرَائِبِ الَّتِي تُجْمَعُ.
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ، يَا أُمَّةَ القُرآنْ، يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ، يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ، يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبّاً، وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيّاً وَرَسُولاً، وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجاً وَدُستُوراً، وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَاماً لِلْحَياَة، أَيُّهَا الـمُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ، فَوقَ كُلِّ أَرضٍ، وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ، يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ، أَيُّهَا الـمُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ. أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ، وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا، وَهَذِهِ هِيَ الْـمَادَّةُ الثَّانِيَةُ وَالخَمْسُونَ بَعْدَ الـمِائَةِ. وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَذِهِ الـمَادَّةِ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:
إن الفقرة (أ) مِنْ هَذِهِ الـمَـادَّةِ دَلِيلُهَا آيَةُ الصَّدَقَاتِ وَهِي قَولُهُ تَعَالَى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَابْنِ السَّبِيلِ). (التوبة 60).
وأما الفقرة (ب) فَإِنَّهُ بِالنِّسْبَةِ لِلفُقَرَاءِ وَالـمَسَاكِينَ وَابْنِ السَّبِيلِ وَالجِهَادِ، كَوْنُ إِنْفَاقِهَا وَاجِباً عَلَى بَيتِ الـمَالِ فِي حَالِ الوُجُودِ، وَفِي حَالِ العَدَمِ؛ لِأَنَّهَا مِـمَّا أَوْجَبَهُ اللهُ عَلَى بَيْتِ الـمَالِ، وَعَلَى الـمُسْلِمِينَ، فَإِنْ لَـمْ يُوجَدْ فِي بَيتِ الـمَالِ مَالٌ فُرِضَتْ ضَرَائِبُ مِنْ أَجْلِهَا عَلَى الـمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهَا وَاجبَةٌ عَلَيهِمْ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ بِالأَدِلَّةِ الشَّرعِيَّةِ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلغَارِمِينَ أَيْ الـمَدِينِينَ، فَإِنَّهُ مِـمَّا أَوْجَبَهُ اللهُ عَلَى بَيتِ الـمَالِ، وَلَـمْ يُوجبْهُ عَلَى الـمُسْلِمِينَ.
أَمَّا إِيجَابُهُ عَلَى بَيتِ الـمَالِ فَلِقَولِ الرَّسُولِصلى الله عليه وسلم : «أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ، فَمَنْ تَرَكَ دَيْناً فَعَلَيَّ، وَمَنْ تَرَكَ مَالاً فَلِوَرَثَتِهِ». (أَخْرَجَهُ مُسْلِمُ عَنْ جَابِر). وَعَلَيهِ بِوَصْفِهِ رَئِيسَ الدَّولَةِ فَهُوَ مِـمَّا أَوجَبَهُ اللهُ عَلَى بَيتِ الـمَالِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ أَنَّ النَّبِيَّصلى الله عليه وسلم قَالَ: «فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ مَاتَ، وَتَرَكَ مَالاً فَلْيَرِثْهُ عَصَبَتُهُ مَنْ كَانُوا، وَمَنْ تَرَكَ دَيْناً أَوْ ضَيَاعاً فَلْيَأْتِنِي فَأَنَا مَوْلاَهُ».(أخرَجَهُ البُخَارِيُّ)، فَالدَّينُ عَلَى بَيْتِ الـمَالِ. فَإِنْ كَانَ فِي بَيْتِ الـمَالِ مَالٌ وَجَبَ صَرفُهُ، وَإِنْ لَـمْ يُوجَدْ مَالٌ لَا تُفْرَضُ لِأَجْلِهِ ضَرَائِبُ، لِأَنَّهُ لَـمْ يُوجَدْ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فَرْضٌ عَلَى الـمُسْلِمِينَ.
وَرَدَ فِي شَرْحِ الحَدِيثِ لِلنَّوَوِيِّ: "أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يُصَلِّي عَلَى مَنْ مَاتَ، وَعَلَيهِ دَينٌ لَـمْ يـَخْلُفْ بِهِ وَفَاءٌ، لِئَلَّا يَتَسَاهَلَ النَّاسُ فِي الاستِدَانَةِ، وَيُهْمِلُوا الوَفَاءَ، فَزَجَرَهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ عَلَيهِمْ، فَلَمَّا فَتَحَ اللهُ عَلَى الـمُسْلِمِينَ مَبَادِيَ الفُتُوحِ قَالَصلى الله عليه وسلم : «مَنْ تَرَكَ دَيْناً فَعَلَيَّ» أَيْ قَضَاؤُهُ، فَكَانَ يَقْضِيهِ". أَيْ أَنَّهُ يُدْفَعُ مِنْ بَيتِ الـمَالِ إِذَا وُجِدَ مَالٌ.
وأما الفقرة (ج) فَإِنَّ دَلِيلَهَا مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ اللهَ سُبَحَانَهُ قَدْ فَرَضَ عَلَى الـمُسْلِمِينَ التَّعْلِيمَ وَالقَضَاءَ وَالجِهَادَ، وَفَرَضَ عَلَيهِمْ إِقَامَةَ خَلِيفَةٍ، وَفَرَضَ عَلَى الخَلِيفَةِ رِعَايَةَ الشُّؤُونِ بِمَا يَلْزَمُ مِنْ حُكَّامٍ وَمُوَظَّفِينَ ... وَحَتَّى يَقُومَ هَؤُلَاءِ بِوَاجبِهِمْ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى بَيتِ الـمَالِ إِعْطَاءُ الـمُوَظَّفِينَ أُجْرَتَهُمْ، وَالحُكَّامِ تَعْوِيضَاتِـهِمْ، وَذَلِكَ مِنَ بَابِ (مَا لَا يَتِمُّ الوَاجبُ إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ)، وَإِذَا لَـمْ يَكْفِ مَا فِي بَيتِ الـمَالِ لِسَدِّ هَذِه النَّفَقَاتِ، فَتُفْرَضَ ضَرَائِبُ فِي الحَالِ لِسَدِّ هَذِهِ النَّفَقَاتِ، وَيُقْتَرَضُ لِأَجْلِهَا فِي حَالَةِ خَوفِ الفَسَادِ.
وأما الفقرة (د) فَلِكَونِـهَا مِنَ الـمَصَالـِحِ وَالـمَرَافِقِ الضَّرُورِيَّةِ وَيُصِيبُ الأُمَّةُ ضَرَرٌ مِنْ عَدَمِ القِيَامِ بِهَا؛ وَلِذَلِكَ كَانَتْ وَاجبَةً عَلَى بَيتِ الـمَالِ وَعَلَى الـمُسْلِمِينَ، فَإِنْ لَـمْ يُوجَدْ فِي بَيْتِ الـمَالِ مَالٌ تُـحَصَّلُ ضَرَائِبُ مِنَ الـمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيهِمْ إِزَالَةُ الضَّرَرِ، فَيَجبُ دَفْعُ الـمَالِ الَّذِي يَلْزَمُ لِإِزَالَتِهِ.
وأما الفقرة (هـ) فَإِنَّهُ لِلوُقُوف عَلَى دَلِيلِهَا يَنبَغِي أَنْ يُدْرَكَ بِدِقَّةٍ أَنَّ دَلِيلَ سَدِّ النَّفَقَاتِ الوَاجبَةَ عَلَى وَجْهِ الـمَصْلَحَةِ وَالإِرْفَاقِ دُونَ بَدَلٍ هُوَ كَونـُهَا مِنْ رِعَايَةِ الشُّؤُونِ وَالحَدِيثُ يَقُولُ: «وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».(أخْرَجَهُ البُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ). وَكَونُـهَا يُصِيبُ الأُمَّةَ مِنْ عَدَمِ القِيَام ِبِهَا ضَرَرٌ وَالرَّسُولُصلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ».(أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالحَاكِمُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ وَصَحَّحَهُ). فَهَذَانِ هُمَا دَلِيلُ وُجُوبِ الـمَصْلَحَةِ وَالإِرْفَاقِ عَلَى الخَلِيفَةِ؛ وَلِذَلِكَ يَجبُ عَلَيهِ القِيَامُ بِـهَا مُطْلَقاً، سَوَاءُ أَكَانَتْ مِنَ الضَّرُورَاتِ أَمْ مِنَ الكَمَالِيَّاتِ. أَمَّا دَلِيلُ وُجُوبِ الـمَصْلَحَةِ وَالإِرْفَاقِ عَلَى الـمُسْلِمِينَ فَهُوَ قَولُ الرَّسُولِ: «لَا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ» وَلِذَلِكَ لَا تَجِبُ عَلَيهِمُ الـمَصَالِـحُ الكَمَالِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُصِيبُ الأُمَّةَ ضَرَرٌ مِنْ عَدَمِ القِيَامِ بِهَا، وَلَا يَجِبُ عَلَى الـمُسْلِمِينَ إِلَّا مَا يُصِيبُ الأُمَّةَ ضَرَرٌ مِنْ عَدَمِ القِيَامِ بِهِ.
وَعَلَيهِ لَيْسَتْ كُلُّ مَصْلَحَةٍ وَإِرْفَاقٍ وَاجِبَةً عَلَى الـمُسْلِمِينَ، وَإِنَّمَا الـمَصَالِـحُ الَّتِي يُصِيبُ الأُمَّةَ ضَرَرٌ مِنْ عَدَمِ القِيَامِ بِـهَا، وَأَمَّا عَلَى بَيْتِ الـمَالِ فَيَجبُ القِيَامُ بِكُلِّ مَا فِيهِ نَفْعٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَبِكُلِّ مَا يُوجَدُ مِنْ عَدَمِ القِيَامِ بِهِ ضَرَرٌ عَلَى الـمُسْلِمِينَ. وَمِنْ أَجْلِ تَخْصِيصِ دَلِيلِ وُجُوبِـهَا عَلَى الأُمَّةِ بِـحَدِيثِ: «لَا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ» لَا تُفْرَضُ ضَرَائِبُ عَلَى الـمُسْلِمِينَ لِلقِيَامِ بَالـمَصَالِـحِ وَالـمَرَافِقِ الكَمَالِيَّةِ كَتَوسِيعِ طَرِيقٍ تَكْفِي النَّاسَ دُونَ تَوسِيعٍ، وَكَبِنَاءِ مُسْتَشْفًى يُـمْكِنُ الاستِغْنَاءُ عَنهُ، وَمَا شَاكَلَ ذَلِكَ مِنَ الـمَصَالِـحِ الكَمَالِيَّةِ، فَإِنَّهَا إِنْ وُجَدَ فِي بَيتِ الـمَالِ مَالٌ تَقُومُ بِهَا الدَّولَةُ، وَإِلَّا تُؤَجَّلُ حَتَّى يُوجَدَ مَالٌ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ تُفْرَضَ ضَرَائِبُ مِنْ أَجْلِ القِيَامِ بِـهَا.
وأما الفقرة (و) فَإِنَّ دَلِيلَهَا هُوَ دَلِيلُ إِغَاثَةِ الـمَلْهُوفِ: عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ فِي الحَدِيثِ الـمُتَّفَقِ عَلَيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ، فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللهِ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: يَعْمَلُ بِيَدِهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ، قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ، قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: فَلْيَعْمَلْ بِالْمَعْرُوفِ وَلْيُمْسِكْ عَنْ الشَّرِّ، فَإِنَّهَا لَهُ صَدَقَةٌ». وَكَذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الـمُتَّفَقُ عَلَيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِصلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لا يَظْلِمُهُ وَلا يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِماً سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». فَإِنَّ هَذَا عَامٌّ يَشْمَلُ الخَلِيفَةَ، وَيَشْمَلُ سَائِرَ الـمُسْلِمِينَ، فَتَجبُ عَلَى بَيتِ الـمَالِ وَعَلَى الـمُسْلِمِينَ. فَإِنْ وُجِدَ فِي بَيتِ الـمَالِ مَالٌ كَافٍ لَـهَا يُنْفَقُ عَلَيهَا مِنْ بَيتِ الـمَالِ، وَإِنْ لَـمْ يُوجَدْ تُفْرَضُ لِأَجْلِهَا ضَرَائِبُ؛ لِأَنَّ إِغَاثَةَ الـمَلْهُوفِ تَجبُ عَلَى الـمُسْلِمِينَ.
وَأَمَّا الاقتِراضُ فِي حَالِ خَوفِ الفَسَادِ الوَارِدِ فِي الفَقْرَةِ (ب) وَالفَقْرَةِ (جـ) وَالفَقْرَةِ (و) فَلِأَنَّ الفَسَادَ ضَرَرٌ يُصِيبُ الـمُسْلِمِينَ، وَإِزَالَةُ الضَّرَرِ وَاجبَةٌ لِحَدِيثِ: «لَا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ». فَإِنَّ عَدَمَ وُجُودِ الـمَالِ، وَعَدَمَ الاقتِرَاضِ وَالانتِظَارَ حَتَّى يُوجَدَ مَالٌ يُوقِعُ الضَّرَرَ؛ وَلِذَلِكَ وَجَبَ الاقتِرَاض لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ. فَكَانَ عَلَى الدَّولَةِ أَنْ تَقْتَرِضَ بِمِقْدَارِ مَا يُزِيلُ الضَّرَرَ. وَأَمَّا غَيرُ هَذِهِ الأَحْوَالِ الثَّلَاثِ فَلَا يَجُوزُ الاقتِرَاضُ مِنْ أَجْلِهِ؛ لِأَنَّ استِحْقَاقَهُ مُعْتَبَرٌ بِالوُجُودِ دُونَ العَدَمِ، فَإِنْ كَانَ الـمَالُ مَوجُوداً كَانَ صَرفُهُ فِي جهَاتِهِ مُسْتَحَقاً، وَعَدَمُهُ مُسْقِطاً لِاستِحْقَاقِهِ، وَمَا دَامَ قَدْ سَقَطَ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقْتَرَضَ مِنْ أَجْلِهِ، وَأَمَّا مَا كَانَ استِحْقَاقُهُ مُعْتَبَراً بِالوُجُودِ وَالعَدَمِ، فَإِنْ كَانَ الـمَالُ مَوجُوداً صُرِفَ، وَإِنْ لَـمْ يَكُنِ الـمَالُ مَوجُوداً سُعِيَ لإِيجَادِهِ بِفَرْضِ ضَرَائِبَ عَلَى الـمُسْلِمِينَ لِتَوفِيرِهِ. فَهَذَا إِذَا كَانَ يُـمْكِنُ أَنْ يُنْتَظَرَ وَلَا يَقَعُ ضَرَرٌ مِنَ الانتِظَارِ، فَإِنَّهُ يُنْتَظَرُ حَتَّى تُجْمَعَ الضَّرَائِبُ لَهُ، وَإِذَا كَانَ لَا يُنتَظَرُ، وَيُصِيبُ النَّاسَ ضَرَرٌ مِنْ تَأْخِيرِهِ فَحِينَئِذٍ يُقْتَرَضُ لَهُ. وَلِذَلِكَ لَا تَقْتَرِضُ الدَّولَةُ إِلَّا فِي الحَالَاتِ الَّتِي يَقَعُ فِيهَا ضَرَرٌ مِنْ عَدَمِ الإِنْفَاقِ، وَذَلِكَ فِيمَا كَانَ استِحْقَاقُهُ مُعْتَبَراً بِالوُجُودِ وَالعَدَمِ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.