- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح241) تيسّر الدولة لأفراد الرعية تداول المال، وإشباع حاجاتهم، وإيجاد التوازن
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ، وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ، وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ، وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ، والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ، خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ، الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ، وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ، فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ، وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ، وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا: "بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ كِتَابِ نِظَامِ الِإسْلَامِ" وَمَعَ الحَلْقَةِ الوَاحِدَةِ والأَربَعِينَ بَعْدَ المِائَتَينِ، وَعُنوَانُهَا: "تُيَسِّرُ الدَّولَةُ لِأَفْرَادِ الرَّعِيَّةِ تَدَاوُلَ الـمَالِ، وَإِشْبَاعَ حَاجَاتِهِم، وَإِيجَادَ التَّوَازُنِ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ السَّابِعَةِ وَالعِشْرِينَ بَعْدَ الـمِائَةِ، وَالثَّامِنَةِ وَالعِشْرِينَ بَعْدَ الـمِائَةِ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
المادة 155: يَـجُوزُ أَنْ تَكُونَ الأُجْرَةُ حَسَبَ مَنْفَعَةِ العَمَلِ، وَأَنْ تَكُونَ حَسَبَ مَنْفَعَةِ العَامِلِ، وَلَا تَكُونُ حَسَبَ مَعْلُومَاتِ الأَجِيرِ، أَوْ شَهَادَاتِهِ العِلْمِيَّةِ، وَلَا تُوجَدُ تَرقِيَاتٌ لِلمُوَظَّفِينَ، بَلْ يُعْطُونَ جَمِيعَ مَا يَسْتَحِقُّونَهُ مِنْ أَجْرٍ سَوَاءٌ أَكَانَ عَلَى العَمَلِ أَمْ عَلَى العَامِلِ.
المادة 156: تَضْمَنُ الدَّولَةُ نَفَقَةَ مَنْ لَا مَالَ عِنْدَهُ وَلَا عَمَلَ لَهُ، وَلَا يُوجَدُ مَنْ تَجِبُ عَلَيهِ نَفَقَتُهُ. وَتَتَوَلَّى إِيوَاءَ العَجَزَةِ وَذَوِي العَاهَاتِ.
المادة 157: تَعْمَلُ الدَّوْلَةُ عَلَى تَدَاوُلِ الـمَالِ بَينَ الرَّعِيَّةِ، وَتَحُولُ دُونَ تَدَاوَلِهِ بَينَ فِئَةٍ خَاصَّةٍ.
المادة 158: تُيَسِّرُ الدَّولَةُ لِأَفْرَادِ الرَّعِيَّةِ إِمْكَانِيَّةَ إِشْبَاعِ حَاجَاتِهِمُ الكَمَالِيَّةِ، وَإِيجَادِ التَّوَازُنِ فِي الـمُجْتَمَعِ حَسَبَ تَوَفُّرِ الأَمْوَالِ لَدَيْهَا، عَلَى الوَجْهِ الآتي:
أ - أَنْ تُعْطِيَ الـمَالَ مَنْقُولًا أَوْ غَيرَ مَنْقُولٍ مِنْ أَمْوَالِـهَا الَّتِي تَـمْلِكُهَا فِي بَيتِ الـمَالِ، وَمِنَ الفَيءِ، وَمَا شَابَـهَهُ.
ب- أَنْ تُقْطِعَ مِنْ أَرَاضِيهَا العَامِرَةِ، وَغَيرِ العَامِرَةِ مَنْ لَا يَمْلِكُونَ أرَضًا كَافِيَةً. أَمَّا مَنْ يَملِكُونَ أَرْضًا وَلَا يَسْتَغِلُّونَهَا فَلَا تُعطِيهِمْ، وَتُعْطِي العَاجِزِينَ عَنِ الزِّرَاعَةِ مَالًا لِتُوجِدَ لَدَيهِمُ القُدْرَةَ عَلَى الزِّرَاعَةِ.
جـ - تَقُومُ بِسَدَادِ دُيُونِ العَاجِزِينَ عَنِ السَّدَادِ مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ، وَمِنَ الفَيءِ، وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ.
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ، يَا أُمَّةَ القُرآنْ، يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ، يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ، يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبًّا، وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيًّا وَرَسُولًا، وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجًا وَدُستُورًا، وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَامًا لِلْحَياَة، أَيُّهَا الـمُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ، فَوقَ كُلِّ أَرضٍ، وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ، يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ، أَيُّهَا الـمُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ. أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ، وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا، وَهَذِهِ هِيَ الـمَوَادُّ: الخَامِسَةُ وَالخَمْسُونَ بَعْدَ الـمِائَةِ، وَالسَّادِسَةُ وَالخَمْسُونَ بَعْدَ الـمِائَةِ، وَالسَّابِعَةُ وَالخَمْسُونَ بَعْدَ الـمِائَةِ، وَالثَّامِنَةُ وَالخَمْسُونَ بَعْدَ الـمِائَةِ. وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَذِهِ الـمَوَادِّ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:
أولا: المادة 155: دَلِيلُهَا هُوَ التَّعْرِيفُ الشَّرْعِيُّ لِلإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ الشَّرعِيَّ حُكْمٌ شَرعِيٌّ، وَهُوَ وَالقَاعِدَةُ الشَّرعِيَّةُ سَوَاءٌ، لِأَنَّهُ مُسْتَنْبَطٌ مِنْ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ أَوْ أَدِلَّةٍ شَرعِيَّةٍ بِاجْتِهَادٍ صَحِيحٍ؛ وَلِذَلِكَ يُعتَبَرُ دَلِيلًا لِلمَسْأَلَةِ الَّتِي يَنْطَبِقُ عَلَيهَا كَمَا يُعتَبَرُ الحُكْمُ الشَّرْعِيُّ دَلِيلًا عَلَى الـمَسْأَلَةِ الَّتِي يَنطَبِقُ عَلَيهَا، وَيُعتَبَرُ النَّصُّ الشَّرعِيُّ فِي الحَالَتَينِ دَلِيلًا عَلَى الحُكْمِ الشَّرعِيِّ الَّذِي انطَبَقَ عَلَى الـمَسْأَلَةِ، أَو عَلَى التَّعْرِيفِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي انطَبَقَ عَلَى الـمَسْأَلَةِ.
وَالتَّعْرِيفُ الشَّرعِيُّ لِلإِجَارَةِ هُوَ أَنَّهَا (عَقْدٌ عَلَى الـمَنْفَعَةِ بِعِوَضٍ) وَالـمَنْفَعَةُ بِالنِّسْبَةِ لِلأَجِيرِ إِمَّا مَنْفَعَةُ العَمَلِ الَّذِي يَقُومُ بِهِ كَمُهَنْدِسٍ، وَإِمَّا مَنْفَعَةُ الشَّخْصِ نَفْسِهِ كَالخَادِمِ، فَهَذَانِ النَّوعَانِ مِنَ الـمَنَافِعِ هُمَا اللَّذَانِ يَجرِي عَلَيهِمَا العَقْدُ، وَمَا عَدَاهُمَا لَا يَصِحُّ أَنْ يُجْعَلَ العَقْدُ مُسَلَّطًا عَلَيهِ. وَمِنْ هُنَا لَا يُسَلَّطُ العَقْدُ عَلَى مَنْفَعَةِ الـمَعْلُومَاتِ، وَلَا عَلَى مَنْفَعَةِ الشَّهَادَاتِ، بَلْ يُسَلَّطُ عَلَى مَنْفَعَةِ الأَجِيرِ: إِمَّا مَنْفَعَةِ شَخْصِهِ، وَإِمَّا مَنْفَعَةِ عَمَلِهِ.
وَالأُجْرَةُ إِنَّمَا تَكُونُ مُقَابِلَ هَذِهِ الـمَنْفَعَةِ الَّتِي سُلِّطَ عَلَيهَا العَقْدُ؛ وَلِهَذَا فَإِنَّ مَا يُسَمَّى بِدَرَجَاتِ الـمُوَظَّفِينَ، أَيْ مَا يُقَدَّرُ مِنْ أَجْرٍ لِلمُوَظَّفِينَ لَا يَكُونُ حَسَبَ الشَّهَادَةِ، وَلَا حَسَبَ الـمَعْلُومَاتِ، وَإِنَّمَا تَكُونُ حَسَبَ الشَّخْصِ نَفْسِهِ إِذَا كَانَ يَقُومُ بِعَمَلِهِ بِجِسْمِهِ كَالخَادِمِ، أَوْ حَسَبَ مَنْفَعَةِ عَمَلِهِ إِنْ كَانَ يَقُومُ بِهِ بِعِلْمِهِ وَخِبْرَتِهِ كَالـمُهَنْدِسِ، وَلَا يَكُونُ غَيرَ ذَلِكَ. لِأَنَّ هَذَا هُوَ الـمُنْطَبِقُ عَلَى التَّعْرِيفِ.
ثانيا: المادة 156: دَلِيلُهَا مَا وَرَدَ فِي دَلِيلِ الـمَادَّةِ الثَّالِثَةِ وَالخَمْسِينَ وَمِائَةٍ، وَهُوَ قَولُهُ r : «مَنْ تَرَكَ مَالاً فَلِوَرَثَتِهِ، وَمَنْ تَرَكَ كَلًّا فَإِلَيْنَا». (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيرَةَ)، وَالكَلُّ: الضَّعِيفُ وَهُوَ يَشْمَلُ الفَقِيرَ، وَيَشْمَلُ كُلَّ عَاجِزٍ، وَيَشْمَلُ ذَوِي العَاهَاتِ. وَقَولُ الرَّسُولِ r : «وَمَنْ تَرَكَ دَيْناً أَوْ ضَيَاعًا فَلْيَأْتِنِي فَأَنَا مَوْلاَهُ». (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ) فَإِنَّهُ يَشْمَلُ كُلَّ ضَيَاعٍ مِنْ فَقِيرٍ، وَعَاجِزٍ، وَذِي عَاهَةٍ، وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ.
ثالثا: المادة 157: دَلِيلُهَا آيَةُ الحَشْرِ، وَهِيَ قَولُهُ تَعَالَى: (كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ). (الحشر 7) فَعَلَّلَ إِعْطَاءَ فَيءَ بَنِي النَّضِيرِ لِلمُهَاجِرِينَ دُونَ الأَنْصَارِ، مَعَ أَنَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ كَافَّةً، وَلَـمْ يُعْطَ مِنَ الأَنْصَارِ أَحَدٌ سِوَى رَجُلَينِ كَانَا فَقِيرَينِ كَالـمُهَاجِرين، وَهُمَا أَبُو دُجَانَةَ، وَسَهْلُ بْنُ حَنِيفٍ، ذَكَرَ هَذَا البَيهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ الكُبْرَى، وَابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ. عَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ حَتَّى لَا يَتَدَاوَلَهُ الأَغْنِيَاءَ فَقَطْ. وَهَذِه عِلَّةٌ شَرعِيَّةٌ تَدُورُ مَعَ الـمَعْلُولِ وُجُودًا وَعَدَمًا؛ وَلِهَذَا فَكُلَّمَا وُجِدَ التَّفَاوُتُ كَانَ عَلَى الخَلِيفَةِ أَنْ يُوجِدَ التَّوَازُنِ عَمَلًا بِـهَذِهِ الآيَةِ؛ لِأَنـَّهَا مُعَلَّلَةٌ مِنْ جِهَةٍ، وَلِأَنَّ لَفْظَهَا عَامٌّ وَلَو كَانَ سَبَبُهَا خَاصًّا، إِذِ القَاعِدَةُ الشَّرعِيَّةُ هِيَ: (العِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ، لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ) وَلِذَلِكَ تَنْطَبِقُ فِي كُلِّ وَقْتٍ.
رابعا: المادة 158: الفقرة (أ) دَلِيلُهَا أَنَّ اللهَ جَعَلَ أَمْوَالَ بَنِي النَّضِيرِ لِلنَّبِيِّ r يَضَعُهَا حَيثُ يَشَاءُ، وَالرَّسُولُ r خَصَّ بِـهَا الـمُهَاجِرِينَ دُونَ الأَنْصَارِ، وَلَـمْ يُعْطِ مِنَ الأَنْصَارِ سِوَى رَجُلَينِ، وَأَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِنَ الفَيءِ، وَمِثْلُ الفَيءِ بَقِيَّةُ الأَمْوَالِ الَّتِي هِيَ مِنَ الـمَوَارِدِ الثَّابِتَةِ كَالخَرَاجِ؛ لِأَنَّهَا مِمَّا جُعِلَ مَصْرِفُهُ مَوكُولًا لِرَأْيِ الإِمَامِ وَاجتِهَادِهِ، اللَّهُمَّ إِلَّا مَا جَاءَ النَّصُّ مُبَيِّنًا مَصْرِفَهُ كَمَصَارِفِ الزَّكَاةِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ تُصْرَفَ إِلَّا فِيمَا وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ. وَهَذَا فَقَطْ فِي الـمَوَارِدِ الثَّابِتَةِ، أَمَّا الأَمْوَالُ الَّتِي تُـجْمَعُ ضَرَائِبَ مِنَ الـمُسْلِمِينَ فَلَا يُعْطَى مِنْهَا لِأَنَّ النَّصَّ عَلَى الفَيءِ، وَيُقَاسُ عَلَيهِ الـمَالُ الَّذِي مِثْلُهُ وَهُوَ الـمَوَارِدُ الثَّابِتَةُ.
وأما الفقرة (ب) فَإِنَّ دَلِيلَهَا فِعْلُ الرَّسُولِ r بِإِقْطَاعِهِ الأَرَاضِي. عَنْ عَمْرٍو بْنِ حُرَيثٍ قَالَ: «خَطَّ لِي رَسُولُ اللهِ r دَارًا بِالْمَدِينَةِ بِقَوْسٍ وَقَالَ: أَزِيدُكَ أَزِيدُكَ». (أَخرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَحَسَّنَهُ). وَفِي الحَدِيثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الزَّينُ، وَأَخْرَجَهُ البَيهَقِيُّ، كِلَاهُمَا مِنْ طَرِيقِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللهِ r أَقْطَعَهُ أَرْضًا، قَالَ: فَأَرْسَلَ مَعِي مُعَاوِيَةَ أَنْ أَعْطِهَا إِيَّاهُ، أَوْ قَالَ أَعْلِمْهَا إِيَّاهُ». وَقَدْ «سَأَلَ تَمِيمُ الدَّارِيُّ رَسُولَ اللهِ r أَنْ يُقْطِعْهُ عَيْنُونَ، البَلَدِ الَّذِي كَانَ مِنْهُ بِالشَّامِ قَبْلَ فَتْحِهِ، وَهُوَ مَدِينَةُ الْخَلِيلِ، فَأَقْطَعَهُ إِيَّاهَا r ». (أَخْرَجَهُ أَبُو عُبَيدٍ فِي الأَمْوَالِ وَأَبُو يُوسُفَ فِي الخَرَاجِ). وَدَلِيلُهَا أَيْضًا مَا فَعَلَهُ عُمَرُ بِنُ الخَطَّاب ِرضي الله عنه مِنْ إِعْطَاءِ الفَلَّاحِينَ فِي العِرَاقِ مَالًا مِنْ بَيتِ الـمَالِ لِزِرَاعَةِ أَرَاضِيهِمْ، وَسَكَتَ عَنهُ الصَّحَابَةُ فَكَانَ إِجْمَاعًا.
وأما الفقرة (جـ) فَإِنَّ دَلِيلَهَا مَا جَـعَلَهُ اللهُ فِي مَالِ الزَّكَاةِ بِقَولِهِ: (وَالغَارِمِينَ). (التَّوبَةُ 60) وَقَولُ الرَّسُولِ r : «أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ، فَمَنْ تَرَكَ دَيْناً فَعَلَيَّ، وَمَنْ تَرَكَ مَالاً فَلِوَرَثَتِهِ». (أَخْرَجَهُ مُسْلِمُ مِنْ طَرِيقِ جَابِر)، وَجَعَلَ الشَّرْعُ مَالَ الفَيءِ يُنفِقُهُ الإِمَامُ بِرَأْيِهِ وَاجتِهَادِهِ وَمِنهُ سَدَادُ الدُّيُونِ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.