الجمعة، 27 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/29م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام (ح247): يمنع فتح المصارف منعاً باتاً، ولا يكون إلا مصرف الدولة، ولا يتعامل بالربا

بسم الله الرحمن الرحيم

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام

 ( ح247 ) : يمنع فتح المصارف منعاً باتاً، ولا يكون إلا مصرف الدولة، ولا يتعامل بالربا

 

 

 

الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ، وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ، وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ، وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ، والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ، خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ، الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ، وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ، فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ، وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ، وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ. 

 

أيها المؤمنون:

 

السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا: "بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ كِتَابِ نِظَامِ الِإسْلَامِ" وَمَعَ الحَلْقَةِ السَّابِعَةِ والأَربَعِينَ بَعْدَ المِائَتَينِ، وَعُنوَانُهَا: "يُـمْنَعُ فَتْحُ الـمَصَارِفِ مَنْعاً بَاتاً، وَلَا يَكُونُ إِلَّا مَصْرِفُ الدَّولَةِ، وَلَا يُتَعَامَلُ بِالرِّبَا". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الثَّلَاثِينَ بَعْدَ الـمِائَةِ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:

 

المادة 168: الصَّرفُ بَينَ عُمْلَةِ الدَّولَةِ، وَبَينَ عُمْلَاتِ الدُّوَلِ الأُخْرَى جَائِزٌ كَالصَّرْفِ بَينَ عُمْلَتِهَا هِي سَوَاءٌ بِسَوَاءٍ، وَجَائِزٌ أَنْ يَتَفَاضَلَ الصَّرفُ بَينَهُمَا إِذَا كَانَا مِنْ جِنْسَينِ مُخْتَلِفَينِ عَلَى شَرْطِ أَنْ يَكُونَ يَداً بِيَدٍ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ نَسِيئَةً. وَيُسْمَحُ بِتَغْيِيرِ سِعْرِ الصَّرْفِ دُونَ أَيِّ قَيدٍ مَا دَامَ الجِنْسَانَ مُختَلِفَينِ. وَلِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الرَّعِيَّةِ أَنْ يَشْتَرِيَ العُمْلَةَ الَّتِي يُرِيدُهَا مِنَ الدَّاخِلِ وَالخَارِجِ، وَأَنْ يَشْتَرِيَ بِـهَا دُونَ أَيِّ حَاجَةٍ إِلَى إِذْنٍ عُمْلَةً أَوْ غَيرَهُ.

 

المادة 169: يُـمْنَعُ فَتْحُ الـمَصَارِفِ مَنْعاً بَاتاً، وَلَا يَكُونُ إِلَّا مَصْرِفُ الدَّولَةِ، وَلَا يُتَعَامَلُ بِالرِّبَا، وَيَكُونُ دَائِرَةً مِنْ دَوَائِرِ بَيتِ الـمَالِ. وَيَقُومُ بِإِقْرَاضِ الأَمْوَالِ حَسَبَ أَحْكَامِ الشَّرعِ، وَبِتَسْهِيلِ الـمُعَامَلَاتِ الـمَالِيَّةِ وَالنَّقْدِيَّةِ.

 

وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ، يَا أُمَّةَ القُرآنْ، يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ، يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ، يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبّاً، وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيّاً وَرَسُولاً، وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجاً وَدُستُوراً، وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَاماً لِلْحَياَة، أَيُّهَا الـمُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ، فَوقَ كُلِّ أَرضٍ، وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ، يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ، أَيُّهَا الـمُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ. أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ، وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا، وَهَاتَانِ هُمَا الْـمَادَّتَانِ: الثَّامِنَةُ وَالسِّتُّونَ بَعْدَ الـمِائَةِ، وَالتَّاسِعَةُ وَالسِّتُّونَ بَعْدَ الـمِائَةِ. وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَذِهِ الـمَادَّةِ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:

 

أولا: المادة 168: دَلِيلُهَا قَولُهُ r : «وَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ وَالْفِضَّةَ بِالذَّهَبِ كَيْفَ شِئْتُمْ». ( رَوَاهُ البُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرَةَ ) . وعَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ أَنَّهُ قَالَ أَقْبَلْتُ أَقُولُ: مَنْ يَصْطَرِفُ الدَّرَاهِمَ؟ فَقَالَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ وَهُوَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَرِنَا ذَهَبَكَ ثُمَّ ائْتِنَا إِذَا جَاءَ خَادِمُنَا نُعْطِكَ وَرِقَكَ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: كَلاّ وَاللَّهِ لَتُعْطِيَنَّهُ وَرِقَهُ أَوْ لَتَرُدَّنَّ إِلَيْهِ ذَهَبَهُ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ: «الْوَرِقُ بِالذَّهَبِ رِباً إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ». ( أَخْرَجَهُ مُسْلِمُ ) .

 

bologh 16 9 2019

 

وَرُوِيَ أَنَّ البَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ وَزَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ كَانَا شَرِيكَينِ، فَاشْتَرَيَا فِضَّةً بِنَقْدٍ وَنَسِيئَةٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ r فَأَمَرَهُمَا: «أَنَّ مَا كَانَ بِنَقْدٍ فَأَجِيزُوهُ، وَمَا كَانَ بِنَسِيئَةٍ فَرُدُّوهُ». ( رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الـمِنْهَالِ ) ، وَأَخْرَجَ البُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي مُسْلِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الـمِنْهَالِ عَنِ الصَّرْفِ يَداً بِيَدٍ فَقَالَ:"اشْتَرَيتُ أَنَا وَشَرِيكٌ لِي شَيئاً يَداً بِيَدٍ، وَنَسِيئَةً، فَجَاءَنَا البَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ فَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ: فَعَلْتُ أَنَا وَشَرِيكِي زَيدُ بْنُ أَرْقَمَ وَسَأَلْنَا النَّبِيَّ r عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: «أَنَّ مَا كَانَ بِنَقْدٍ فَأَجِيزُوهُ، وَمَا كَانَ ِنَسِيئَةً فَرُدُّوهُ».  أَيْ هُمَا كَانَا صَرَّافِينَ.

 

فَهَذِهِ الأَحَادِيثُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الصَّرْفِ. وَهُوَ يَـجْرِي فِي الـمُعَامَلَاتِ الدَّاخِلِيَّةِ كَمَا يَـجْرِي فِي الـمُعَامَلَاتِ الخَارِجِيَّةِ، فَكَمَا يُسْتَبْدَلُ الذَّهَبُ بِالفِضَّةِ، وَالفِضَّةُ بِالذَّهَبِ مِنْ نَقْدِ البَلَدِ، فَكَذَلِكَ يُسْتَبْدَلُ النَّقْدُ الأَجْنَبِيُّ بِنَقْدِ البَلَدِ سَوَاءٌ أَكَانَ فِي دَاخِلِ البِلَادِ أَمْ فِي خَارِجِهَا، وَحِينَ يَجْرِي الصَّرْفُ بَينَ عُمْلَتَينِ مُـخْتَلِفَتَينِ يَكُونُ بَينَهُمَا فَرْقٌ يُسَمَّى سِعْرَ الصَّرفِ. فَسِعْرُ الصَّرْفِ هُوَ النِّسْبَةُ بَينَ وَزْنِ الذَّهَبِ الصَّافِي فِي عُمْلَةِ دَولَةٍ، وَوَزْنِ الذَّهَبِ الصَّافِي فِي عُمْلَةِ دَولَةِ أُخْرَى.

 

وَلِهَذَا تَجِدُ سِعْرَ الصَّرْفِ يَتَغَيَّرُ تَبَعاً لِتَغَيُّرِ هَذِهِ النِّسْبَةِ، وَتَبَعاً لِتَغَيُّرِ سِعْرِ الذَّهَبِ فِي البُلْدَان. وَتَنطَبِقُ أَحْكَامُ الصَّرفِ بَينَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ عَلَى النَّقْدِ الوَرَقِيِّ الحَالِيِّ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ  ( النَّقْدِيَّةِ وَالثَّمَنِيَّةِ )  مُتَوَفِّرَةٌ فِيهِ لِإِلْزَامِ قَانُونِ الدَّولَةِ التَّعَامُلَ النَّقْدِيَّ بِهِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ أَحَادِيثَ الصَّرْفِ قَدْ وَرَدَتْ فِي الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ كَأَسْمَاءِ جِنْسٍ، وَهَذِهِ لَا مَفْهُومَ لَـهَا، وَلَا يُقَاسُ عَلَيهَا، وَكَذَلِكَ وَرَدَتْ فِي النَّقْدِ الـمَضْرُوبِ: الدِّينَارِ، وَالدِّرْهَمِ، وَهَذِهِ يُسْتَنْبَطُ مِنْهَا عِلَّةُ  ( النَّقْدِيَّةِ )  أَيْ استِعْمَالُـهَا أَثْـمَاناً وَأُجُوراً فَيُقَاسُ عَلَيهَا. فَفِي حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ أَوسٍ السَّابِقِ أَنَّهُ كَانَ يَصْطَرِفُ الدَّرَاهِمَ، وَالدَّرَاهِمُ لَفْظٌ مُفْهِمٌ  ( لِلنَّقْدِيَّةِ ) .

 

وَعَلَيهِ فَمَا يَنْطَبِقُ عَلَى الصَّرْفِ بَينَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ مِنْ حَلَالٍ وَحَرَامٍ يَنْطَبِقُ عَلَى الصَّرْفِ بَينَ النُّقُودِ الوَرَقِيَّةِ الإِلْزَامِيَّةِ بِقَانُونِ الدُّوَلِ الحَالِيَّةِ، أَيْ أَنَّ الصَّرْفَ بَينَ الجِنْسِ الوَاحِدِ مِنْهَا يَـجبُ أَنْ يَكُونَ هاءً بِهَاءٍ، وَمِثْلاً بِـمِثْلٍ، وَالصَّرُفُ بَينَ الجِنْسَينِ الـمُخْتَلِفَينِ مِنْهَا يَـجبُ أَنْ يَكُونَ هَاءً بِهَاءٍ، وَلَكِنْ كَيَفَ شِئْتُمْ مِنْ حَيثُ السِّعْرِ بَينَ الجِنْسَينِ. وَالحُكْمُ الشَّرعِيُّ فِي سِعْرِ الصَّرْفِ أَنَّهُ مُبَاحٌ، وَلَا يُقَيَّدُ بِأَيِّ قَيدٍ، فَإِنَّ الصَّرْفَ مُبَاحٌ، وَكَذَلِكَ سِعْرُ الصَّرْفِ مُبَاحٌ، وَلِكُلِّ إِنْسَانٍ أَنْ يَشْتَرِيَ العُمْلَةَ الَّتِي يُرِيدُهَا بِالسِّعْرِ الَّذِي يُرِيدُهُ، وَكُلُّ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي دَلِيلِ إِبَاحَةِ الصَّرْفِ. وَهَذَا هُوَ دَلِيلُ هَذِهِ الـمَادَّةِ مِنْ إِبَاحَةِ الصَّرْفِ، وَإِبَاحَةِ تَغَيُّرِ سِعْرِهِ.

 

ثانيا: المادة 169: أَظْهَرُ أَعْمَالِ الـمَصْرِفِ ثَلَاثَةٌ هِيَ: مُعَامَلَاتُ الرِّبَا كَالسَّنَدَاتِ وَالاعتِمَادَاتِ، وَمُعَامَلَاتِ التَّحْوِيلِ كَالشِّيكَاتِ، وَمُعَامَلَةِ الأَمَانَاتِ. أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِـمُعَامَلَاتِ التَّحْوِيلِ وَالأَمَانَاتِ فَإِنَّهَا جَائِزَةُ شَرْعاً، وَدَلِيلُهَا أَدِلَّةُ الحِوَالَة، وَأَدِلَّةُ الأَمَانَةِ. فَيَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَفْتَحَ مَصْرِفاً يُشْغِّلُهُ بـِمُعَامَلَاتِ التَّحْوِيلِ وَالأَمَانَاتِ، وَمَا أَشْبَهَهَا مِنْ كُلِّ مَا هُوَ جَائِزٌ شَرْعاً كَمُعَامَلَاتِ الصَّرْفِ، وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ فَتْحُ مِثْلِ هَذَا الـمَصْرِفِ حَرَاماً، وَالـحَرَامُ إِنَّـمُا هُوَ البَنْكُ الَّذِي يَتَعَامَلُ بِالرِّبَا. وَلَكِنَّ هَذِه الـمُعَامَلَاتِ لَا تَأْتِي بِأَرْبَاحٍ كَبِيرَةٍ أَوْ أَرْبَاحُهَا لَا تُسَاعِدُ إِلَّا عَلَى فَتْحِ مَا يُشْبِهُ مَحِلَّاتِ الصَّرافِينَ فَقَطْ.

 

وَلَا يُـمْكِنُ أَنْ يَفْتَحَ الـمَرءُ بِـهَا مَصْرِفاً  ( بَنْكاً )  لِعَدَمِ كِفَايَةِ مَا يَرْبَحُ مِنْهَا لِفَتْحِهِ؛ لِأَنَّ أَرْبَاحَ التَّحْوِيلِ وَالأَمَانَاتِ، وَأَرْبَاحَ مُعَامَلَاتِ الصَّرْفِ أَرْبَاحٌ زَهِيدَةٌ جِدّاً إٍلَى جَانِبِ أَرْبَاحِ الرِّبَا، وَالأَرْبَاحُ الكَبِيرَةُ إِنَّـمَا هِيَ الأَرْبَاحُ الَّتِي يُسْتَثْمَرُ فِيهَا الـمَالُ بِمُعَامَلَاتِ الرِّبَا، فَتِلْكَ هِيَ الَّتِي تَسْتَثْمِرُ الـمَالَ استِثْمَاراً مُرْبِحاً، وَلِذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى أَنْ تَكْفِي أَرْبَاحُ الحِوَالَاتِ، وَالأَمَانَاتِ، وَمُعَامَلَاتِ الصَّرْفِ لِفَتْحِ مَصَارِفَ  ( بُنُوك )  بِمَدْلُولِهَا كَمَا هُوَ وَاقِعٌ اليَومَ فِي العَالَمِ، وَإِنَّـمَا تَكْفِي لِفَتْحِ مَحِلَّاتٍ مَحُدُودَةِ العَمَلِ كَمَحَلَّاتِ الصَّرَافِينَ، وَهَذِهِ لَا يَنْطَبِقُ عَلَيهَا وَاقِعُ  ( البُنُوكِ )  الـمَعْرُوفِ، وَلِهَذَا لَا يَتَأَتَّى فَتْحُ الـمَصْرِفِ  ( البَنْكِ )  إِلَّا بِمُعَامَلَاتِ الرِّبَا، وَالـمَصْرِفُ  ( البَنْكُ )  إِنَّمَا يُفْتَحُ لِـمُعَامَلَاتِ الرِّبَا، وَالرِّبَا حَرَامٌ بِنَصِّ القُرآنِ القَطْعِيِّ: قَالَ تَعَالَى  ( وَحَرَّمَ الرِّبَا ) . ( البَقَرَة 275 )  وَلِذَلِكَ كَانَ فَتْحُ الـمَصْرِفِ  ( البَنْكِ )  بِمَدْلُولِهِ الـمَعْرُوفِ حَرَاماً.

 

إِلَّا أَنَّهُ لَـمَّا كَانَ الإِقْرَاضُ مُبَاحاً إِبَاحَةً مُطْلَقَةً لِقَولِ الرَّسُولِ r : «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُقْرِضُ مُسْلِماً قَرْضاً مَرَّتَيْنِ إِلاَّ كَانَ كَصَدَقَتِهَا مَرَّةً». ( أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَه مِنْ طَرِيقِ عَبدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه )  وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r : «رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ مَكْتُوباً: الصَّدَقَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَالْقَرْضُ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، مَا بَالُ الْقَرْضِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ؟ قَالَ: لأَنَّ السَّائِلَ يَسْأَلُ وَعِنْدَهُ، وَالْمُسْتَقْرِضُ لا يَسْتَقْرِضُ إِلاَّ مِنْ حَاجَةٍ». ( أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَه ) .

 

وَلَـمَّا كَانَتِ الوَدَائِعُ مُبَاحَةً كَذَلِكَ لِقَولِهِ تَعَالَى:  ( إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا ) .  ( النساء 58 )  وقال:  ( فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ ) .  ( البقرة 283 )  وَقَولِهِ r : «أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ، وَلا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ».  ( أَخْرَجَهُ التِّرمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيرَةَ رضي الله عنه، وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ ) .

 

وَقَدْ رُوِيَ عَنهُ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «أَنَّهُ كَانَتْ عِنْدَهُ وَدَائِعُ، فَلَمَّا أَرَادَ الهِجْرَةَ أَوْدَعَهَا عِنْدَ أُمِّ أَيْمَنَ، وَأَمَرَ عَلِيّاً أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى أَهْلِهَا». أَوْرَدَهُ ابنُ قُدَامَةَ فِي الـمُغْنِي. وَلَـمَّا كَانَتِ الحِوَالَةُ مُبَاحَةً لِقَولِهِ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ».  ( أَخْرَجَهُ مُسْلِمُ وَأَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ بِلَفْظ "مَلِيٍّ" بَدَلَ "مَلِيءٍ" ) . وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ بِلَفْظِ: «وَمَنْ أُحِيلَ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَحْتَلْ».

 

لَـمَّا كَانَتْ هَذِهِ الـمَعُامَلَاتُ الثَّلَاثُ الَّتِي يَقُومُ بِـَها البَنْكُ جَائِزَةً شَرْعاً، وَالـمُحَرَّمُ فِيهَا إِنَّـمَا هُوَ أَخْذُ رِباً عَلَى القَرْضِ، وَ  ( البَنْكُ )  لَا يُـمْكِنُ أَنْ يُفْتَحَ وَيَشْتَغِلَ إِلَّا بِالرِّبَا، لِذَلِكَ كَانَ لَا بُدَّ مِنْ تَوفِيرِ ذَلِكَ لِلنَّاسِ دُونَ رِباً. إِذْ قَدْ أَصْبَحَ مِنْ مَصَالِـحِ النَّاسِ، وَمِنْ هُنَا كَانَ عَلَى الدَّولَةِ أَنْ تَفْتَحَ مَصْرِفاً كَفَرْعٍ مِنْ فُرُوعِ بَيتِ الـمَالِ، يَقُومُ بِهَذِهِ العَمَلِيَّاتِ الثَّلَاثِ: الحِوَالَاتِ، وَالأَمَانَاتِ، وَمُعَامَلَاتِ الصَّرْفِ والإقراض حَسَبَ رَأْيِ الإِمَامِ وَاجْتِهَادِهِ، لِأَنَّهَا مِنَ الـمُبَاحَاتِ الَّتِي تَجْرِي رِعَايَةُ الشُّؤُونِ فِيهَا حَسَبَ رَأْيِ الإِمَامِ وَاجتِهَادِهِ، فَكَانَ هَذَا دَلِيلاً عَلَى فَتْحِ الدَّولَةِ لِـمَصْرِفٍ يَقُومُ بِقَضَاءِ مَصَالِـحِ النَّاسِ.

 

أيها المؤمنون:

 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع