الأربعاء، 25 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/27م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول (ح 8) الميول هي دوافع الإشباع مربوطة بالمفاهيم

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول

(ح 8)

الميول هي دوافع الإشباع مربوطة بالمفاهيم

 

 

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين. أما بعد:

 

أيها المؤمنون:

 

 

أحبتنا الكرام:

 

السَّلَامُ عَلَيكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وبركاتُه، وَبَعْد: نُواصِلُ مَعَكُمْ حَلْقَاتِ كِتَابِنَا: "وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول". وَمَعَ الحَلْقَةِ الثامِنَةِ، وَهِيَ بِعُنْوَانِ: "الميول هي دوافع الإشباع مربوطة بالمفاهيم".

 

يقول الشيخ تقي الدين النبهاني - رحمه الله -: "أما الميول فهي الدوافع التي تدفع الإنسان للإشباع مربوطة بالمفاهيم الموجودة لديه عن الأشياء التي يُراد منها أن تشبع. وتحدثها عند الإنسان الطاقة الحيوية التي تدفعه لإشباع غرائزه وحاجاته العضوية، والربط الجاري بين هذه الطاقة وبين المفاهيم. وهـذه الميول وحدها أي الدوافع مربوطة بالمفـاهيم عن الحياة هي التي تكوّن نفسية الإنسان. فالنفسية هي الكيفية التي يجري عليها إشباع الغرائز والحاجات العضـوية. وبعبارة أخرى هي الكيفية التي تربط فيها دوافع الإشـباع بالمفـاهيم. فهي مزيج من الارتباط الحتمي الذي يجري طبيعيًا في داخل الإنسان بين دوافعه والمفاهيم الموجودة لديه عن الأشياء مربوطة بمفاهيمه عن الحياة".

 

ونقول راجين من الله عفوه ومغفرته ورضوانه وجنته: خلق الله الإنسان، وأودع فيه الميول لإشباع غرائزه، وحاجاته العضوية، وهنا تبرز عدة أسئلة:

 

السؤال الأول: ما نعني بالميول؟ وكيف تتكون؟ وجوابه أن الميول: هي الدوافع التي تدفع الإنسان للإشباع مربوطة بالمفاهيم، أما كيف تتكون هذه الميول؟ فجوابه الآتي: إن مفاهيم الإنسان وميوله مربوطة بوجهة نظره في الحياة أي مربوطة بالمبدأ أو العقيدة التي يؤمن بها، فالمسلم مقياسه في الحياة الحلال والحرام، وأصحاب المبادئ الأخرى مقياسهم المنفعة المادية البحتة.     

 

والسؤال الثاني: الذي يبرز الآن هو: ماذا نعني بنفسية الإنسان؟ ومم تتكون هذه النفسية؟ وجواب الشق الأول من السؤال هو الآتي: أما النفسية فقد وضع لها الشيخ تقي الدين النبهاني- رحمه الله - تعريفات ثلاث:

 

  1. هي الكيفية التي يجري عليها إشباع الغرائز والحاجات العضـوية.
  2. هي الكيفية التي تربط فيها دوافع الإشـباع بالمفـاهيم.
  3. هي مزيج من الارتباط الحتمي الذي يجري طبيعيًا في داخل الإنسان بين دوافعه والمفاهيم الموجودة لديه عن الأشياء مربوطة بمفاهيمه عن الحياة.

 

أما الشق الثاني وهو: مم تتكون النفسية؛ فجوابه أنها تتكون من الربط الجاري بين الطاقة الحيوية، والغرائز، والميول، والحاجات العضوية الناتجة عن الطاقة الحيوية، ودوافع إشباعها من جهة، وبين المفاهيم عن الحياة المبنية على العقيدة أو المبدأ الذي يؤمن صاحب الشخصية من جهة أخرى.  

 

والسؤال الثالث: الذي يبرز الآن هو: هلا أوضحتم لنا بمثال من واقع الحياة مسألة ارتباط مفاهيم الإنسان وميوله بوجهة النظر في الحياة أي بالعقيدة والمبدأ الذي يؤمن به؟ للإجابة نقول: حبًا وكرامة، فمثلا دفع الجوع أحد الأشخاص المسلمين إلى تناول الطعام، فاشترى طعامًا بمال حصل عليه من تعبه، وعرق جبينه من خلال عمله أجيرًا في مصنع للمواد الغذائية، والمفهوم الموجود لدى هذا الشخص أن أخذ الأجير أجرة على عمله هو من مصادر الكسب المشروعة في الإسلام. فهذا الميل ميل إسلامي مربوط بمفهوم إسلامي.

 

وفي هذا المقام تحضرني قصة حدثت مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه، أتى له خادمه بطبق من تمر، فتناول تمرة ووضعها في فمه وأكلها، فقال الخادم: أتدري من أين هذا التمر يا أبا بكر؟ قال له: من أين أتيت به؟ قال الخادم: كنت في الجاهلية - قبل أن أسلم - قد تنبأت لصديق لي تزوج بأنه سيرزق ولدا، واليوم تحققت نبوءتي فآتاني هذا الطبق من التمر!! فما كان من أبي بكر إلا أن وضع أصبعه في فمه، وقاء ما في معدته، فقال له الخادم: إنما هي تمرة!! فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: "والله لو لم تخرج هذه التمرة إلا بخروج روحي لأخرجتها!!". لقد عدَّ أبو بكر الصديق الحصول على طبق التمر بهذه الطريقة التي هي ادعاء علم الغيب من الكسب غير المشروع في الإسلام فقد تعلم أبو بكر - رضي الله عنه - في مدرسة النبوة أن كل لحم نبت في جسم الإنسان من المال الحرام فإنما هو سحت، ونار جهنم أولى به. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به». (رواه الإمام أحمد في ‏‏مسنده)    

 

ومن وجهة نظرنا الإسلامية نرى أن الإِنْسَانَ وهُوَ سَائِرٌ في الحَيَاةِ لا بُدَّ لَهُ مِنْ نِظَامٍ يُنَظِّمُ غَرَائِزَهُ وحاجاتِهِ العُضْوِيَّةَ، ولا يَتَأَتَّى هَذَا النِظَامُ مِنَ الإِنْسَانِ، وَلا بُدَّ حَتْمًا مِنَ أَنْ يَكَوْنَ مِنَ اللهِ تَعَالَى لِثَلاثَةِ أسبَابٍ:

  1. لِعَجْزِ الإِنسَانِ، وعَدَمِ إِحَاطَتِهِ.
  2. ولأَنَّ فَهْمَ الإِنسَانِ لِهَذَا التَنْظِيمِ عُرْضَةٌ لِلتَّفَاوُتِ والاخْتِلافِ والتَنَاقُضِ.
  3. ولأَنَّ تَنظِيمَ الإِنسَانِ يُنْتِجُ النِظَامَ المتُنَاقِضَ الـمُؤَدِّيَ إِلَى شَقَائِهِ.

وأما السؤال الرابع فهو: ماذا نعني بالطاقة الحيوية؟ وجوابه أن الطاقة الحيوية هي القوة والقدرة الموجودة في جسم الإنسان الحي، والطاقة الحيوية هي التي تحدث الميول التي تدفع الإنسان لإشباع غرائزه وحاجاته العضوية.

 

أما السؤال الخامس فهو: ماذا نعني بالغرائز، والحاجات العضوية؟ وجوابه أن الغرائز الأساسية ثلاثة هي:

  1. غريزة التدين: ومن مظاهرها الميل إلى تقديس قوة عظمى.
  2. غريزة النوع: ومن مظاهرها الميل الجنسي من الذكر إلى الأنثى ومن الأنثى إلى الذكر.
  3. غريزة البقاء: ومن مظاهرها حب التملك.

وأما الحاجات العضوية، فنعني بها الحاجات التي تحتاجها أعضاء جسم الإنسان؛ لتقوم بوظيفتها على الوجه الذي خلقت له؛ ولكي يبقى الإنسان حيًا، ويؤدي دور الاستخلاف في الأرض. ومن هذه الحاجات العضوية: حاجة جسم الإنسان إلى الهواء من أجل التنفس، وحاجته إلى الماء للشرب، وحاجته إلى الغذاء، وحاجته إلى الكساء، وحاجته إلى الإيواء أي إلى المسكن الذي يعيش فيه هو وأفراد أسرته. وهناك حاجات أخرى ضرورية يحتاجها الإنسان كي يعيش حياته في أمن، وطمأنينة، كحاجته إلى الأمن، وإلى التعليم، وإلى خدمة الطبيب، وخدمات أخرى غيرها، وحاجته إلى مصدر دخل يكتسب منه رزقه؛ ليشتري به قوته وقوت أهله، وينفق منه على نفسه وعياله.

 

ولأجل ذلك كله اعتنى الإسلام بتزكية النفس، وتطهيرها، ونهيها عن اتباع الهوى، والانسياق وراء الملذات، والشهوات، وقد جاءت الآيات القرآنية بالأمر بتزكية النفس وتهذيبها، قال الله تعالى: (قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى). وقال سبحانه (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها).

 

يقول ابن كثير رحمه الله في هذه الآيات: قد أفلح من زكى نفسه أي بطاعة الله كما قال قتادة، وطهرها من الرذائل والأخلاق الدنيئة، كقوله تعالى: (قد أفلح من تزكى) (وقد خاب من دساها) أي دسسها، وأخملها - أي جعلها كسولة خاملة - ووضع منها - أي حط من قدرها - بخذلانه إيّاها عن الهدى حتى ركب المعاصي، وترك طاعة الله عز وجل. قال الشاعر:

 

خالف النفس والشيطان واعصهما ... وإن هما محضاك النصح فاتهم

 

وقد ذكر القرآن ثلاثة أنواع للنفس البشرية باعتبار صفاتها:

 

فالنفس المطمئنة: هي التي قد سكنت إلى ربها وطاعته وأمره، فاطمأنت إلى محبته وعبوديته وذكره، واطمأنت إلى لقائه ووعده، واطمأنت إلى قضائه وقدره، واطمأنت إلى ضمانه وكفايته وحسبه، وأنه لا غنى لها عنه طرفة عين.

 

وأما اللوامة: فهي النفس اللؤوم التي تُنَدِّم على ما فات وتلوم عليه. كما قال ابن عباس وقتادة. وأما الأمارة: فهي التي تأمر صاحبها بما تهواه من شهوات الغي واتباع الباطل؛ فإن أطاعها قادته إلى كل شر وقبيح، ولم تكن أمارة إلا بموجب الجهل والظلم لأنها خلقت في الأصل جاهلة ظالمة والعدل والعلم طارئ عليها بِإِلْهَامِ فاطرها. فلولا فضل الله ورحمته على المؤمنين ما زكت منهم نفس واحدة.

 

أيها المؤمنون:

 

 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِمًا، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فِي القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.

آخر تعديل علىالأربعاء, 29 آذار/مارس 2023

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع