مختصر السيرة النبوية العطرة

ح 180

السنة الرابعة للهجرة - وقفة عند غزوة ذات الرقاع (5)

اسم الغزوة بحد ذاته يُذكر بمدى معاناة الصحابة الكرام، ومكابدتهم في سبيل نشر هذا الدين، والدفاع عنه، فقد بلغ فقرهم لدرجة عدم الاستطاعة لتأمين لباس الحرب، وأسلحتها، فما لبثوا أن بليت نعالهم، وتأذت أقدامهم، وكل هذا لم يكن ليُقعدهم عن الجهاد، ولا ليعتذروا به عنه.

أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طراز خاص من البشر: فلعل الله عز وجل أثابهم على معاناتهم، فكفاهم القتال، وقذف الرعب في قلوب أعدائهم. إننا لنعجب من المسلمين الذين ربتهم يد النبوة إذ كانوا يفتقرون إلى العتاد حتى يلفوا الخرق على أصابعهم، وتتساقط أظفارهم، ويفقدون الطعام، ورغم ذلك كله ينتصرون في المعارك. إنها قوة الإيمان، ووضوح الهدف، والرغبة في مرضاة الله تبارك وتعالى، والشوق إلى الجنة، وحب رسول الله ﷺ، والتصديق بالآخرة. فإن كنا نسمع عن الإنجاز، فأصحاب رسول الله ﷺ هم أهله، وإن كنا نسمع عن تحدي الظروف الصعبة، فأصحاب رسول الله ﷺ هم رواده، وإن كنا نسمع عن التصميم للوصول إلى الهدف فأصحاب رسول الله ﷺ هم صُنَّاعُه. فيا فخرنا، وعزنا بأجدادنا، رضوان الله عليهم أجمعين!! 

تشريع صلاة الخوف: لم يشأ الله أن يحرم عباده الوقوف بين يديه حتى أثناء الحرب، فشرّع لهم ذلك التشريع؛ لتغسل أرواحهم بالنور، وليشعروا بعون الله، وعطائه، والصلة به حتى وهم في وهج القتال. يا مسلم، يا عبد الله لا يسقط حق الله على عبده حتى في أحلك الظروف:

• ألم يُنعم عليك، فسواك في أحسن تقويم؟
• ألم يُحسن إليك فقدر لك أياماً بأفضل تقدير؟
• ألم يتفضَّل عليك فشرع لك حياة بأعظم تشريع؟
• والله إن حركة قدميك، وبطشة يديك، ورفة عينيك بيده وحده، وتنشغل عنه؟
• أين أنت من الله؟ وأين كلمة الله في حياتك؟
• لا تجعلها آخر همك، فتهون على الله كما هان عليك أمره.
• ابدأ من الآن، ابدأ بالله أكبر، وسيكون الله أكبر من همك، وضعفك، وحزنك، وسيفرجها عنك.

أهمية الصلاة: إن منزلة الصلاة في الإسلام كمنزلة الرأس من الجسد، وهي عماد الدين، وهي دواء لروح المسلم، وطاعة تعينه على سيره في دروب الحياة، وهي مكفرة للذنوب، ومطهرة من الفحشاء، ومتثبتة للإيمان، ومهذبة للنفس. ففي الصلاة تفريج الكروب، فقد كان رسول الله ﷺ إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، فكانت سبب سعادته حتى قال: «جعلت قرة عيني في الصلاة».

والصلاة هي وقود الحب الإلهي، ولطالما كانت سبيل المحبين، والصلاة هي ميزانٌ حسَّاسٌ جداً لأحوال المؤمن مع ربه. وإن العارفين بالله ليؤكدون أن فوات الصلاة هي عقوبة على الذنب، وإن النوافل يخسرها المسلم بالذنوب الصغيرة، ويخسر الفرائض بالذنوب الكبيرة، فلا تحرم نفسك منها. استعن على نوائب الحياة ومشاقها بالوقوف بين يدي الله، سنقف جميعاً هذه الوقفة عاجلاً أم آجلاً، فلنقفها حباً، وشوقاً، وطاعةً من عبد ضعيف لرب عظيم، فكما قال رسول الله ﷺ: «لا خير في دين لا صلاة فيه».

ومع قصة زواج النبي صلى الله عليه وسلم من السيدة زينب بنت جحش - رضي الله عنها - بأمر من الله تعالى؛ وذلك لبيان حكم شرعي... هيا بنا نتابع وصلوا، وسلموا على هادي الأممِ سيدنا محمَّدٍ الأمينِ، قائدِ الغرِّ المُحجَّلين ... اللهم أوردنا حوضه، واسقنا بيده الشريفة شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبداً، وارزقنا شفاعته!!

اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمَّد وعلى آله وصحبه صلاة يزكو فيها العمل، ونبلغ بها غاية الأمل.

وَصَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّنَا، وَحَبِيبِنَا، وَعَظِيمِنَا، وَقَائِدِنَا، وَقُدْوَتِنَا، وَقُرَّةِ أَعْيُنِنَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَالسَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير الأستاذ محمد النادي